مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

المهرجان الأقدم يستعيد شبابه مجدداً

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
TT

مخرجون كبار يحشدون أفلامهم في مهرجان «ڤينيسيا»

أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)
أنجلينا جولي في «ماريا» (أبارتمنت بيكتشرز)

يعود مهرجان «ڤينيسيا» إلى الأضواء مجدداً في 27 من الشهر المقبل وحتى 11 من الشهر التالي، ومعه يعود الحديث عن أحد أهم ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم، والحدث الأول في عداد الاهتمام بتوفير النوعية بعيداً عن اللمعان الخاطف والبهرجة المعهودة لمهرجانات أخرى. المهرجانان الآخران هما «برلين» و«كان». الأول يقف على أهبة تغيير شامل حالياً لكي يعاود إطلاقاً جديداً بعد سنوات من تآكل البرمجة، والثاني يشبه قطار إكسبرس جامح ملئ بالأنوار والإغراءات الإعلامية وعقود البزنس.

اختلاف «ڤينيسيا» يبدأ بالتقدير الكبير الذي يكنّه له نقاد السينما العالميين، وذلك تبعاً لما ينتخبه من أفلام ويوفره من برامج.

الحال أن الدورة الـ81 لا تختلف مطلقاً عن الدورات السابقة في هذا المجال. أفلام عديدة، وأسماء كبيرة وأخرى جديدة واعدة، وأقسام تتنقل بينها وكل منها يوفر متعاً بصرية مختلفة.

مايكل كيتون ووينونا رايدر في «بيتلجوس» (بلان ب انترتاينمنت)

بداية ونهاية

الافتتاح سيكون من نصيب الفيلم الأميركي (Beetlejuice Beetlejuice) «بيتلجوس، بيتلجوس» لتيم بَرتون، الذي أنجز بدوره «بيتلجوس» الأول سنة 1988 حين كان لا يزال في بداياته. الآن يعاود طرق باب هذه الفانتازيا التي منحته مكانة لدى النقاد مع ممثلين جدد (مونيكا بيلوتشي، وويليم دافو، وجينا أورتيغا، داني ديفيتو)، وقدامى لعبوا أدوارهم في الفيلم السابق (مايكل كيتُن، كاثرين أوهارا، ووينونا رايدر).

فيلم الختام إيطالي للمخرج بوبي أڤاتي بعنوان «الحديقة الأميركية» (L‪’‬orto americano) مع ثلاثة ممثلين في القيادة ينتمون إلى الجيل الجديد، هم كيارا كازيللي، وفيليبو سكوتي، وأندريا رونكاتو. كلا الفيلمان يعرضان خارج المسابقة.

بين الافتتاح والختام 21 فيلماً في المسابقة الرسمية من بينها فيلم جديد للإسباني بيدرو ألمودوڤار بعنوان «الغرفة المجاورة» (The Room Next Door) مع تيلدا سوينتون، وجوليان مور.

في «ساحة المعركة» (Campo di Battaglia) للإيطالي جياني أميليو سنجد الإنفلونزا الإسبانية اجتاحت المدينة التي تقع فيها الأحداث خلال الحرب العالمية الأولى وتنافُس طبيبين على حب ممرضة.

المخرج التشيلي بابلو لاران (الذي استعرضنا له قبل أسابيع قليلة فيلمه الجديد الآخر «الكونت») لديه جديد بعنوان «ماريا» عن المغنية الشهيرة ماريا كالاس (تؤديها أنجيلينا جولي) وهو، حسب ما صرّح به المدير العام للمهرجان ألبرتو باربيرا، قد يكون آخر أعمال المخرج المستندة إلى شخصيات حقيقية التي بدأت سنة 2016 بفيلم «نيرودا».

من فيلم وولتر ساليس «لا زلت هنا» (فيديوفيلمز)

عودة ثنائية

هناك عودة من مخرج لاتيني آخر غاب طويلاً اسمه وولتر ساليس عبر فيلم «أنا لا زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) الفيلم يلعب على معنيين: الأول مشتق من ذكريات امرأة اختفى زوجها خلال حكم العسكر في البرازيل سنة 1964. والثاني حقيقة أن المخرج غاب لعشر سنوات كاملة تفصل ما بين هذا الفيلم وآخر أفلامه السابقة «جيا جانكي: رجل من فنيانغ». آخر مرّة شارك ساليس في هذا المهرجان كانت قبل 23 سنة عندما عرض - في المسابقة - «وراء الشمس» عن أحداث وقعت سنة 1910.

الإيطالي لوكا غوادانينو يوفر لمشاهديه فيلمه الجديد «غريب» (Queer) حول رجل يبحث عن آخر في مدينة نيو مكسيكو. البطولة لدانيال كريغ، ولسلي مانڤيل وجاسون شوارتزمان.

هناك فيلمان أميركيان قد يسرقان الضوء أولهما (The Order) «النظام»، والثاني (Joker‪:‬ Folie à deux) «جوكر، على حافة الجنون».

الأول للمخرج الأسترالي جوستين كورزل حول تحري في مدينة أميركية صغيرة تعاني من جرائم رهيبة. هو الوحيد الذي يؤمن بأن هذه الجرائم من ارتكاب عصابة إرهابية محلية. البطولة هنا لجود لو، ونيكولاس هولت.

أما «جوكر، على حافة الجنون» فهو الجزء الثاني من «جوكر»، الذي كان حصد الجائزة الأولى سنة 2019. المخرج تود فيليبس والبطولة ما زالت لواكيم فينكس، الذي يجسّد الدور كما لم يفعل «جوكر» آخر في أفلام «باتمان» السابقة. معه في الدور الرئيسي لايدي غاغا.

فيلم ثالث من أميركا يبدو أقل إثارة للاهتمام حالياً عنوانه «بايبي غيرل» من بطولة نيكول كيدمان، وهاريس ديكنسون، وأنطونيو بانديراس.

الاشتراك الأميركي موجود خارج المسابقة أيضاً. في هذا القسم، وإلى جانب «بيتلجوس، بيتلجوس» سنستقبل الفيلم التسجيلي الجديد «منفصلان» (Separated) الذي كان عرض سنة 2013؛ فيلمه الأسبق (The Unknown Known) «المعلوم المجهول» حول حرب العراق ودور وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد فيها.

هناك أيضاً «وولفز» (Wolfs)، الذي يجمع بين براد بِت وجورج كلوني في تشويق معاصر (العنوان الإنجليزي الوارد هنا هو المستخدم للفيلم عوض Wolves).

جبهتان ساخنتان

طبعاً لا يوجد مهرجان بهذا الحجم من دون سياسة. هناك حربان دائرتان في العالم حالياً؛ واحدة في فلسطين، والأخرى في أوكرانيا.

يعالج الأولى المخرج الإسرائيلي أمور غيتاي عبر فيلمه «Why War» (من دون إشارة السؤال)، ويطرح الثانية الفيلم التسجيلي الروسي «روسيا في الحرب» لأناستاسيا تروفيموڤا. فيلم آخر عن الموضوع الفلسطيني نجده في فيلم تسجيلي آخر «إسرائيل فلسطين على التلفزيون السويدي: 1958 - 1989» كما يكشف عنوانه.

حقيبة المهرجان العام الحالي مزدحمة بأنواع الموضوعات المطروحة، وبالفنانين الواقفين وراء كاميراتها. وإلى جانب من ذكرناهم، اليابانيان تاكيشي كيتانو، وكيوشي كوروساوا، والصيني وانغ بينغ، والفرنسيان إيمانويل موريه، وكلود ليلوش، والبريطاني عاصف قبضايا، الذي يوفر فيلماً وثائقياً عن المخرج كريس ماركر وفيلمه «المرفأ» (La Jetée) المُنتج سنة 1962 حول مصير العالم كما تخيّله ماركر آنذاك.



على هامش محاولة اغتيال ترمب... تاريخ السينما غني بأفلام المؤامرات السياسية

دنيال داي لويس في في ستيفن سبيلبرغ «لنكولن» (دريمووركس)
دنيال داي لويس في في ستيفن سبيلبرغ «لنكولن» (دريمووركس)
TT

على هامش محاولة اغتيال ترمب... تاريخ السينما غني بأفلام المؤامرات السياسية

دنيال داي لويس في في ستيفن سبيلبرغ «لنكولن» (دريمووركس)
دنيال داي لويس في في ستيفن سبيلبرغ «لنكولن» (دريمووركس)

لم يكن هناك شك. رجل اعتلى مبنى مطلاً على الحفل الانتخابي وجهّز سلاحه وانتظر ما اعتقد أنها اللحظة المناسبة لقتل المرشح الذي وقف وراء المنصّة خاطباً في الحاضرين. انطلقت الرصاصة وأصابت أذن المرشح على بعد سنتيمترات قليلة من الدماغ. سقط المرشّح الرئاسي وراء المنصّة ثم وقف والدماء تنزف منه. أما مطلق النار فقد أرداه الأمن قتيلاً على الفور.

الحدث واضح ولا يدع مجالاً للشك. الصورة لا تكذب، لكن عدم كذبها قد لا يكون، بالنسبة لآخرين، صدقاً. من الواقف وراء المحاولة؟ رئيس الجمهورية الحالي؟ الدولة العميقة؟ أم لعله المرشّح على أساس توضيب الوضع، بحيث لا تصيبه الرصاصة في مقتل وذلك لكي تزداد شعبيّته؟

ما سبق يمكن أن يكون موضوع فيلم يطرح الأسئلة ضمن إطار من نظرية المؤامرة. تلك النظرية التي لا تصدّق الرواية الرسمية، بل تجد فيها ثقوباً كافية لكي تكوّن احتمالات أخرى تُطرح كبدائل، إذا لم يكن في الواقع المعاش، فعلى شاشة السينما على الأقل.

هاريسون فورد في «الطائرة الرئاسية» (كولمبيا)

حبكة مثيرة

أفلام عديدة أنتجتها هوليوود سبقت تلك الحادثة وتناولت خططاً لاغتيال رئيس أميركي أو أي مرشّح قريب من هذا المنصب. هذه الأفلام سبقت حتى اغتيال جون ف. كندي وشقيقه روبرت ف. كندي. ولو كانت هناك سينما قبل اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن سنة 1865 لسبقت، على الأرجح، الحادثة بحفنة أفلام مماثلة.

هذا لأن الموضوع مثير كحبكة تشويقية من ناحية، ولأن الضحية، المحتملة أو التي تم اغتيالها فعلاً، تتبوأ أعلى منصب في البلاد. ومع أن السينما لم تكن موجودة عندما قام جون ويلكس بوث باغتيال الرئيس لينكولن الذي كان يؤم مسرحية «عمّنا الأميركي» للكاتب المسرحي البريطاني توم تايلور، إلا أن ذلك لم يمنعها من التطرّق إلى الموضوع مرّات عديدة.

لم تترك السينما اغتيال لينكولن يمضي من دون أفلام دارت عنه وعن مقتله وذلك من عام 1924 عندما أخرج فل روزن «الحياة الدراماتيكية لأبراهام لينكولن» (The Dramatic Life of Abraham Lincoln). بعده بستة أعوام تبرّع ديفيد وورث غريفيث بتحقيق «لينكولن» متابعاً مراحل ذلك الرئيس إلى النهاية. ثم تدخل جون فورد فحقق «يونغ مستر لينكولن» (1939) وصولاً إلى فيلم ستيفن سبيلبرغ «لينكولن» سنة 2012 الذي سعى فيه إلى سرد الأيام السابقة لاغتياله وأنهى فيلمه بخروج لينكولن من بيت الرئاسة في تلك الليلة صوب المسرح حيث سبقته زوجته.

كلينت ايستوود في «في خط النار» (كولمبيا)

قنّاصة

القنص في الاغتيالات عنصر أساسي. القنّاص هو قاتل لا يقف وسط الجموع ولا يصل إلى مكان الجريمة محاطاً بعصبة تصاحبه ولا يحمل بندقية رشاشة يطلق رصاصها كما اتفق. عادة ما يصعد سطح المبنى المشرف على المكان وينبطح في المكان مع بندقيّته ذات المنظار مترقباً اللحظة الحاسمة.

اسأل فرانك سيناترا الذي كان عمد، سنة 1954، لبطولة فيلم بعنوان «صدنلي» (Suddenly) وهو أيضا اسم بلدة صغيرة لا تقع فيها مفاجآت. يصل إليها سيناترا واثنان من أعوانه ويقتحمون منزلاً يشرف على محطة القطار حيث سيتوقف قطار رئيس الجمهورية. يقدّم الفيلم سيناترا كمهووس خدم في الحرب الكورية وخرج منها قاتلاً محترفاً لمن يدفع وهناك جهة «أجنبية» استأجرته للغاية.

صدى ذلك تردد بالفعل قبل أيام قليلة عندما تم الإعلان من أن هناك شكوكاً تدعم فكرة أن إيران هي التي خططت لاغتيال دونالد ترمب. في ذلك الفيلم لا يتوقف القطار ويتم القضاء على الشرير ورجليه. في الواقع الحاضر، لم تصب الرصاصة ما هدفت إليه ونجا المرشّح الرئاسي. لكن مع سرعة قتل صاحب المحاولة (عوض العمل على إلقاء القبض عليه لاستجوابه) تم دفن الباعث والدافع سريعاً.

من وحي الواقع

الأفلام التي دارت عن اغتيال جون ف. كندي، الذي تم اقتناصه أيضاً خلال جولة في مدينة دالاس. بعض تلك الأفلام كان تسجيلياً (Killing Kennedy لنلسن ماكورميك. 2013)، وبعضها كان درامياً لكن بأسلوب التحقيقات المسجّلة (JFK لأوليفر ستون، 19991) أو روائياً خيالياً مبني على خيط من الحقيقة كما حال «في خط النار» (On the Line of Fire) الذي أخرجه وولفغانغ بيترسن من بطولة كلينت إيستوود سنة 1993.

كون هذا الفيلم غير مبني على واقعة محددة سمح له بأن يكوّن إثارة تم صنعها وسردها جيداً. حكاية حارس أمني كان أحد أعضاء الفريق الذي كلف بحماية الرئيس جون ف. كندي، لكن بعدما تم اغتيال الرئيس فقد الحارس جزءاً من ثقته بنفسه وتحمّل سخرية زملائه. فجأة تصله معلومة بأن أحدهم يخطط لقتل الرئيس الحالي. لا أحد يصدّق لكن إيستوود يأخذ على عاتقه اكتشاف هوية القاتل وإنقاذ حياة الرئيس مسترداً مكانته.

أدى نجاح هذا الفيلم إلى قيام بيترسن، سنة 1997، بقبول عرض لفيلم آخر من النوع ذاته هو «الطائرة الرئاسية» (Air Force One) لكن الخيال هنا ذهب بعيداً فرئيس الجمهورية الأميركي، كما قام به هاريسون فورد، يجيد القتال اليدوي وها هو يتصدى بنفسه للإرهابيين الذين تسللوا إلى طائرة الرئاسة وهاجموه وهي في الأجواء العالية.

الأعمال البطولية استمرت بعد هذا الفيلم من خلال سلسلة «أوليمبوس» التي بدأت سنة 2013 بفيلم Olympus Has Fallen لأنطوان فوكوا. لكن هذه المرّة ينقذ رجل أمن (جيرار بتلر) حياة رئيس الجمهورية (ارون إكهارت) بعدما نجحت كوريا الشمالية بإرسال طائرات قصفت البيت الأبيض.

ليس من قبيل الصدفة، بل من قبيل الاستفادة من فرصة القبض على ما تعكسه تلك الحبكة من فرص نجاح، قام رولاند إيميريش في السنة ذاتها بإخراج فيلم آخر عن قيام فرد واحد (تاتوم شانينغ هنا) بإنقاذ رئيس البلاد (جايمي فوكس) من القتل داخل البيت الأبيض وذلك في White House Down.

من يستعرض هذه الأفلام، وهناك غيرها الكثير، قد يدرك حقيقة غائبة، وهي أن أخطر منصب في العالم هو منصب رئيس الجمهورية، وحين النظر إلى من تم اغتيالهم في التاريخ الأميركي كما في السينما تتراءى حقيقة أخرى، وهي وجود شغف جماهيري بالحكايات ونظريات المؤامرة الواقعية منها والخيالية.