لا مفاجآت في جوائز مهرجان «كان»... و3 عرب يفوزون بـ«نظرة ما»

السعفة لمخرجة فرنسية عن «تشريح سقوط»... وتركية تفوز بأفضل ممثلة

جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)
جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)
TT

لا مفاجآت في جوائز مهرجان «كان»... و3 عرب يفوزون بـ«نظرة ما»

جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)
جوستين ترييت وطاقم فيلمها «تشريح سقوط» مع سعفة «كان» الذهبية (أ.ف.ب)

نال فيلم المخرجة الفرنسية جوستين ترييت «تشريح سقوط» سعفة مهرجان «كان» الذهبية للدورة الـ76 من هذا المهرجان الفرنسي الرائد، في حفل توزيع الجوائز الذي انتهى في ساعة متقدمة من صباح الأحد.

يتناول الفيلم حكاية زوجة (تقوم بدورها الألمانية ساندرا هولر) المتهمة بجريمة قتل زوجها إثر مشاجرة. الفيلم مقسوم ما بين التمهيد للتعريف بالأسرة، ثم تصاعد الأحداث التي أدت إلى مقتل الزوج. القسم الثالث هو المحكمة التي تنظر في القضية لكي تبت ما إذا كانت الزوجة قتلت زوجها فعلاً أم لا.

السعفة الذهبية هي أعلى مرتبة من مراتب الجوائز التي تقدّم في «كان» وألقت خطبة التمهيد لها الممثلة الأميركية جين فوندا التي طالبت بحشد المزيد من أفلام تخرجها النساء.

ثلاثة شرق آسيويين تقاسموا الكعكة

الفوز النسائي بجائزة أفضل ممثلة كان من نصيب الممثلة التركية ميرڤ ديزدار عن فيلم «حول الأعشاب الجافة» للمخرج نوري بيلج شيلان.

أما المقابل الرجالي فكان من نصيب الممثل الياباني كوجي ياكوشو وعن جدارة، لاعباً شخصية منظّف حمامات في فيلم أخرجه الألماني ڤيم ڤندرز بعنوان «أيام مثالية».

وذهبت جائزة أفضل مخرج للألماني جوناثان غلايزر عن فيلم «منطقة الاهتمام»، وهو دراما عن الهولوكوست من زاوية عائلة ألمانية تسكن بجانب أحد المعتقلات.

الوحيد الذي غاب عن الحضور لاستلام جائزته هو الفنلندي آكي كوريسماكي عن فيلمه الممتاز «سقوط أوراق الخريف»، وهو دراما آسرة عن مشروع علاقة بين رجل وامرأة يعانيان شظف الوضع الاقتصادي ونال جائزة لجنة التحكيم. ونال الفيتنامي الأصل تران آنه هونغ جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «بوت أو فو» (اسم وجبة فرنسية شهيرة) بطولة الممثلة الفرنسية جولييت بينوش.

تران آنه هونغ مع جائزة أفضل مخرج عن فيلمه «بوت أو فو» (رويترز)

إلى جانب الممثل الياباني ياكوشو والمخرج الفيتنامي الأصل (يعيش ويعمل في فرنسا)، عزز كاتب السيناريو الياباني يوجي ساكاموتو الحضور الآسيوي بفوزه عن فيلم «مونستر»، واستلمها بالنيابة عنه مخرج الفيلم هيروكازو كوري-إيدا.

بدت الجوائز مقررة على نحو هندسي ولم تأت، فعلياً، بمفاجآت أو تقلب توقعات. لكن المثير فيها ظهور المنتج والمخرج الأميركي المخضرم روجر كورمن الذي ألقى أقصر كلمة في هذه المناسبة إذ لم تتجاوز الدقيقة، وذكّر فيها الحضور بأنهم في أرفع «مكان سينمائي على الأرض».

رحلة سياحية

نتوقف عند جوائز المهرجان وتحديداً جوائز ثاني أهم المسابقات، مسابقة «نظرة ما».

هذه الجائزة أعلنت السبت، وجاءت على النحو الآتي: الجائزة الأولى (المسمّاة «جائزة سارتا ريغار») لفيلم بريطاني- يوناني لمولي مانينغ ووكر. يسرد حكاية ثلاث فتيات بريطانيات يصلن إلى اليونان بحثاً عن اللهو والمتعة. هو الفيلم الأول لمخرجته. يبدأ كما لو أنه بمثابة تسجيل مصوّر لرحلة سياحية، لكن بعد قليل من بدايته، تتراءى سماته بكل ما حملته من خفّة وسهولة تصوير حالات ثلاث صديقات يرغبن في الترفيه العابر على ساحل بلدة ماليا. شيء يقع، كما يتحسّس المُشاهد، يودي بكل ذلك المرح البادي، ويوفر بديلاً له لم يكن في حسبان البطلات.

الجائزة الثانية في التعداد كانت باسم «جائزة صوت جديد»، مُنحت للمخرج الأفريقي بيلوجي (يكتفى باسم واحد) عن فيلمه «فأل» (حكاية أربعة سحرة يهاجرون خوفاً من القتل على أيدي أبناء البلدة).

لقطة من فيلم أسماء المدير «كذب أبيض» (مهرجان كان)

من بين الجوائز الست، نال ثلاثة مخرجين عرب ثلاث جوائز بما يشبه مطراً منعشاً لحضور السينما العربية في دورة هذا العام. جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى أسماء المدير عن فيلمها التسجيلي «كذب أبيَض» وهو اسم تسويقي (The Mother of All Lies). وجائزة لجنة التحكيم ذهبت إلى فيلم كمال الأزرق «كلاب»، الذي فيه من جهد الكتابة والتنفيذ ما يتجاوز فيلم أسماء المدير.

«جائزة الحرية» نالها المخرج محمد قردوفاني عن فيلمه «وداعاً جوليا» وهو المشاركة السودانية الرسمية الأولى في تاريخ المهرجان الفرنسي. لا يبتعد الفيلم (إنتاج أمجد أبو العلا، مخرج «ستموت في العشرين» - 2018) عن أحداث اليوم، لكن من دون معالجتها. صُوِّر قبل نشوب الصراع بين المتحاربين حالياً في السودان. لكن الموازاة قائمة، لكون الأحداث التي يعرضها تقع في عام 2005 عندما عاشت الخرطوم حالات انهيار أمني آخر.

هذا فيلم آخر سوداني جيّد (بالإضافة إلى «ستموت في العشرين» والتسجيلي «الحديث عن الأشجار» لصهيب قاسم الباري)؛ نال تلك الجائزة ذات النبرة السياسية باستحقاق. لكن ما هو ملاحَظ أنّ أسماء الجوائز في هذه التظاهرة تحاول تفادي تداوُل مبدأ «الأفضل»، على نحو «أفضل فيلم» و«أفضل مخرج»... إلخ، مما يجعل المجموعة الفائزة شبه متساوية في التقدير.

لجنة تحكيم متنوعة

وكانت لجنة التحكيم بقيادة المخرج السويدي روبن أوستلوند؛ وتضم ثمانية أعضاء من بينهم المخرجة وكاتبة السيناريو المغربية مريم توزاني؛ والمخرج الأفغاني عتيق رحماني والمخرج الزمباوي رونغانو نيوني. والباقون؛ كتاب ومخرجون وممثلون غربيون، من بينهم بول دانو وبري لارسون ودوني مينوشيه وداميان شيفرون، علماً أنه من غير المتاح بالطبع معرفة كيف تلاقت الثقافات والآراء بين أكثرية غربية وقلّة أفريقية وآسيوية.

أعضاء لجنة التحكيم قبل حفل إعلان الجوائز (إ.ب.أ)

ليس المقصود أنّ صراعاً محتدماً وقع. عادة ما تُذلّل العقبات والمناقشات بطريقة ديمقراطية، فيصغي الجميع للجميع. يوافقون أو يعترضون والكلمة الفصل للتصويت. لكن هذا لا يمنع أنه في مرات عدة، اختلف أعضاء لجان التحكيم وظهر الخلاف على وجوههم لدى اعتلاء المنصّة. حدث ذلك، على سبيل المثال، في دورة 2018 عندما نال فيلم كوري - إيدا هيروكازو «السعفة الذهبية» عن «نشالو المحلات» (Shoplifters).

كما تردّد لاحقاً، فإنّ بعض لجان التحكيم في تلك الدورة فضّلوا فيلم «حرب باردة» للبولندي بافل بافليكوفسكي؛ وتمسّك البعض، إلى حين، بفيلم «الرماد هو الأبيض الأكثر نصاعة» (Ash is Purest White) للصيني جانكي جيا.

هذه كانت أقاويل ما بعد توزيع جوائز تلك السنة، لكن فوز الفيلم الياباني «نشالو المحلات» كان في نهاية المطاف صائباً. كوري - إيدا هيروكازو، مخرج هذا الفيلم، حضر هذه السنة أيضاً بفيلمه «مونستر». حظوظ المخرج لم تكن قوية هذه المرة، لكن حظوظ كاتب سيناريو فيلمه كانت أفضل بحصده الجائزة. احتوى الفيلم على كل بصمات مخرجه المعتادة، باستثناء أنه ليس مدهماً كما حال أفلام سابقة له. حكاية ثلاثية الإلقاء (الأحداث من ثلاث وجهات نظر) تفقد حسنات أسلوبها المتبع والمأمول.

شيء مشابه يقع في فيلم مخرج آخر اعتاد عرض أفلامه في «كان»، هو كريم عينوز (من أب جزائري وأم برازيلية). فقد حاول، في فيلمه المتسابق «فايربراند»، تحويل حكاية آخر زوجات الملك هنري الثالث عشر إلى دراما تحمل (على غرار فيلم الافتتاح «جان دو بوري» حول آخر عشيقات الملك الفرنسي لويس الخامس عشر) مأساة البطلة (تؤدّيها أليسيا فيكاندر بجدارة)، لكن رغم جودة التنفيذ، لم يتجلَّ في السيناريو أكثر بكثير من الوصف والسرد القصصي.

فيلم آخر كان أوفر حظاً - كما تراءى للعدد الأكبر من الحاضرين قبل أن تتحقق النبوءة ويحصد جائزة أفضل مخرج - هو فيلم جوناثان غلايزر «منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest). إنه حكاية مختلفة عن الهولوكوست من مخرج يعود إلى العمل بعد عشر سنوات من العزلة، منذ تقديمه فيلمه السابق «تحت الجلد» الذي جمع بين اللغز والرعب ونال رواجاً نقدياً لا بأس به.

مشهد من فيلم جوناثان غلايزر «منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest) (آي إم دي بي)

الفيلم الجديد نقلة باتجاه أفلام الهولوكوست التي قد يزيد عددها منذ الحرب العالمية الثانية على ألف فيلم تناولتها تسجيلياً ودرامياً ومن زوايا مختلفة. على ذلك، وجد غلايزر زاوية جديدة تتمثل في حكاية ضابط ألماني (كريستيان فريدل) وزوجته (ساندرا هولر) وأولادهما الخمسة الذين يعيشون في منزل فوق أرض خضراء جميلة ونهر يمرّ ليس بعيداً عن بيت العائلة.

ليس بعيداً كذلك، سجن أقامه النازيون لزجّ اليهود فيه. تُسمع أصوات طلقات البنادق بين حين وآخر، أو صراخ الضحايا من دون أن يؤدّي ذلك إلى زعزعة استقرار تلك الأسرة. هذا التناقض بين حياة هانئة، وعلى بُعد يسير، أخرى معذَّبة؛ يتّضح من المَشاهد الأولى ويستمر. غلايزر يستثمر المفارقة إلى الحد الأقصى، بهدف القول إنّ أمثال الضابط وعائلته موجودون حتى اليوم في حياة الإنسان (الغربي كما يتّضح)، تعبيراً عن الرغبة في الصمت المطبق حيال التاريخ وجلاديه. الفيلم فيه ما يكفي من أسلوب عرض وموضوع.

المُنافس الأول لهذا الفيلم كان فيلم «تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall) للفرنسية جوستين تريست الذي فاز بأفضل فيلم. يتناول الفيلم قضية روائية (ساندرا هولر) متهمة بقتل زوجها بدفعه من نافذة في الطابق الثالث. ابنهما شبه أعمى، لكنه يستطيع الإفادة بما قد يوضح اللغز حول إذا ما كانت والدته دفعت زوجها فعلاً أو أنّ الزوج سقط عَرَضاً.

بعد بداية موحية بفيلم مُتقن، ينحدر إلى مستوى عادي من التحقيق ويسود من منتصفه فصاعداً شعور بأن الفيلم قال الكثير، ولم يبقَ سوى الانخراط في واقع المحكمة التي تنظر في القضية. بكلمات أخرى، ما يتم سرده في ساعتين ونصف ساعة، كان يمكن سرده في ساعة ونصف ساعة، لولا أنّ المخرجة رغبت في سرد أحداثها على بساط عريض.

براعة أسلوبية

الحصان الأسود الذي خرج خاوي الوفاض في هذا السباق هو فيلم الفنلندي آكي كوريسماكي الجديد «سقوط أوراق الشجر» (Fallen Leaves) منذ «الجانب الآخر للأمل» (The Other Side of Hope) سنة 2017. هنا حكاية حب يرويها المخرج من دون عاطفة. أسلوبه في ذلك، عرض الموقف بعد عصر الأمل منه تاركاً للمُشاهد التمعّن في الأسباب.

من فيلم آكي كوريسماكي «سقوط أوراق السجر» (مهرجان «كان»)

بطلته امرأة تعمل في سوبر ماركت تدعى أنسا (ألما بوستي) ورجل مدمن على الكحول يدعى هولابا (جوسي فاتانن)؛ يلتقيان عرضاً ثم يتفقان على مشروع علاقة لا تسير حسب المُتوقع لها. كلاهما يصبح عاطلاً عن العمل، فهي تُطرد من عملها لأنها سمحت لنفسها بالاحتفاظ بساندويش فاتت مدة صلاحيته. وهو يطرد لاحتسائه المشروب خلال عمله في مصنع خردة.

يسرد المخرج الحكاية بمفرداته الاقتصادية المحددة. لا رغبة لديه للإيهام بأنه سيحقق فيلماً مبهراً بتصويره أو باستعراضاته أو حتى بتصاعد درامي حاسم. على العكس، يبقى بسيطاً وكادراته محددة. حتى الدلالات الاجتماعية تبقى في متناول العين، إنما من دون عزف منفرد لمنحها أكثر من الدلالة الفورية. هو فيلم بديع عن الوحدة في مجتمع رأس المال الذي يعيشه كل منهما على مضض، وبل بقبول ظاهري، محاولاً البحث عن خلاص من الوحدة بالانخراط في وحدة الشخص الآخر.


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
TT

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)

TO KILL A MONGOLIAN HORSE ‫★★★⭐︎‬

* إخراج: جيانغ شياو شوان | Jiang Xiaoxuan

‫* هونغ كونغ / ماليزيا

من بين كثير من المشاهد اللافتة يوجد في هذا الفيلم مشهدان متباعدان، في الأول يربت ساينا على رأس فرسه الذي يستجيب لحنان صاحبه ويميل برأسه فوق كتفه بحنان ظاهر. في المشهد الثاني قبيل النهاية يتقدم ساينا صوب الحصان نفسه يربت على وجهه، لكن الحصان ينظر إليه سريعاً ومن ثَمّ يشيح بوجهه بعيداً عنه. تمر بين المشهدين أحداث تنعكس على تلك العلاقة، فساينا مُخيّر بين أن يبيع حصانه ويعتزل المهنة التي توارثها بصفته مدربَ خيول وفارساً، أو البقاء في ذلك العمل. الحصان لا بد بات يشعر بأن صاحبه لم يعد ذلك الرجل الواثق من نفسه وقد يضحي بالفرس متى شاء.

«لقتل حصان منغولي» يطرح طوال الوقت (85 دقيقة) مسألة بين الأمس واليوم. إنها صحاري منغوليا الجافة التي لم تعُد تشهد مطراً كافياً لإنبات الأرض. السبب في الأزمة التحوّلات البيئية، وهذه واحدة من المسائل المطروحة بوضوح. تشكل عصباً مهماً كون صلب الموضوع يتعلق بحياة تتغير لا يستطيع ساينا فعل شيء حيالها. إنه مرتبط عاطفياً بتقاليد فروسية ومعيشية متوارثة في حين أن المتغيرات طرقت باب تلك التقاليد ولا مجال للحفاظ على الوضعين معاً. على ساينا ترك الماضي أو الانضمام إلى الحاضر. قدمٌ هنا وقدمُ هناك، والفيلم ينتهي بقرار يرتاح المُشاهد إليه.

كانت المخرجة الصينية الشابة جيانغ شياو شوان صوّرت فيلماً قصيراً في تلك الأنحاء وتعرّفت على مدرّب الخيول ساينا وراقبته في عمله. هذا ما أوحى إليها بإخراج هذا الفيلم عنه وعن البيئة وأزمة الوجود بين عالمين على المرء أن يختار بينهما. ساينا ممثلاً لديه القدرة على استخدام عدم حرفيّته في تناسب مع الشخصية التي يؤديها. رجل لديه من المتاعب مع والده السّكير والمديون ومطلّقته. في مشهد آخر يذكّره والده بأنه هو من وضعه فوق الفرس لأول مرّة عندما كان طفلاً صغيراً. يحاول ساينا فعل ذلك مع طفله، لكن طفله يخاف. هي فعلاً حياة أخرى تندثر سريعاً.

الفيلم معزّز بالألوان والإضاءات المناسبة داخلياً وخارجياً. الإيقاع متمهّل، لكنه ليس مُملاً وفيه ملامح من بعض أفلام الوسترن الأميركية التي تحدّثت بدورها عن غروب حياةٍ وبدء أخرى.

* عروض مهرجان البحر الأحمر.

★★★⭐︎‬SIMA‪’‬S SONG

* رويا سادات | ‪Roya Sadat‬

‫* هولندا، فرنسا، أسبانيا ‬

لعلها صدفة لم تستطع المخرجة رويا سادات تحاشيها، وهي أن بداية فيلمها هذا شبيهة ببداية فيلم أفغاني القضية أيضاً، حققته ساهرا ماني في فيلمها التسجيلي «Bread ‪&‬ Roses» الذي شوهد في 2023. كلاهما يبدأ بمظاهرة نسائية في كابل تنادي بحقوقها. بعد 3 دقائق ينفصل الفيلمان بالضرورة ويعود «أغنية سيما» من زمن «طالبان» الحالي إلى عام 1973 عندما كانت أفغانستان على وعد مع التقدم المجتمعي. سورايا (مزهدة جمالزاده) هي إحدى المتظاهرات ومع عودة الفيلم إلى فترة سابقة نجدها حين كانت لا تزال شابة تؤمن بمبادئ التحرر عموماً وتحرر المرأة خصوصاً. في الواقع الحكاية التي نشاهدها هي حكايتها وليس حكاية سيما (نيلوفار كوقحاني) صاحبة الصوت الجميل التي حين تغني، في أحد المشاهد، تثير إعجاب الحضور.

«أغنية سيما» (بلوتو فيلم)

حينها، يقول الفيلم، كان بالإمكان للفتاة الظهور بتنانير والرجال بربطات عنق. صداقة سورايا وسيما قوية لدرجة رفضها الإفصاح عن مكان صديقتها سيما وزوجها عندما انضما إلى حركة «طالبان» وبدأت الحكومة الأفغانية سلسلة الاعتقالات والتحقيقات. مع اعتقال سورايا والإفراج عنها واحتلال الفيلا حيث كانت تعيش مع أهلها يدخل الفيلم جوّاً داكناً في أجوائه كما في تأطير مشاهده. يزداد التوتر وتبدأ رسالته بالتبلور صوب مراميها على نحو أفضل. إنه فيلم عن آخر فترة من حياة ثقافية ومجتمعية واعدة قبل دخول الاتحاد السوفياتي للدفاع عن الحكومة والولايات المتحدة لتأييد «طالبان».

يذكر الفيلم أن الأحداث مأخوذة عن قصّة واقعية، لكن هذا ليس ضرورياً، خصوصاً أن الشخصيات معروفة. ما يمكن التنويه إليه حقيقة أن التصوير وظّف أطراف مدينة أثينا بنجاح لافت.

* عروض مهرجان البحر الأحمر

في الصالات

* Juror‪#‬2 ‫★★★★‬

- دراما محاكِم نوعها غير معهود، للمخرج كلينت إيستوود، عن عضو لجنة محلّفين يحاول إخفاء جريمته.

* Nosferatu ‫★★★⭐︎‬

- يُعيد المخرج روبرت إيغرز سرد حكاية «نوسفيراتو» (1922) بزخم وطاقة جديدتين. يتضمن لحظات مرعبة.

* Carry‪-‬on ‫★★★‬

- تشويق جيد من جومى كوليت سيرا، حول رجل أمن في مطار مهدد باغتيال حبيبته إذا لم يهرّب متفجرة إلى طائرة.

* The Substance ‫★★⭐︎‬

- المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت، تضع ديمي مور في بطولة فيلم عن امرأة تنشد شباباً وأنثوية دائمين.