بحر من الإبداع ميَّز السينما قبل خمسين سنة

تجارب رائعة... مدارس رائدة وأفلام لا تشيخ

كلينت إيستوود في «ماغنوم فورس» (وورنر)
كلينت إيستوود في «ماغنوم فورس» (وورنر)
TT

بحر من الإبداع ميَّز السينما قبل خمسين سنة

كلينت إيستوود في «ماغنوم فورس» (وورنر)
كلينت إيستوود في «ماغنوم فورس» (وورنر)

ظهر المخرج الراحل فرنسوا تروفو (1932-1984) في 21 فيلماً بينها خمسة فقط مثّل فيها فعلياً دوراً ناطقاً. معظم الأفلام الأخرى كانت ظهوراً بلا اسم في البطاقة الفنية (Uncredited). اثنان من الأفلام الخمسة كانا الأشهر: «لقاءات قريبة من النوع الثالث» لستيفن سبيلبرغ (1977) و«ليلة أميركية»، الذي حققه تروفو نفسه (1973).

هذا الثاني كان أحد أبرع ما أنجزته السينما الفرنسية وربما أفضلها ولن تجد قائمة حول أفضل أفلام ذلك العام الذي يقف على بعد خمسين سنة من اليوم، تخلو من ذكره.

سينما عن سينما

«ليلة أميركية» (أو Day for Night كما سُمّي أيضاً) فيلم جميل عن السينما. عن مخرج (تروفو) يبدأ تصوير فيلمه الجديد ومن حوله فريقه من الممثلين والفنيين ومشاكلهم. يسبر تروفو غور كل حالة بما فيها حالته هو كسينمائي يحاول (في ذلك الفيلم) حل المشكلات المتوالدة من دون أن يتأخر عن جدول العمل المحدد بسبعة أسابيع. بعض تلك المشكلات تعود لممثلين يتصرّفون كأطفال (جان - بيير ليون)، بعضهم خرج من انهيار عصبي (جاكلين بيست)، أحدهم لديه مشكلة إخفاء مثليّته (جان-بيير أومون)، إحدى الممثلات (ألكسندرا ستيوارت) تصل إلى مكان التصوير حبلى في شهرها الثالث واضعة المخرج تحت الأمر الواقع، وهناك سواهم.

يغزل المخرج تروفو طريقه في الفيلمين معاً (ذاك الذي يخرجه لنا والآخر الذي في داخله) بالنسبة إليه السينما أهم من الحياة. كل هؤلاء المحيطين به وكل مشاكلهم وسوء تصرفات بعضهم ليست أهم مما يريد هو تنفيذه.

فيلليني وموسيليني في «أماركورد» (F C Productions)

في العام نفسه وفي المحيط ذاته، إنما على بعد ملحوظ في الوقت ذاته، قدّم الإيطالي الفذ فديريكو فيلليني رائعته «أتذكر» (Amarcord). ليس عن صنع فيلم، بل عن الذكريات التي تصنع الفيلم. عن أحلام الفتية الصغار على تعددها. عن الحب والعائلة والمدينة وفصول الحياة والبحر. لا شيء يشبه هذا الفيلم حتى بالنسبة لأفلام فيلليني الأخرى، التي بدورها امتلأت بالذكريات أو بالملاحظات أو بطرق أبواب التاريخ والفن.

نفي فيلليني في أحاديثه أن الفيلم هو سيرة ذاتية، مكتفياً بالقول إن ثمة مواقف معينة قد تكون وقعت معه. على ذلك، لا يمكن تجاهل تلك العلاقة الكبيرة بين الفيلم وذات الفنان وعلى مستوى راقٍ وبديع من مستويات التعبير.

وبينما كان فيلليني يصوّر فيلمه هذا في بلدة مولده (ريميني) وفي الفناء الخامس في استوديوهات شينيشيتا، (روما) كان البريطاني نيكولاس روغ حط في مدينة فوندامنتا سان سيفيرو، في فينيسيا، مع الممثلة البريطانية جولي كريستي والأميركي (أصل كندي) دونالد سذرلاند مقتبساً حكاية لُغزية من المؤلّفة دافني دو موريير عنوانها «لا تنظر الآن» Don‪’t Look Now.

جولي كريستي في «لا تنظر الآن» (كايسي برودكشنز)

تشويق تقع أحداثه بين فناءات المباني التاريخية والأزقّة المائية حول رجل وزوجته يقابلان امرأة تدّعي أنها تستطيع التواصل مع روح ابن الزوجة. هي تصدّق وزوجها يعاني، وسريعاً ما يدلف الفيلم لإشباع نهم المشاهد من الأحداث. معالجة المخرج للقصّة تتضمن تصوير فينيسيا على نحو غير رومانسي (كما فعل بول شرايدر سنة 1990 في فيلمه الجيد «راحة الغرباء» The Comfort of Strangers).

أسماء لامعة

في ذلك العام، وفي الولايات المتحدة كان مارتن شين وسيسي سبايسك يتحوّلان من عاشقين يريدان السعادة إلى قاتلين يسعيان لحماية تلك السعادة التي تحوّلت إلى فخ محكم في فيلم ترنس مالك الأول «بادلاندز».

إليوت غولد كان تحرياً خاصّاً يحقق في حادثتين معاً تبدوان منفصلتين في اقتباس حر من أعمال الكاتب البوليسي رايموند تشاندلر. في الوقت ذاته كان آل باتشينو يؤدي دور التحري الحقيقي فرانك سربيكو في فيلم سيدني لومِت Serpico.

كان «سربيكو» أحد فيلمين ظهرا لباتشينو في ذلك العام. الآخر كان «فزاعة» (Scarecrow) للمخرج الجيد النائي بنفسه عن العالم جيري تشاتزبيرغ (عمره الآن 96 سنة). «فزّاعة» كان دراما اجتماعية عن لقاء بين رجلين، شاب (باتشينو) وآخر أكبر سناً وأكثر خبرة (جين هاكمن). كلاهما بعيد في عالمه عن الآخر لكن الصداقة تربطهما حتى عندما يدخلان إصلاحية. في محيطهما الاجتماعي فراغ كبير لن يعرفا كيف يملآنه.

روبرت ردفورد وكلينت إيستوود كانا أكبر نجمين آنذاك. والمفارقة أنهما لم يلتقيا لا في السياسة ولا في السينما.

ردفورد (86 سنة حالياً) كان يساري التوجه يؤمن بأميركا للجميع لكنه في «كيف كنا» (The Way We Were) لعب دوراً مناوئاً أمام باربرا سترايسند. هو شخص محافظ سياسياً وهي متحررة وضعف الفيلم كمن في أنه لكي ينجز فكرته المؤيدة لها، كان عليه أن يفتعل لشخصية ردفورد مواقف غير مقنعة. هذا لم يكن من بين أفضل أعمال المخرج سيدني بولاك.

روبرت ردفورد في «كيف كنا» (The Way We Were) (آي إم دي بي)

فيلم ثانٍ لردفورد في العام ذاته كان «اللدغة» (The Sting)، ثاني فيلم يتقاسم بطولته مع بول نيومن. المخرج هو جورج روي هِل الذي كان أخرج لهما «بوتش كاسيدي وصندانس كِد» سنة 1969. في كليهما (وقبل سنة في «هوت روك» لبيتر ياتس) لعب ردفورد دور اللص الظريف. لم لا ولديه شعبية تلائم وسامته؟

كلينت إيستوود مسألة أخرى

فيلماه في ذلك العام كانا «ماغنوم فورس» للمخرج تد بوست و«شريد السهول العالية» (High Plains Drifter). هذا كان «وسترن» من إخراجه. بعضه مسحوب، إلى حد، من فيلم جورج ستيفنز Shane قبل 20 سنة. هنا يصل هذا «الشريد» إلى بلدة صغيرة يحاول سكانها التنقيب عن الذهب لكن أحد كبار البلدة القريبة يستأجر قتلة لترويعهم. فيلم جيد لا يجب أن يفوت هاوي أفلام الوسترن.

أما «ماغنوم فورس» فهو ثاني أفلام سلسلة إيستوود المعروفة بـ«ديرتي هاري». هنا ينقلب على جماعة من رجال البوليس الذين سمحوا لأنفسهم بقتل المواطنين حين يطلق القانون سراحهم لعدم توفر الأدلة. كان هذا الفيلم نوعاً من الرد على من اتهم إيستوود بالتعصب اليميني عندما مثّل، تحت إدارة دون سيغل، الحلقة الأولى من هذا المسلسل تحت عنوان Dirty Harry سنة 1971.

وقفات أخيرة

باتشينو وردفورد وإيستوود كانوا في عز الشباب ومن جيل متقارب تلوا ممثلين قدامى سطعوا نجوماً في الخمسينات والستينات. وفي السبعينات كانوا في غمار «الوقفة الأخيرة» قبل الغروب.

أحد هؤلاء هو روبرت ميتشوم الذي كلما كبر في السن ازداد إثارة للإعجاب. في عام 1973 أعاد النقاد اكتشاف جوهره في «أصدقاء إيدي كويل» لبيتر ياتس: رجل ذو سوابق يجد نفسه مطحوناً بين عصابة وبين رجل أمن يريده أن يعمل مخبراً لديه. أحد أفضل الأفلام البوليسية في ذلك العقد.

لي مارفن، أحد كبار ممثلي الفترة السابقة للسبعينات، ظهر تحت إدارة روبرت ألدريتش في 1973 أيضاً، الفيلم المنسي «إمبراطور القطب الشمالي» (Emperor of North Pole): تحد قوّة بينه وبين الممثل أرنست بورغنين فوق قطار. بينما وجد جيمس كوبرن ضالته في أفضل فيلم وسترن للعام وهو «بات غارِت وبيلي ذَ كِد» لسام بكنباه.

إلى الجوار هناك اثنان قررا الانتقال من الكوميديا إلى الدراما. ليس للمرّة الأولى، لكن من بعد عشرات الأفلام التي كادت تحاصرهما في أدوار خفيفة. ممثلان لعبا بعض تلك الأدوار الكوميدية معاً هما وولتر ماثاو وجاك ليمون.

تحت إدارة الخبير دون سيغل لعب ماثاو دور البطولة في «تشارلي فاريك»، لص سطا وصديق له على مصرف. المصرف يغسل أموال عصابة. العصابة ترسل في أثره قاتلاً محترفاً (جو دون بايكر) في حبكة تستحق المشاهدة مراراً.

جاك ليمون أدّى دوراً ممتازاً في «انقذ النمر» (Save the Tiger) (آي إم دي بي)

جاك ليمون أدّى دوراً ممتازاً في «انقذ النمر» (Save the Tiger) لجون ج. أفيلدسن: صاحب شركة تقترب من الإفلاس يفكر في حرقها لكي يحصل على التأمين.

جون دون بايكر كان ممثلاً ناشئاً ومجسّداً لشخصياته جيداً. في ذلك العام ظهر أيضاً في فيلمين آخرين «السير بفخر» (Walking Tall) لفل كارلسن لاعباً شخصية شريف يعمد إلى العصا في مواجهة العصابة و«المنظّمة» (The Outfit) مؤدياً شخصية أحد لصّين صديقين يسرقان من المنظمّة. فيلم رائع لجون فلِن. اللص الآخر كان روبرت دوفال، الذي كانت لديه ثلاثة أفلام في ذلك العام (ومباشرة بعد «العرّاب») «المنظّمة» كان أهمّها.

أرقام وتواريخ

* تربع The Exorcist على قمّة الإيرادات العالمية لسنة 1973 بـ441 مليون دولار

* انتقل بروس لي من النجاح الإقليمي إلى النجاح العالمي عبر فيلم Enter the Dragon لروبرت كلاوز

* توفي بروس لي قبيل بدء عرض الفيلم في صيف 1973

* من بين أهم أفلام الرعب لعام 1973:

1- «مسرح الدم» (Theatre of Blood) لدوغلاس هيكوكس.

2- «لا تنظر الآن» (Don‪’t Look Now) لنيكولاس روغ

3- «ذَ ويكر مان» (The Wicker Man) لروبن هاردي.

 


مقالات ذات صلة

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

يوميات الشرق فيصل الأحمري يرى أن التمثيل في السينما أكثر صعوبة من المنصات (الشرق الأوسط)

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

أكد الممثل السعودي فيصل الأحمري أنه لا يضع لنفسه قيوداً في الأدوار التي يسعى لتقديمها.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق يتيح الفرصة لتبادل الأفكار وإجراء حواراتٍ مُلهمة تتناول حاضر ومستقبل صناعة السينما العربية والأفريقية والآسيوية والعالمية (واس)

«البحر الأحمر السينمائي» يربط 142 عارضاً بصناع الأفلام حول العالم

يربط مهرجان البحر الأحمر 142 عارضاً من 32 دولة هذا العام بصناع الأفلام حول العالم عبر برنامج «سوق البحر الأحمر» مقدماً مجموعة استثنائية من الأنشطة.

لقطة من فيلم «عيد الميلاد» (أ.ب)

فيلم «لاف أكتشلي» من أجواء عيد الميلاد أول عمل لريتشارد كيرتس

بعد عقدين على النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الكوميدي الرومانسي «لاف أكتشلي» المتمحور حول عيد الميلاد، يحاول المخرج البريطاني ريتشارد كورتس تكرار هذا الإنجاز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

عد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك.

محمد رُضا (نيويورك)
يوميات الشرق من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)

أفلام مصرية جديدة تراهن على موسم «رأس السنة»

تُراهن أفلام مصرية جديدة على موسم «رأس السنة»، من خلال بدء طرحها في دور العرض قبيل نهاية العام الحالي (2024)، وأبرزها «الهنا اللي أنا فيه»، و«الحريفة 2».

داليا ماهر (القاهرة)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.