مهرجان ميونيخ يمنحَ التونسية بن هنية جائزتها الكبيرة الثانية

طرح أفلاماً مستعارة وباع 58 ألف تذكرة

«بنات ألفة» (تونتي تونتي فيلمز)
«بنات ألفة» (تونتي تونتي فيلمز)
TT

مهرجان ميونيخ يمنحَ التونسية بن هنية جائزتها الكبيرة الثانية

«بنات ألفة» (تونتي تونتي فيلمز)
«بنات ألفة» (تونتي تونتي فيلمز)

انتزعت المخرجة التونسية كوثر بن هنية جائزة مهرجان ميونيخ في دورته الـ43 المنتهية في الأول من هذا الشهر وذلك عن فيلمها الجديد «بنات ألفة» (أو «أربع بنات»، يعتمد ذلك على أي عنوان يعتمد الموزّعون عليه).

«أوراق شجر ساقطة» (سبوتنيك برودكشنز)

بهذه الجائزة تستقبل المخرجة ثاني فوز دولي كبير لها بعد «الرجل الذي باع ظهره» (2020) الذي كان قد نال جائزتين من مهرجان فنيسيا، قبل أن يتوجه إلى ترشيحات الأوسكار الرسمية كأول فيلم تونسي يصل إلى النهائي.

كلا الفيلمين أكثر أفلام المخرجة شهرةً منذ بداية عملها في السينما عندما حققت أول أفلامها الطويلة بعنوان «الإمام يذهب إلى المدرسة» سنة 2010 الذي شارك حينها في مسابقة مهرجان دبي بقسم الأفلام التسجيلية.

بعد ذلك أنجزت «شلاط تونس» 2013، و«زينب تكره الثلج» 2016، وبعدها «الجمال والكلاب» 2017، وصولاً إلى «الرجل الذي باع جلده»، و«بنات ألفة».

كان «بنات ألفة» قد فاز بجائزة العين الذهبية في مهرجان «كان» مشاركةً مع فيلم المخرجة المغربية أسماء المدير «أم كل الأكاذيب».

مشروع جديد

يتألف «بنات ألفة» من مزج ما بين التمثيل والأداء التسجيلي. الأول يمنح الفيلم صفة الروائي، والآخر يضعه في خانة التسجيلي. بذلك هو جمع بين تناقضات مقصودة أحسنت المخرجة التخطيط لها وتنفيذها. يدور حول أُم لأربع بنات اسمها ألفة (هندي صبري) تبحث عن ابنتين من بناتها قررتا الانضمام إلى جماعة متطرّقة. ترغب الأم في استعادتها من مصير مظلم وإعادتهما إلى حظيرة العائلة.

في هذا السياق تمضي الحكاية بتعرجاتها المذكورة لكنها تزداد غرابة مع استعانة المخرجة بمزيد من الانتقال ما بين ممثليها المختلفين، كون بعضهم من الممثلات وبعضهم من الشخصيات الحقيقية، كما لو أنها تريد من فيلمها سرد الحكاية وتأكيدها أيضاً. أو -ربما كما يتبدى الأمر من منظور مختلف- سرد الحكاية وتكذيبها معاً. ما يدور في خلفية المُشاهد الذي يستقبل كل هذا الكم من القرارات وفورمات السرد هو حقيقة أن المشروع الماثل أمام المخرجة جديد من نوعه وينتمي إلى محاولة فعلية لتقديم شكل واحد فريد. هذا الشكل ينجح أكثر حين معاملة الفيلم على أساس مشاهد مفترقة، مفصول بعضها عن بعض بنقله صوب التمثيلي وغير التمثيلي، لكن حين النظر إلى الفيلم ككل فإن قيمة العمل تختلف سلباً، كون الفيلم لن ينجز إعجاباً كاملاً كعمل سينمائي لا يخلو من الافتعال، أو كشخصيات كونها تتأرجح بين كسب العاطفة وعدمها.

تنقسم أفلام بن هنية إلى أفلام روائية («الجمال والكلاب»، و«الرجل الذي باع ظهره»)، وغير روائية («زينب تكره الثلج»)، ومحاولتها الإتيان بمزيج بين الجانبين تحدٍّ كبير تخرج منه رابحة في المبدأ، وأقل من ذلك في التطبيق. على أن العمل بأسره يستحق ما يلتقطه من اهتمام وجوائز منذ عروضه في الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» حتى الآن. وهو تنافس في «ميونيخ» ضمن برنامج المسابقة الأولى أمام 11 فيلماً آخر.

«بنات ألفة» ليس الفيلم الوحيد الذي انتقل من «كان» إلى مهرجان «ميونيخ» الألماني. الحال أن المهرجان الألماني عليه أن يستند إلى عروض تأتيه من مهرجانات أكبر كونه ما زال من تلك التي تقع في الصف الثاني من بين المهرجانات. بل ربما في الصف الثالث حين النظر إلى مهرجانين آخرين أُطلقا في الفترة ذاتها: «كارلوفي فاري» التشيكي (الذي يحتل مكانة فعلية ويستقبل أفلاماً لم تُعرض في مهرجانات أخرى لمسابقته الرسمية)، و«تريبيكا» في نيويورك الذي تبلور منذ إطلاقه سنة 2002 كأحد أبرز مهرجانات الولايات المتحدة، وهو أيضاً من بين تلك التي لا تعرض أفلاماً سبق عرضها في مهرجانات أخرى.

من بين الأفلام التي عرضها «ميونيخ» من بعد أن شوهدت على شاشات مهرجان «كان» فيلم آكي كوريسماكي، المخرج الفنلندي الذي قدّم تحفته الجديدة «أوراق شجر ساقطة (Falleen Leaves) ». حاز هذا الفيلم الرومانسي ذو الهم الاجتماعي جائزة «لجنة التحكيم» في المهرجان الفرنسي بينما نال في «ميونيخ» جائزة الجمهور.

لم تنتقل كل الأفلام من «كان» إلى ميونيخ، بل بعضها فقط. الباقي، مع نصيب لا بأس به من الأعمال الجديدة، حطّ في ميونيخ مباشرة مثل «فأل (Omen) » للمخرج البلجيكي بالوجي (وهو مغني راب أيضاً)، حقق الجائزة الثانية، ويدور حول موضوع السَّحَرة في أفريقيا. الجائزة الثالثة كانت من نصيب «الغابة المظلمة (The Dark Fores)» للسويدية نيلي راب.

البحث عن بدلاء

حظي المهرجان بنحو 58 ألف مشاهد، أي بزيادة 8000 مشاهد عن العام الماضي، هذا رغم ارتفاع سعر التذكرة إلى جوار 5 دولارات للفيلم الواحد. والكثير من الحضور انتمى إلى مؤسسات ألمانية وأوروبية مختلفة مثل «UFA» و«ZDF» و«Arte» وهي من الشركات السينمائية والتلفزيونية ذات التاريخ العريق.

لكنّ الموضوع الذي تسلل إلى دائرة الاهتمام إعلامياً، خلال فترة المهرجان الذي بدأت أعماله في السابع والعشرين من الشهر الماضي وانتهت في الأول من هذا الشهر، هو التغيير المرتقب لمديرة المهرجان دَيانا إلين التي ستغادر منصبها في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.

أكثر من ذلك، أثيرت أيضاً مسألة مَن سيخلف مديرة مهرجان برلين، مارييت ريزنبيك، على ضوء الدورة الأخيرة من المهرجان الألماني الأول التي لم تكن موازية لتطلعات وطموحات مسؤولي المهرجان ومسؤولي الحكومة التي تنفق عليه. ريزنبيك ليست مديرة المهرجان الوحيدة بل يشاركها كارلو شاتريان، ما يجعل الفشل الأخير (وهو استمرار لوضع غير مريح عانى منه المهرجان الألماني منذ أن تسلم المديران منصبيهما سنة 2020) مزدوجاً.

أبرز عناوين ذلك الفشل هو أن الأفلام المنتقاة لم تكن، في غالبيّتها حسب النقاد، من تلك التي تستطيع منح برلين ما يحتاج إليه لمنافسة مهرجاني «فنيسيا» و«كان»، كما كان الحال حتى ذلك الحين، الغالب أن هذا التراجع سببه أن علاقات كل من المهرجانين الإيطالي والفرنسي مع السينمائيين حول العالم أقوى بكثير من علاقة مديري المهرجان الألماني.

جدير بالذكر أن العقد المبرم مع شاتريان وريزنبيك ينتهي مع نهاية العام المقبل رغم أن ريزنبيك كانت قد قدّمت استقالتها مباشرةً بعد الدورة الأخيرة من مهرجان برلين في فبراير(شباط) الماضي.


مقالات ذات صلة

«سينما 70» تطلق عروضاً في «مهرجان التلال العجيبة» شرق السعودية

يوميات الشرق تتيح العروض للزوار مشاهدة الأفلام تحت السماء المفتوحة (الشرق الأوسط)

«سينما 70» تطلق عروضاً في «مهرجان التلال العجيبة» شرق السعودية

أطلقت «سينما 70» عروضها السينمائية المفتوحة في الهواء الطلق ضمن فعاليات «مهرجان التلال العجيبة» في مدينة الجبيل الصناعية (شرق السعودية).

«الشرق الأوسط» (الجبيل الصناعية)
يوميات الشرق جانب من العرض الخاص للفيلم بالقاهرة (الشركة المنتجة)

فيلم «الحريفة 2» يراهن على نجاح الجزء الأول بشباك التذاكر

احتفل صناع فيلم «الحريفة 2» بالعرض الخاص للفيلم في القاهرة مساء الثلاثاء، قبل أن يغادروا لمشاهدة الفيلم مع الجمهور السعودي في جدة مساء الأربعاء.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق فيصل الأحمري يرى أن التمثيل في السينما أكثر صعوبة من المنصات (الشرق الأوسط)

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

أكد الممثل السعودي فيصل الأحمري أنه لا يضع لنفسه قيوداً في الأدوار التي يسعى لتقديمها.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق يتيح الفرصة لتبادل الأفكار وإجراء حواراتٍ مُلهمة تتناول حاضر ومستقبل صناعة السينما العربية والأفريقية والآسيوية والعالمية (واس)

«البحر الأحمر السينمائي» يربط 142 عارضاً بصناع الأفلام حول العالم

يربط مهرجان البحر الأحمر 142 عارضاً من 32 دولة هذا العام بصناع الأفلام حول العالم عبر برنامج «سوق البحر الأحمر» مقدماً مجموعة استثنائية من الأنشطة.

لقطة من فيلم «عيد الميلاد» (أ.ب)

فيلم «لاف أكتشلي» من أجواء عيد الميلاد أول عمل لريتشارد كيرتس

بعد عقدين على النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الكوميدي الرومانسي «لاف أكتشلي» المتمحور حول عيد الميلاد، يحاول المخرج البريطاني ريتشارد كورتس تكرار هذا الإنجاز.

«الشرق الأوسط» (لندن)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز