كيليان مورفي... من طومي شيلبي إلى «أوبنهايمر»

بين الممثل الآيرلندي وعالم الذرّة شبَهٌ كبيرٌ و«عينان كالبحر»

الممثل الآيرلندي كيليان مورفي (يمين) بدور «أب القنبلة الذرّية» روبرت أوبنهايمر (يسار)
الممثل الآيرلندي كيليان مورفي (يمين) بدور «أب القنبلة الذرّية» روبرت أوبنهايمر (يسار)
TT

كيليان مورفي... من طومي شيلبي إلى «أوبنهايمر»

الممثل الآيرلندي كيليان مورفي (يمين) بدور «أب القنبلة الذرّية» روبرت أوبنهايمر (يسار)
الممثل الآيرلندي كيليان مورفي (يمين) بدور «أب القنبلة الذرّية» روبرت أوبنهايمر (يسار)

هذا الوجه المتصدّر فيلم الموسم، عالقٌ في مكانٍ ما من ذاكرة جمهور المسلسلات الغربيّة. من الصعب أن يخلع الممثل كيليان مورفي «بيريه» طومي شيلبي ومعطفه، لكنه وبمنتهى السلاسة اعتمر قبّعة روبرت أوبنهايمر وتقمّص شخصيته، مستأذناً لبرهة من بطل مسلسل «Peaky Blinders».

يقول الممثل الآيرلندي في حديث مع «أسوشييتد برس»، إن اليوم الذي اتصل به المخرج كريستوفر نولان ليعرض عليه دور أوبنهايمر «كان يوماً عظيماً». تلقّى الخبر بحماسةٍ اختلطت بالرهبة، هو الذي أمضى 20 عاماً يقدّم أدواراً ثانوية في أعمال صانع الأفلام البريطاني الأميركي.

انتهت المكالمة مع نولان، فأقفل مورفي الخط غير مصدّق ما سمع للتوّ؛ ليس لأنه لاهثٌ خلف دور بطولة، بل لأنه لطالما رغب بشدّة في تصدُّر أحد أفلام نولان، ولو لمرّة. إلى جانب ذلك، فهو معتادٌ على مطاردة الأدوار الثقيلة والمتعبة، تلك التي تضعه أمام مسؤولية كبيرة؛ وهكذا حال «أوبنهايمر».

ملصق فيلم «أوبنهايمر» الذي بدأ عرضه حول العالم منذ أيام (يونيفرسال بكتشرز)

عَينا كيليان

ليس من عادة كريستوفر نولان أن يقرر أسماء الممثلين وهو بعدُ في طور الكتابة، غير أن حالة كيليان مورفي خالفت القاعدة. يقرّ المخرج في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، بأنّ عينَي كيليان قفزتا إلى مخيّلته بينما كان يعدّ سيناريو الفيلم. «هما العينان الوحيدتان القادرتان على أن تعكسا كثافة الدور»، يقول نولان.

اقتبس نولان فيلمه من كتاب «بروميثيوس الأميركي: انتصار وتراجيديا ج. روبرت أوبنهايمر»، وهي سيرة أوبنهايمر الذاتية وحكاية الفيزيائي الأميركي الذي أشرف على تطوير القنبلة الذرّية خلال الحرب العالمية الثانية. منذ لمح غلاف هذا الكتاب وصورة روبرت أوبنهايمر التي تتصدّره، أدرك نولان فوراً مَن هو الفنان القادر على تقمّص ذاك التعبير وتلك النظرة الثاقبة.

لعبت عينا كيليان مورفي دوراً أساسياً في اختياره لأداء الشخصية التاريخية. عن هاتَين «العينَين الزرقاوَين كالمحيط»، يقول فريق عمل الفيلم إنهما شكّلتا «مصدر إلهاء دائم خلال التصوير». وقد ذهب الممثل مات ديمون إلى حدّ التصريح بأن «تصوير مشهد إلى جانب كيليان قد يتحوّل إلى مشكلة حقيقية، إذ إنك تجد نفسك فجأةً غارقاً في عينَيه».

مات ديمون بدور الملازم ليزلي غروفز في فيلم «أوبنهايمر» (يونيفرسال بكتشرز)

حمية قاسية

ليس الشبَه الجسدي بين مورفي وأوبنهايمر وحدَه ما منح الممثل تأشيرة مرور إلى بطولة الفيلم، فهو فنان من الطراز الأول وهذا ما أثبته أداؤه في «Peaky Blinders» وفي مجموعة كبيرة من الأفلام والمسرحيات. كما أنه يأخذ التزاماته المهنية على محملٍ عالٍ من الجدّ.

أمضى مورفي 5 أشهر وهو يجهّز نفسه للدور، ويُجري أبحاثاً حول خفايا شخصية روبرت أوبنهايمر. خلال تلك الفترة الفاصلة بين تسلّمه السيناريو وانطلاق التصوير، كان عليه أن يخسر الكثير من الوزن، حتى تتقارب الملامح أكثر بينه وبين أوبنهايمر النحيل. تحت إشراف أخصائية تغذية، خضع لحمية قاسية ولم يكن يأكل سوى القليل.

تكشف الممثلة إميلي بلانت، التي لعبت دور زوجة أوبنهايمر في الفيلم، ضمن حديث مع مجلة «People» (بيبول) الأميركية، إن مورفي كان يكتفي أحياناً بتناول حبة من اللوز في اليوم الواحد. أما زميله في الفيلم الممثل روبرت داوني جونيور، فيلفت إلى أنه لم يشهد خلال مسيرته تضحيةً من قِبَل ممثل، كتلك التي قدّمها مورفي. ويعني داوني بذلك أن مورفي لم يكن يأخذ إجازات ولا يشارك في نزهات فريق العمل.

خضع مورفي لحمية قاسية قبل وخلال تصوير فيلم «أوبنهايمر» (يونيفرسال بيكتشرز)

ترشيح محتمَل إلى الأوسكار؟

بعد أيام على بدء عرض «أوبنهايمر» في صالات السينما حول العالم، أجمع النقّاد والجمهور على ضخامة الفيلم شكلاً ومضموناً. صحيفة «تلغراف» البريطانية علّقت بالقول، إن كيليان مورفي (47 عاماً) قدّم دور العمر بأدائه شخصية عالم الذرّة ما بين عشرينياته وآخر خمسينياته. أما صحيفة «تايمز» فوصفت أداء مورفي بـ«المتفجّر»، ورأت زميلتها «غارديان» أن تمثيل مورفي مفعم بالتفاصيل وطالعٌ من أعماقه. فيما لم يستبعد عدد كبير من النقّاد السينمائيين أن ينال الممثل الآيرلندي ترشيحاً إلى جوائز الأوسكار عن دوره في الفيلم.

عمل مورفي بجدّ من أجل تجسيد شخصية أوبنهايمر، وها هو يحصد ثمار جهده. كان التصوير سريعاً ولم يتجاوز 57 يوماً، شعر خلالها، وفق تعبيره، بأنه «غارقٌ تماماً في الدور، وفي حالة ذهنية صافية جداً»، رغم الحرمان من الطعام والراحة.

من الغناء إلى التمثيل

متأخرةً بعض الشيء، سطعت الأضواء على كيليان مورفي. تعود معرفته بكريستوفر نولان إلى عام 2003، وكانت له إطلالات في 5 من أفلامه قبل «أوبنهايمر»، هي سلسلة «Batman»، و«Inception – إنسبشن»، و«Dunkirk - دنكرك».

كيليان مورفي بدور توماس شيلبي في سلسلة «Peaky Blinders» (تويتر)

لم يكن التمثيل ضمن حسابات الشاب الآيرلندي أصلاً، فهو بدأ حياته الفنية مغنياً وعازف غيتار في عدد من فرَق «الروك». بالتزامن مع انشغالاته الموسيقية، تخصص مورفي في القانون من دون اهتمامٍ أو نجاحٍ يُذكر. لكنه يوم شاهد مسرحية «A Clockwork Orange»، شعر بأن المسرح يناديه.

منذ ذلك الحين، انضمّ إلى فِرَق مسرحية جامعية عدّة، إلى أن لمع نجمه في مسرحية «Disco Pigs» عام 1996. شارك مورفي لاحقاً في أعمال مسرحية ومسلسلات قصيرة وأفلام مستقلّة، إلى أن نال دور البطولة الأول في فيلم الرعب «28 Days Later» عام 2002. كانت تلك المرة الأولى التي يتذوّق فيها مورفي طعم الشهرة العالمية.

كيليان مورفي في مشهد من فيلم «28 Days Later» (إنستغرام)

لم يكتسب مورفي قدراته التمثيلية تخصُصاً ولا تدريباً، بل من خلال الخبرة والاحتكاك بممثلين كبار. وحتى عندما طرق النجاح المدوّي بابه من خلال مسلسل «Peaky Blinders»، ظلّ متمسّكاً بخشبة المسرح التي علّمته الكثير.


مقالات ذات صلة

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز