تأثير نجوم الفن ومنصّات «التواصل» في حظوظ السياسيين الانتخابية

خبراء اختلفوا بشأن قدرتهم على توجيه الجماهير

أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)
أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)
TT

تأثير نجوم الفن ومنصّات «التواصل» في حظوظ السياسيين الانتخابية

أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)
أوبرا وينفري تحاور هاريس بحضور النجوم (أ.ف.ب)

أثار إعلان المغنية الأميركية الشهيرة تايلور سويفت، دعمها للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، جدلًا واسعًا في الأوساط الأميركية، سرعان ما امتد إلى دوائر أخرى، بشأن مدى تأثير نجوم الفنّ ومنصات التواصل الاجتماعي في حظوظ المرشحين السياسيين الانتخابية.

تايلور سويفت (أ.ف.ب)

ومعلوم أنه كانت قد انتشرت مؤخراً دراسات عدة، واستطلاعات رأي، في محاولة لتقييم تأثير سويفت في حظوظ هاريس، لا سيما مع إشارات من مراقبين تتحدث عن إمكانية أن يشكّل دعم سويفت «قوة دفع» للمرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس الحالية في السباق نحو البيت الأبيض، غير أنه تفاوتت وجهات نظر خبراء ومتابعين التقتهم «الشرق الأوسط»، وحاورتهم بشأن مدى تأثير نجوم الفن عالمياً وعربياً في اتجاهات الجماهير التصويتية.

في الواقع، لم يقتصر الأمر في الانتخابات الأميركية على سويفت، بل انضم إليها آخرون في دعم المرشحة الديمقراطية، بينهم جنيفر لورانس، وجنيفر لوبيز، وميريل ستريب، وجوليا روبرتس، وعدد آخر من النجوم استضافتهم مقدّمة البرامج الشهيرة أوبرا وينفري مؤخراً، في حلقة حوارية مع هاريس.

وعلى الجانب الآخر، يحظى المرشح الجمهوري دونالد ترمب بدعم رجل الأعمال إيلون ماسك، والممثل دينيس كوايد، وعدد من النجوم، من بينهم الموسيقي كيد روك، والعارضة أمبر روز، الذين ظهروا في مناسبات للحزب الجمهوري.

وأيضاً أشارت دراسة حديثة أجراها مركز «آش للحكم الديمقراطي والابتكار» بجامعة هارفارد، إلى «وجود أدلة على قوة تأثير النجوم في تعزيز المشاركة المدنية، وتغيير أرقام استطلاعات الرأي، لا سيما بالنسبة للشباب والجيل زد».

ودلّلت الدراسة على ذلك بما فعلته تايلور سويفت عام 2018، عندما شجّعت معجبيها على التسجيل للتصويت في الانتخابات، وتسبّب ذلك في تسجيل نحو 250 ألف مشترك جديد خلال 72 ساعة، كذلك الأمر بالنسبة للمؤثرة وعارضة الأزياء كايلي غينر التي حثّت متابعيها على التصويت عام 2020، ما تسبّب في زيادة بنسبة 1500 في المائة في عدد الزيارات لموقع تسجيل الناخبين. بحسب الدراسة.

بيد أن موقع «ذا هيل» أشار إلى نتائج مختلفة، حيث لاحظ أنه لم ينجح أيّ من المرشحين الديمقراطيين الذين دعمتهم سويفت في انتخابات الكونغرس عام 2018.

هذه ليست المرة الأولى التي يُلقي فيها فنانون بثقلهم خلف مرشحين للبيت الأبيض، فالأمر يعود إلى عام 1920، عندما أعلنت النجمة ماري بيكفورد، والنجم آل جولسون دعمهما للمرشح الجمهوري (الفائز لاحقاً)، وارين هاردينغ، ولعل دعم فرانك سيناترا للرئيس الأسبق دونالد ريغان في حفل لجمع التبرعات عام 1979 هو الأكثر شهرةً في هذا الصدد.

مارك هارفي، الأستاذ في جامعة سانت ماري الأميركية، الذي ألّف كتاباً بشأن «تأثير المشاهير في توجهات الجماهير»، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «النجوم يمكن أن يؤثروا في اتجاهات الجمهور، بشأن قضايا أو مواضيع معينة سياسية أو اجتماعية، لكن تأثيرهم ليس بهذه القوة، حين يتعلق الأمر بالتصويت في الانتخابات». وأردف أن «التصويت في الانتخابات مرتبط بمدى الاقتناع بالبرنامج الانتخابي للمرشح، وتأثيره على الاقتصاد والحياة العامة، وليس بتأييد أو دعم النجوم له»، قبل أن يشير إلى دراسة أجراها في أغسطس (آب) الماضي، قبل أسابيع من إعلان سويفت تأييدها لهاريس، وأظهرت «انعدام تأثير المشاهير في التصويت الانتخابي».

ويُذكر أنه في الدراسة عُرض على العيّنة صورتان؛ الأولى لسويفت وهي تدعو إلى التصويت في الانتخابات، والثانية تدعو إلى التصويت للديمقراطيين. وأوردت الدراسة التي نشرها موقع «ذا هيل»، أن «سويفت قد يكون لها تأثير لدى الناخب الذي لم يحسم موقفه من الانتخابات»، حيث أبدت العينة التي اطّلعت على الصورة الأولى «احتمالية عالية للتوجّه، وتسجيل أنفسهم في الجداول الانتخابية، لكن هذه النسبة انخفضت كثيراً عندما طالعوا الصورة التي تدعوهم للتصويت للديمقراطيين»، وهنا يقول هارفي إنه «مثلما لا يرجّح تأثير المشاهير في تغيير توجهات الجماهير إزاء قضايا خلافية، مثل الإعدام، فمن المنطقي ألا يؤثر في دفعهم للتصويت لصالح مرشح معين... وبالتالي، لعل تأثير المشاهير ربما ينحصر في الناخبين الذين لم يقرّروا نهائياً بعدُ لمَن سيصوتون».

ولكن حتى هذا التأثير ليس نهائياً؛ إذ يشير مارك هارفي إلى أن «المشاهير ربما يؤثرون عكسياً في الانتخابات، فيدفعون الجماهير التي لم تحسم موقفها إلى الإحجام عن التصويت»، لافتاً إلى أن «هناك قاعدة في الدعاية تقول بضرورة توافق النجم مع ما يعلن عنه، فمَن يروّج للعطور يصعب عليه أن يعلن عن السلاح مثلاً»، وحقاً، يخشى البعض من التأثير العكسي للفنانين، أو ما يُطلق عليه مسمى «أثر مصاصي الدماء»، حيث قد يجذب الفنان الانتباه بعيداً عن السياسي المرشح في الانتخابات.

وعربياً، يمكن القول إنه كان للفنانين انخراط واضح في السياسة، لا سيما في الأحداث الكبرى أو الانتخابات، فعادةً ما تجدهم في طليعة المقترعين في الانتخابات، مع إعلان تأييدهم لمرشح بعينه، وفي ظل أحداث عام 2011، كشف فنانون سوريون عن تأييدهم للرئيس بشار الأسد، بينهم رغدة وسلاف فواخرجي، بينما وقف آخرون ضده. وفي مصر أيضاً يتذكّر كثيرون كلام الفنانة عفاف شعيب عن تأثرها وأسرتها من الاحتجاجات في تلك الفترة.

خالد القضاة، الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشاهير عادةً ما يخشون الخوض في السياسة؛ لأنه يؤثر سلبياً على مصالحهم»، إلا أنه في الوقت نفسه أشار إلى «تجربة عدد من نجوم منصات التواصل الاجتماعي في دعم المرشحين في الانتخابات البرلمانية في الأردن»، وأضاف أن «هذه التجربة لم تكن ناجحة، ولم يستطع النجوم تغيير توجهات الناخبين، بل على النقيض كان تأثيرهم عكسياً، لا سيما أن الجماهير تدرك أن ترويج المؤثر لمرشح بعينه هو جزء من حملة مدفوعة».

المتفائلون بتأثير سويفت في الانتخابات يدلّلون على ذلك بالدور الذي لعبته أوبرا وينفري في دعم الرئيس السابق باراك أوباما؛ إذ أظهرت دراسة أجرتها جامعة نورثوسترن الأميركية المرموقة عام 2008 أن «وينفري كانت مسؤولة عن نحو مليون صوت إضافي لأوباما في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي». وهنا، شدّدت الناقدة الفنية التونسية، الدكتورة ليلى بارحومة، على «قوة تأثير نجوم الفن في دعم السياسيين»، ضاربة المثل بفنّاني تونس الذين دعم بعضهم الرئيس الحالي قيس سعيد في الانتخابات الأخيرة، بينما لم يدعمه البعض الآخر. وأضافت بارحومة لـ«الشرق الأوسط»، أن «تأثير الفنانين عادةً ما يكون كبيراً على الجماهير البسيطة التي لم تحسم موقفها من المرشحين»، ولفتت أيضاً إلى «خطورة ذلك على الفنان إذا دعم فصيلاً مرفوضاً من الرأي العام». وأردفت أن عدداً من الفنانين دعموا الإسلاميين في فترة ما، وتراجعت بالنتيجة «شعبيتهم مجتمعياً». والشيء نفسه يكاد ينطبق على الحالة المصرية، مع رفض قطاع من الناخبين لفنانين أظهروا دعمهم لحكم تنظيم «الإخوان» الذي تصنّفه مصر «إرهابياً»، كذلك تسبّب دعم فنانين كويتيين للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بعد غزوه للكويت في «إقصاء شعبي لهم».

الناقد الفني المصري، طارق الشناوي، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «دعم الفنانين في المنطقة العربية عادةً ما يُنظَر له من قبل الجمهور بأنه موجَّه»، ولفت إلى أن «الفنانين في الغالب يبحثون عن السلطة، ويقتربون منها»، ضارباً المثل بفترة الرئيس الأسبق حسني مبارك، حين كان «أغلب الفنانين المصريين على علاقة صداقة بعائلته».

أخيراً، فإن معظم الدراسات التي تبحث في العلاقة بين السياسة والترفيه، تقدّم استنتاجات متباينة حول تأثير المشاهير في حظوظ السياسيين.



«الحروب التلفزيونية» معارك لبنانية صغيرة تنتهي بالتسويات

الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)
الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)
TT

«الحروب التلفزيونية» معارك لبنانية صغيرة تنتهي بالتسويات

الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)
الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)

مع احتكار الحرب المدمّرة الحقيقية الأضواء والمشاعر وأوقات البث في لبنان، تدور «حرب» إعلامية أسكتتها الأيام والأسابيع الأخيرة. وهي حرب لا تستعر على الأرض بل في فضاء محطتي التلفزيون المحليتين «الجديد» و«إم تي في»، وقذائفها تصلهما باردة، وأسلحتها تقتصر على التراشق الكلامي، وتصبّ في خانة خطاب الكراهية. ومع أن المتفرجين لا يشعرون بعبئها عليهم، فإنها تستفزّهم لينقسموا بين هذه المحطة أو تلك.

هذا النوع من «الحروب» ليس بالجديد على اللبنانيين، بل سبق أن عاشوا ما يشبهه في حقبات مختلفة. وكانت أقدمها تلك التي دارت بين «الجديد» و«المستقبل» في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، فتبادلتا الحملات الإعلامية الساخنة، كل من وجهة نظره.

أيضاً، من المعارك التي احتدمت إعلامياً، تلك التي دارت رحاها في مرحلة ثانية بين محطتي «المستقبل» و«تلفزيون المنار» إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005 وأحداث 7 مايو (أيار) عام 2008، عندما شنتا الهجمات الإعلامية الممنهجة؛ إحداهما على الأخرى.

ثم هناك من الخلافات المعروفة بين التلفزيونات اللبنانية، الخلاف الذي ذر قرنه بين «إم تي في» و«إل بي سي آي»؛ فالأولى ساندت حزب «القوات اللبنانية» بمطالبته بحصّة من محطة الـ«إل بي سي آي»، والأخيرة ردّت بحملات تشير فيها إلى تدخلات «إم تي في» لغايات شخصية. ثم هناك «المواجهة» التلفزيونية التي عاشها اللبنانيون بين «إن بي إن» التابعة للرئيس نبيه برّي (زعيم حركة أمل) و«الجديد»، ووصل الأمر إلى رمي قنابل ومتفجرات على «الجديد»، فاتهمت هذه الأخيرة «حركة أمل» بضلوعها بهذه الأحداث.

د علي رمال (الشرق الأوسط)

كل تلك الحملات كانت تغيب لتعود بعد فترة. وأحدث فصولها ظهر أخيراً على شاشتي «إم تي في» و«الجديد». وبدأت المشكلة عندما عرضت الأولى في نشرتها الإخبارية تقريراً اتهمت فيه شركة «ميب» التي يملكها مالك «الجديد» وشركاه باختلاس 38 مليون دولار، على أساس صيانة معامل إنتاج الكهرباء من دون صرف أي جزء من المبلغ، بينما يعاني اللبنانيون من الظلام. وردّت قناة «الجديد» على تقرير المحطة المنافسة في حملات إعلامية متتالية. وتطورت الأمور فيما بعد لتطال شخص رئيس مجلس إدارة «إم تي في»، واتهامه بالفساد استناداً إلى ملف تخابر غير شرعي اتهم به. وغلب على الطرفين تبادل الاتهامات، ما أجّج نار الحرب الإعلامية بينهما حتى خارج نشرات الأخبار.

أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون المهتمون بقطاع الإعلام حول هذه الحملات الإعلامية المتبادلة. وفي حين بعضهم يعدّها «فقاقيع هواء» لا تلبث أن تنتهي بتسويات لأن الطرفين في النهاية يصلحان الأمور وفقاً لمصالح يتقاسمانها، يراها آخرون نوعاً من «الفلتان الإعلامي»، حيث الدولة اللبنانية تقف متفرجة من دون وضع حدّ لها. وثمة فئة ثالثة ترى أن ما يحدث نوع من الضغوط التي يمارسها كل طرف بحسب أجندته السياسية.

تدخّل القضاء

وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري تكلّم عن الموضوع لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أن هذه الحملات «تضرّ بأخلاقيات المهنة»، مع أنها تُعدّ جاذبة للمشاهد؛ لأنها تصبّ في خانة الفضائح والإثارة. وذكر مكاري أنه تدخل أكثر من مرة للحد من حملات من هذا النوع. وأوضح أن «هذا الأمر مثلاً، حصل عندما عالجت مشكلة وقعت بين (المنار) و(نيو تي في)، وبرأيي أن هذه الخلافات لا تتفاقم إذا ما عولجت في القضاء اللبناني. فالقضاء هو المسؤول الوحيد عن تهدئتها؛ لأن وزارة الإعلام ليس بيدها حلّ هذا النوع من القضايا».

وشدد الوزير مكاري: «أنا أطالب النيابات العامة بالتحرك بهذا الخصوص. كل يوم نشهد مادة فساد واتهامات وكراهية في الخطاب الإعلامي، وعلى المؤسسات الإعلامية الالتزام باحترام مواثيق دولية وقّع عليها لبنان لنبذ الكراهية والأخبار الزائفة».

حروب الإعلام والمصالح

من جهته، قال الدكتور علي رمّال، العميد السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، إن له رأياً مغايراً في هذا الموضوع، وإن الإعلام برمّته أصبح ممولاً من جهات خارجية، وكل جهة تحاول بلسان محطتها الحفاظ على مصالحها. ومن ثم، يختصر رمّال رأيه الأكاديمي بالقول: «حروب الإعلام هي حروب المصالح. وعلى الرغم من أن التلفزيون وسيلة ترفيهية، فإنه يتحوّل إلى مكان للترويج لمادة مثيرة ترفع من نسب المشاهدة». وأردف: «إن عمل المحطات شبيه إلى حد كبير بالعمل الاستخباراتي... فهم يجمعون المعلومات ويحتفظون بنسبة منها، ويُخرجون إلى العلن نصفها الآخر من باب غايات ومصالح خاصة... وبذلك يصبح المشاهد تابعاً، لهذه المحطة أو تلك، حسب انتمائه».

كيف تنتهي هذه الحروب وعلى أي أساس؟

يرد الدكتور رمّال: «إدارة المصالح تقوم على لفلفة الملفات. وفي نهاية المطاف، نراهم يتقاسمون الغنائم. وتحت عنوان نوقف الحرب كي لا نخسر معاً، توضع التسويات؛ لأن الفساد ليس بعيداً عن الإعلام... وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الإعلام اللبناني بل هو موجود في الإعلام الغربي أيضاً».