فادي حداد: فيديوهات «السوشيال ميديا» تصعّب مهمتنا

قال لـ«الشرق الأوسط»: إن عالم الكليبات يشهد فراغاً وقلة مخرجين

يحب حداد عمله إلى حد الشغف (فادي حداد)
يحب حداد عمله إلى حد الشغف (فادي حداد)
TT

فادي حداد: فيديوهات «السوشيال ميديا» تصعّب مهمتنا

يحب حداد عمله إلى حد الشغف (فادي حداد)
يحب حداد عمله إلى حد الشغف (فادي حداد)

في كل مرة يطلّ فيها المخرج اللبناني فادي حداد عبر أغنية مصورة لفنان ما يترك انطباعاً إيجابياً لدى مشاهده. فهو يتجدد باستمرار معتمداً تقنيات تصوير وألواناً وعملية مونتاج جذابة. ففي كليب «حفلة» لنوال الزغبي حقق مؤخراً 20 مليون مشاهدة. ومع شذى حسون في أغنيتها «حلم عمري» تميز بتوضيبة فنية لا تشبه غيرها. وتعد أحدث أعماله المصورة مع الفنان ماهر جاه «يا ورد» مميزة. حبك قصة الشاب «الدون جوان» بإطار طريف خرج فيه عن المألوف. وتنقلت كاميرته بين مواقع تصوير مختلفة لا يملّ متابع الكليب من مشاهدتها. فاتسمت بعملية تصوير متقنة وملونة بامتياز.

ويعد فادي من المخرجين اللبنانيين الذين يتمتعون بتاريخ مهني حافل. ولا يزال حتى اليوم يحقق النجاح تلو الآخر وكأنه بدأ ممارسة مهنته للتو. ويكمن سره بقدرته على توليد الأفكار. فهي لا تتشابه ولا تتقاطع مع أي فكرة أخرى لزملائه.

فمن أين يستمد تجدده؟ وكيف يعمل على تطوير مهاراته الفنية؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «التجدد أمر ضروري وإلا يسقط المخرج في فخ الروتين وتلفظه الساحة الفنية. وهذا التجدد لا يقتصر فقط على الأفكار بل على مواكبة أحدث التقنيات ومستلزمات الصورة اللافتة. ومع الكاميرات والعدسات الحديثة والإضاءة المدروسة، إضافة إلى تجارب متراكمة، أحدث الفرق».

برأي حداد أن الصورة يجب أن تبهر مشاهدها، وإلا وبكبسة زر ينتقل إلى غيرها كي يمتع نظره بما هو أجمل منها. فالمخرج اللبناني المحترف يضاهي بأعماله اليوم العالمية. فوضع هذه المهنة بإطارها المطلوب مما جعله محط أنظار فنانين عرب ولبنانيين وأجانب.

يخبرنا فادي حداد أن أي كليب ينوي تنفيذه يستغرق منه وقتاً لتحضيره. وكذلك يتطلب منه البحث والمواكبة لأي جديد على الساحة العالمية. ويشير إلى أن الألوان هي «التريند» الرائج اليوم في عالم الصورة. «إنها تترجم موضوع الكليب وترتبط ارتباطاً مباشراً بإطلالة الفنان وأزيائه. كما يجب أن تتناغم مع أحوال الطقس التي تسود عملية التصوير. فهي عناصر تؤلف حبكة فنية ليست سهلة أبداً سيما وأن تلوين الكليب بعد التصوير لم يعد محبذاً».

يقول لـ«الشرق الأوسط» إن كل عمل ينوي تنفيذه يتطلب منه نحو 15 يوماً. وأول ما يطلع عليه هو موضوع الأغنية. ومن بعدها ينتقل إلى دراسة دقيقة حول عملية اختيار الألوان. ومعها ينطلق في تحديد السائد الأكبر في العمل. فيمكن أن يحتل البرتقالي أو الأزرق المساحة الأكبر. وعلى أساسها يعمر باقي أحجار الكليب متكلاً على موهبته وليس على مراجع معينة. «منذ بداياتي عملت على هذا الأساس ولذلك يستمتع المشاهد حتى اليوم بمتابعة أعمال قديمة لي. ففي (غريبة الناس) لوائل جسار أو (عز الحبايب) لصابر الرباعي تلحظين هذا الأمر. فمدة الأربع دقائق التي يستغرقها الكليب يجب أن تكون مشبعة بعملية فنية ذكية، فلا تدفع مشاهدها إلى الملل».

برأيه أن تنفيذ كليب مصور عملية معقدة جداً تتحكم فيها الخبرات والاطلاع أو مواكبة كل جديد. فتحريك المشاعر وانسجام عين ناظر العمل مع الصورة المقدمة له ينبعان من الأغنية أولاً. «(الأوديو) هو العنصر الرئيسي الذي أنطلق منه. والميلودي المرافق لها هي التي تتكفّل بأخذك إلى المكان والفكرة الصحيحين. فالعملية برمتها تتطلب ثقافة تسويقية».

يشكل فادي حداد مع نوال الزغبي ثنائياً متناغماً بحيث ينعكس تفاهمهما على أي عمل يتعاونان فيه. مؤخراً وبعد أغنيتها «حفلة»، صوّر لها أيضاً «ريتو» ويعلق: «أحب نوال كثيراً وأغانيها جميلة تحرك عند المخرج تطلعات مختلفة. ولا يزعجني تحول الفنان مرات إلى مخرج. فعلاقتي المهنية معه ليست زواجاً بل هي علاقة تعاون. وهذا الأمر أعتبره يصب في مصلحتي إذ عندما يجرب غيري لا بد أن يعود إلى كاميرتي. كما يحفزني هذا الأمر على الاجتهاد كي أبادله بأفضل ما عندي بصورة مشبعة بالجمال».

لا ينفك فادي حداد من البحث والدرس والتعلم ويقول: «أسافر كثيراً كي أغني عيني وكأني تلميذ مبتدئ. وأحياناً أعود إلى مقاعد الدراسة كما عملت في ألمانيا كي لا تفوتني الحداثة. أعرف تماماً أن على المخرج أن يسعى وألا يشعر بالاكتفاء بتاتاً. فعندما يجاهر بأنه وصل إلى القمة وحقق ما يصبو إليه يكون بدأ في رسم خط تراجعه».

يعتمد المخرج حداد في أعماله البُعد السينمائي للصورة. ويرى في الكليب عنصراً مهماً للترويج لحفلات الفنان. فكلما أحبه المشاهد تسبب باندفاع الناس لحضور هذا الحفل أو ذاك. «لا يمكن للفنان أن يستغني عن الكليب المصور لأغنيته. فهو يقربه من جمهوره ويولد هذه العلاقة الوطيدة بينهما. كما أن الكليب يحضر في حفلات الفنان على المسرح كخلفية فنية. فيواكب إطلالته على الخشبة أثناء تقديمه الأغنية المباشرة».

«الكليب لا يموت» يكرر فادي، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في هذه المعادلة. «إنها تسهم في تحقيق انتشار واسع له. وإذا ما عرف كيف يتفاعل مع كليبه وعملية تسويقه تكون النتيجة أضعاف ما يطمح إليه. في الماضي كان التلفزيون يسيطر على الساحة. وكانت كلفة تمرير أغنية على الشاشة الصغيرة تكبّد الفنان مبالغ كبيرة. اليوم وبفضل (السوشيال ميديا) أصبح الأمر مجانياً وأسرع في الوصول إلى ملايين الناس. واللافت أن أعماراً مختلفة يصل إليها الكليب عن قصد أو عن عكسه».

ومن ناحية ثانية يؤكد حداد أن تجديد عالم الكليب اليوم يشهد صعوبة أكبر بسبب هذه الوسائل. «تصوري أنه يومياً تولد آلاف اللقطات المصورة على (تيك توك) و(إنستغرام) وغيرهما. وهي ما نسميها Reel)) الذي يجتاح هذه التطبيقات كموجة تسونامي. فالفرص متاحة أمام أي شخص كي يصنع كليباً غنائياً. وهذا العالم يكبر يوماً بعد يوم مما يصعّب مهمة المخرج ويتطلب منه التميز».



محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
TT

محمد ثروت: الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل

مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)
مع مطربي حفل روائع عبد الوهاب في صورة تذكارية (هيئة الترفيه)

صدى كبير حققه حفل «روائع محمد عبد الوهاب» في «موسم الرياض»، سواء بين الجمهور أو مطربي الحفل، ولعل أكثرهم سعادة كان المطرب المصري محمد ثروت ليس لحبه وتقديره لفن عبد الوهاب، بل لأنه أيضاً تلميذ مخلص للموسيقار الراحل الذي لحن له 12 أغنية وقد اقترب ثروت كثيراً منه، لذا فقد عدّ هذا الحفل تحية لروح عبد الوهاب الذي أخلص لفنه وترك إرثاً فنياً غنياً بألحانه وأغنياته التي سكنت وجدان الجمهور العربي.

يستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم وإخراج نجله أحمد ثروت ({الشرق الأوسط})

وقدم محمد ثروت خلال الحفل الذي أقيم بمسرح أبو بكر سالم أغنيتين؛ الأولى كانت «ميدلي» لبعض أغنياته على غرار «امتى الزمان يسمح يا جميل» و«خايف أقول اللي في قلبي» وقد أشعل الحفل بها، والثانية أغنية «أهواك» للعندليب عبد الحليم حافظ وألحان عبد الوهاب.

وكشف ثروت في حواره مع «الشرق الأوسط» عن أن هذا الكوكتيل الغنائي قدمه خلال حياة الموسيقار الراحل الذي أعجب به، وكان يطلب منه أن يغنيه في كل مناسبة.

يقول ثروت: «هذا الكوكتيل قدمته في حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب وقد أعجبته الفكرة، فقد بدأت بموال (أشكي لمين الهوى والكل عزالي)، ودخلت بعده ومن المقام الموسيقي نفسه على الكوبليه الأول من أغنية (لما أنت ناوي تغيب على طول)، ومنها على أغنية (امتى الزمان يسمح يا جميل)، ثم (خايف أقول اللي في قلبي)، وقد تعمدت أن أغير الشكل الإيقاعي للألحان ليحقق حالة من البهجة للمستمع بتواصل الميدلي مع الموال وأسعدني تجاوب الجمهور مع هذا الاختيار».

وحول اختياره أغنية «أهواك» ليقدمها في الحفل، يقول ثروت: «لكي أكون محقاً فإن المستشار تركي آل الشيخ هو من اختار هذه الأغنية لكي أغنيها، وكنت أتطلع لتقديمها بشكل يسعد الناس وساعدني في ذلك المايسترو وليد فايد، وجرى إخراجها بالشكل الموسيقي الذي شاهدناه وتفاعل الجمهور معها وطلبوا إعادتها».

وبدا واضحاً التفاهم الكبير بين المايسترو وليد فايد الذي قاد الأوركسترا والفنان محمد ثروت الذي يقول عن ذلك: «التفاهم بيني وبين وليد فايد بدأ منذ عشرات السنين، وكان معي في حفلاتي وأسفاري، وهو فنان متميز وابن فنان، يهتم بالعمل، وهو ما ظهر في هذا الحفل وفي كل حفلاته».

تبدو سعادته بهذا الحفل أكبر من أي حفل آخر، حسبما يؤكد: «حفل تكريم الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أعاد الناس لمرحلة رائعة من الألحان والأغنيات الفنية المتميزة والعطاء، لذا أتوجه بالشكر للمستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، على الاهتمام الكبير الذي حظي به الحفل، وقد جاءت الأصداء عالية وشعرت أن الجمهور مشتاق لزمن الغناء الأصيل».

ووفق ثروت، فإن عبد الوهاب يستحق التكريم على إبداعاته الممتدة، فرغم أنه بقي على القمة لنحو مائة عام فإنه لم يُكرّم بالشكل الذي يتلاءم مع عطائه.

ويتحمس ثروت لأهمية تقديم سيرة عبد الوهاب درامياً، مؤكداً أن حياته تعد فترة ثرية بأحداثها السياسية والفنية والشخصية، وأن تقدم من خلال كاتب يعبر عن كل مرحلة من حياة الموسيقار الراحل ويستعرض من خلاله مشوار الألحان من عشرينات القرن الماضي وحتى التسعينات.

يستعيد محمد ثروت ذكرى لقائه بـ«موسيقار الأجيال» محمد عبد الوهاب، قائلاً: «التقيت بالأستاذ واستمع لغنائي وطلب مني أن أكون على اتصال به، وتعددت لقاءاتنا، كان كل لقاء معه به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم، إلى أن لحن أوبريت (الأرض الطيبة) واختارني لأشارك بالغناء فيه مع محمد الحلو وتوفيق فريد وإيمان الطوخي وسوزان عطية وزينب يونس، ثم اختارني لأغني (مصريتنا حماها الله) التي حققت نجاحاً كبيراً وما زال لها تأثيرها في تنمية الروح الوطنية عند المصريين».

ويشعر محمد ثروت بالامتنان الكبير لاحتضان عبد الوهاب له في مرحلة مبكرة من حياته مثلما يقول: «أَدين للموسيقار الراحل بالكثير، فقد شرفت أنه قدم لي عدة ألحان ومنها (مصريتنا) (عينيه السهرانين)، (عاشت بلادنا)، (يا حياتي)، (يا قمر يا غالي)، وصارت تجمعنا علاقة قوية حتى فاجأني بحضور حفل زواجي وهو الذي لم يحضر مثل هذه المناسبات طوال عمره».

يتوقف ثروت عند بعض لمحات عبد الوهاب الفنية مؤكداً أن له لمسته الموسيقية الخاصة فقد قدم أغنية «مصريتنا» دون مقدمة موسيقية تقريباً، بعدما قفز فيها على الألحان بحداثة أكبر مستخدماً الجمل الموسيقية القصيرة مع اللحن الوطني العاطفي، مشيراً إلى أن هناك لحنين لم يخرجا للنور حيث أوصى الموسيقار الراحل أسرته بأنهما لمحمد ثروت.

يتذكر محمد ثروت نصائح الأستاذ عبد الوهاب، ليقدمها بدوره للأجيال الجديدة من المطربين، مؤكداً أن أولاها «احترام فنك الذي تقدمه، واحترام عقل الجمهور، وأن الفنان لا بد أن يكون متطوراً ليس لرغبته في لفت النظر، بل التطور الذي يحمل قيمة»، مشيراً إلى أن الأجيال الجديدة من المطربين يجب أن تعلم أن الفن يحتاج إلى جدية ومثابرة وإدراك لقيمة الرسالة الفنية التي تصل إلى المجتمع فتستطيع أن تغير فيه للأفضل.

ويستعد ثروت لتصوير أغنية جديدة من ألحان محمد رحيم، إخراج نجله أحمد ثروت الذي أخرج له من قبل أغنية «يا مستعجل فراقي». كل لقاء مع «موسيقار الأجيال» كانت به إضافة ولمسة ورؤية وعلم وأشياء أستفيد بها حتى اليوم