شاشة الناقد: Commondate

 لقطة من «قائد» (إنديغو فيلم)
لقطة من «قائد» (إنديغو فيلم)
TT

شاشة الناقد: Commondate

 لقطة من «قائد» (إنديغو فيلم)
لقطة من «قائد» (إنديغو فيلم)

Commondate ***

إخراج: إدواردو دي أنجيليس | حربي | إيطاليا | 2023

«قائد» فيلم عن الحرب، تقع أحداثه في عام 1940 في فترة العلاقات السياسية والعسكرية المتميزة بين إيطاليا وألمانيا. لا يتطرّق لجوانب هذه العلاقة، ولا إلى السياسة لأي جانب أو طرف، لكنه يوفّر غطاءً مختلفاً عبر موضوع لم تُثره السينما من قبل، وإن فعلت فليس على نحو معروف.

الطريقة التي اشتغل عليها المخرج إدواردو دي أنجيليس لتنفيذ هذا العمل ليست مختلفة عن التوقع، ذلك لأنه إذا ما كان جزء من اهتمامه الحديث عن الحب الذي يكنّه الكابتن سلفادور تودارو لزوجته، وهو ما يتكرّر أكثر من مرّة خلال الفيلم بعدما يعتلي الكابتن الغواصة ويبحر بها، فإنه من الطبيعي البدء بتوفير جوٍّ لتلك العلاقة والمشاعر العاطفية المتبادلة بينه وبين زوجته.

بعد ذلك يمرّ على مشهد نجده فيه يقود سرّية البحارة متجهين، في لقطة طويلة، إلى الغواصة. أصوات نِعالهم القوية على الرصيف تختلط بإطلاقهم نشيداً وطنياً بصوتٍ متّحد وواضح وعالٍ. لا يبدو أن الغاية هنا هي شحن الأجواء للإثارة على الطريقة الهوليوودية، بل هي تتمّة لرسم تاريخ مختصر يجمع بين عاطفته حيال زوجته وعاطفته حيال وطنه.

على ذلك، نجد الكابتن أبعد ما يكون عن تجسيد شخصية سعيدة بما تقدم عليه. على العكس يعتلي وجه الممثل بييرفرانشيسكو فافينو حزناً لا يسعى الفيلم لتبريره، لكنه يرسمه على ملامحه، مما يعني أنّ الغاية بعيدة بدورها عن تخليد الكابتن بطلاً، بل الاحتفاء به إنساناً.

هناك وحدة معالجة لهذا الفيلم، وسير بالاتجاه الصحيح لبلورة عمل جيد يطرح ما يُثير الاحترام من دون خطابة، أحياناً على نحو متوقع، لكنه ليس ساذجاً أو إثارياً. ما يضر إلى حدٍ بعيد هو أن الفيلم في النهاية لا يتطوّر صوب أهمية شخصية أو سينمائية فعلية.

هناك مناطق درامية مضطربة لأن العمل على تجسيد شخصية ترنو لأن تكون أشبه بشخصية شاعر لديه قلب ينبض بالعاطفة يتعارض إلى حدٍّ ملحوظ، مع إطلاقه ما يفيد بأنه سيدمّر كل الأعداء، ومن ثَمّ إنقاذه بحارة بلجيكيين بعدما دمّر باخرتين عسكريّتين تعرّضتا له. الوازع الإنساني نفسه لم يتبلور كصفة، بل كاختيار لحظوي يمرّ به بطله.

في كل الحالات، يعكس «القائد» كذلك رغبة حذرة في القول إن إيطاليا لم تخطئ باختياراتها السياسية وإن جنودها وبحارتها لا يقلّون شجاعة عن أترابهم من الحلفاء. هذه منطقة أخرى تغوص فيها القدم بالوحل: من ناحية، من الجيد أن نتابع فيلماً ينبري لتقديم صورة معاكسة لتلك الكاريكاتيرية والنمطية لا عن الإيطاليين فحسب بل عن الألمان أيضاً. لكن في غمار ذلك، وهذا بعض مناطق الوحل، هناك تلقائياً غزل بالمرحلة الفاشية وموسوليني (يأتي ذكره بضع مرّات). لو كان الفيلم أُنجز على أيام القائد الفاشي لمنحه ذهبية «فينيسيا»، المهرجان الذي أسسه القائد الإيطالي بقرار جريء.

افتتاح مهرجان «فينيسيا» 2023

Smugglers **

إخراج: ريو سيونغ - وان | أكشن | كوريا | 2023

الموضوع الذي اختاره هذا المخرج الكوري الجديد والنشط، إذ أنجز 13 فيلماً من 2000، وحتى الآن، مثير وغريب. إنه عن نساء عاملات في إحدى مدن كوريا المطلة على البحر. تقع الأحداث في عام 1970. كلا الناحيتين (المرأة العاملة خصوصاً في تلك الحقبة)، هما جديدان على العين في فيلم كوري. أمر شبيه بالأعمال اليابانية، كأفلام شوهاي إيمامورا مثلاً.

من «مهرّبون» (تيمبريدج)

نساء كوريا قبل انقسامها، كنّ يعملن في الأرض والبحر على حدّ سواء. نساء كدن ينكرن الذات في سبيل العمل والعائلة. هنا نرى المرأة تعمل في صيد محار البحر، تغوص بمهارة وتستخرج ما تبيعه لتعتاش من ورائه. نساء الفيلم يبذلن كثيراً في سبيل تحصيل القوت، على عكس الرجال الذين يشترون الصيد بأبخس الأسعار ويمنعهن من بيعها لسواهم. في أحيان كانت عصابات السوق السوداء ترمي حصيلتها في البحر حين تطاردها قوارب الشرطة. هنا تغوص النساء في البحر لالتقاطها وإعادتها للعصابات.

يوفر الفيلم بعض الوقت لتأسيس هذه الحقائق، ومن ثَمّ يُضيف مشكلة تلوّث البحر، مما يؤدي إلى البطالة مع عزوف النساء عن الغوص لأنه بات مشكلة صحية.

ما الذي تستطيع امرأة بلا مواهب غير الغطس بحثاً عن المحار، فعله في المدينة؟ الجواب جاهز. الفتاة التي يتمحور حولها الفيلم تضطر لاستجداء الرزق بالتحوّل إلى فتاة ليل، لكن من هذه النقطة وصاعداً يفقد المخرج قبضته على عمل كان من الأفضل له أن يتبع نهجاً جاداً وليس ترفيهياً أو ميلودرامياً كونه تصدّى لمشكلة اجتماعية غير مطروقة على هذا النحو. هذا مع العلم أنّ الفيلم لم يخلُ من مفاجآت واستدارات مواقف و-على صعيد آخر- من تقسيم الشاشة إلى نصفين (في مشاهد أولى من الفيلم) واستخدام موسيقى ذات مرجعية أميركية بدورها (تذكّر ببعض ما كتبه لالو شيفرِن أو جيري غولدسميث لأفلامهما في السبعينات). هذه تأتي مصاحبة لتوجه الفيلم صوب مشاهد «أكشن» بطلها عشيق الفتاة النازحة (بارك جيونغ - مِن).

من عروض مهرجان لوكارنو، 2023

Retribution *

إخراج: نمرود أنتال | أكشين | الولايات المتحدة | 2023

تصوَّر الوضع التالي: أنت تقود سيارتك في شوارع المدينة مصطحباً أسرتك أو بعض أفرادها. يوم عادي لا يبدو مختلفاً عن أي يوم آخر. فجأة يرنّ هاتف محمول دُسّ في السيارة: «ألو، نعم أنا هو. من يتكلّم». لا يهم من يتكلم بل ما يقوله: «في سيارتك قنبلة موقوتة تنفجر إذا ما أوقفتها».

ليام نيسن في «إنتقام» (ستديو كانال)

بصرف النظر عن المسبّبات، وهي ترد في السيناريو لكن بكتابة من قفا اليد، التي تدعو لمحاولة قتل رجل بهذه الطريقة، فإنّ الناتج مزعج بالتأكيد ويعد بفيلم مشوّق. كيف يمكن لبطل هذا الفيلم، ليام نيسن، الذي شاهدناه في مواقف حرجة كثيرة في السنوات العشرين الماضية، أن يُوقف سيارته لإنزال ولديه أو حين الوصول إلى مكتبه؟ أو ماذا لو نفد الوقود من سيارته؟

هذه الأسئلة تتبادر إلى الذهن خلال الساعة الأولى قبل أن يبدأ ليام نيسن بالاهتداء إلى حلّ لا أستطيع البوح به هنا وقبل دخول البوليس ليحقق فيما يدور. لكن خلال ثلث الساعة الأولى من الفيلم، تدرك أنه منسوخ كفكرة من فيلم يان دي بونت «سبيد» (1994) مع بعض الاختلافات التي تجدر الإشارة إليه: في ذلك الفيلم الذي قدّم كيانو ريفز وساندرا بولوك إلى الشهرة، يمتطي الاثنان حافلة عامّة زُرعت قنبلة فيها على أساس أن سرعتها لا يجب أن تتباطأ وإلا انفجرت العبوة المزروعة داخلها.

الفارق ليس كبيراً باستثناء أن المخرج دي بونت قدّم في ذلك العمل فيلماً ممتازاً بمشاهد تشويق صافية، لكن هذا الفيلم الجديد لديه الفكرة ولا شيء أكثر. كنت أرغب في عدم الخوض في الأسباب التي يوردها الفيلم لتبرير حكايته، لكن عند هذه النقطة من النقد بات ذلك ضرورياً لتأكيد سخامة ما سبق: العملية تستهدف قيام ليام نيسن بتحويل عشرات ملايين الدولارات إلى حساب خارجي (كيف سيفعل ذلك مسألة أخرى)، وعليه قتل شريكه أيضاً. يحاول المخرج - الكاتب نمرود أتال، تغطية كل شيء بابتداع مواقف وإدخال تطوّرات على القصة، لكن كلما أمعن تحوّل الفيلم إلى مهزلة.

عروض: صالات أوروبية

ضعيف* | وسط**| جيد ***| ممتاز**** | تحفة*****


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق محمد فرّاج قبّل علم لبنان متأثراً (فراس حليمة)

الإعلامي فراس حليمة يشارك بمهرجان «الجونة السينمائي» موزعاً العلم اللبناني

فراس توجّه إلى القاهرة من الرياض كي يقوم بتغطية فعاليات المهرجان لقناة «أغاني أغاني»، حاملاً آلام وطن يئن تحت وطأة حرب قاسية كان يشعر بالارتباك.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق صبري تُعدّ نفسها ممثلة عصامية (الجونة السينمائي)

هند صبري: صُنّاع السينما العربية يخشون المجازفة ببطولات نسائية

قالت الفنانة التونسية هند صبري إنها تُعد نفسها ممثلة «عصامية»، فهي لم تدرس التمثيل لكنها تؤدي مشاهدها بإحساس فطري.

انتصار دردير (الجونة (مصر))
يوميات الشرق لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

«أثر الأشباح»... يُوثّق مطاردة لاجئ سوري لـ«جلّاده» في فرنسا

ضحية يبحث عن جلاده للانتقام، لكن مع وصوله إليه تتغير نظرة الضحية للتعامل مع جلاده الذي لم يشاهد وجهه خلال التعذيب.

أحمد عدلي (الجونة (مصر))
يوميات الشرق شريفة ماهر في فيلم «رابعة العدوية» (يوتيوب)

رحيل الفنانة المصرية شريفة ماهر عن عمر 92 عاماً

رحلت عن عالمنا، السبت، الفنانة المصرية شريفة ماهر عن عمر يناهز 92 عاماً، بعد مشوار فني حافل بالعطاء في المسرح والسينما والتلفزيون.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

شاشة الناقد: أفلام رعب

«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
TT

شاشة الناقد: أفلام رعب

«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)
«فراشات سوداء» (مهرجان أنيسي)

BLACK BUTTERFLIES ★★

• «فراشات سوداء»: أنيميشن عن ثلاثة مهاجرين في ثلاث دول | إسبانيا (2024)

عندما أقيمت الدورة الأخيرة من مهرجان «أنيسي» للرسوم المتحركة في فرنسا هذا العام، لفتت المشاركات الإسبانية النظر لحجم ما عرضته، وتنوّعه. أحد هذه الأفلام هو «فراشات سوداء» الذي أنجزه ديڤيد باوت حول موضوع الهجرة في ثلاث قصص متوازية. تقع إحداها في فرنسا، والثانية في دولة أفريقية غير مُسمّاة، والثالثة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ما هو وراء قصصه هذه محاولة لتقديم المتغيّرات البيئية، وهذا حسب ما صرّح به المخرج حين قدّم فيلمه هناك. لكن هذا الهدف مموّه لحد كافٍ عبر الحديث عن ثلاث نساء مهاجرات ومتاعبهن في الأماكن التي حلّوا بها والتي تبتعد عمّا قد يكون له علاقة حتمية بتغيير المناخ. في حين يقدّر الناقد عدم قيام المخرج بتوفير معالجة وعظية، فإن التغيير المناخي يبقى حاضراً عن بعد في أغلب الأحيان.

يوظّف المخرج بطلاته (واحدة أوروبية، والثانية أفريقية، والثالثة هندية وهذه تنتقل للعمل في دبي بنظام الكفالة) ليتحدّث عن مشاكلهن الخاصّة وليس البيئية فقط. هذا جيد لولا أن طريقته في استعراض هذه الحكايات المنفصلة هي الانتقال من واحدة إلى أخرى بقطع مبتورٍ بين الفقرات. بذلك يبدو الفيلم غير قادر على التعامل فنياً مع متاعب السّرد. الرسوم نفسها مشكلة أخرى، فهي غير متقنة في المشاهد التي تصوّر شخصيات الفيلم وتعابيرها، وحين تتحدث يميل الفيلم لأقل الحركات وأسهلها وإلى روتين غير خلّاق، لكنها أفضل في المشاهد التي تصوّر الطبيعة وبعض المشاهد الفانتازية.

• عروض: مهرجان أنيسي.

APARTMENT 7A ★★☆

• «الشقّة 7A»: إخراج: نتالي أريكا جيمس (الولايات المتحدة - 2024)

يعود الفيلم هذا إلى أحداث ما قبل فيلم «طفل روزماري» الذي حققه رومان بولانسكي سنة 1968 عن امرأة تتزوج من رجل ينتمي وجيرانه إلى طائفة تعبد الشيطان. تضع بطلة ذلك الفيلم مولوداً لا ينتمي إلى الآدميين. ميا فارو لم تمثّل فيلماً داكن المواصفات، لكن بولانسكي تمرّس أكثر من مرّة في هذا النوع من الأفلام.

جوليا غارنر في «الشقة 7A» (باراماونت +)

تلعب جوليا غارنر دور الشابّة تيري الذي لعبته حينها فارو، ما يجعل الفيلم خلفية لما سبق. نتعرّف على تيري راقصة باليه تُكسر قدمها حينما كانت تؤدي استعراضاً مسرحياً فتتحطم آمالها بممارسة هوايتها. يتم رفضها بعد أشهر؛ كونها لم تعد قادرة على استعادة مهارتها. يستقبلها زوجان ويعرضان عليها الإقامة في دارهما الواسعة. بعد حين، ستجد تيري نفسها وسط عصبة شيطانية ترغب في تزويجها لإنجاب طفل شيطاني. الباقي معروف لمن شاهد فيلم بولانسكي لأن المخرجة، على براعة ما تسرده، لا تستطيع إلّا توجيه الدفّة لتلتقي ببدايات الفيلم السابق. من شاهد ذلك الفيلم سيعرف بالتأكيد ما حصل بعد نحو ثلاثة أرباع الساعة مشدودة الوتيرة إلى حد كافٍ. لكن من لم يشاهد فيلم بولانسكي، سينجو من هذا الاستشراف وسيُعدّ الفيلم عملاً مستقلاً بنفسه.

هناك إخراج جيد ومتمهّل من نتالي إريكا جيمس، وقدرة على تطويع التكلفة المحدودة عبر أحداث يقع معظمها في مشاهد داخلية.

• عروض: منصة باراماونت +.

SALEM‪’‬S LOT ★★

• «باحة سالم» إخراج: غاري داوبرمان (الولايات المتحدة - 2024)

اقتباس آخر عن واحدة من أكثر أعمال الروائي ستيفن كينغ شهرة. تدور حول كاتب اسمه بن ميرز (لويس بولمان) يعود إلى البلدة الصغيرة التي وُلد فيها بحثاً عن الإلهام بعدما فشلت رواياته الأخيرة في تحقيق المبيعات (بداية قريبة من بداية The Shining عن ذلك الكاتب الذي يقصد العزلة في مكان ناءٍ بحثاً عن الإلهام).

«باحة سالم» (نيو لاين سينما)

يقصد مكتبة البلدة ويقضي فيها كثيراً من الوقت؛ ما يجعله حديث البلدة. هناك يتعرّف على سوزان (مكنزي لي) والاثنان يتحابان ويصبحان معاً حديث البلدة.

الأمور ستتعقد بعد اختفاء صبي ومقتل آخر. الظنون تحوم حول الكاتب؛ كون البلدة كانت آمنة إلى أن وصل إليها. وبينما عليه تبرئة نفسه والبحث عن مَخرج آمن له ولمن يحب، على الفيلم أن يصل إلى تلك المناطق العويصة حيث لا تكفي الحكاية لإحداث الرعب المنشود، بل على المخرج ابتكارها بأسلوب فعّال.

يكاد المخرج أن يفعل ذلك، وهناك دراية لا بأس بها في هذا الشأن بما في ذلك توفير بداية واعدة تستفيد من تأسيس الشخصيات والأماكن. لكنه لا يسبر الموضوع على نحو حثيث، بل يصرف كثيراً من الوقت في التمهيد والإيحاء بما هو قادم. وهذا المنوال يستمر لفترة أطول من المفترض حتى إذا ما وصل الفيلم إلى ذروته خسر الفيلم أنيابه وتحوّل سرداً ميكانيكياً. أفضل ما في الفيلم نفحات ناجحة لوصف الأماكن المعتمة وبضعة مشاهد تحيط بالخطر الذي تتعرض له الشخصيّتان الرئيسيّتان.

• عروض: منصات إلكترونية.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز