شاشة الناقد: Napoleon

نابليون يضع تاج الإمبراطورية الفرنسية (كولومبيا بكتشرز)
نابليون يضع تاج الإمبراطورية الفرنسية (كولومبيا بكتشرز)
TT

شاشة الناقد: Napoleon

نابليون يضع تاج الإمبراطورية الفرنسية (كولومبيا بكتشرز)
نابليون يضع تاج الإمبراطورية الفرنسية (كولومبيا بكتشرز)

ظهر نابليون بونابرت في السينما منذ عهد الأفلام الصامتة وصولاً إلى النسخة التي يوفرها هذا الأسبوع المخرج ريدلي سكوتو التي تختلف عن كل فيلم سابق.

Napoleon ★★★★

إخراج: ريدلي سكوت | الولايات المتحدة | 2023

علاقة المخرج الأسكوتلندي الأصل، الأميركي العمل، ريدلي سكوت بالتاريخ مشهودة من فيلمه الأول «المتبارزان» (The Duellists) حول فارسين في الجيش الفرنسي سنة 1801 (الفترة النابليونية) تنازعا حول مسألة بدت عادية في مطلع الأمر، ثم تحوّلت إلى عداوة اضطرتهما للمواجهة في عدد من المبارزات طوال ثلاث سنوات.

تجلّى هذا الاهتمام بعد ذلك، بسلسلة من الأفلام التاريخية المنتقاة بعناية بدءاً من فيلم «1492: غزو الفردوس» (1492‪:‬Conquest of Paradise) حول حرب الاستقلال الأميركية، ومن ثَمّ مروراً بخمسة أفلام أخرى (بما فيها «مملكة السماء» سنة 2005)، ووصولاً إلى فيلمه الحالي «نابليون».

هذا الشغف قد يُفسّر بأن سكوت يريد وضع اسمه في قائمة المخرجين الذين تعاملوا مع الأحداث والشخصيات التاريخية على رقعة إنتاجية كبيرة كأفلام د. و. غريفيث، وسيسيل بـدميل، وآبل غانس، وأنطوني مان، وسواهم ممن لجأوا إلى التاريخ لكي ينهلوا منه أفلاماً كبيرة الحجم. لكن في قراءة أخرى لا تناقض بالضرورة هذا التفسير، يهدف سكوت، عبر أفلامه التاريخية، للحديث عن كيف قادت الحروب إلى مزيد منها. في مفهومه، حروب اليوم مستمرة لأن أسباب حروب الأمس لا تزال على حالها لم تتغيّر ولم تُقهر. هذه ليست المرّة الأولى التي يهدف فيها إلى ربط التاريخ بمفاصل متشابهة في نزاعاتها السياسية والعسكرية، لكنها المرّة الأولى التي ينصرف فيها إلى هذا التأكيد بمساحة مشهدية أعنف وأكبر.

تفاصيل التاريخ

«نابليون» يأتي في هذا الوارد، لكنه في الوقت نفسه المشروع الذي يلخّص حالة أوروبية خالصة. نابليون، في نهاية المطاف، كان صورة مسبقة لهتلر. ليس في تفاصيل المبدأ والآيديولوجيا، لكن على صعيد النظرة بحق الدولة التي ينتمي إليها، شنَّ حروباً مسبقة أو رادعة على الدول الأخرى.

شخصيات معظم أفلام سكوت التاريخية حقيقية، من صلاح الدين إلى الملك ريتشارد، ومن النبي موسى إلى كريستوفر كولمبوس، لكنه لم يدّعِ يوماً بأنها تأريخ لهذه الشخصيات أو أن ما يسرده هو تفاصيل وقعت بالفعل. في «نابليون» يترك لنفسه هذه الحرية التي لولاها لجاء الفيلم على عكس ما هو مرغوب منه. ففي حالة سرد سيرة حياة تسعى لنقل الحقيقة والواقع، فإن الناتج لا يمكن أن يكون مماثلاً للحياة مهما بلغت رغبة المخرج بنقل أمين لأي شخصية تاريخية. إلى ذلك، فإن الناتج سيكون، على الغالب، جافاً ومقيداً بمراجعة تاريخية ستواجهها مراجعة نقدية على الأساس نفسه من نوع الموافقة أو الرفض على ما جاء فيها. والمنتقدون سلباً هم الغالبية عادة.

في هذا الفيلم بعض التفاصيل التي تنتمي إلى ما سبق ذكره: هل شهد نابليون تنفيذ حكم الإعدام بالملكة ماري أنطوانت بلا اكتراث كما نرى في الفيلم الماثل أو أنه اكترث فعلاً؟ أو ربما لم يكن في باريس حينها. هذا مثل انتقاد أنه لم يكن هادئاً على هذا النحو الذي نراه فيه، أو أن فرسه لم يكن بنيّ اللون بل أسود. من يكترث لمثل هذه المسائل هو من يعتقد أن على الفيلم المستند إلى شخصية حقيقية أو حادثة واقعية أن ينقلها بحذافيرها أو لا ينقلها مطلقاً.

لكن الفيلم - أي فيلم روائي، بل غير روائي في العديد من الحالات - ليس مادة لدراسة التاريخ ومقارنة الماثل على الشاشة بما أوردته المصادر والكتب، بل لاشتقاق مفاداته التي لا يهم معها ما لون الحصان، ولا إذا كان نابليون على هذه الصورة من السلوكيات، أو إذا ما كان في باريس وفي موقع إعدام الملكة أنطوانت أم لا. على ذلك، يدرك سكوت أن الحرية الممنوحة له على هذا الأساس ليست مطلقة بل هناك حدود لها، وهذه الحدود، التي تنضوي تحت أهم مرافق وأحداث حياته وسيرته، تمنعه من التصرّف بعيداً عن الحقائق حتى ولو أراد.

إيقاع ناجح

«نابليون» ينصرف لسرد مجموعة أحداث وقعت على النحو الذي نراه، لكن ليس بتفاصيل هذا النحو. وهناك أسباب درامية بالغة الأهمية لذلك.

المشهد الذي نرى فيه إعدام الملكة أنطوانت مرتبط عضوياً بالأجواء التي عايشها نابليون في فرنسا خلال تلك الفترة التي شهدت الثورة ضد النظام الملكي، ومن ثَمّ الثورة على الحكام الجدد الذين بدأوا بقتل النخب الأدبية والسياسية من دون رادعٍ، ثم كيف انقلب الحال إلى محاكمة القادة الجدد. نظرة نابليون غير المكترثة إنما هي تأكيد على فهمه العميق، حسب الفيلم، لمجريات الأمور. وعندما يسند إليه السياسي بول باراس (طاهر رحيمي) منصباً على أكتاف تلك الثورة يشكره نابليون وينصرف. لا داعي، عند سكوت، لخطب أو مشاهد تطول لتشرح شيئاً. هو قادر على شرحها باقتضاب. بتوليف يحافظ على الإيقاع إن لم يكن باختياره، فلأن الفيلم من ساعتين ونصف ساعة، ولا يجوز الإخلال بإيقاعه.

طوال الفيلم (باستثناء مشاهد معيّنة، كمشاهد الحروب) يحافظ فينكس على الطريقة التي اعتمدها لتشخيص نابليون. مفكّر. مُلاحظ، يحرص على عدم البوح بمكنونات صدره، ويحافظ غالباً على مستوى واحد من التعبير. على ذلك، يستطيع المرء فهم مكنونات ذلك الهدوء وقراءة دواخل الشخصية بوضوح، وكل ذلك بسبب براعة الممثل وموهبته وثقة المخرج به.

يتيح الفيلم لمشاهديه جانبين من حياة نابليون، العاطفي والعسكري. وفي حين كثيرون منّا يهتمون بالجانب الآخر كونه يعني القتال والمعارك والعنف الذي لا مجال لدرئه، فإن الجانب العاطفي هنا لا يقل أهمية. فنابليون يحب زوجته جوزيفين (فانيسا كيربي)، لكن المخرج لا يُعدّ العلاقة بينهما عاطفية. يمارسان الجنس وليس الحب. المشاعر بينهما تشبه صراعاً حول الفعل المادي للحب وليس الرومانسي. وهو يبدأ وينتهي في لحظات. هو أقرب منه إلى مبارزة لا حب. يحاول المخرج الإيحاء بأن دوافع نابليون العسكرية هي ردّات فعل لهزيمته أمام امرأته التي ارتقت على حساب عاطفته.

كانت جوزيفين خرجت من السجن الذي وضعتها فيه قيادة الثورة الفرنسية. أُعدم زوجها، والسؤال يبقى معلقاً في الفضاء حول: ما الذي جعلها تقبل بنابليون زوجاً. حبه المُعلن لها؟ رأت فيه مستقبل فرنسا؟ احتاجت للشعور بأنها محميّة من غدر محتمل؟ هذا لا يتضح في الفيلم، ربما لأن كل تلك الأسئلة تؤدي إلى جواب واحد.

سعي سكوت إلى الربط بين محاولة نابليون إثبات استحقاقه حب زوجته له بالحرب ناجحة وليست نظرية. ليست منطوقة على هذا النحو بل مستنتجة، وطريقة استنتاجها هي تفعيل مشاهد متبادلة بين الناحيتين العاطفية والحربية ولو أنها ليست متوالية (مشهد من هنا ومشهد من هناك). الجزء الأكبر من «نابليون» هو الجزء الحربي. في مشاهد نابليون وجوزيفين معاً، ينجح سكوت في توفير معادلة مثيرة للانتباه وترتبط بمحاولة جوزيفين هدم كبرياء الرجل حتى بعدما عيّن نفسه إمبراطوراً وأصبحت هي بمثابة السيدة الأولى.

مؤلم ما يوعز الفيلم بما فعلته به جوزيفين ومؤلم حين ينتهي نابليون وقد خسر حبه وطموحاته وحريّته؛ إذ أُودع السجن فوق جزيرة سانت هيلينا (مات فيها بعد ست سنوات).

إنجاز بشري

يُنجز سكوت مشاهد الحرب بنفس قسوتها وفوضاها وقتلاها. عنيف هو في تنفيذه هذه المشاهد الدموية، لكنه حقيقي أيضاً. يتبع ما لا بد أن الحروب كانت عليه ولا تزال. والناتج هو أن «نابليون» ليس فيلماً بنصف إرادة ولا بنصف ميزانية. هو فيلم كبير في الناحيتين. أكبر من أي فيلم تاريخي أنتجته «هوليوود» بما فيها أفلامه السابقة. يحرّك الجيوش كما لو كان القائد الأعلى، ونابليون هو أداته. وهو يصوّرها كما يجب أن تُصوّر. معارك تُصيب الناظر إليها بالذهول. وهي ليست للإثارة بل لرصف الواقع بما فيه من سيوف ومدافع وخيول وجنود يتساقطون وآخرين يتقدّمون أو يتراجعون.

الفيلم بأسره عن العنف بدءاً من مقتل الملكة أنطوانت (لا يؤيد الفيلم أو ينتقد مقتلها) وصولاً إلى كارثة نابليون في معركة «واترلو» الشهيرة. هذه المعارك التي ينقلها نابليون معه من غرب أوروبا إلى شرقها ومنها إلى أفريقيا، يجب عدم النظر إليها على أنها مجرد مشاهد حروب. هناك التصاميم المعقدة التي تشمل تخطيطها ثم تنفيذها وكيف ستُصوّر وكيف سينصرف كل مخرج مساعد أو مخرج معارك إلى تأمين جانبه من المشاهد بنجاح، وكيف ستُولَّف لتحافظ على سخونتها كما لو كانت تقع على مسرح الشاشة وليس في عمقها.

ومن ثَمّ هناك البشر. كل من نراهم من جنود وجياد حقيقيون، وليسوا منفَّذين ببرامج الكومبيوتر (كما كان يفعل زاك سنايدر في أفلامه السخيفة)؛ فحين يضعك سكوت في المعركة يضعك بالفعل، وليس بالمراقبة وحدها.

• عروض عالمية.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

ميلا الزهراني... مِن وجه جميل إلى نجمة في «هوبال»

يوميات الشرق ‎⁨ميلا الزهراني في مشهد من «هوبال» (الشرق الأوسط)⁩

ميلا الزهراني... مِن وجه جميل إلى نجمة في «هوبال»

في رصيد ميلا الزهراني 6 أفلام طويلة، و26 مسلسلاً، وتترقّب حالياً عرض فيلمها «هوبال» في 2 يناير المقبل بجميع صالات السينما السعودية.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية» التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بتونس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق محمد سعد في لقطة من الإعلان الدعائي لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة)

محمد سعد يعود إلى الأضواء بـ«الدشاش»

يجسّد محمد سعد في «الدشاش» شخصية طبيب خلال الأحداث التي تدور في إطار اجتماعي كوميدي تشويقي، ويشاركه البطولة عدد من النجوم.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق معالجة «سيد الخواتم» على طريقة الأنيمي اليابانية

«سيد الخواتم» يدخل عالم الرسوم المتحركة اليابانية

إذا كنت تودُّ معرفة من هو ملك وادي «هيلمز ديب»، فأنت في المكان المناسب.

سارة بار (نيويورك)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

مصر: أفلام «الأوف سيزون» تغادر دور العرض لـ«ضعف الإيرادات»

شهدت عدة أفلام مصرية، تصنف ضمن العرض خلال «الأوف سيزون»، تراجع إيراداتها مما أدى إلى رفعها من دور العرض السينمائي في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.