شاشة الناقد: «أسترويد سيتي»... الصراع على الأرض والمجرّات

توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)
توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)
TT

شاشة الناقد: «أسترويد سيتي»... الصراع على الأرض والمجرّات

توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)
توم هانكس وجاسون شوارتزمان في «أندرويد سيتي» (فوكاس فيتشرز)

تنقسم أفلام المخرج و.س أندرسن قسمين: نوع تحبه ونوع تكرهه، لكن كلا النوعين يرتدي شكلاً واحداً. الفارق أن بعض أفلامه يثير الإعجاب والبعض الآخر يُثير الامتعاض.

«أسترويد سيتي»، هو من النوع الثاني: حكاية «إذا صح التعبير» تدور في رحى صحراء أميركية في منتصف الخمسينات، عدد سكانها 87 نفراً. تكمن البلدة فوق أرض ذات تربة حمراء في الجنوب الغربي للولايات المتحدة. يحتوي المكان على مبانٍ سكنية قليلة ومحطة بنزين وهاتف عمومي واحد وجراج وعدد من الشخصيات التي تلتقي هناك. تصل إحداها مع عائلتها في سيارة لم تعد تصلح للسفر.

على مقربة هناك محطة تجارب نووية اعتاد سكان البلدة عليها. لا أحد يسأل عن الإشعاعات أو المخاطر، فالبال منصرف لمتابعة مسائل تعني لهم شيئاً ولا تعني للمشاهد أي شيء.

هناك زائر من الفضاء يهبط ويرحل سريعاً؛ ما يحوّل البلدة حَجْراً صحياً بعدما طوّقها الجيش، مما يجعل مغادرتها أو دخولها ضمن الممنوعات.

يبني المخرج فيلمه على أساسين متماثلين: يأتي بفكرة غريبة أولاً ثم يجعلها أكثر غرابة حين تنفيذها واختيار ما يتحدث فيه خلالها. أحياناً ما ينجح كثيراً كما الحال في فيلمه الجيد «ذا غراند بودابست هوتل» (2014) و «مونرايز كينغدوم» (2017). هذا الفيلم من تلك، التي لا تنجح؛ نظراً لأنها تبدو محدودة المعالم. لا شيء مثيراً في بناء وحدة سكنية فوق صحراء منبسطة وشخصيات تتحدّث كثيراً ولا شيء كثيراً يحدث.

فيلم أندرسن يحتوي على سمات محببة إليه. على سبيل المثال لا يحبّذ بطولة منفردة ويجمع هنا عدداً كبيراً من الممثلين الذين هم طاقم مخلص له يستعين به في كل فيلم له تقريباً. هنات تيلدا سوينتن وإدوارد نورتن وأدريان برودي وتوم هانكس، بالإضافة إلى سكارلت جوهانسن وجاسون شوارتزمان. في جانب آخر، وفي هذا الفيلم أكثر من سواه، يتعامل مع التأطير المحدد وبفورمات تقنية متعددة. هناك الأبيض والأسود والألوان والصورة المنقسمة إلى نصفين كما الانتقال من الفيلم إلى المسرح لا عبر الأحداث فقط، بل عبر المعالجة الكلية بحيث يبدو الفيلم كما لو كان نتاجاً مسرحي النَفَس والمصدر، إنما مع حرية الشغل على تكوينات المشهد المنفتح على المكان الشاسع وحجم اللقطات.

كذلك مشهود له تعامله مع مكان صحراوي تتساءل فيه إذا ما كانت الجبال البعيدة موجودة فعلاً أو نتيجة تأسيس الاستوديو لها. فالفيلم، من هذه الناحية يبدو بمجمله كما لو أنه صوّر فوق أرض الاستوديو. واللعبة هنا هي التغلّب على لون الطبيعة الصحراوية بابتكار لون زهري يشبه اللون الذي تعكسه الصحراء الفعلية عند الغروب. في مشاهد أخرى هو لون باهت.

«أسترويد سيتي» هو، بالنتيجة ورغم جهد التأطير والديكورات وبث الألوان ينتهي بدوره إلى نتيجة باهتة أقل شأناً مما هدف المخرج إليه.


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.