حروب الأمم تتجدد في مهرجان «كارلوفي فاري»

بعض جوائزه توزعت بين بلغاريا وألمانيا

لقطة من «دروس بلاغا»... (42 فيلمز)
لقطة من «دروس بلاغا»... (42 فيلمز)
TT

حروب الأمم تتجدد في مهرجان «كارلوفي فاري»

لقطة من «دروس بلاغا»... (42 فيلمز)
لقطة من «دروس بلاغا»... (42 فيلمز)

منح مهرجان كارلوفي فاري (جمهورية التشيك) جائزته الأولى للفيلم البلغاري «دروس بلاغا» (Blaga‪'‬s Lessons) وذلك في نهاية دورته السابعة والخمسين التي أقيمت في تلك المدينة الجميلة ما بين نهاية الشهر الماضي والثامن من هذا الشهر مع إتاحة يوم إضافي لمشاهدة الفائز من الأفلام لمن فاتته فرصة مشاهدتها خلال أيام المهرجان الرسمية.

الفيلم دراما ساخرة حول ما يذهب إليه البعض بهدف السطو على ما تملكه زوجة شرطي مات حديثاً وتركها وحيدة إلا من ذكرياتهما معاً. فجأة هناك من يداوم الاتصال بها مدعياً أنه من رجال البوليس، طالباً منها أن تسحب مالها من المصرف لأن حسابها بات مكشوفاً وقد تخسره بالكامل. بذلك تجد نفسها تواجه عملية نصب مدروسة تكاد معها أن تخسر كل ما تملكه.

تاريخ يبحث عن فيلم

قلّما يفوز فيلم بلغاري بجائزة أولى رغم وجود صناعة محلية يتجاوز إنتاجها من الأفلام الروائية والتسجيلية الطويلة أكثر من 25 في العام. هذا هو أيضاً وضع السينما التشيكية ومعظم دول أوروبا الشرقية بالمقارنة مع وضع السينما في أوروبا الغربية.

مهرجان كارلوفي فاري، الذي يقام سنوياً في التشيك، هو تاريخ يبحث عمن يودعه طيّات فيلم وثائقي. أقيم للمرّة الأولى في عام 1946 كمهرجان للسينما المحلية بلا جوائز. بعد عامين نما الشعور بأن المهرجان يحتمل وجود جوائز سنوية وفي سنة 1951 دفع باتجاه احتواء لجنة تحكيم دولية كسواه من مهرجانات المنطقة. هنا وجد «كارلوفي فاري» نفسه في ورطة كون طموحاته أخذت تصطدم بحقيقة وجود مهرجان كبير واحد في المنظومة الشيوعية هو مهرجان موسكو (تأسس سنة 1935 وكسب شهرته وعالميّته في مطلع السبعينات) الذي رفض المنافسة، عادَّاً المنظومة الأوروبية الشرقية لا تحتمل أكثر من مهرجان كبير واحد. تبعاً لذلك رضخ «كارلوفي فاري» لرغبة موسكو وتوقف عند حدود المركز الثاني بين مهرجانات أوروبا الشرقية التي تسعى لعروض عالمية.

أكثر من ذلك أن القرار الروسي - التشيكوسلوفاكي الرسمي آنذاك قرر أن يقام المهرجان التشيكي بالتناوب مع المهرجان الموسكوفي وليس في العام ذاته. مهرجان موسكو كان يُقام مرّة كل عامين، وفي العام الذي يغيب فيه يُقام مهرجان كارلوفي فاري.

في سنة 1992 استعاد «كارلوفي فاري» حضوره السنوي وانتقل من وضع الملحق إلى وضع رئيسي ومن ثم إلى الموقع الذي يحتلّه الآن في مقدّمة الصف الثاني من المهرجانات، أي بعد الثلاثي الأول: فينيسيا، كان، برلين) وبمساواة مهرجانات أساسية أخرى مثل لوكارنو السويسري وسان سابستيان الإسباني وصندانس الأميركي.

مشهد من فيلم «فراشات حديدية (Iron Butterflies)»... (بابلون 13)

صراعات آنية

بطريقة أو بأخرى، شهدت الدورة الحالية استعادة للماضي المذكور إنما من زاوية الحرب الدائرة بالقرب بين روسيا وأوكرانيا. جمهورية التشيك، التي دخل الجيش الروسي عاصمتها براغ سنة 1968، معنية كثيراً بما يدور على مسافة مجاورة ومهرجانها لم يعكس هذا الاهتمام بعرض أفلام أوكرانية (كان هناك فيلم واحد في المسابقة بعنوان «فراشات حديدية») بقدر ما انعكس في رفض عرض أفلام روسية. لم يشمل الرفض الإنتاجات الرسمية (أي تلك التي اعتمدت على دعم وزارة الثقافة الروسية) فقط، بل تلك المستقلة أيضاً، وذلك على أساس أنه ليس من العدل الاحتفاء بسينما روسية في مثل هذا الوقت، خصوصاً وأن الدولة التشيكية تعارض روسيا أسوة بمعظم دول أوروبا.

الفيلم الأوكراني «فراشات حديدية» فيلم تسجيلي يتمحور حول حادثة السابع عشر من يوليو (تمّوز) 2014 عندما انفجرت طائرة مدنية تقل 298 راكباً في رحلتها من أمستردام إلى ماليزيا وسقطت في الأراضي المتنازع عليها ما بين روسيا وأوكرانيا وتبادل الجانبان تهمة من أطلق تلك القذيفة على الطائرة.

يغرف الفيلم من التحقيقات التي قام بها الجانب الأوكراني التي أدانت الميليشيا الروسية (المعروفة بـ BUK) وأصدرت حكمها بالسجن المؤبد على من عدَّتهم مسؤولين عن الحادثة. يحيط الفيلم بهذه الوقائع على نحو مدروس وبتنفيذ جيد. ليس هناك من مشهد، في الساعة الأولى منه، غير موثّق أو غير مبني على وثيقة. وتوالي المَشاهد يدفع باتجاه الإدانة وممارسة حق الفيلم التسجيلي/ الوثائقي في لعب دوره في التعامل مع التاريخ.

ما يخفق فيه الفيلم هو أنه من بعد استيفاء هذا الجانب من العرض يعرج على أحداث الأمس القريب عندما حررت القوات الروسية تلك المناطق التي تعتبرها لها. هنا يواصل المخرج رومان ليوباي الكيل للعدو من دون أن يسمح لنفسه التعامل مع جانبي النزاع على نحو موضوعي. مشكلة ما يقع في الثلث الأخير من الفيلم هو أن التاريخ لن ينظر إلى أحداث اليوم من زاوية طرف واحد كما يفعل المخرج، بل سيحيط بالظروف جميعاً.

على أن الحرب الأوكرانية ليست الوحيدة التي عرض لها «كارلوفي فاري» أفلاماً. إلى جانب «فراشات حديدية» كان هناك فيلمان آخران على الأقل تتعامل مع موضوعي الحرب والتاريخ. أحدهما الفيلم اللبناني «على فوهة بركان» (سُمّي بالإنجليزية Dancing on the Edge of a Volcano) لسيريل عريس والفيلم الآتي من بوسنيا بعنوان «مواجهة الظلام» (Facing Darkness).

تمويل ألماني لمواضيع غير ألمانية

في هذا الفيلم اللبناني (ولو اسمياً على أساس أن تمويله جاء من فرنسا وألمانيا) الذي خرج بتنويه خاص من لجنة التحكيم، كما بجائزة الجمهور المسمّاة بـ«برافو»، سرد لمأساة انفجار المرفأ كنقطة بداية لانهيار جديد ونقطة نهاية لمرحلة سابقة. ليس أن الوضع لم يكن متأزماً على كل صعيد ممكن قبل ذلك الانفجار الهائل الذي أودى بأكثر من 7 آلاف شخص بين قتيل وجريح. يعرض المخرج سيسيل عريس المأساة من وجهة نظر سينمائيين يرغبون في أداء دورهم في كشف اللثام عما لا يستطيعون كشفه تبعاً لإخفاء الحقائق.

هناك فيلم فرنسي- ألماني آخر عرضته المسابقة تحت عنوان «مواجهة الظلام». هو أيضاً فيلم تسجيلي قام بإخراجه الفرنسي جان-غبريال بريو، لكن وجهته هي ما حدث في العام 1992 عندما هاجمت القوّات الصربية بوسنيا ما أدّى لموت نحو 5000 مدني وأكثر من ذلك من القوى البوسنية النظامية خلال المرحلة الأولى على الأقل. يستعرض المخرج تاريخ من قبل تلك الحرب قبل أن يربطه بالأحداث اللاحقة وصولاً إلى الوضع الحالي.

مشهد من الفيلم الإيراني «عش فارغ»... (باسيس برلين فيلم برودكشن)

«عش فارغ» (Empty Nest) للإيراني بهروز كاراميزاده (تم تمويله ألمانياً) هو الفيلم الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى. إنتاج ألماني فيه لمحات من المعالجات الاجتماعية التي سادت أفلام جعفر باناهي وأصغر فرهادي من دون التيمة النقدية الواضحة في أفلامهما.

يتعامل هذا الفيلم مع الوضع الاقتصادي، مستنداً إلى قصّة حب بين الشاب أمير (حميد رضا عباسي) والفتاة نرجس (صدف أصغري) تعارضها عائلة الفتاة الأعلى دخلاً إلا إذا استطاع أمير البرهنة على أنه يستطيع زيادة دخله لكي يناسب المقام. على هذه الخلفية التقليدية في الواقع نجد أمير وقد وجد عملاً كغطّاس في البحر، مما يقوده لاحقاً للعمل في اصطياد بيض السمك على نحو غير مرخّص ومخالف للقانون. كل هذا لأن المسألة بالنسبة إليه هو كسب رضا أهل زوجته حين التقدم للزواج من ابنتهم.

ربما يمكن وصف هذا الفيلم بشكل من أشكال المغامرة، لكن «عش فارغ» يتعرّض للمسألة الاجتماعية وضمنها الموقف الأخلاقي. هو عن الظروف الداعية ثم مصير تلك الرغبة في تأمين العيش الرغيد.

حقائق

خريف المهرجانات

تزدحم باقي أسابيع الصيف وأشهر الخريف المقبل بالعديد من المهرجانات في كل أنحاء العالم. التالي قائمة بسبعة أساسية منها بينها مهرجانان عربيّان:

1- لوكارنو (سويسرا): من 2 إلى 12 أغسطس (آب)

2- فينيسيا (إيطاليا): 30 أغسطس إلى 10 سبتمبر (أيلول)

3- تورنتو (كندا): 7 إلى 17 سبتمبر

4- سان سيباستيان (إسبانيا): 29-30 سبتمبر

5- لندن (بريطانيا): 4- 15 أكتوبر (تشرين الأول)

6- الجونة (مصر): 12-20 أكتوبر

7- قرطاج (تونس): 28 أكتوبر إلى 4 نوفمبر (تشرين الثاني)


مقالات ذات صلة

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

يوميات الشرق عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» الذي جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، وتلعب بطولته الفنانة سلاف فواخرجي.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر مهرجان الفيوم السينمائي الدولي للبيئة والفنون المعاصرة (إدارة المهرجان)

4 أفلام سعودية للعرض في مهرجان الفيوم السينمائي

تشارك 4 أفلام سعودية في الدورة الأولى لمهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة الذي يقام خلال الفترة ما بين 25 و30 نوفمبر.

محمد الكفراوي (القاهرة )

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز