شاشة الناقد

الفيلم الصيني «كلية الفنون، 1994» (مومنتو فيلمز).
الفيلم الصيني «كلية الفنون، 1994» (مومنتو فيلمز).
TT

شاشة الناقد

الفيلم الصيني «كلية الفنون، 1994» (مومنتو فيلمز).
الفيلم الصيني «كلية الفنون، 1994» (مومنتو فيلمز).

Indiana Jones and the Dial of Destiny ***

إخراج: جيمس مانغولد | الولايات المتحدة | 2023

• هناك اثنان إنديانا جونز واثنان هاريسون فورد في هذا الفيلم. إنديانا الأول نراه في مقدّمة طويلة (نحو ثلث ساعة) وهو يوزّع لكماته على وجوه أكثر من مائة جندي نازي داخل ثم فوق قطار سريع. يطيح بهم جميعاً في سبيل الاحتفاظ بأداة ميكانيكية تستطيع التحكم بالزمن. ثم نرى إنديانا في الزمن الحالي يحاول تدريس الطلاب غير المبالين شيئاً من التاريخ. الوحيدة التي تفهم ما يقول، وهذا يشمل المشاهدين أيضاً، هي حفيدته. هذه تزوره لتقنعه بأن يعاود البحث عن تلك الأداة السحرية.

هاريسون فورد، بطل هذه الشخصية، مضروب أيضاً باثنين: هناك فورد الذي أعادت له عمليات «الرتوش» الحاسوبية شبابه لتلك المقدّمة، ثم فورد الذي يطالعنا وفي باله إقناعنا بأن الباحث في القلادات والآثار العتيقة ما زال مناسباً لزمننا هذا. إنديانا جونز هو باحث آثار وهاريسون فورد يبدو اليوم أحدها.

في محاضرته الأخيرة (بعدها يقرر إنديانا جونز الاستقالة من عمله) يتحدّث عن أن أرخميدس كان صنع آلة تستطيع الإبحار في الزمن في اتجاهين: الماضي منه والمستقبل. الآلة اليدوية بقيت مفقودة حتى وُجدت سنة 1901 في أعماق البحر المتوسط قبل أن تصبح موضوع الفيلم الجديد ومحط نزاع بين العالِم النازي فولر (ماس ميكلسن) وإنديانا جونز الذي يقرر أن أميركا هي الأحق باحتواء هذه الآلة.

لو افترضنا أن أرخميدس اخترع هذه الآلة لكان من المقبول التساؤل حول أي زمن قرر أن يعيش فيه. لِمَ لَمْ يستخدمها للعودة إلى الماضي أو للانتقال إلى زمن من مقبل؟ أرخميدس ليس بيننا اليوم ليقاضي أصحاب الفيلم بتهمة الكذب، لكن هاريسون فورد سيتحامل على نفسه لإثبات أنه ما زال قادراً على خوض المغامرات بالقوّة ذاتها. فورد (والفيلم) يجهدان في سبيل هذه الرغبة لكن النجاح محدود.

إخراج جيمس مانغولد جيد كحرفة وينقذ المُشاهد من الضجر. متقن حرفياً إلى حد مقبول ويوفّر إيقاعاً متسارعاً كما هو مأمول ويقفز فوق اللا - منطق بنصف نجاح.

إنديانا جونز في حقيقته ليس أكثر من سارق آثار محترف، وذلك من الفيلم الأول «إنديانا جونز وفلك نوح الضائع» (1981) وحتى اليوم. خاض حروباً ضروسة للاحتفاظ بما يسرقه وتوجيه ضربات متكررة للنازيين ومن يراه شركاء لهم.

عروض مهرجان سياتل (2023).

The Harvest **

إخراج: ‪كايلي سو‬ | الولايات المتحدة | 2023

* يشكو «الحصاد» من إيقاع بطيء وحكاية مألوفة لكنها معالجة بدراية وإقناع حول عائلة كورية - أميركية تتألف من الأب والأم (اللذين هاجرا منذ سنوات) والابن الذي يعود من مكان عمله في سان فرنسيسكو إلى نيويورك في زيارة تبدو عادية في مطلع الأمر. نوع من إعادة أواصر العلاقة التي تباعدت منذ حين.

يجد الشاب في كنه العائلة تجديداً لأواصر الماضي. ويتواصل مع الجميع خصوصاً مع شقيقته الصغيرة التي أصبحت في سن تتيح لها اختيارات عدّة لولا أن والدها يريد إخضاعها لنظام نشأ هو عليه.

ستنضح الحكاية سريعاً بالمواقف التي تكشف عن أزمات ومتاعب. عن الزوجة التي لا تستطيع أن تقول لا لزوجها، التي تحاول توفير الراحة العاطفية لها ولابنتها. هناك تباعد بين الأجيال يشير إليه الفيلم بوضوح. ليس فقط أن الأب ملتزم بتعاليم جيله، بل هي الزوجة أيضاً التي تختار أن تلعب الدور الثاني في البيت وتضع زوجها فوق كل حاجاتها الخاصة.

كل ما سبق هو المنطلق الدرامي لأحداث طفيفة لا تجنح صوب المفاجآت أو التطوّرات غير المتوقعة. هذا قصور في خانة الكتابة انتقل إلى خانة الإخراج الذي يعوّض ذلك بعض الشيء بتوفير إدارة تنفيذ معقولة. التمثيل جيد والفيلم له خامة تلك الأعمال الصغيرة التي لا تطلب سوى عرض ما تحكيه.

عروض مهرجان سانتا باربرا (كاليفورنيا)

Art College 1994 **

إخراج: ‪ليو جيان‬ | الصين | 2023

‫* ليو جيان مخرج أفلام أنيميشن وفيلمه قبل الأخير Have a Nice Day استقبل بحفاوة لا بأس بها حين عرضه 25 مهرجاناً عالمياً فاز بجوائز رئيسية في سبعة منها. لكن «كليّة الفنون، 1994» يختلف، ومن لم يشاهد الفيلم السابق سيتساءل عما إذا كان هذا الفيلم الجديد خطوة إلى الوراء أم لا.‬

في ساعتين من الزمن، يقص الفيلم حكاية شبان وشابات يدرسن الفن في كلية تقع في جنوب الصين. الفيلم يعتمد الحوار طوال الفترة باستثناء تلك المشاهد، التي يوفرها للبيئة الطبيعية من حين لآخر. وما يتحدّث فيه هؤلاء هو... الفن، وللتنويع الحياة والفلسفة ومشاغل ذهنية أخرى.

من العبث أن نجد أي حيوية في مشاهد ولو مرسومة بالحد الأدنى من الحركة. الضجر يواكب المُشاهد حتى نهاية الفيلم، حيث يستلقي أحدهم على ظهره في أحد الليالي تحت الثلج المنهمر بينما يحيط به رفاقه وهم ما زالوا يتداولون ما تداولوه في مطلع الفيلم. إذا كانت هناك فكرة فلسفية ما فهي بالتأكيد فاتت هذا الناقد.

عروض مهرجان أنيسي للرسوم المتحركة

ضعيف* | وسط**| جيد ***| ممتاز**** | تحفة*****



قراءة في موجة «سينما الأمس» الفرنسية البوليسية

إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)
إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)
TT

قراءة في موجة «سينما الأمس» الفرنسية البوليسية

إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)
إيڤ مونتان وآلان ديلون في «الدائرة الحمراء» (ريالتو بيكتشرز)

تفتح وفاة الممثل ألان ديلون نافذة على حقبة معيّنة من الأفلام لعب دوراً أساسياً فيها مع عدد كبير من الممثلين الذين، في وقت ما، كانوا أيضاً من عماد الشاشة الفرنسية والنوع البوليسي تحديداً. المجال نفسه يوفر استعراض بعض تلك الأفلام التي لمعت (وبعضها لا يزال) ما بين مطلع الستينات ونهاية السبعينات. الحقبة التي كانت (بدورها) أهم إنجازات السينما العالمية في كثير من الدول.

أحزان ورغبات

ألان ديلون كان شريكاً في هذه الورشة التي عمد إليها بعض أفضل مخرجي السينما الفرنسية من كلود سوتيه، وألان كورنو، إلى جان - بيير ملڤيل، وجاك ديراي، وهنرى ڤرنووَل، وبيير - غارنييه، وفيليب د بروكا، وجوزيه جيوڤياني... من بين آخرين.

السّمة المشتركة بين هذه الأفلام لا تنحصر في معالجات جادة تختلف 180 درجة عمّا نشاهده اليوم من أفلام تدمج الحكاية البوليسية بالكوميديا أو تنتحي بها صوب مدارات فانتازية؛ بل تشمل كذلك فعل الإخراج المدروس واللون المنتمي إلى الواقع قدر الإمكان، كما أن ممثلي هذا النوع كانوا من جهابذة الفنانين الفرنسيين: جان غابان، ولينو ڤنتورا، وميشال بوكيه، وإيڤ مونتان، وجان - لوي ترتنيان، وميشال كونستانتين، وميشال سيرو، وطبعاً ألان ديلون.

أفلام هؤلاء لم تحتفِ بالمجرمين كأبطال يفرضون على المشاهدين سوء أفعالهم، كما تفعل أفلام التسعينات وما بعد. ليس هناك ذلك التلذّذ حول كيف تكون مجرماً دون عقاب. على العكس، كثير منها، استمد من تلك الشخصيات متاعبها وأحزانها ورغباتها المتوجة بالإخفاق.

كلود شابرول وستيفن أودران في «قبل منتصف الليل» (ليبرا فيلمز)

خذ مثلاً نهاية فيلم «الدائرة الحمراء (Le cercle rouge)» لجان - بيير ملڤيل (1970)، تصوّر مقتل الأشقياء الثلاثة ألان ديلون، وإيف مونتان، وجيان - ماريا ڤولونتي بعد نجاحهم في سرقة محل مجوهرات خَصّص له المخرج نحو ربع ساعة مفصّلة ومشوّقة. الشعور المكتسب لدى المشاهد هو أن حياة هؤلاء مصير لا يتوقف من المعاناة الفردية الصامتة (لا يشي بها أي حوار) بحيث يتركك المشهد وفي الحلق غصّة وشعور بذنب الاصطفاف معهم.

مثل شخصيات أخرى في أفلام بوليسية أميركية وفرنسية كثيرة هم ليسوا أشراراً، لذلك يقع المشاهد في حبّهم. كذلك الحال في فيلم ملڤيل الآخر «الساموراي» (1967) حيث يحاول ألان ديلون إبعاد شبح الوشاية والهزيمة عنه حتى آخر نفس.

هذه أيضاً نهاية لينو ڤنتورا في «المخاطرة الكبرى (The Big Risk)» لكلود سوتيه. ڤنتورا المطارد من قِبل البوليس عليه أن يجد مكاناً يؤمن فيه حماية زوجته (ساندرا ميلو) وابنهما، يساعده جان - بول بلموندو ويشي به مارسيل داليو وينتهي بمقتله.

لينو فنتورا وجان-بول بلموندو: «المخاطرة الكبيرة» (نيووِن برودكشنز)

شابرول المختلف

ألان ديلون متورّط في سرقة مجوهرات، مثلما فعل في «الدائرة الحمراء»، في فيلم هنري ڤرنووَل «العصبة الصقلية (Le Clan des Siciliens)» الذي يدور كذلك حول خطة محكمة لسرقة مجوهرات تنتهي على عكس ما يرغب المشاركون فيها. لينو ڤنتورا هنا ينتقل إلى دور المحقق وجان غابان رئيس العصابة.

وهناك رغبة انتقام في فيلم جان بكَر (Becker) «رجل اسمه روكا (Un Nommé la Rocca)» (1961)، من بطولة جان - بول بلموندو الذي كان قبل عامين لعب بطولة فيلم بوليسي لجان-لوك غودار هو (À bout de souffle) «بلا نفس» مؤدياً شخصية شاب قتل شرطياً لكن عوض أن يهرب عاد إلى باريس ليلتقي المرأة الأميركية التي يحب (جين سيبرغ). هذه تشي به وتشهد نهايته وهو الذي كان قال لها خلال اللقاء: «الرجل تقتله المرأة التي يحب».

كتب هذا الفيلم زميل غودار حين كانا من نقاد مجلة «كاييه دو سينما» فرنسوا تروفو الذي داعب الفيلم البوليسي في عام 1960 بتحقيق فيلم بوليسي من صنف مختلف (كما حال فيلم غودار ومعظم أفلام زميلهما الثالث من صفحات تلك المجلة كلود شابرول) هو «أقتل لاعب البيانو» (Shoot the Piano Player) مع شارل أزناڤور في البطولة.

بالنسبة لكلود شابرول نراه عمد إلى أسلوب تشويقي خاص به في مختلف أفلامه في تلك الفترة وما بعدها، فقدّم سنة 1969 «زوجة غير مخلصة» (La femme infidèle) حول زوج (ميشال بوكيه) يرتاب بزوجته (ستيفاني أودران) ويكتشف أن شكوكه في مكانها فيقتل عشيقها.

في العام التالي أخرج شابرول «الجزّار» (The Butcher)، حيث ذلك اللحّام (جان يان) الذي قد يكون المجرم الذي ينقل مهارته في الذبح إلى البشر.

أحد أفضل أفلامه على نحو مطلق هو «قبل حلول الليل» (Juste avant la nuit) الذي سلّم قيادته أيضاً إلى ميشال بوكيه في دور رجل يقتل عشيقته التي هي زوجة أقرب أصدقائه وينفد من العقاب بعدما قررت زوجته غض النظر عن فعلته.

يقترب فيليب لابرو من منوال شابرول في «من دون دافع واضح» (sans mobile apparent)، الفيلم الذي أخرجه ببراعة سنة 1971 عن جرائم قتل مجهولة الدوافع من بطولة جان- لوي ترتنيان. أحد أفلامه الملائمة في هذا النطاق (L'Alpagueur) الذي عُرض عالمياً بعنوان «الصياد سيصل إليك» (The Hunter Will Get you)، من بطولة جان- بول بلموندو مازجاً البوليسي بالأكشن كما غالبية أعماله.

بلموندو أيضاً ظهر في فيلم جوزي جيوڤاني La Scoumoune. إنتاج من عام 1972 عرضته صالات لندن سنة 1974 تحت عنوان Hit Man، وهو عن رواية كتبها جيوڤاني، وهي ذاتها التي كان جان بكَر حققها سنة 1961 بعنوان «رجل اسمه روكا» كما تقدّم.

كل ما سبق طمح (وكثيراً ما حقق) الرغبة في تصوير عالم داكن من الحكايات البوليسية التي تصوّر حياة المجرمين، وقد أحيطت بدائرة من النوازع الشخصية والمصائر القدرية. وإذا كان لا بد من جملة أفلام تلخّص هذا الجانب بوضوح ومهارة فلتكن تلك التي حققها جان-بيير ملڤيل مما تم ذكره هنا لجوانب أخرى لم يتسع المجال لها.

عاجل «حزب الله» يحمل إسرائيل مسؤولية انفجار أجهزة الاتصالات في لبنان ويقول إن «المجرم» سينال بالتأكيد قصاصه العادل