في ظل توقف إنتاج هوليوود... مجازفو السينما في ألمانيا يدربون الأطفال

75 طفلاً يشاركون في ورش عمل تقام في حديقة الأفلام المجاورة لاستوديوهات بابلسبرغ (أ.ف.ب)
75 طفلاً يشاركون في ورش عمل تقام في حديقة الأفلام المجاورة لاستوديوهات بابلسبرغ (أ.ف.ب)
TT

في ظل توقف إنتاج هوليوود... مجازفو السينما في ألمانيا يدربون الأطفال

75 طفلاً يشاركون في ورش عمل تقام في حديقة الأفلام المجاورة لاستوديوهات بابلسبرغ (أ.ف.ب)
75 طفلاً يشاركون في ورش عمل تقام في حديقة الأفلام المجاورة لاستوديوهات بابلسبرغ (أ.ف.ب)

يغمض ناثانيال البالغ عشر سنوات عينيه ويحبس أنفاسه قبل أن يقفز إلى الخلف من السقف الفولاذي المقوى لإحدى سيارات مجازفي السينما.

وناثانيال واحد من 75 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و16 عاماً يشاركون في ورش عمل تقام في فوهة بركان وهمية في «حديقة الأفلام» المجاورة لاستوديوهات بابلسبرغ الشهيرة الواقعة على مقربة من برلين، والتي طبعت منذ أكثر من قرن تاريخ السينما.

وشكّلت ورش العمل هذه بديلاً يعوّض على منفذي المشاهد الخطرة في الأفلام النقص الناجم عن تراجع وتيرة عملهم بفعل إضراب الممثلين وكتّاب السيناريو في هوليوود الذي أدى إلى تجميد الإنتاج السينمائي في كل أنحاء العالم.

وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، يحلم ناثانيال بأن يشارك يوماً في أحد أفلام سلسلة جيمس بوند، وسجّل في هذه الدورات التدريبية الحافلة بالإثارة مع أخته الصغيرة أميليا البالغة ستّ سنوات.

وقال ناثانيال ملخصاً الأمثولة التي تعلمها قبل قليل: «عندما تسقط، عليك أن تثني ذقنك، وتصلب ظهرك مثل اللوح، وتعقد ذراعيك أمام صدرك، ثم تترك نفسك تهوي».

وكان التلميذ الصغير سقط قبل ذلك بقليل على مراتب زرقاء مكدّس بعضها فوق بعض. ونال عن محاولته الأولى للعب دور البطل تهاني اثنين من المجازفين قويَي البنية.

زر الإيقاف الموقّت

وأشار قائد فريق المجازفين في بابلسبرغ مارتن ليدرير (40 عاماً) إلى نفاد جميع الأماكن في ورش العمل هذا الصيف.

ويأتي هذا الإقبال في الوقت المناسب؛ لأن فريقه الذي شارك في أفلام شهيرة على غرار «ماتريكس» و«جون ويك» و«هانغر غيمز» في السنوات الأخيرة، بات من دون عمل منذ الشلل الذي أصاب هوليوود بفعل الحراك الذي لم تشهد له مثيلاً منذ عام 1960.

وقال ليدرير لوكالة الصحافة الفرنسية: «يبدو الأمر كما لو أن أحداً ضغط على زر الإيقاف الموقّت».

وأضاف: «لقد أصبح الوضع أكثر هدوءاً من مرحلة ما بعد الجائحة مباشرة، حين كان الناس يعوّضون الوقت الضائع وكنا نشهد طفرة» في النشاط.

واصطف الأطفال الذين يقصدون مدينة الملاهي القريبة من استوديوهات بابلسبرغ لتعلّم أساسيات المعارك الوهمية والسقوط الوهمي. ويتضمن سعر تذاكر الدخول تكلفة ورش العمل للأطفال.

ورأت كاتيا بيكبرينر (44 عاماً) التي تعمل في مجال المشاهد الخطرة منذ عقدين أن تدريب الصغار خلال العطلة الصيفية يشكّل تغييراً لطيفاً عن عملها المعتاد.

وبينما ظلت نشطة بفضل عروض الأعمال المثيرة وورش العمل المخصصة للأطفال، أصيب بعض زملائها بالاكتئاب عندما توقف نشاطهم السينمائي. وعلّقت قائلة: «إما أن يترك المرء نفسه يغرق أو يواصل السباحة للنجاة».

كاتيا بيكبرينر التي تعمل في مجال المشاهد الخطرة ترى أن تدريب الصغار يشكّل تغييراً لطيفاً عن عملها المعتاد (أ.ف.ب)

تنمية الشجاعة

يعمل فريق مجازفي بابلسبرغ لحساب عدد من شركات الإنتاج الألمانية والعالمية، بالإضافة إلى الاستوديوهات التي تصف نفسها بأنها أقدم استوديو سينمائي في العالم؛ إذ تأسست عام 1912.

ورغم مشاركتها في أعمال ذات موازنات كبيرة لستيفن سبيلبرغ وكوينتن تارانتينو في السنوات الأخيرة، أكدت استوديوهات بابلسبرغ أنها تعاني أوضاعاً مادية صعبة تفاقمت بسبب إضراب هوليوود.

ودفعت قلة مشروعات العمل الاستوديوهات إلى اعتماد برامج بطالة جزئية لـ40 في المائة من العاملين فيها ابتداءً من الأول من سبتمبر (أيلول)؛ تجنباً للجوء إلى خطوات صرف جماعي.

وعدّت كاثلين ريختر (41 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال، أن ورش عمل بابلسبرغ هي على أي حال النشاط المثالي لملء وقت فراغ أبنائها خلال العطلة المدرسية الصيفية.

وقالت: «أطفالي رياضيون جداً وكانوا يتشوقون كثيراً للمشاركة في هذه الورش، إنه أمر رائع بالنسبة لهم أن يتعلموا كيفية القتال والسقوط من دون إيذاء أنفسهم أو الآخرين».

وأعلنت فيفيان (10 سنوات) التي كانت تشعر بسعادة غامرة بعد محاولتها الثالثة للسقوط من سطح سيارة، أنها ترغب في أن تصبح ممثلة عندما تكبر، ورأت أن المجازفة بداية جيدة لتنمية الشجاعة اللازمة لهذا العمل.


مقالات ذات صلة

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

يوميات الشرق من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية  والسياسية.

محمد رُضا (ڤينيسيا)
يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
TT

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)

جَنين جِنين ★★★

* تسجيلي: محمد بكري يعود إلى مذبحة جِنين | فلسطين (2024)

* عروض: خاصّة

«حي الدّمج صمد أمام الجيش الذي لا يُقهر أكثر ممّا صمدت الجيوش العربية سنة 1967». ملاحظة يطلقها أحد المتحدّثين في فيلم محمد بكري الجديد «جَنين جِنين»، تفضي إلى بعض تلك الحروب التي شهدها تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، كما إلى قيام الجيش الإسرائيلي باقتحام مخيم جِنين قبل 31 سنة.

إنه الاقتحام الذي أدى إلى مجزرة والذي أخرج عنه محمد بكري فيلمه السابق «جَنين جِنين» سنة 2002. ذلك الفيلم شهد اهتماماً عربياً (بطبيعة الحال)، وعالمياً متناولاً شهادات بعض سكان المخيم وبعض الجنود الإسرائيليين الذين وصفوا ما شهدوه وشاركوا فيه من عنف وإرهاب.

كذلك هو الفيلم الذي دفع الإسرائيليين لشن هجوم إعلامي ضد محمد بكري وتقديمه إلى المحاكمة بتهمة الإساءة إلى الجيش الإسرائيلي بهدف تشويه سمعته. بعد تلك المحاكمة نظرت محكمة الاستئناف في القضية وخلُصت إلى النتيجة نفسها، وقضت عليه باستمرار منع الفيلم من العرض، وتغريم المخرج مادياً. آخر تلك المحاكمات وقعت في العام الماضي ونتج عنها استمرار منع الفيلم من التداول.

كلّ ذلك لم يمنع بكري من العودة إلى بلدة جِنين بعد واحدة من عمليات الجيش الإسرائيلي في العام الماضي. في البداية يعرض المخرج مشاهد من فيلمه السابق يصاحبه تعليق بصوته يوفر خلفيات ما جرى قبل 31 سنة. بعد ذلك ينطلق ليقابل بعض من كان التقى بهم، وسجل أحاديثهم في ذلك الفيلم الأول. يتجنّب بكري هذه المرّة مقابلة إسرائيليين كونه لا يودّ خوض مرافعات ودعاوى جديدة ضده، ويعمد فقط إلى الصوت الفلسطيني لوصف العملية العسكرية الجديدة والحديث عن تلك السنوات الفاصلة.

الفيلم جهد في مكانه. منفّذ برويّة ومن دون تحديّات. يكفيه أنه مستمد من الواقع ومؤثر على صعيد أحداث قضية تشهد هذه الأيام حرباً جديدة. أحد العناوين الفرعية للفيلم هو «ما قبل غزة»، وهو عنوان مستخدم للإيحاء بأن الاعتداءات لا تتوقف حتى تبدأ من جديد.

لكن الفيلم أقل حدّة من سابقه. أقل حتمية إذا ما استثنينا أنه فيلم لم ينوِ أساساً أكثر من تقديم شهادات جديدة لمن سبق له مقابلتهم ليسردوا ما عايشوه وشاهدوه خلال الهجوم الأخير وما خرجوا به من تجربة الهجوم الأول. هو فيلم شهادات توثيقية بالتأكيد، يزيّنه صوت المخرج وهو يعلّق على ما يقوم به. تأثير ما يعرضه من أحوال وما يسمعه من مواقف وشهادات يبقى مؤثراً كما حال الوضع الفلسطيني بأسره. منفّذ جيد ضمن ما هو متاح وهذا في خضمّ الأحداث، إنجاز بحد ذاته.

THE PROMISED LAND ★★★☆

* دراما دنماركية من بطولة الموهوب مادس ميكلسن | الدنمارك (2023)

* عروض: منصّات.

‫لودڤيغ (مادس ميكلسن) هو ابن خادمة كانت تعمل في بعض قصور الطبقة العليا ووضعته. عنوان الفيلم الأصلي «ابن عاهرة» لتأكيد وضعية طبقته. في شبابه انضم للجيش الألماني في بعض تلك الحروب الأوروبية وأمضى 25 سنة بعيداً عن بلده.‬ مع عودته بات يسعى للحصول على إذن لحرث أرض تُمنح له. حين يواجه لودڤيغ اللورد المسؤول ومستشاريه يسخرون منه ومن طبقته ويقضون أن الأرض بور لا تصلح لشيء. يرد على ذلك بأن كل أرض صالحة للزرع. حين يجد أن طلبه سيرفض يتطوّع بأن يموّل مشروعه بنفسه مقابل منحه، إذا ما حقق الحلم، لقب لورد وتخصيصه بما يلزم المكان من عمّال وخدم.

مادس ميكلسن في «الأرض الموعودة» (زنتروبا إنترينمنت)

هنا تبرز قيمة العنوان البديل. إنها أرض موعودة له إذا نجح في ترويضها، وفي هذه الحالة سيمكن سلبها منه بقرار من الذين منحوها له. لا يعرف لودڤيغ هذا الجانب من الخطّة وينهمك في العمل ليثبت أنه سيحوّل تلك الأرض البور إلى مزرعة مثمرة.

هذا واحد من الأفلام الأوروبية التي تنتمي، روحاً وعملاً، إلى تعاليم سينما كلاسيكية جميلة ومنفّذة بإحكام كاف، رغم بعض المشاهد التي تدلف في الفيلم إلى مواقف عاطفية. بذلك يخرج عن نطاق ادعاء التجديد في «الفورم» الروائي أو الانتماء إليه.

يتطوّر ما يسرده المخرج نيكولاي آرسل صوب مواجهات ونزاعات بين حاكم المنطقة والقاضي من جهة وبين لودڤيغ. لا تفضي هذه إلى فيلم مغامرات، بل إلى وصفٍ مثيرٍ ومقنع لما تعرّض له بطل الفيلم من محاولات تقويض نجاحاته لمجرد أنه لا ينتمي إلى الطبقة الأثرى. العواطف العاتية التي تموج في صدر القاضي شينكل (سايمون بنبيرغ) تقوده إلى اختيار مجرمين لمهاجمة لودڤيغ الذي يزداد عناداً وبأساً، محاولاً الحفاظ على أرضه.

أداء ميكلسن محسوب كعادته. يعكس وجهه تلك الصرامة وذلك السعي خافياً مشاعره وراء ستارة رقيقة تعكس أكثر مما تبدي.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز