«الصبي ومالك الحزين»... آخر أفلام ميازاكي؟

الكاتب والمخرج الياباني عاد من اعتزاله بفيلم زاخر بالمعاني

فيلم ميازاكي الجديد بعنوان «الصبي ومالك الحزين» (موقع استوديو غيبلي)
فيلم ميازاكي الجديد بعنوان «الصبي ومالك الحزين» (موقع استوديو غيبلي)
TT

«الصبي ومالك الحزين»... آخر أفلام ميازاكي؟

فيلم ميازاكي الجديد بعنوان «الصبي ومالك الحزين» (موقع استوديو غيبلي)
فيلم ميازاكي الجديد بعنوان «الصبي ومالك الحزين» (موقع استوديو غيبلي)

في الـ82 من عمره، يستعدّ صانع أفلام الرسوم المتحرّكة اليابانيّة هاياو ميازاكي لإدهاش العالم مرةً جديدة، بعد أن أسرَ قلوب اليابانيين، جمهوراً ونقّاداً، بأحدث أفلامه «The Boy and the Heron» (الصبي ومالك الحزين). الفيلم الذي من المرتقب أن ينطلق عرضه العالمي مطلع ديسمبر (كانون الأول) هو أحدث إنتاجات استوديوهات «غيبلي» اليابانيّة المرموقة، وقد فاقت إيراداته حتى الآن 57 مليون دولار في وطنه الأمّ.

لا يحيد ميازاكي في فيلمه الجديد عمّا اعتاده جمهوره من خيالٍ واسع، وأبعادٍ فلسفيّة، وثيمات الأمومة، والعائلة، والفقدان، والحرب، والحيوانات الناطقة، والطفولة القادرة على مواجهة المواقف القاسية. على غرار عددٍ كبير من أبطال أفلامه السابقة، يدخل بطل الفيلم، الطفل «ماهيتو»، إلى عالمٍ متخيّل من باب برجٍ مسحور. يقوده إليه طائر مالك الحزين، بعد أن أقنعه بأنّ أمه المتوفّاة موجودة في الداخل وعليه أن ينقذها.

اقتباسات شخصية

تدور أحداث الفيلم على خلفيّة الحرب العالميّة الثانية، حيث تُقتل والدة ماهيتو في قصف على المستشفى الذي تعمل فيه. يغرق الصبي في وحدته وغضبه، لا سيّما بعد أن تزوّج والده بشقيقة أمّه الصغرى، التي لا يتّفق معها ماهيتو. يجد ضالّته في مصادقة الطائر الرماديّ الناطق، الذي يقوده إلى البرج المسحور.

يدخل إليه بنيّة العثور على والدته، ليكتشف عالماً موازياً ملؤه السحر. يتعرّف هناك على مخلوقاتٍ غريبة، كما يتعلّم أن يتصالح مع خالته. وكأنّه يجد في البرج المسحور مخبأً يقيه فظاعة الحرب، ويذهب به إلى عوالم أكثر طمأنينةً رغم غرابتها.

الساحرات المسنّات شخصيات شبه دائمة على أفلام ميازاكي (موقع استوديو غيبلي)

يقتبس كاتب الفيلم ومخرجه هاياو ميازاكي من سيرته الذاتيّة وطفولته، فكثيرة هي التفاصيل المشتركة بينه وبين البطل الصغير. يملك والد ماهيتو مصنعاً لذخائر الطائرات، على غرار والد ميازاكي، الذي كان يدير مصنع أخيه لصناعة الطائرات الحربيّة. ومثل ماهيتو، شهد ميازاكي على القصف العنيف الذي تعرضت له المدن اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية، وكان عليه التنقّل طفلاً بين مدينة وأخرى. وكما أنّ الأمّ هي المحرّك الأساسي في حياة ماهيتو، فإنّ ميازاكي تأثّر كثيراً بوالدته المثقّفة، وعاش مع هاجس فقدانها، هي التي أمضت حياتها تصارع مرض السلّ. إضافةً إلى ذلك، هما الاثنان تعلّما أن ينضجا بمفردهما في سنّ صغيرة.

نقاط تشابه كثيرة بين بطل الفيلم وطفولة ميازاكي نفسه (موقع استوديو غيبلي)

الاعتزال الأخير؟

وفقاً لمُنتجه، فإنّ «The Boy and the Heron» هو الأعلى تكلفةً على الإطلاق في تاريخ السينما اليابانيّة. أما المفارقة الكبرى فهي أنه كرّس عودة ميازاكي إلى السينما بعد إعلانه الاعتزال عام 2013. والاعتزال ليس بالأمر المستغرب في مسيرة صانع الأفلام الياباني الأشهر، الذي سبق أن أعلنه مراراً.

عقب النجاح الذي حققه فيلمه «Princess Mononoke» (الأميرة مونونوكي) واضعاً «غيبلي» وميازاكي على الخريطة العالميّة، أعلن المخرج الياباني عام 1997 عن مخطّطه للاعتزال. لكن ما هي إلا 4 أعوام، حتى عاد مع رائعته «Spirited Away» (المخطوفة) التي استحقّ عنها أوسكار أفضل فيلم رسوم متحرّكة عام 2001. غير أنّ المجد العالمي لم يجعل ميازاكي يتخلّى عن عادة الاعتزال. فهو غاب 3 سنوات عن سابق تصوّر وتصميم، ليعود مع فيلم جديد عام 2004 هو «Howl’s Moving Castle» (قصر هاول المتحرّك).

من فيلم «Spirited Away» الحاصل على جائزة أوسكار عام 2001 (موقع استوديو غيبلي)

بدا الاعتزال الذي أعلنه عام 2013، الأكثر جدّيةً في مسيرة ميازاكي. فبعد فيلم «The Wind Rises» (صعود الرياح)، صرّح: «إذا قلت إنني أريد صناعة فيلم آخر، سأبدو كرجل عجوز يتفوّه بأمور حمقاء». بعد ذلك، غاب الرجل 10 أعوام عن الأفلام الطويلة، خارقاً صمته بفيلم قصير واحد عام 2018.

لم تشكّل عودته مع «The Boy and the Heron» صدمة، ولم يُعرف حتى اليوم ما إذا كان هذا مشروعه الأخير. لا إعلان عن اعتزالٍ رابع بعد، في وقت يتمنّى النقّاد ومحبّو أفلام ميازاكي ألَا يفعل، فأحدث أعماله أثبت أنّ العطاء السينمائي ما زال يليق به.

الكاتب والمخرج الياباني هاياو ميازاكي عام 2014 (رويترز)

الحرفيّ الساحر

لم يعرف ميازاكي شغفاً في حياته أكبر من المانجا (الرسوم المتحرّكة اليابانية). قرر أن يحترفها منذ كان طفلاً، وهو حوّلها فعلاً إلى حرفةٍ، مرتدياً المئزر الأبيض، خالطاً الألوان بيدَيه، ومتجنّباً الاقتراب من الكمبيوتر ومؤثّراته الخاصة قدر المستطاع.

في استوديوهات غيبلي في طوكيو، التي أسسها عام 1985 بالتعاون مع المخرج إيزاو تاكاهاتا والمنتج توشيو سوزوكي، لطالما مرّغ يدَيه في الطين. أي أنّ ميازاكي يعمل مثله مثل أي موظّف في الشركة التي تضمّ مائة عامل بين رسّام ومنتج ومخرج ومصمّم. يجول يومياً على مكاتبهم ويرسم بيده الجزء الأكبر من مشاهد الأفلام. هو قال مرةً: «أنا صانع رسوم متحرّكة. أشعر وكأنني مسؤول عن مصنع للسينما المتحرّكة. لست مديراً، لكنّي بالأحرى رئيس العمّال، أو مسؤول عن فريق من الحرفيّين. هذه هي الروحيّة التي أعتمد في عملي».

تأثّر ميازاكي منذ طفولته بالطائرات الحربيّة فحضرت في عدد من أفلامه (موقع استوديو غيبلي)

بعيون الخبراء في المجال، فإنّ ميازاكي هو أهمّ مخرجي ومؤلّفي الرسوم المتحرّكة اليابانيّة عبر التاريخ. يوافق الجمهور هذا الرأي، فكلٌ من أفلامه يستدعي احتفاليّةً من قبلهم؛ من «My Neighbor Totoro» (جاري توتورو) عام 1988، مروراً بـ«Kiki’s Delivery Service» (خدمة كيكي للتوصيل)، وليس انتهاءً بـ«The Boy and the Heron».

بحكاياته ورسوماته التي تُذهل مخيّلة المشاهد وتسافر بذهنه إلى عوالم بعيدة وساحرة، استطاع هاياو ميازاكي أن يبتكر بصمةً فريدة. صحيح أنه اخترق عوالم خياليّة، إلا أنه انطلق من مواضيع واقعيّة كما اللا عنف، والحب، والعائلة، والنسويّة، وحماية البيئة، وغيرها.

من فيلم «Kiki’s Delivery Service» عام 1989 (موقع استوديو غيبلي)

عن موضوع النسويّة، الذي قاربه في عدد كبير من أفلامه، يقول ميازاكي: «كثيرة هي أفلامي حيث البطولة هي لشخصيّات نسائية قوية، فتيات شجاعات ومكتفيات ذاتياً لا يفكّرن مرتين في القتال من أجل ما يؤمنّ به. قد يحتجن إلى صديق أو داعم، لكنهنّ لا يحتجن منقذاً. أي امرأة قادرة على أن تكون بطلة كأي رجل».


مقالات ذات صلة

غياب منة شلبي عن تكريمها بـ«الإسكندرية السينمائي» يثير تساؤلات

يوميات الشرق لقطة جماعية للفائزين بمسابقة أفلام البحر المتوسط رفقة المخرج يسري نصر الله (إدارة المهرجان)

غياب منة شلبي عن تكريمها بـ«الإسكندرية السينمائي» يثير تساؤلات

اختتم مهرجان الإسكندرية السينمائي دورته الـ40، وهي الدورة التي عدّها نقاد وصناع أفلام «ناجحة» في ظل ظروف صعبة تتعلق بالميزانية الضعيفة والاضطرابات الإقليمية.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق ‎⁨تضم النسخة الثانية معرضاً يجمع «سلسلة القيمة» في أكثر من 16 مجالاً مختلفاً ومؤتمراً مختصاً يتضمن 30 جلسة حوارية⁩

«منتدى الأفلام السعودي» يجمع خبراء العالم تحت سقف واحد

بعد النجاح الكبير الذي شهده «منتدى الأفلام السعودي» في نسخته الأولى العام الماضي 2023، تستعد العاصمة السعودية الرياض لانطلاقة النسخة الثانية من «المنتدى».

«الشرق الأوسط» (الدمام)
يوميات الشرق ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

انضمت الفنانة المصرية ياسمين رئيس لقائمة الممثلين الذين قرروا خوض تجربة الإنتاج السينمائي من خلال فيلمها الجديد «الفستان الأبيض».

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يخرج آرثر فليك (واكين فينيكس) من زنزانته، عاري الظهر، بعظام مقوّسه، يسحبه السجانون بشراسة وتهكّم...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق يشجّع المهرجان الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما (الشرق الأوسط)

الشيخة جواهر القاسمي لـ«الشرق الأوسط»: الأفلام الخليجية تنمو والطموح يكبُر

الأثر الأهم هو تشجيع الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما، ليس فقط عن طريق الإخراج، وإنما أيضاً التصوير والسيناريو والتمثيل. 

إيمان الخطاف (الدمام)

شاشة الناقد: سيرة حياة وهجرة

«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
TT

شاشة الناقد: سيرة حياة وهجرة

«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)
«غير قابل للتوقف» (ريلي غود هوم بيكتشرز)

UNTSTOPABLE ★★★☆

* سيرة حياة رياضي تكاد لا تُصدّق

* عروض مهرجان تورونتو | الولايات المتحدة، 2024

هناك «كليشيهات» متعدّدة في الأفلام الرياضية: مثل مشاهد لصعود الرياضي من العدم، العقبات التي تواجهه، المشاكل النفسية التي يعاني منها، شكوك البعض من أنه سينجز النجاح المرتقب وفي النهاية النجاح المرتقب يقع فعلاً و«البطل» ينجز ما حلم به.

هذه وصفة «رامبو» وما قبله وبعده، وفيلم «لا يمكن إيقافه» لا يخلو منها. المميَز الوحيد هو أن هذا الرياضي هو المصارع الشاب أنطوني (جارل جيروم) الذي وُلد بساق واحدة. الكل، من مطلع الفيلم، لا يصدق أنه سينتصر في جولاته باستثناء والدته جودي (جنيفر لوبيز) التي تعلم كم عانى أنطوني في حياته وجهد لكي يدخل الحلبة رغم عاهته. بداية من أن زوج والدته (بوبي كاناڤالي) احتقره وأساء معاملته منذ كان أنطوني ولداً صغيراً.

تنضم صورة الأب (والفيلم مأخوذ عن كتاب وضعه أنطوني روبلز عن حياته) إلى صور متعددة لرياضيين عانوا من سطوة آبائهم من بينها «The Warrior» لكيڤن أوكونور عام 2011، و«The Iron Claw» لشون دوركن 2023. لكن بسبب هذه المتاعب يزداد إصرار أنطوني على التحدي والفوز في مبارياته متّبعاً أسلوباً خاصاً به يحوّل عاهته إلى ميزة. تأثيرها على المُشاهد هو مزيج من التأييد والخوف عليه (هكذا أيضاً موقف والدته). الممثل جيروم لم يقم بتأدية مشاهد الحلبة بل جيء بالرياضي روبلز ليؤدي تلك المَشاهد.

هذا هو الفيلم الأول لوليام غولدنبيرغ الذي اشتغل سابقاً وراء طاولة التوليف (المونتاج) وهو يدمج حكاية تراجيدية في أصلها ومواقفها الصّعبة بخيط من الرغبة في الوصول إلى الجمهور الواسع الذي سيجد أن بطولة روبلز تستحق المشاهدة.

ANYWHERE, ANYTIME ★★★

* دراما عن أفريقي آخر يعاني من ويلات الهجرة الأوروبية

* عروض مهرجاني ڤينيسيا وتورونتو | إيطاليا - 2024

المخرج ميلاد تنغشير إيراني المولد، ترك البلاد وهاجر إلى أوروبا ونجح في تحقيق بضعة أفلام مرّت تحت الرادار. فيلمه الجديد يختلف في أنه يستقطب اهتماماً لا بأس به حالياً.

بعض هذا الاهتمام ربما يعود إلى أن حبكة فيلمه تمشي بخط موازٍ مع ذلك الذي اعتمده المخرج الإيطالي الواقعي ڤيتوريو دي سيكا عندما حقق فيلمه الأشهر «سارقو الدرّاجات» في عام 1948. ذلك لأن دراجة بطل هذا الفيلم التي هي سبيل معيشته الوحيد سُرقت منه خلال العمل، كما سُرقت دراجة الأب في الفيلم السابق. لا ينتهي التشابه عند هذا الحد لأن الفيلمين يجولان في الأسلوب الواقعي رغم اختلاف الحكاية.

من «أي مكان، أي وقت» (ڤيڤو فيلمز)

بطل هذا الفيلم عيسى (إبراهيم سامبو) سنغالي مهاجر إلى إيطاليا بلا أوراق شرعية. يُطرد من عمل مؤقت لهذا السبب. يحاول صديقه مساعدته عبر شراء دراجة هوائية يستخدمها في تسليم الأطعمة حسب الطلب. هذا ما يؤدي بنا في الفيلم لحالة تشابه أخرى مع فيلم «قصة سليمان»، الذي تناولناه بتاريخ التاسع من الشهر الماضي. ذاك أيضاً كان عن أيام من حياة مهاجر أفريقي إلى فرنسا حققه بوريس لوبكينو بجدارة ونجاح في الإمساك بما يجعل من العمل إيقاعاً جيداً وأداءات معبّرة. أمران لا يحسنهما الفيلم الجديد.

عيسى يعمل في مهنة تسليم الأطعمة في تلك الشوارع المزدحمة، وقد تتوقع أن يقع له حادث ما خلالها لأن المخرج تنغشير يجيد رصد الحركة تاركاً المجال لوقوع أي شيء. الأمر الأول الذي يقع عاطفي حيث يتعرّف عيسى على فتاة أفريقية أيضاً (سوكيس إدماكيوتا) كخطوة أولى صوب حياة عاطفية. الأمر الثاني سرقة دراجته دافعاً بعيسى لمأزق حياة غير متوقع ويتقاطع مع آماله بأن يستطيع التغلب على مشاكله المادية والعاطفية.

هذا فيلم لديه نوايا جيدة معظمها يصل إلينا في الدقائق الأولى وبعضها يبقى، لكنه كان يحتاج إلى مناخ أثرى ومعالجة مختلفة أكثر حدة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز