كوبولا المخرج الحالم الذي تمرّد على هوليوود

حقق الأفلام الكبيرة والصغيرة بمهارة واحدة

3 براندو وباتشينو في «العرّاب» (باراماونت)
3 براندو وباتشينو في «العرّاب» (باراماونت)
TT

كوبولا المخرج الحالم الذي تمرّد على هوليوود

3 براندو وباتشينو في «العرّاب» (باراماونت)
3 براندو وباتشينو في «العرّاب» (باراماونت)

خروج فرنسيس فورد كوبولا من مسابقة مهرجان «كان» الأخير، من دون أي جائزة أو ذكر لفيلمه «Megalopolis» يعكس ما هو أبعد بكثير من هذه النتيجة.

لننسَ حجم هذا المخرج العملاق ومكانته في السينما الأميركية وتاريخه السينمائي الناصع. المشكلة التي واجهت نصف نقاد «كان» وكل رجال ونساء لجنة التحكيم هي عدم الاهتمام بمضمون الفيلم من ناحية وعدم الاكتراث للإبداع الفني الذي تفوّق به كوبولا على كل فيلم آخر اشترك في المسابقة من ناحية أخرى.

يؤكد هذا أن ثلاثة جوائز من بين جوائز المسابقة الأساسية ذهبت إلى مواضيع تتمحور حول الجنس على نحو واضح: فيلم «أنورا»، الذي نال السعفة يدور حول فتاة عاهرة وغرامياتها، وفيلم «إميليا تيريز» الذي نال جائزتين (لجنة التحكيم وأفضل تمثيل نسائي) يحكي قصّة رئيس عصابة لاتينية يريد استبدال جنسه، وجيسي بليمونز الذي نال جائزة أفضل ممثل عن فيلم «أنواع اللطف»، ولعب فيه دور رجل مزدوج الممارسة الجنسية.

ما يقوله لنا ذلك، أن توجّه لجنة التحكيم لم يكن خالياً من شوائب الاهتمام بالأمور الجنسية وحدها؛ هذا بدوره إشارة إلى أن مضامين فيلم كوبولا التي تحتوي نظرة بانورامية لعالم طلّق العيش في أخلاقيات الأمس واستسلم للجشع (في كل أصنافه)، وهذا تماماً ما عبّرت عنه هذه الأفلام الفائزة.

فرنسيس فورد كوبولا (آي إم دي بي)

لكن «ميغالوبوليس» هو فيلم تمرّد أيضاً. كان يمكن للمخرج ابن الـ85 تحقيق فيلم لأحد الاستوديوهات. كان يمكن له أن يعود لإنجاز فيلم صغير مستقل؛ لكنه اختار أن يصنع فيلماً من ماله الخاص (بتكلفة 120 مليون دولار) على ألا يحقق عملاً لا يريده.

الفيلم بدوره تمرّد على الصياغة التقليدية (بداية، وسط، ونهاية) وعلى عالم اليوم المشحون بالأنانية الذي يراه بداية نهايته.

ذهب كوبولا، عبر ثلاثة أفلام هي «العرّاب»، و«العرّاب 2»، و«القيامة الآن»، إلى حيث لم يذهب أحد سواه لا في سينما «الغانغسترز» (كما حال «العرّابين») ولا في سينما الحرب («القيامة الآن»). بين هذه الأفلام الثلاثة أنجز كذلك «المحادثة»، الذي منح كوبولا سعفته الأولى سنة 1974 بينما منحه «القيامة الآن» سعفته الثانية بعد خمس سنوات.

‫لحين توجه كوبولا لأفلام صغيرة مثل «The Outsiders وRumble Fish» (كلاهما سنة 1983)، ومن ثمّ عاد للسينما المتوّجة بغطاء إنتاجي كبير عبر «The Cotton Club وPeggy Sue Got Married». ‬

خلال ذلك أخرج أفلاماً بديعة بعضها لم يقدّر جيداً حينها مثل «نادي القطن»، الذي كان من المفترض به أن يكون البلورة المنفردة بدوره في سينما «الميوزيكالز»، ومثل «واحد من القلب» الذي تمتع بدراما رومانسية ممتازة. أفلام كوبولا في الثمانينات ضمّت، وبصرف النظر عن مستوى نجاحاتها التجارية أفلاماً أخرى رائعة وهادفة أخرى مثل «ucker‪:‬ The Man and His Drem وGarden of Stone» قبل أن يذعن لضغط شركة «باراماونت» وينجز فيلماً ثالثاً من سلسلة «العرّاب» في عام 1990.

منتج أفلام «العرّاب» الثلاثة، آل رودي (الذي رحل قبل يومين عن 92 سنة) قال لي قبل عدة سنوات: «كل واحد كان يريد من كوبولا أن يعود إلى «العراب» وأنا أحدهم. لكن كوبولا كان يمانع. لم يجد في نفسه الرغبة إلا بعد أن طاردناه طويلاً لأجل القيام بهذه المهمّـة».

أضاف رودي متذكراً: «كوبولا كان دخيلاً على هوليوود في مطلع السبعينات عندما أخرج «العراب». اعتقدت شركة «باراماونت» أن كوبولا كونه جديداً على هوليوود سيستسلم لرغباتها، لكنه كان عنيداً لأنه كان يدرك أنه إذا تنازل خسر الفيلم.

«القيامة الآن» (أميركان زوتروب)

الخلافات التي نشبت بينه وبين «باراماونت» التي انتخبته لتحويل رواية ماريو بوزو الشهيرة عن المافيا الإيطالية في نيويورك شملت تضارب آراء حادة في اختياراته للممثلين.

«باراماونت» لم ترغب في ضم آل باتشينو لأنها لم تجده نجماً يُعتمد عليه، ولم تعتقد أن جيمس كان مناسباً، وكانت حذرة من استخدام مارلون براندو بعدما أشيع عنه تسببه في مناوشات بينه وبين مخرجي أفلامه قبل ذلك.

كذلك واجهت «باراماونت» سيلاً من رسائل التحذير والتهديد من قبل المافيا (عبر هيئات مرخّصة تحت لواء جمعيات خيرية)، التي طلبت عدم البدء بالتصوير. للغاية قابل المنتج آل رودي زعيم المافيا جوزيف كولومبو، وأكد له أن اسم «المافيا» لن يأتي ذكره في الفيلم، ومنحه فرصة الاطلاع على السيناريو والإشارة إلى المواضع التي لا تعجبه.

لعل «العرّاب» في أجزائه الثلاثة يبدو العمل الأكثر إثارة للإعجاب والتقدير، لكن أفلام كوبولا الأخرى كلها تستحق هذا التقدير بما فيها تلك الأفلام المستقلّة التي عاد إليها في التسعينات والعقد الأول من القرن الحالي.

«ميغالوبوليس» هو تذكير وإشادة بتاريخ كوبولا الرائع. خطأ لجنة تحكيم «كان» هو أنهم منفصلون تماماً عن مفهوم الأعمال التي تتطلب احترافاً ومضامين أكبر حجماً مما تطرحه الأفلام الأخرى بما فيها «أنورا»، الذي لا يعدو سوى فيلم تسلية خفيف المحتوى والمعالجة.


مقالات ذات صلة

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

يوميات الشرق جانب من المؤتمر الصحافي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نسخته الرابعة بحلة جديدة تحت شعار «للسينما بيت جديد» من قلب مقره الجديد في المنطقة التاريخية بمدينة جدة.

سعيد الأبيض (جدة)
يوميات الشرق الفنان المصري محمود عبد العزيز (فيسبوك)

مصريون يتذكرون أعمال «الساحر» محمود عبد العزيز في ذكرى رحيله الثامنة

مع حلول الذكرى الثامنة لرحيل الفنان المصري محمود عبد العزيز الشهير بـ«الساحر»، احتفل محبوه على «السوشيال ميديا»، الثلاثاء، بتداول مشاهد من أعماله الفنية.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق الملصق الدعائي لفيلم «الهوى سلطان» (الشركة المنتجة)

البطولات النسائية تستحوذ على صدارة إيرادات السينما المصرية في الخريف

استحوذت «البطولات النسائية» التي تنوعت موضوعاتها ما بين الرومانسي والكوميدي والاجتماعي على صدارة إيرادات دور العرض السينمائي بـ«موسم الخريف» في مصر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

تشهد الدورة المقبلة لـ«مهرجان البحر الأحمر» في جدة، بالمملكة العربية السعودية، تطوّراً إيجابياً مهمّاً في عداد تحويل المهرجان إلى بيت للسينما العربية.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)

وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
TT

وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)

بعد أن أحدث ضجة كبيرة في مهرجان برلين السينمائي أوائل العام، يُطرح في صالات السينما الفرنسية الأربعاء الوثائقي «لا أرض أخرى» No Other Land الذي صوّرت فيه مجموعة من الناشطين الإسرائيليين والفلسطينيين لخمس سنوات عملية الاستيطان في مسافر يطا في منطقة نائية بالضفة الغربية.

وقد فاز الفيلم بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، فيما اتُّهم مخرجاه في ألمانيا وإسرائيل بمعاداة السامية بعدما قالا عند تسلّم جائزتهما إن الوضع الذي يعكسه الوثائقي هو نظام «فصل عنصري».

أحد مخرجي العمل، باسل عدرا، ناشط فلسطيني ولد في مسافر يطا، وهي قرية تتعرض لهجمات متكررة من المستوطنين. أما الآخر، يوفال أبراهام، فهو إسرائيلي يساري كرّس حياته للعمل في الصحافة.

ويستعرض المخرجان الثلاثينيان في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية محطات إنجاز هذا الوثائقي، ويكرران المطالبة بإنهاء الاستيطان.

سيارات لفلسطينيين أحرقها مستوطنون في ضواحي رام الله (د.ب.أ)

يقول يوفال أبراهام عن الفصل العنصري: «من الواضح أنه ظلم! لديك شخصان (أبراهام وعدرا) من العمر نفسه، يعيشان في ظل نظامين تشريعيين مختلفين، تفرضهما دولة واحدة. لا أعتقد أن هذا يجب أن يوجد في أي مكان في العالم في عام 2024 (. .. ) لا يجوز أن يعيش الفلسطينيون في هذه الظروف، تحت سيطرة جيش أجنبي. يجب أن يتمتع كلا الشعبين بحقوق سياسية وفردية، في إطار تقاسم السلطة. الحلول موجودة ولكن ليس الإرادة السياسية. آمل أن نرى خلال حياتنا نهاية هذا الفصل العنصري (...) اليوم، من الصعب جدا تصور ذلك».

وعن اتهامه بمعاداة السامية قال: «هذا جنون! أنا حفيد ناجين من المحرقة، قُتل معظم أفراد عائلتي خلال الهولوكوست. أنا آخذ عبارة معاداة السامية على محمل الجد، وأعتقد أن الناس يجب أن يتساءلوا لماذا أفرغوها من معناها من خلال استخدامها لوصف أولئك الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الفصل العنصري أو إلى المساواة (...). إنها ببساطة طريقة لإسكات انتقادات مشروعة للغاية. معاداة السامية أمر حقيقي يسجل تزايدا في جميع أنحاء العالم. لذا فإن استخدام هذه العبارة كيفما اتفق فقط لإسكات الانتقادات الموجهة إلى دولة إسرائيل، أمر خطر للغاية بالنسبة لليهود».

وعن اكتفاء الوثائقي بعرض وجهة نظر واحدة فقط ترتبط بالفلسطينيين المطرودين من أرضهم، أوضح أبراهام: «لكي يكون الفيلم حقيقيا، يجب ألا يخلط بين التماثل الزائف (بين وجهتي نظر المستوطنين والفلسطينيين) والحقيقة. ويجب أن يعكس عدم توازن القوى الموجود في المكان. ما كان مهما بالنسبة لنا هو إظهار الاضطهاد المباشر للفلسطينيين.

عندما تنظر إلى مسافر يطا، فإن الخلل في التوازن لا يُصدّق: هناك مستوطنون موجودون هناك بشكل غير قانوني بحسب القانون الدولي، ويحصلون على 400 لتر من المياه في المعدل، بينما يحصل الفلسطينيون المجاورون على 20 لترا. يمكنهم العيش على أراضٍ شاسعة بينما لا يحظى الفلسطينيون بهذه الفرصة. قد يتعرضون لإطلاق النار من الجنود عندما يحاولون توصيل الكهرباء. لذا فإن عرض هذا الوضع غير العادل، مع هذا الخلل في توازن القوى، من خلال وضعه في منظور جانبين متعارضين، سيكون ببساطة أمرا مضللا وغير مقبول سياسيا».

مشهد من فيلم «لا أرض أخرى» (أ.ب)

* باسل عدرا

من جهته، قال باسل عدرا عن تزايد هجمات المستوطنين بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023: «الوضع سيئ وصعب للغاية، منذ عام لم نعد نعرف ما سيحدث (...) في منطقة جنوب الخليل. هجر البعض بسبب الهجمات، خصوصا في الليل، لكن قرى أخرى مثل قريتي بقيت تحت ضغط هائل، وقُتل ابن عمي برصاصة في البطن، كما رأينا في الفيلم. (المستوطنون) يريدون أن يخاف الناس ويغادروا (...) وهم المنتصرون في هذه الحرب في غزة، وهم الأسعد بما يحدث وبما تفعله الحكومة (الإسرائيلية)».