شاشة الناقد: جزء رابع من مغامرات إيدي مورفي في بيڤرلي هيلز

«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)
«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)
TT

شاشة الناقد: جزء رابع من مغامرات إيدي مورفي في بيڤرلي هيلز

«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)
«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف.» (نتفليكس)

BEVERLY HILLS COP: AXEL F ★★

جزء رابع من مغامرات إيدي مورفي في بيڤرلي هيلز

«الفورميلا» التي يعتمدها الجزء الرابع من «شرطي بيڤرلي هيلز» لا تختلف عن تلك التي اعتمدتها الأجزاء السابقة (1984 و1987 و1994) من هذا المسلسل. لا يمكن أن تختلف، لأن السائد في الأفلام الجماهيرية هو أنه إذا ما كان العمل السابق ناجحاً بشروطه ومزاياه فلا داعي لتغييره.

هذا يفوّت على صانعي الفيلم فرصة الابتكار ويحدّد للكتّاب وللمخرج ما يستطيعون وما لا يستطيعون فعله في إطار أي جزء لاحق. يدفعهم للبقاء في الفكرة نفسها حتى لو تكرّرت وجاءت مستهلكة.

«شرطي بيڤرلي هيلز: أكسل ف» ينقاد لمثل هذه المعاملة. في الأساس هو تكرار لفكرة الشرطي الأسود أكسل فولي (إيدي مورفي) الذي يعمل في مدينة ديترويت، لكن تعرّض ابنته جين (تايلور بايج) للخطر يدفعه للسفر إلى لوس أنجليس وشوارع بيڤرلي هيلز المرفهة واستئجار غرفة في فندق بسعر يقارب الألف دولار في اليوم. من قال إن رجال القانون يتقاضون بالكاد ما يكفي لتدبير شؤون معيشتهم؟

الحاصل أن ابنته تتولّى الدفاع عن شاب متهم بالقتل وتجارة الممنوعات، لكنها متأكدة من براءته لذلك تنوي «العصابة» أن تردعها ومن ثَمّ تحاول قتلها لأنها تختار ألّا تستجيب لتهديداتهم. إذ يهب والدها للمساعدة (من دون علمها) تتسع الدائرة صوب المعهود: هناك فساد في بوليس المدينة يتقدّمه كابتن غرانت (كَڤن باكون) الذي يرأس تلك العصابة والذي يتحدّث كذلك بلغة واقعية عندما يشكو من أن ما يتقاضاه من سنوات خدمته الطويلة لا يوازي ما يجنيه من عملية كوكايين واحدة. كان عليه أن يسأل كيف يستطيع غريمه فولي دفع فواتير فندق من خمس نجوم من دون أن يضطر للتجارة بالممنوعات.

تطالعنا النهاية منذ البداية لأن هذا الخط الرئيسي لا بد أن يمر عبر تلك الانحناءات والالتواءات المعهودة. إنه كما لو كنت تقود سيارتك للبيت الكامن في تعرّجات هضاب لوس أنجليس وتعرف طريقك جيداً.

يختلق الفيلم علاقة مضطربة بين الأب وابنته، لكن لا شيء جديداً في ذلك أيضاً، كون الدارج هذه الأيام هو عرض مثل هذه العلاقات بهدف تعميق الحبكة وصرف بعض الوقت في الحديث عن كيف أهمل أب ابنته (أو ابنه) وكيف يواجَه بالصّد عندما يحاول التقرّب وطي صفحة الماضي. عبارات مثل «لم أركَ منذ سنوات بعيدة والآن تتذكرني»، تَرِد في تلك الأفلام وترد هنا. في الواقع استهلاك هذا الوضع هو كل البطانة التي لدى هذا الفيلم، وهو يشتغل عليها رغم أن المُشاهد يعرفها ككفّ يدٍ ويعرف كيف ستؤول إلى تقارب متجدّد.

نجم الفيلم طبعاً هو بطله إيدي مورفي. لا تزال لديه تلك الطريقة الجذّابة في الأداء الخفيف، لكن الكتابة لا تؤازره على عكس ما كان الحال عليه فيما سبق.

* عروض: حالياً على «نتفليكس»

PIERCE ★★★

تشويق نفسي عن أم وولديها وأعباء عاطفية

خرج هذا الفيلم التايواني - السنغافوري المشترك بجائزة أفضل مخرج مُنحت لنيلسيا لاو في فيلمها الأول، وذلك في أعقاب دورة ناجحة أخرى لمهرجان «كارلوڤي ڤاري»، الذي ختم أعماله في السادس من هذا الشهر.

من فيلم «بيرس» (بوتوكول)

يتناول الفيلم، الذي شوهد بإذن خاص من شركة توزيعه، حكاية عائلية القوام تتألف، أساساً، من أم لولدين شابّين. الأم آي لينغ (تؤديها دينغ نينغ) التي تهوى أغاني مطلع الستينات وتقوم بأدائها من حين لآخر. ابنها جاي (ليو سيو-فو) هو أصغر ولديها. الثاني هان (تساو يو-نينغ) أمضى عقوبة سجن لتسببه في قتل مبارز بالسيف. دافع عن نفسه بأن الحادث وقع خلال التدريبات ولم يكن مقصوداً، لكن ذلك الدفاع لم ينفعه. يفاجأ جاي بعودة شقيقه بعدما أُفرج عنه قبل سنوات من انتهاء فترة العقوبة. اللقاء الأول بينهما لا يمكن وصفه بالفتور بل بالجمود. هذا رغم أن هان يحب شقيقه وجاي كان يراه نموذجاً يقتضى به وهو أمَّ مدرسة تدريب على رياضة السيف تيمّناً به.

من هنا وصاعداً، بلورة علاقة حذرة وذات وصل نفسي بين الاثنين. من بين تبعات هذه العودة المفاجئة أن الأم كانت عانت من شعورها بالخجل كون ابنها دخل السجن بصرف النظر عما إذا كان يستحق أم لا. تغني في بعض المرابع وهناك رجل يحاول التقرّب منها والوقت الآن ليس وقت تبرير وتعريف لغريب لا تريد التخلي عنه في مثل سنّها المتقدّمة.

تحكي المخرجة فيلمها بتأنٍ غير عفوي. تريد أن تدفع بعناصر حكايتها الدرامية عميقاً في داخل المشاهد، وفي هذا النطاق تنجح في إثارة الاهتمام على الرغم من أن الموضوع الداكن الذي تتطرق إليه لا يؤسس تفاعلاً بالقدر نفسه الذي نراه في أفلام زملاء تايوانيين لها مثل هاو سياو-سيين، ويو شان تشن من بين آخرين.

منحى المخرجة في التنفيذ كلاسيكي يقترب من الروتينية، مثل تلك المشاهد التي تجمع بين الشقيقين يتبادلان فيها نظرات تريد التعبير عن المكنونات، لكنها لا تنجح دائماً. ومثل بعض المشاهد التي تعتقد المخرجة بأنها لافتة (كمشهد دوران الكاميرا ببطء حول طاولة طعام مستديرة ملتقطة من عليها)، لكن المدلولات المفترضة لا تلتقي والتقنيات المستخدمة دوماً.

* عروض: مهرجان كارلوڤي ڤاري

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

محاولة اغتيال ترمب تلقي بظلالها على مسلسل أميركي

يوميات الشرق مشهد من مسلسل «ذا بويز» (برايم فيديو)

محاولة اغتيال ترمب تلقي بظلالها على مسلسل أميركي

تأتي المرحلة الأخيرة من الموسم الرابع لمسلسل «ذا بويز» (الفتيان)، مع تحذير بعد محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، السبت الماضي، في بنسلفانيا. …

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما دنيال داي لويس في في ستيفن سبيلبرغ «لنكولن» (دريمووركس)

على هامش محاولة اغتيال ترمب... تاريخ السينما غني بأفلام المؤامرات السياسية

لم يكن هناك شك. رجل اعتلى مبنى مطلاً على الحفل الانتخابي وجهّز سلاحه وانتظر ما اعتقد أنها اللحظة المناسبة لقتل المرشح الذي وقف وراء المنصّة خاطباً في الحاضرين.

محمد رُضا‬ (لندن)
سينما «ثلاثة أيام سمك» (سيرس فيلمز)

شاشة الناقد: أفلام المؤامرات السياسية

في المشهد الأخير من هذا الفيلم الهولندي المعالج بذكاء، يصعد الأب جيري القطار (توم كاس) ويطل من باب المقطورة على ابنه دك (غويدو بولمانز) ويتحادث معه.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق محمد هنيدي خلال البرنامج (قناة «إم بي سي» على «يوتيوب»)

حديث هنيدي عن «معاناة بداياته» يلفت الاهتمام

لفت الفنان محمد هنيدي الانتباه بحديثه عن معاناته في بداياته بعالم التمثيل، وقبوله أدواراً بسيطة لمدة 15 سنة حتى أصبح معروفاً.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق صوّر الفيلم بين مصر وأوروبا (تامر روغلي)

المخرج تامر روغلي لـ«الشرق الأوسط»: أستمتع بنقل القصص الواقعية إلى السينما

يتألف الفيلم من خلطة مشاعر، وفيه مشاهد كثيرة تحكي عن «خواجات» مصر أيام زمان؛ وخلاله تتحدّث أردان الفرنسية والعربية، ولكن ضمن عبارات محددة حفظتها.

فيفيان حداد (بيروت)

السينما السودانية تطفو ومن ثَمّ تغرق

«الحديث عن الأشجار» (أغات فيلمز)
«الحديث عن الأشجار» (أغات فيلمز)
TT

السينما السودانية تطفو ومن ثَمّ تغرق

«الحديث عن الأشجار» (أغات فيلمز)
«الحديث عن الأشجار» (أغات فيلمز)

مثل كثيرّ من الدول العربية، ليس للسينما السّودانية وجود فعلي. هناك أفلام من حين لآخر وليس سينما، لذلك فإنّ التعبير هنا مجازيّ، لسهولة التعرّف على وضعها في زمن صعب، وفي فترة تحرق فيها حروب الأخوة كل راية سلام مرفوعة، وكل احتمال بحلٍّ يُعيد للسودان أمنه واستقراره.

استعادة أمنه واستقراره ليست ضمانة لانتقال ما فيه من عناصر ومواهب لتحقيق سينما سودانية فعلية. لا يكفي لعدد محدود من الأفراد تحقيق فيلم ما في بلد يفتقر الصناعة. ربما المخرج موجود والممثلون حاضرون، لكن من يضمن الكتابة والتّصاميم الفنية والتصوير والتوليف؟ ومن ثَمّ ماذا عن التمويل؟ وحتى لو حصل كل ذلك بمواهب محلية مع أخرى عربية مجاورة (أو حتى مشاركة فرنسية أو أوروبية ما)، هل سيكفي ذلك لخلق صناعة أو حتى عدد متتابع من الأفلام؟

ليس في هذه الظروف، لكن ماذا عن الظروف السابقة للحرب الحالية؟ لماذا لم تؤدِ المحاولات التي جرت منذ منتصف الخمسينات إلى مسيرة ناجحة لسينما سودانية صافية؟

طريق سهل

في منتصف الخمسينات، بعدما نال السودان استقلاله، كانت هناك صالات سينما في كلّ مدينة كبيرة من مدنه (ولم يكن مجزءاً بين شمال وجنوب)، العاصمة وحدها كانت تحتوي على نحو 66 صالة عاملة تعرض الأفلام الجديدة الآتية من مصر والولايات المتحدة أساساً.

بطبيعة الحال، كانت صالات السينما المتنفّس الوحيد أمام العائلات والأفراد المختلفين من طلاب الترفيه أو من هواة السينما.

للأسف، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أنّ الطريق السهل لأي نشاط سينمائي هو العرض وليس الإنتاج. حدث هذا قبل عام 1948 في فلسطين، عندما أُسّست 4 شركات إنتاج، لكنها فضّلت توزيع الأفلام المصرية الجاهزة (وذلك على عكس يهود الفترة الذين سارعوا لتأسيس 12 شركة إنتاج، 8 منها أنتجت أفلاماً حسب ستيفن سبيلبرغ في وثيقته Cinema Before Cinema).

يحدث ذلك مع كل دولة مجاورة لدولة أخرى غزيرة الإنتاج، وما زال يحدث إلى اليوم في منطقتنا العربية وسواها من المناطق. لا يمكن لوم الإنتاج المصري في الحدّ من الطموح السوداني وعرقلة قيام صناعة مماثلة (ولو بحجم أصغر)، فالحق هنا ليس على الطليان، بل على شركات الإنتاج والتوزيع السودانية.

سهلة

هذه لم تكن المشكلة الكبيرة الوحيدة، فقد توالت حقبات من الحكم الذي لم يرغب في التعاطي بشؤون التنمية الثقافية أو الفنية، وذلك من أيام جعفر النميري إلى أيام عمر البشير حين أُغلقت صالات السينما وحُرّمت الأفلام على أساس أنها منافية للشريعة والإسلام.

الحال هو أن المخرجين السودانيين الذين حقّقوا أفلامهم في سنوات ما بعد الاستقلال وجدوا أنفسهم بلا عملٍ أو اضطروا للهجرة إلى ألمانيا أو الإمارات العربية المتحدة أو مصر أو السويد. هذا بدوره ليس طريقاً جيداً لتحقيق صناعة محلية على الرغم من الانفتاح الذي حصل قبل 3 أعوام حين استعادت بعض الصّالات نشاطها وصُوّرت أفلام كثيرة بدت مثل واحات وسط الصحاري.

ثلاثة من هذه الأفلام تستحق الذكر هنا، أولها «الحديث عن الأشجار» لصهيب قسم الباري (2019)؛ فيلم تسجيلي يتداول سعي مخرجين سودانيين لاستعادة المبادرة وإحياء دار عرض لهواة السينما. مثل هذه الدار، يعلمنا الفيلم، كانت موجودة في الخمسينات والستينات، لكنها اضمحلت لاحقاً بسبب طغيان التديّن من ناحية والرقابة الصارمة من ناحية أخرى. يوضح الفيلم أن الرقابة الصارمة ما زالت حاضرة نراها عندما يلتمس المخرجون المتعاونون على تحقيق هذه المحاولة (منار الحلو، وإبراهيم شدّاد، والطيب المهدي، وسليمان إبراهمي)، الإذن بعرض فيلم مختلف، فينبري المسؤولون لوضع شروط حول ماهية الفيلم ومصدره وما يسرده للتحقّق ممّا إذا كان مسموحاً به لدواعٍ أمنية. كل ذلك في سبيل عرضٍ واحدٍ. هنا يتركنا الفيلم أمام ما الذي يمكن لهؤلاء مجابهته من تحديات فيما لو كانت طموحاتهم تأسيس جمعية سينمائية فاعلة أو أن يحقّق كلٌ منهم (أو أحدهم على الأقل) فيلماً جديداً قبل فوات أوان العمر.

هذا الفيلم التسجيلي - الوثائقي وحده يلخّص حال السينما السودانية في مراحل شتّى وصولاً إلى اليوم.

إليه سينضمّ في السنوات الثلاث الأخيرة فيلمان روائيان: «ستموت في العشرين» للمخرج والمنتج أمجد أبو العلا، الذي كتب السيناريو كذلك نقلاً عن رواية لحمور زيادة حول الشاب مزمل (مصطفى شحاتة)، الذي يتنبأ أحد الشيوخ بموته حين يبلغ العشرين. يمرّ الفيلم على بضعة مراحل من حياة مزمل ويتوقف مليّاً عند السنوات القليلة السابقة لليوم الذي من المتوقع أن يموت فيه. يكتفي بقبول نبوءة موته. لا مغامرات. لا علاقة عاطفية. لا سباحة في النهر ولا رحيل عن القرية حتى ولو في سفر قريب. فقط عند عودة والده يدرك مزمل أنه يحتاج لكي يموت أن يعيش أولاً. ينجز المخرج فيلمه هذا بعناية فائقة. كل لقطة تساوي الجهد المبذول لإتمامها على النحو الذي تظهر فيه وأكثر. التمثيل متكاملُ الصّفات. حوارٌ يطرح الأسئلة مباشرة، وكتابة يُجاب عنها إيحاءً. وإخراجٌ يضع السينما اختياره الأول مبدّياً لغتها على لغة الموضوع نفسه.

«ستموت في العشرين» (أندولفي برودكشنز)

الفيلم الثالث هو «وداعاً جوليا» لمحمد كردفاني وإنتاج أمجد أبو العلا.

هذا فيلم مهمٌ على أكثر من صعيد. دراما موقوتة ومحسوبة لتدلي بدلوها في التاريخ الحديث للسودان، ولتنتقد وجهاً اجتماعياً لم تتطرّق إليه سينمات عربية أخرى كثيراً داخل أوطانها. حكاية زوج ملتزم وزوجته التي اعتزلت الغناء، وتحاول التخفيف من شعورها بالذنب للتسبب في وفاة رجل جنوبي من خلال توظيف زوجته جوليا خادمة في منزلها ومساعدتها. أحداث كثيرة تتوالى وصولاً إلى خاتمة تواكب إعلان جنوب السودان استقلاله.

«وداعاً جوليا» (ستايشن فيلمز)

كل فيلمٍ من هذه الأفلام نال عروضاً وجوائز عالمية، لكن وسط ما يمرّ به السودان اليوم، فإن المسيرة لن تتواصل قريباً لأي من مخرجيها.