كيڤن كوستنر رهن أملاكه ليصنع ملحمة عن الغرب الأميركي

سيعرض مهرجان ڤينيسيا الجزء الثاني من فيلمه الجديد

فيلم «أفق: ملحمة أميركية-1» (نيولاين سينما)
فيلم «أفق: ملحمة أميركية-1» (نيولاين سينما)
TT

كيڤن كوستنر رهن أملاكه ليصنع ملحمة عن الغرب الأميركي

فيلم «أفق: ملحمة أميركية-1» (نيولاين سينما)
فيلم «أفق: ملحمة أميركية-1» (نيولاين سينما)

أضاف مهرجان «ڤينيسيا» فيلماً آخر فوق العدد الكبير من الأفلام التي سيعرضها في دورته الـ81 التي ستقع ما بين 28 من أغسطس (آب) و9 سبتمبر (أيلول) المقبل.

الفيلم هو (Horizon‪:‬ An American Saga‪-‬ Part 2) للمخرج والممثل كيڤن كوستنر. بذلك، يوفر المهرجان الإيطالي فرصة ثانية لكوستنر لكي يعرض السبب الذي من أجله باع بعض ممتلكاته الشخصية (رهن منازله الأربعة) لكي يدعم تمويل الفيلم الذي قامت شركة نيو لاين سينما (تتبع وورنر) بتوزيعه.

ملحمة رباعية

الفرصة المتاحة هنا متعددة الجوانب. من ناحية أولى، هو انعكاس لرغبة مهرجان «ڤينيسيا» توفير المناسبة نفسها التي وفّرها في ربيع العام الحالي مهرجان «كان» عندما عرض الجزء الأول. من ناحية ثانية، سيرمي المخرج لتصويب هدفه على النقاد الذين استقبلوا ذلك الجزء الأول بفتور.

الواقع هو أن الجزء الأول لم يكن سوى تمهيد لثلاثة أجزاء لاحقة. وضع الأساس على خريطة مكانية لأكثر من حدث وشخصية. الجزء الثاني سيواصل سرد حكايات بعض الشخصيات التي صاغها الجزء الأول. وهو جزء جاهز للعرض إذ صُوّر مباشرة بعد الجزء الأول.

«رقصات مع الذئاب» (تيغ برودكشنز)

الجزء الثالث هو أيضاً قيد التنفيذ، لكنه لم يتّخذ بعد الصيغة النهائية بانتظار معرفة ما سيؤول إليه الجزء الثاني بعد الفشل التجاري للجزء الأول. أما الجزء الرابع فهو مجمّد حالياً تبعاً للأسس نفسها.

وكانت شركة نيولاين سحبت الجزء الثاني من جدولته التي كان من المنتظر لها أن تُعرض تجارياً في هذا الشهر نتيجة أن الجزء الأول أُنجز أقل بكثير مما كان متوقعاً له. كان كلّف نحو 35 مليون دولار وجلب ما يقارب ذلك المبلغ من خلال عروضه العالمية. مبدأ الشركة مفهوم: لماذا عليها أن تدفع الفيلم الثاني لانتحار تجاري إذا ما كان الجمهور قليل الاكتراث؟ هذا لأن استعادة الميزانية شيء وإنجاز الربح الذي سيتوزّع ما بينها وبين صالات السينما والأسهم التي اشتراها كوستنر لقاء أجره شيء آخر.

حكايات تلتقي

ربما مشكلة الفصل الأول هي أنه تمهيدي أكثر منه قصّة واحدة محورها ثابت يتقدّم على خط معيّن ليصل إلى نتيجة. لكن الأهم من هذه المشكلة أن كوستنر يهدف إلى تحقيق ملحمة عن الغرب الأميركي ولم يكن من الممكن له تحقيقها في 8 ساعات من العرض المتواصل. كان عليه أن يختار بين فيلم من ساعتين أو ثلاثة أو تقسيم المشروع إلى أربعة أجزاء لكي يستوعب عبرها جميعاً تلك النظرة البانورامية التي يرغب في إلقائها على نشوء الغرب الأميركي في معالجة واقعية ونبرة تأملية.

حكاية الجزء الأول مسرودة في لوحات بصرية تتأمل قبل أن تتحرك. مثل مخرجين كبار آخرين، ولو بأسلوب عمل مختلف، يتأمل كوستنر مشهده ويتأنّى. غربه الأميركي مؤلّف من تلك البصريات التي تتقدّم الحدث. نتعرّف على المكان ونحس بأجوائه ونلم بطبيعته قبل أن نرى ما يقع فيه.

حكايات كوستنر في هذا الفصل الأول من رباعيّته تتبدّى تدريجياً: نازحون بيض يبغون بناء مستقبلهم فوق أرض ليست لهم من دون أن يخترقوا قوانين ما. إنها أرض مفتوحة لمن يستطيع أن يبني فوقها بيته. لا عقود ولا ضرائب ولا عمليات تسجيل فورية. فوق الهضبة ربض محاربو إحدى القبائل يتابعون ما يقوم به الأب وابنه مدركين ما يعنيه كل ذلك. لحظات وتنتقل الكاميرا إلى جثتين تركهما محاربو الأباتشي.

حين يدرك البيض القريبين ما حدث يدعون إلى الانتقام. لن يتابع الفيلم طويلاً هذه الدعوة ربما لأنه سيعود إليها لاحقاً في الجزء المقبل؛ لكنه سيعمد إلى حكايات منفصلة أكثر مما هي متصلة، ولو أنها تلتقي هنا وتفترق هناك. كوستنر في دور رجل بلا أصدقاء تصاحبه فتاة (آبي لي) كانت تعمل في بيت عاهرات لتعيش. حين يحاول أحدهم الاعتداء عليها يقتله، ومن ثَمّ يحاول وإياها تحاشي مطاردة شقيقي القتيل. هذا الوضع يواكب وضعاً آخر لقافلة من المهاجرين الذين بدأوا يتوافدون على ذلك الغرب المفتوح ككتاب. قائد القافلة (لوك ويلسون) يحاول تثبيت النظام وردع بعض المرتحلين عن التحرش بامرأة بريطانية متزوّجة من رجل أضعف من أن يصد تحرشاتهم.

كوستنر والوسترن

إذا كانت المشكلة الأولى هي صعوبة إيجاز ملحمة في ساعتين أو ثلاثة وصعوبة نجاحها إذا ما قُسّمت إلى أربعة أجزاء (لا ننسى أنه فيلم وسترن وليس «هاري بوتر» أو «لورد أوف رينغز») فإن المشكلة الثانية هي أن اعتماد كوستنر على معالجة هادئة تحمل مضامينها مغلّفة بالأجواء والأبعاد جاء رتيباً بلا إثارة فعلية في أكثر من موقع. حرم الجمهور من التمتع بطاقة تشبه، مثلاً تلك التي حققها لورانس كازدان عندما أخرج «سلڤيرادو» سنة 1985. كوستنر كان أحد أبطال ذلك «الوسترن» وكاتبه والمخرج كازدان أحد كاتبي السيناريو لهذا الفيلم.

على أن هذه المشكلة ليست من النوع الفني، بل تتعلق بمعالجة الدراما ضمن معطيات قابلة للتحقيق من دون أن تضطر للتنازل. وكوستنر عبر هذا الفيلم يؤكد ولهه بالغرب الأميركي وتاريخه (صرّح بأنه يحقق هذا الفيلم لكي يعرّف أولاده على التاريخ الصحيح لأميركا).

كيڤن كوستنر، كما بدا في «سلڤيرادو» (كولمبيا بيكتشرز)

بعد «سلڤيرادو» بخمس سنوات قام بإخراج وبطولة «رقصات مع الذئاب» (Dances with the Wolves) الذي نال 7 أوسكارات. كان ذلك بدوره فيلماً تأملياً منصفاً للمواطنين الأصليين لأميركا. ثم لعب بطولة فيلم «وسترن» آخر من إخراج كازدان هو «وايات إيرب» (1994) الذي أدّى فيه كوستنر دور الشريف (الفعلي) إيرب الذي تطرّقت إليه السينما عشرات المرّات.

وفي عام 2003 حقق كوستنر ولعب بطولة (Open Range) «مدى مفتوح». بعده انصرف كوستنر لمسلسلين تلفزيونين عن الغرب الأميركي هما «هاتفيلد وماكويز» (2012) و«يلوستون» (2018 وما زال معروضاً) وظهر بعد ذلك في فيلم «وسترن» حديث، عنوانه «دعه يمضي» (Let Him Go) لتوماس بيزوكا.

مثل كلينت إيستوود، أحب كوستنر الغرب الأميركي. كلاهما جسّدا بعض المحطات التاريخية المهمّة في كيف تصادمت الثقافات وانتصرت واحدة على الأخرى في نهاية المطاف.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
TT

«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)

لم تكن الحياة في غزة سهلة أو حتى طبيعية قبل حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لكن حتى هذه الأيام يحن لها الآن الناجون من القطاع ويتمنون استعادتها، ومنهم نادين وعائلتها أبطال الفيلم الوثائقي «وين صرنا؟» الذي يمثل التجربة الإخراجية والإنتاجية الأولى للممثلة التونسية درة زروق، والذي لفت الأنظار خلال العرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

يستعرض الفيلم على مدى 79 دقيقة رحلة نزوح نادين وطفلتيها التوأمتين وإخوتها وأمها من حي تل الهوى بمدينة غزة يوم 13 أكتوبر 2023 وصولاً إلى مصر بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب.

ويعتمد في مجمله على سرد أفراد العائلة في القاهرة لذكريات حياتهم في غزة قبل الحرب ومغادرتهم منزلهم قسراً بناء على أمر إخلاء من القوات الإسرائيلية، حاملين معهم أبسط المتعلقات الشخصية على أمل العودة قريباً وانتقالهم إلى مخيم النصيرات، ثم رفح.

وفي مقابل ارتياح مؤقت بالنجاة من قصف مكثف حصد آلاف الأرواح من بينهم جيرانها وأصدقاؤها، يعتصر الخوف قلب نادين بسبب زوجها عبود الذي لم يستطع الخروج مع العائلة وظل عالقاً في غزة.

ويظهر عبود في لقطات من غزة معظمها ملتقط بكاميرا الهاتف الجوال وهو يحاول تدبير حياته بعيداً عن الأسرة، محاولاً إيجاد سبيل للحاق بهم في القاهرة حتى يكلل مسعاه بالنجاح.

وفي رحلة العودة يمر عبود بشواطئ غزة التي اكتظت بالخيام بعدما كانت متنفساً له ولأسرته، والأحياء والشوارع التي دُمرت تماماً بعدما كان يتسوق فيها ويعمل ويعيل عائلته رغم الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، ويتساءل قائلاً: «يا الله... وين كنا ووين صرنا؟!».

وقالت الممثلة درة زروق مخرجة الفيلم قبل عرضه العالمي الأول، أمس (الجمعة)، في دار الأوبرا المصرية ضمن الدورة الخامسة والأربعين للمهرجان: «أبطال الفيلم ناس حقيقية من فلسطين... كلنا عملنا الفيلم بحب وإيمان شديد بالقضية الإنسانية اللي بنتكلم عنها».

وأضافت حسبما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء: «حبيت أقرب منهم من الجانب الإنساني، المشاعر؛ لأنهم عمرهم ما هيبقوا أرقام، هما ناس تستحق كل تقدير، وشعب عظيم».

وينافس الفيلم ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» في المهرجان الذي يختتم عروضه يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني).