جورج دياب لـ«الشرق الأوسط»: صرنا نُشبه الملابس المعلقة في كواليس المسرح

يعتبر أن مشكلة غياب الدراما المحلية قضية تتجاوزه

يتسلّم درعه التكريمية في مهرجان الزمن الجميل (جورج دياب)
يتسلّم درعه التكريمية في مهرجان الزمن الجميل (جورج دياب)
TT

جورج دياب لـ«الشرق الأوسط»: صرنا نُشبه الملابس المعلقة في كواليس المسرح

يتسلّم درعه التكريمية في مهرجان الزمن الجميل (جورج دياب)
يتسلّم درعه التكريمية في مهرجان الزمن الجميل (جورج دياب)

يفتح مهرجان الزمن الجميل صفحات من كتاب حقبة الفن الذهبي في كل دورة جديدة ينظمها، فيستعيد معه اللبنانيون شريط ذكرياتهم. وفي نسخته الأخيرة أعاد على البال باقة من أسماء ممثلين ومغنين يتمتعون بمشوار غني بالتجارب، بينهم من أسهم في تأسيس الدراما اللبنانية، ومنهم من وضع صوته بتصرف الأغنية الأصيلة.

ويأتي الممثل جورج دياب من بين الفنانين الذين كرّمهم المهرجان، مرتدياً قبّعته الشهيرة، وقف على المسرح يتسلّم جائزته في ظل تصفيق حار من الحضور. بالنسبة له فإن اللفتات التكريمية، بغض النظر عما إذا كانت مادية أو معنوية، تبقى هي الأهم. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «الفنان الحقيقي لا يهمّه أن يأخذ المقابل المادي عندما يمارس شغفه. فهو يقدّم موهبته على طبق من حب ينبع من أعماقه، وهذه اللفتات التكريمية جميلة، ولكنني أفضّل أن يُكرّم بعد كل عمل يقوم به. فيجري تقييمه وإبراز أساليبه التمثيلية في تقمصه للشخصية».

يستمر جورج دياب في عطاءاته الفنية ولو بجرعات قليلة، فهو كما غيره من زملائه بعمره، لا تتم الاستعانة بهم كثيراً في إنتاجات درامية عربية. فإلى مَن يُوجّه عتبه في هذا الموضوع؟ يرد: «اللعبة أكبر مني ومن المخرج والكاتب، وحتى من منتج العمل. والمفروض أن يجري دعمنا من قبل دولتنا، ولكن في ظل غياب أوطان من هذا النوع لا نعتب على أحد».

في شخصية الأستاذ مندور (جورج دياب)

يتأسف دياب لممثلين شباب يفيضون موهبة وفناً، ولكن أحداً لا يشجعهم، «إنهم يطلون بخجل كوردة بين الأشواك، فتكون عطاءاتهم مؤقتة، بالكاد يلحظها أحدهم. وهو ما يدفعني إلى القول بأن الأمر خطير بالنسبة لهم، فهؤلاء الشباب هم الثروة العائلية التي نتباهى بها من أجل مستقبل زاهر. وفي غياب العائلة تغيب الدراما بدورها لأن نصوصها تنبع منها، فكما حكايات الحب، كذلك قصص الهجرة والصداقة وغيرها، تؤلف انطلاقة العمل الدرامي».

يقول إن سرّه يكمن في عاطفته المتأججة دائماً وأبداً، ويوضح في سياق حديثه: «تتراكم العاطفة داخل الإنسان لتعمّر مشاعر لا تفنى، فتأخذ بالتدفق أكثر فأكثر مع الزمن. وبرأيي هي الوحيدة التي تُسهم في تحلي صاحبها بالشباب واللياقة. تماماً مثل جريان نهر، إذا ما شحّت مياهه يجف ويذبل كل ما يحيط به».

لا أعتبر كتابة سيناريوهات درامية مهنتي المستقبلية وتبقى مجرد محاولات

جورج دياب

ينكبّ اليوم الممثل جورج دياب على كتابة سيناريوهات درامية. «إنها بمثابة ورش صغيرة أقوم بها كي أكتشف مدى جدارتي في موضوع التأليف الدرامي. لا أعتبرها مهنتي المستقبلية أبداً، وتبقى مجرد محاولات لكتابة نصوص جميلة نحتاج إليها. فمسلسلاتنا من الماضي كانت حلوة ببساطتها وواقعيتها. أحنّ اليوم إليها لأنها بتركيبتها العفوية كانت ناجحة جداً».

ينتقد دياب موضوعات الدراما اليوم، ويعتبرها مملّة ومتشابهة. «صحيح أنها أكثر حداثة، ولا بلادة فيها وبكيفية تنفيذها، ولكن يجب أن تقارب حياتنا اليومية بشكل أفضل، فالابتعاد عن واقعنا أصبح أمراً غير مرغوب به. وأعترف بأنني لا أتوق حالياً للعب أي دور، ولا الشوق لتقمص شخصية تعرض عليّ. وأكتفي بمشاهدة إعادات لأعمال لبنانية قديمة، وبينها لفيليب عقيقي وميشال تابت وصلاح تيزاني (أبو سليم) وإيلي صنيفر، فأعمالهم لا حشو فيها ولا تكدّس مشاهد. في حين إنتاجات اليوم بتنا ندرك نهاياتها منذ لحظة بدايتها».

لا أتوق حالياً للعب أي دور وأكتفي بمشاهدة إعادات لأعمال لبنانية قديمة

جورج دياب

مؤخراً، شارك جورج دياب في مسرحية «تحت رعاية زكور» لغابي يمين، في تحية للراحل ريمون جبارة. ويحمل من هذه التجربة الحديثة مشاعر الامتنان والإبهار. «لم أتوقع أن أرى مواهب شبابية ناجحة إلى هذا الحد. شككت بأمرها بداية وقلت لنفسي ربما لن يستطيعوا تقديم ما كان يطلبه الراحل جبارة عند فريقه، ولكنني تفاجأت بقدرتهم على الارتجال الذي كنا بصفتنا ممثلين قدامى نتحلّى به بالفطرة. ومن الضروري جداً التنبه لهؤلاء ودعمهم كي يفيضوا نجاحاً أكثر فأكثر».

في فترات سابقة، قدّم جورج دياب شخصيات حفرت في الذاكرة. كما ألّف مع الممثلة مارسيل مارينا ثنائية لاقت شعبية كبيرة من قبل اللبنانيين، فأي دور لا يزال يتذكره اليوم ويحبه أكثر من غيره؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «لكل دور لعبته حلاوته، ولكن لا شك في أن هناك شخصيات تقمصتها واستمتعت بها إلى حدّ كبير. فالأستاذ مندور من تأليف مروان نجار لا يمكن أن أنساه. وحقق في تلك الحقبة كثيراً من النجاح. وكذلك الأمر بالنسبة لدور «المعلم أنيس»، كانت شخصية هادئة وشفافة وانسيابية. ويعلق: «لم ألعب شخصيات متشابهة أبداً. وأعتبرها لوحات مرسومة بالأكواريل أو منحوتات فنية رسخت في ذهني وفي ذاكرة الناس».

 

«الدوبلاج» يتطلب خلطة مشاعر وأفتخر كوني من المتميزين في هذه المهنة

جورج دياب

من أحدث الأعمال التي شارك فيها جورج دياب «الهيبة» و«صالون زهرة» و«الباشا» و«لا حكم عليه» و«زوج تحت الإقامة الجبرية». ولكن يعلّق بحسرة الأبطال: «تعزّ الدنيا، لأن الماكينات الإنتاجية تتحكّم بمصائر الناس. فهم لديهم وجهة نظرهم، وقد تقف وراء غيابنا عن الشاشة. فنحن اليوم كمن يقف على قارعة الطريق. وكأننا ملابس معلّقة في كواليس المسرح تنتظر العودة إلى الخشبة لتقديم دورها من جديد. إن قوت الممثل هو التمثيل والعيش ضمن حياتين متوازيتين. واحدة تعود له وأخرى للشخصية التي يجسدها».

يمضي أوقاته اليوم في ممارسة مهنة الدوبلاج: «هذا النوع من التمثيل ليس بالأمر السهل أبداً. يتطلب خلطة مشاعر بدقائق قليلة، وأفتخر كوني من المتميزين في هذه المهنة، وأقدم شخصيات بصوتي، وكذلك أدبلج أفلاماً وثائقية».


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
TT

محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)

صدى كبير حققه حفل «روائع محمد عبد الوهاب» في «موسم الرياض»، سواء بين الجمهور أو مطربي الحفل، ولعل أكثرهم سعادة كان المطرب المصري محمد ثروت ليس لحبه وتقديره لفن عبد الوهاب، بل لأنه أيضاً تلميذ مخلص للموسيقار الراحل الذي لحن له 12 أغنية وقد اقترب ثروت كثيراً منه، لذا فقد عدّ هذا الحفل تحية لروح عبد الوهاب الذي أخلص لفنه وترك إرثاً فنياً غنياً بألحانه وأغنياته التي سكنت وجدان الجمهور العربي.

يستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم وإخراج نجله أحمد ثروت ({الشرق الأوسط})

وقدم محمد ثروت خلال الحفل الذي أقيم بمسرح أبو بكر سالم أغنيتين؛ الأولى كانت «ميدلي» لبعض أغنياته على غرار «امتى الزمان يسمح يا جميل» و«خايف أقول اللي في قلبي» وقد أشعل الحفل بها، والثانية أغنية «أهواك» للعندليب عبد الحليم حافظ وألحان عبد الوهاب.

وكشف ثروت في حواره مع «الشرق الأوسط» عن أن هذا الكوكتيل الغنائي قدمه خلال حياة الموسيقار الراحل الذي أعجب به، وكان يطلب منه أن يغنيه في كل مناسبة.

يقول ثروت: «هذا الكوكتيل قدمته في حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب وقد أعجبته الفكرة، فقد بدأت بموال (أشكي لمين الهوى والكل عزالي)، ودخلت بعده ومن المقام الموسيقي نفسه على الكوبليه الأول من أغنية (لما أنت ناوي تغيب على طول)، ومنها على أغنية (امتى الزمان يسمح يا جميل)، ثم (خايف أقول اللي في قلبي)، وقد تعمدت أن أغير الشكل الإيقاعي للألحان ليحقق حالة من البهجة للمستمع بتواصل الميدلي مع الموال وأسعدني تجاوب الجمهور مع هذا الاختيار».

وحول اختياره أغنية «أهواك» ليقدمها في الحفل، يقول ثروت: «لكي أكون محقاً فإن المستشار تركي آل الشيخ هو من اختار هذه الأغنية لكي أغنيها، وكنت أتطلع لتقديمها بشكل يسعد الناس وساعدني في ذلك المايسترو وليد فايد، وجرى إخراجها بالشكل الموسيقي الذي شاهدناه وتفاعل الجمهور معها وطلبوا إعادتها».

وبدا واضحاً التفاهم الكبير بين المايسترو وليد فايد الذي قاد الأوركسترا والفنان محمد ثروت الذي يقول عن ذلك: «التفاهم بيني وبين وليد فايد بدأ منذ عشرات السنين، وكان معي في حفلاتي وأسفاري، وهو فنان متميز وابن فنان، يهتم بالعمل، وهو ما ظهر في هذا الحفل وفي كل حفلاته».

تبدو سعادته بهذا الحفل أكبر من أي حفل آخر، حسبما يؤكد: «حفل تكريم الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أعاد الناس لمرحلة رائعة من الألحان والأغنيات الفنية المتميزة والعطاء، لذا أتوجه بالشكر للمستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، على الاهتمام الكبير الذي حظي به الحفل، وقد جاءت الأصداء عالية وشعرت أن الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل».

ووفق ثروت، فإن عبد الوهاب يستحق التكريم على إبداعاته الممتدة، فرغم أنه بقي على القمة لنحو مائة عام فإنه لم يُكرّم بالشكل الذي يتلاءم مع عطائه.

ويتحمس ثروت لأهمية تقديم سيرة عبد الوهاب درامياً، مؤكداً أن حياته تعد فترة ثرية بأحداثها السياسية والفنية والشخصية، وأن تقدم من خلال كاتب يعبر عن كل مرحلة من حياة الموسيقار الراحل ويستعرض من خلاله مشوار الألحان من عشرينات القرن الماضي وحتى التسعينات.

يستعيد محمد ثروت ذكرى لقائه بـ«موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب، قائلاً: «التقيت بالأستاذ واستمع لغنائي وطلب مني أن أكون على اتصال به، وتعددت لقاءاتنا، كان كل لقاء معه به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم، إلى أن لحن أوبريت (الأرض الطيبة) واختارني لأشارك بالغناء فيه مع محمد الحلو وتوفيق فريد وإيمان الطوخي وسوزان عطية وزينب يونس، ثم اختارني لأغني (مصريتنا حماها الله) التي حققت نجاحاً كبيراً وما زال لها تأثيرها في تنمية الروح الوطنية عند المصريين».

ويشعر محمد ثروت بالامتنان الكبير لاحتضان عبد الوهاب له في مرحلة مبكرة من حياته مثلما يقول: «أَدين للموسيقار الراحل بالكثير، فقد شرفت أنه قدم لي عدة ألحان ومنها (مصريتنا) (عينيه السهرانين)، (عاشت بلادنا)، (يا حياتي)، (يا قمر يا غالي)، وصارت تجمعنا علاقة قوية حتى فاجأني بحضور حفل زواجي وهو الذي لم يحضر مثل هذه المناسبات طوال عمره».

يتوقف ثروت عند بعض لمحات عبد الوهاب الفنية مؤكداً أن له لمسته الموسيقية الخاصة فقد قدم أغنية «مصريتنا» دون مقدمة موسيقية تقريباً، بعدما قفز فيها على الألحان بحداثة أكبر مستخدماً الجمل الموسيقية القصيرة مع اللحن الوطني العاطفي، مشيراً إلى أن هناك لحنين لم يخرجا للنور حيث أوصى الموسيقار الراحل أسرته بأنهما لمحمد ثروت.

يتذكر محمد ثروت نصائح الأستاذ عبد الوهاب، ليقدمها بدوره للأجيال الجديدة من المطربين، مؤكداً أن أولاها «احترام فنك الذي تقدمه، واحترام عقل الجمهور، وأن الفنان لا بد أن يكون متطوراً ليس لرغبته في لفت النظر، بل التطور الذي يحمل قيمة»، مشيراً إلى أن الأجيال الجديدة من المطربين يجب أن تعلم أن الفن يحتاج إلى جدية ومثابرة وإدراك لقيمة الرسالة الفنية التي تصل إلى المجتمع فتستطيع أن تغير فيه للأفضل.

ويستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم، إخراج نجله أحمد ثروت الذي أخرج له من قبل أغنية «يا مستعجل فراقي». كل لقاء مع «موسيقار الأجيال» كانت به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم