شاشة الناقد: The Exorcist

المخرج الأميركي ويليام فرايدكن عند فوزه بجائزة تكريم لمشواره الفني في مهرجان فينيسيا السينمائي عام 2013 (أ.ب)
المخرج الأميركي ويليام فرايدكن عند فوزه بجائزة تكريم لمشواره الفني في مهرجان فينيسيا السينمائي عام 2013 (أ.ب)
TT

شاشة الناقد: The Exorcist

المخرج الأميركي ويليام فرايدكن عند فوزه بجائزة تكريم لمشواره الفني في مهرجان فينيسيا السينمائي عام 2013 (أ.ب)
المخرج الأميركي ويليام فرايدكن عند فوزه بجائزة تكريم لمشواره الفني في مهرجان فينيسيا السينمائي عام 2013 (أ.ب)

رحل في مطلع هذا الأسبوع المخرج الأميركي ويليام فرايدكن. للمناسبة نقد لثلاثة من أفلامه الشهيرة

The Exorcist**

إخراج: ويليام فرايدكن | الولايات المتحدة (1973)

* الفارق بين الروائي ويليام بيتر بلاطي وبين ويليام بيتر بلاطي كسيناريست لروايته هو أن المؤلف وضع رواية واسعة الأركان ولديها الوقت لتأليف تشويق طبيعي حول البلدة التي تدور فيها الأحداث وأجوائها وبيئتها الدينية وإلى حد الاجتماعية. كذلك كان لديه الوقت لوضع شخصيات تمتزج بالموضوع وتتجاوز الشكل الخارجي للمطلوب منها. ما عمد إليه حين وضع السيناريو هو اختيار ما يلزم فقط لسرد الحكاية عبر مواقف منتقاة تمر سريعاً ودائماً كحالة ثابتة لا جدال فيها.

شغل ويليام فرايدكن على الموضوع لا يقل فداحة. عوض تقديم حكاية تقترب من أهم مراحلها وتطوّراتها على نحو مدروس بغية أن يأتي التشويق طبيعياً، يعمد المخرج إلى الأوضاع التي من شأنها إحداث الصدمة. وإحداث الصدمة إن لم يكن مبنياً على خلفية فنية يبقى واجهة كرتونية تماماً كحركة رأس الفتاة الصغيرة، الذي يستدير حول نفسه.

ليندا بلير في «طارد الأرواح الشريرة» (وورنر)

بعد تمهيد يكتشف فيه الأب ميرين (ماكس فون سيدو) ميدالية ذات شكل غريب في بعض الحفريات، تنتقل الأحداث إلى بلدة جورجياتاون لنتعرّف على الممثلة كريس (إيلين بيرستِن) وابنتها ريغن (ليندا بلير). هذه الأخيرة تتصرّف تدريجياً على نحو غريب، وسواء أقرأت رواية بلاطي ذات النبرة الهادئة، أو لم تقرأها، فإنك ستدرك أن الشيطان استولى على الفتاة فيرفعها عن السرير صوب السقف أو ليلف رأسها كما الدمية. الصراع الآن بين الأب مارن والأب داميان كرّاس (جاسون ميلر). الأول يموت بالسكتة القلبية والثاني ينتحر بعدما سأل الشيطان أن يترك ابنة الثالثة عشرة وشأنها ويتلبّسه هو.

ما يقع مع الفتاة ريغن يقابله ما يقع مع الأب كرّاس الذي كان يعاني أساساً من بداية فقدانه الإيمان ويركبه الأسى لوفاة والدته. كل ذلك، وتحقيق المفتّش (ج. لي كوب) وحتى شخصية الأم وصولاً إلى مشهد ذلك الشحاذ عند محطة مترو الذي يصيح بهوس «أنا كاثوليكي» (النيل من الكاثوليكية؟) ليست سوى بطانات وضعية نجدها في العديد من أفلام الرعب قبل وبعد هذا الفيلم الذي يصنع الكعكة ويأكلها أيضاً.

The French Connection***

إخراج: ويليام فرايدكن | الولايات المتحدة (1971)

* هناك الكثير مما يستحق المديح في «الرابط الفرنسي» يقع غالبه في كيفية تعامل المخرج مع قاع المدينة (نيويورك) وما تقوم عليه حياتها اليومية من تفاصيل ميكانيكية. هنا وجد المخرج الأسلوب الصحيح لسرد حكاية بوليسية على نحو شيّق.

جين هاكمن في «الرابط الفرنسي» (تونتييث سنتشري فوكس)

بعد أن قام فيليب د. أنطوني بإنتاج Bullitt قبل عامين من هذا الفيلم، المبني على حكاية بوليسية مليئة بالمطاردات حول تحري (ستيف ماكوين) في أعقاب قتلة شاهد عيان، اشترى حقوق رواية (لروبن مور) تقع أحداثها في نيويورك (مقابل سان فرانسيسكو في الفيلم السابق) وبطلها تحر آخر أمام وضع مختلف. عند هذه النقطة تنتهي الحسنات الفعلية المسجلة على صعيد التنفيذ وحسن التعامل مع المدينة وبيئتها. ذلك لأن شخصية التحري دويل (جين هاكمن) لا تحتوي على قِيَم تستدعي الإعجاب كما حال شخصية التحري بولِت. ذاك كان يؤمن بالقانون بلا حياد ويكشف عن أزمة فساد سياسي، أما دويل فهو رجل متوتر، حانق، متهوّر (يقتل زميلاً فيدرالياً في نهاية الأمر) مهووس بتأكيد ظنونه وعنصري (يعنّف السود معتدياً على حقوقهم، ولا ينسى المخرج دس مبررات لذلك في مشهد إلقاء القبض على عدد منهم في حانة).

المهمّة التي يؤديها دويل (وزميله روي شايدر) هي تعقّب فرنسيان، الرئيس (فرناندو راي) ومساعده (مارسل بيزوفي) للكشف عن شحنة مخدّرات يقومان بالإشراف على وصولها. هناك توتر بين دويل وزميله الذي يختلف في منهجه وليس في هدفه. عندما تتم محاولة قتل دويل يفقد هذا القليل مما بقي لديه من صبر ويلاحق بوزوفي في مطاردة هي لب الفيلم. هاكمن في سيارة تنطلق بتهوّر في شوارع المدينة وبوزوفي في المترو فوق الجسور المعلّقة. المطاردة مثيرة بحد ذاتها لكنها تقليد بائس حين مقارنتها بتلك التي في «بولِت». وقيادة ماكوين لسيارته في أعلى سرعة حكيمة وشجاعة في مقابل قيادة هاكمن (الملتصق بالشخصية جيداً) التي تبدو مصطنعة وبالتأكيد متهوّرة.

Bug*

إخراج: ويليام فرايدكن | الولايات المتحدة | 2006

ما بين «طارد الأرواح الشريرة» وفيلم فرايدكن المرعب الآخر هذا («حشرة») العديد من الأفلام التي حققها فرايدكن بلا قيمة فنية (وأحياناً تجارية) فعلية. أفلام مثل The Brink‪’s Jobو Deal of the Century وذلك الاستنساخ لفيلم هنري- جورج كلوزو «أجور الخوف» (حققه فرايدكن تحت عنوان لا علاقة له هو «ساحر (Sorcerer)» وبينها أيضاً «قواعد «الاشتباك (Rules of Engagement)» حيث العربي الجيد هو العربي الميّت

«حشرة» هو فيلم آخر عاد فيه فرايدكن لنوع الرعب. حول امرأة أسمها أغنيس (أشلي دْجد) لديها صديقة (لين كولنز) وفي أحد الأيام تأتي لزيارتها ومعها رجل اسمه بيتر (مايكل شانون في أحد أولى أدواره). يقضي بيتر الليلة الأولى نائماً على الأرض والثانية في الفراش وبين الليلتين تبدل حاله. المشكلة هي أن بيتر مصاب بشيزوفرانياً تجعله يتوهم وجود حشرات في كل مكان حتى تحت بشرته وفي دمه. المشكلة الأخرى هي أن أغنس تصدّقه ومع نهاية الفيلم تتحوّل إلى مهووسة مثله.

ما يأخذه الفيلم على محمل الجد يبقى مضحكاً أكثر منه مخيفاً بما في ذلك اعتقاد بيتر أن الحكومة الأميركية زرعت تلك الحشرات تحت جلده. هذا كان اقتباساً عن مسرحية (كما كان حال أحد أفلام فرايدكن الأفضل وهو The Boys in the Band سنة 1970) ما يفسر التصوير الداخلي والقشيب، ولو أنه لا يفسر السبب الذي من أجله يمكن لأحد الاهتمام بما يقع من أحداث. وحكاية الحشرات التي زرعتها الحكومة الأميركية (حتى ولو كانت هاجساً في بال مريض) كان يمكن لها أن تدلف بالموضوع صوب غاية ما لكنها لا تفعل.

ضعيف* | وسط**| جيد ***| ممتاز**** | تحفة*****

 


مقالات ذات صلة

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

يوميات الشرق فيصل الأحمري يرى أن التمثيل في السينما أكثر صعوبة من المنصات (الشرق الأوسط)

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

أكد الممثل السعودي فيصل الأحمري أنه لا يضع لنفسه قيوداً في الأدوار التي يسعى لتقديمها.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق يتيح الفرصة لتبادل الأفكار وإجراء حواراتٍ مُلهمة تتناول حاضر ومستقبل صناعة السينما العربية والأفريقية والآسيوية والعالمية (واس)

«البحر الأحمر السينمائي» يربط 142 عارضاً بصناع الأفلام حول العالم

يربط مهرجان البحر الأحمر 142 عارضاً من 32 دولة هذا العام بصناع الأفلام حول العالم عبر برنامج «سوق البحر الأحمر» مقدماً مجموعة استثنائية من الأنشطة.

لقطة من فيلم «عيد الميلاد» (أ.ب)

فيلم «لاف أكتشلي» من أجواء عيد الميلاد أول عمل لريتشارد كيرتس

بعد عقدين على النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الكوميدي الرومانسي «لاف أكتشلي» المتمحور حول عيد الميلاد، يحاول المخرج البريطاني ريتشارد كورتس تكرار هذا الإنجاز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

عد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك.

محمد رُضا (نيويورك)
يوميات الشرق من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)

أفلام مصرية جديدة تراهن على موسم «رأس السنة»

تُراهن أفلام مصرية جديدة على موسم «رأس السنة»، من خلال بدء طرحها في دور العرض قبيل نهاية العام الحالي (2024)، وأبرزها «الهنا اللي أنا فيه»، و«الحريفة 2».

داليا ماهر (القاهرة)

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.