محمد صالح لـ«الشرق الأوسط»: لهذه الأسباب يغيب عازف الغيتار عن الساحة

وضع برمجة الموسيقى الشرقية لآلة الأرغن الخاصة بـ«ياماها»

في ابتكاره الجديد يجمع الحقيقة والإحساس (محمد صالح)
في ابتكاره الجديد يجمع الحقيقة والإحساس (محمد صالح)
TT

محمد صالح لـ«الشرق الأوسط»: لهذه الأسباب يغيب عازف الغيتار عن الساحة

في ابتكاره الجديد يجمع الحقيقة والإحساس (محمد صالح)
في ابتكاره الجديد يجمع الحقيقة والإحساس (محمد صالح)

هو نجم من نجوم الزمن الجميل وصاحب شهرة واسعة حققها في عزفه على آلة الغيتار. فكان الراحل عمر خورشيد في مصر ومحمد صالح في لبنان، كأفضل عازفي غيتار في العالم العربي.

رافق نجوم الفن في لبنان والعالم العربي كسميرة توفيق وماجدة الرومي وراغب علامة وربيع الخولي ومايز البياع والراحلة صباح وهاني شاكر وغيرهم. فذاع صيته كواحد من أهم عازفي الغيتار في لبنان والمنطقة.

في فترة سابقة قرر صالح اعتزال الفن وراح يهتم أكثر فأكثر بتطور التكنولوجيا الخاصة بالموسيقى. ومنذ نحو 5 سنوات استفاق شغفه للعزف من جديد. فقرر العودة ولكن مع مشهدية موسيقية جديدة في عالم العزف على الغيتار أطلق عليها اسم «الغيتار يغني».

مع الفنانة سميرة توفيق في إحدى حفلاتها الغنائية (محمد صالح)

سبق محمد صالح موجة الذكاء الاصطناعي بتقنيته الجديدة هذه. ولكنه في التسعينات كان قد حقق نجاحاً من نوع آخر، عندما أرسلت وراءه شركة «ياماها». وذلك من أجل أن يضع لها البرمجة الموسيقية الشرقية على آلة الأرغن خاصتها. ومع فكرته الحديثة التي لم يسبق أن شهدت مثلها الساحات الفنية العربية والعالمية تفوَّق محمد صالح على نفسه. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في ابتكاري هذا أستطيع أن أغنّي وأعزف وآخذ دور الكورس. ويكمن سر الفكرة في استخدامي كلام أي أغنية عبر قراءته. ومن ثم أحوّله بواسطة عملية تقنية اكتشفتها إلى أغنية. وأحياناً أستعير صوت المطرب نفسه كما حصل معي في أغنيات للراحل وديع الصافي. وضمن هذه التقنية يمكنني أن أغيّر باللحن وبطريقة الغناء الأصلية. فتأخذ الأغنية منحى جديداً ومتطوراً».

ويخبرنا محمد صالح بأن هذه التقنية التي ابتكرها استغرقت منه أبحاثاً كثيرة ودراسات طويلة. كما أن كل عمل ينوي تمريره عبر هذه التقنية يتطلب منه عدة أشهر. ويتابع: «المهم في الموضوع هو أن كل ما يتناهى إلى أذن سامع العمل الفني يكون حقيقياً (reel) وليس مفبركاً. وعندما أستعين بالصوت الأصلي للفنان تكون العملية أصعب لأني أفصل ما بين صوت الفنان وكلام الأغنية».

يقول محمد صالح إنه يستطيع أن يحوّل أي عبارة بصوت أحدهم وحتى نشرات الأخبار إلى أغانٍ ضمن جمل موسيقية مختلفة. حتى إنه بإمكانه أن يحوّل أي نبرة إلى صوت طفل. «كل ما يلزمني هو صوت الشخص والكلام، فتكتمل عناصر مهمتي».

يُعد صالح أحد أشهر عازفي الغيتار في لبنان والعالم العربي (محمد صالح)

ويؤكد صالح أن التقنية التي يقوم بها لم يسبق أن شهدت مثلها الساحة الفنية العربية ولا الغربية. «لقد قمت بأبحاث كثيرة حول هذا الموضوع ولم أجد ما يشبهها أبداً».

وعن تجربته في اليابان يقول: «عندما استدعوني لأبرمج لهم الموسيقى الشرقية على الأرغن خاصتهم، كنت خائفاً لأنه بذهني اليابانيون هم السباقون في هذا المجال. وفوجئت برد فعلهم بعد أن أبهرتُهم بالمعرفة التي أمتلكها في هذا الخصوص وبالدقة في تنفيذ البرمجة».

ولكن لماذا يغيب اليوم عازف الغيتار عن المسارح الموسيقية؟ فما عدنا نراه يتقدم فريق الأوركسترا على خشبة المسرح، ويرافق الفنان في حفلاته المباشرة. يوضح صالح لـ«الشرق الأوسط»: «نشهد اليوم تقدماً ملحوظاً في عالم التكنولوجيا وتريندات بآلات عزف تنبت كالفطر بين فترة وأخرى. فبعد أن راجت آلة الأرغن للعزف اختصرت آلات موسيقية كثيرة، قلَّ استخدام الغيتار وفقد دوره على الساحة، حتى إن عزف الغيتار في الألحان الشرقية تراجع. وفرضت الأغنية نفسها في عملية توزيع موسيقية تختلف عن الماضي. فراجت في فترة معينة آلة الساكسوفون ثم تراجعت لتأتي مكانها آلة «الكوله» وهي تشبه الناي. فلكل عصر موسيقاه وحالياً يزدهر استعمال الطبل والزمر ولا نعرف في المستقبل أي آلة ستحتل الصدارة».

وعندما يقوم بمقارنة سريعة بين الساحة الفنية اليوم والأمس يقول: «لقد اختلفت تماماً، إذ كانت بالأمس صاحبة مشهدية فنية رفيعة المستوى. كما أن الموسيقى في حد ذاتها كانت تلاقي التقدير والاحترام، فلا تُصنع الأعمال لتختفي بعد حين».

لا مجال للمقارنة بين الموسيقى الحقيقية وتلك النابعة من عملية تكنولوجية

وبالنسبة إلى محمد صالح فإن كل الأعمال التي يقوم بتحديثها اليوم بتقنيته «الغيتار يغني» تعود إلى زمن الفن الجميل. «لا أستطيع أن أقوم بكل هذا الجهد الذي تطلبه مني تقنية حديثة من أجل أغنية حديثة قد تختفي عن الساحة بعد أيام من صدورها. ولذلك ركنت إلى مجموعة أغانٍ قديمة لعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفيروز ووديع الصافي، كي أحدّثها على طريقتي».

متعمِّقٌ بالتكنولوجيا وببرمجة الحاسوب الآلي الخاص بالموسيقى. يؤكد محمد صالح أننا اليوم نعاني من فقدان العمل الفني الأصيل. وإثر عودته عن قراره الاعتزال وتقديمه فكرته الجديدة في عالم الموسيقى، تلقى محمد صالح تعليقات إيجابية كثيرة تشكره على إعادته آلة الغيتار إلى سابق عزّها وشهرتها. «بعضهم شكرني لأني أعدت للغيتار قيمته الفعلية، وذكّرت العالم به من جديد».

ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «التكنولوجيا الحديثة أثّرت كثيراً على الصناعة الفنية ككل ويختارونها لأنها تعود عليهم بالتوفير. ولكني أشدد على أنْ لا مجال للمقارنة بين الموسيقى الحقيقية وتلك النابعة من عملية تكنولوجية. ولذلك تمسكت بأن يحمل ابتكاري الإحساس والحقيقة معاً».

عازف الغيتار محمد صالح، الغائب اليوم عن الحفلات الموسيقية وعن المسرح الفني بشكل عام، لا يحمل تفاؤلاً كبيراً لمستقبل الموسيقى. ويختم: «لا شيء يمكن أن يحل مكان آلات الموسيقى الحقيقية، وما أقوم به هو لإضفاء الجمالية عليها».

وعلى أمل أن يعود محمد صالح إلى الخشبة والحفلات الفنية، فإنه سيبقى عازف الغيتار الأشهر في لبنان. فعزفه وموسيقاه لا يزالان حتى اليوم يُحفران بذاكرة الناس التواقين لسماعه من جديد.


مقالات ذات صلة

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

يوميات الشرق مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

«مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل».

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عزفت "الأوركسترا السعودية" أروع الالحان الموسيقية في ليلة ختامية استثنائية كان الابداع عنوانها (واس)

ألحان وألوان من الموسيقى السعودية تتألق في «طوكيو أوبرا سيتي»

عزفت «الأوركسترا السعودية» أجمل الألحان الموسيقية في ليلة ختامية كان الإبداع عنوانها على مسرح «طوكيو أوبرا سيتي» بالعاصمة اليابانية بمشاركة 100 موسيقي ومؤدٍ.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الوتر السادس أحمد سعد سيطرح ألبوماً جديداً العام المقبل (حسابه على {إنستغرام})

أحمد سعد لـ«الشرق الأوسط»: ألبومي الجديد يحقق كل طموحاتي

قال الفنان المصري أحمد سعد إن خطته الغنائية للعام المقبل، تشمل عدداً كبيراً من المفاجآت الكبرى لجمهوره بعد أن عاد مجدداً لزوجته علياء بسيوني.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الوتر السادس الفنانة بشرى مع زوجها (حسابها على {فيسبوك})

بشرى لـ«الشرق الأوسط»: الغناء التجاري لا يناسبني

وصفت الفنانة المصرية بشرى الأغاني الرائجة حالياً بأنها «تجارية»، وقالت إن هذا النوع لا يناسبها

أحمد عدلي (القاهرة)

لماذا تعثرت خطوات مواهب المسابقات الغنائية؟

لقطة من برنامج إكس فاكتور ({يوتيوب})
لقطة من برنامج إكس فاكتور ({يوتيوب})
TT

لماذا تعثرت خطوات مواهب المسابقات الغنائية؟

لقطة من برنامج إكس فاكتور ({يوتيوب})
لقطة من برنامج إكس فاكتور ({يوتيوب})

رغم تمتع بعض متسابقي برامج اكتشاف المواهب الغنائية العربية بشهرة واسعة خلال عرض حلقاتها المتتابعة، فإن تلك الشهرة لم تصمد طويلاً وتوارت بفعل اختفاء بعض المواهب الصاعدة من الشاشات عقب انتهاء مواسم تلك البرامج، وفق موسيقيين تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» وأثاروا تساؤلات بشأن أسباب تعثر خطوات المواهب الصغيرة والشابة وانطلاقها بشكل احترافي في عالم الغناء.

الناقد الفني المصري أحمد السماحي الذي كان مسؤولاً في أحد هذه البرامج أكد أن «الغرض من هذه البرامج هو الربح المادي وليس الاكتشاف الفني»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «بعض القنوات تستغل طموحات الشباب الباحثين عن الشهرة لتحقيق مكاسب دون إضافة حقيقية للفن، والدليل أن كثيراً من المواهب التي ظهرت من خلال هذه البرامج، وصوّت لها الملايين في أنحاء العالم العربي تعثرت بل واختفت في ظروف غامضة».

محمد عطية ({فيسبوك})

وتعددت برامج اكتشاف المواهب الغنائية عبر الفضائيات العربية خلال الألفية الجديدة ومنها «سوبر ستار»، و«ستار أكاديمي»، و«أراب أيدول»، و«ذا فويس»، و«ذا إكس فاكتور»، و«ستار ميكر».

ويوضح السماحي: «رغم أن كثيراً من هذه الأصوات رائعة، لكنها للأسف الشديد تجلس في البيوت، ولا تجد فرصة عمل، مثل المطرب الرائع الصوت محمود محيي الذي هاجر من مصر بعد حصوله على لقب (ستار أكاديمي) في الموسم التاسع عام 2014، حيث اضطر للتخلي عن حلمه بالغناء، متوجهاً للعمل موظفاً في إحدى الشركات».

نسمة محجوب ({فيسبوك})

ويؤكد الناقد الفني أن «هذه البرامج اكتشفت مواهب حقيقية، وسلطت الضوء على كثير من الأصوات الجيدة، لكن أين هم الآن في عالم النجوم؟».

ورغم أن «مسابقات الغناء كانت تركز على الدعاية والأنشطة التجارية، فإنها في الوقت نفسه قدمت فرصاً لكثيرين، فإن الحكم في النهاية يكون للكاريزما وحلاوة الصوت، ما يساعد على الانطلاق والمضي قدماً، وتحقيق جماهيرية بالاعتماد على النفس». وفق الشاعرة السورية راميا بدور.

محمد رشاد ({فيسبوك})

وأوضحت بدور في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه البرامج كانت النقطة المحورية التي ساعدت بعض المواهب على الانتشار، لكنها ليست منصفة أحياناً وكلما خاضت الموهبة منافسات أكبر واستمرت ذاع صيتها، ولكن بالنهاية أين هم حاملو الألقاب؟».

في المقابل، يشدد الملحن المصري وليد منير على أن برامج مسابقات الغناء تسلط الضوء على المواهب وتمنحهم فرصة الظهور، لكن النجومية تأتي عقب الشهرة المبدئية. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «صناعة قاعدة جماهيرية للمواهب أمر صعب، ويبقى الاعتماد على اجتهاد المطرب من خلال (السوشيال ميديا) لاستكمال الطريق بمفرده». وحققت كلٌّ من جويرية حمدي ولين الحايك ونور وسام وأشرقت، شهرة على مستوى العالم العربي عبر برنامج «ذا فويس كيدز»، لكن الأضواء توارت عن معظمهن.

أماني السويسي ({فيسبوك})

ويرى الناقد الفني اللبناني جمال فياض أن «جيل ما قبل الألفية الجديدة حقق علامة بارزة من خلال برامج اكتشاف المواهب في لبنان»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك نجوم كثر خرجوا من هذه البرامج وأصبحوا نجوماً حتى اليوم، لكن البرامج التي أنتجت خلال الألفية الجديدة لم تؤثر مواهبها في الساحة باستثناء حالات نادرة». وأوضح فياض أن «سيمون أسمر صاحب برنامج (استوديو الفن) كان يرعى النجم فنياً بشكل شامل، ويقيم حفلات كبيرة لتفعيل علاقاته بالإعلام»، وأشار إلى أن «بعض المواهب هي اكتشافات ولدت ميتة، وقبل ذلك تركت بلا ظل ولا رعاية، لذلك لا بد أن يعي المشاركون أن نهاية البرنامج هي بداية المشوار بعد الشهرة والضجة».

فادي أندراوس ({إنستغرام})

وساهمت هذه البرامج في بروز أسماء فنية على الساحة خلال العقود الماضية، من بينها وليد توفيق، ماجدة الرومي، وائل كفوري، راغب علامة، غسان صليبا، نوال الزغبي، ديانا حداد، ميريام فارس، رامي عياش، علاء زلزلي، وائل جسار، إليسا، وإبراهيم الحكمي، وديانا كرزون، و ملحم زين، شادي أسود، رويدا عطية، شهد برمدا، سعود بن سلطان، سعد المجرد، وكارمن سليمان، ومحمد عساف، دنيا بطمة، ونداء شرارة، ومحمد عطية، هشام عبد الرحمن، جوزيف عطية، شذى حسون، نادر قيراط، عبد العزيز عبد الرحمن، ناصيف زيتون، نسمة محجوب، وفادي أندراوس، وأماني السويسي.

لكن موسيقيين يفرقون بين برامج الألفية القديمة التي كانت تعتني بالمواهب وتدعمها حتى تكون قادرة على المنافسة، وبرامج الألفية الجديدة التي كانت تهتم بـ«الشو» على حساب دعم المواهب.

ويؤكد الناقد الفني المصري أمجد مصطفى أن «سيمون أسمر عندما قدم برنامجه (استوديو الفن)، كان الأوحد في العالم العربي، وكانت نتائجه واضحة، لكن عندما انتشرت برامج أخرى لم يكن هدفها اكتشاف أصوات بل التجارة». على حد تعبيره.

ويرى مصطفى أن «(السوشيال ميديا) سحبت البساط من برامج المسابقات التي يعدها (موضة) انتهت». فيما يرهن الملحن المصري يحيى الموجي نجاح برامج اكتشاف المواهب بوجود شركة إنتاج تدعمها أو إنتاج ذاتي لاستكمال المشوار، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه البرامج إذا كانت جادة فعليها أن تتبنى المواهب وتنتج لهم أغانيّ، لكن ذلك لم يحدث مطلقاً، والنتيجة تعثرهم وعدم وجودهم على الساحة».