«الحروب التلفزيونية» معارك لبنانية صغيرة تنتهي بالتسويات

تقف وراءها المصالح والانتماءات السياسية

الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)
الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)
TT

«الحروب التلفزيونية» معارك لبنانية صغيرة تنتهي بالتسويات

الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)
الوزير زياد مكاري (الشرق الأوسط)

مع احتكار الحرب المدمّرة الحقيقية الأضواء والمشاعر وأوقات البث في لبنان، تدور «حرب» إعلامية أسكتتها الأيام والأسابيع الأخيرة. وهي حرب لا تستعر على الأرض بل في فضاء محطتي التلفزيون المحليتين «الجديد» و«إم تي في»، وقذائفها تصلهما باردة، وأسلحتها تقتصر على التراشق الكلامي، وتصبّ في خانة خطاب الكراهية. ومع أن المتفرجين لا يشعرون بعبئها عليهم، فإنها تستفزّهم لينقسموا بين هذه المحطة أو تلك.

هذا النوع من «الحروب» ليس بالجديد على اللبنانيين، بل سبق أن عاشوا ما يشبهه في حقبات مختلفة. وكانت أقدمها تلك التي دارت بين «الجديد» و«المستقبل» في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، فتبادلتا الحملات الإعلامية الساخنة، كل من وجهة نظره.

أيضاً، من المعارك التي احتدمت إعلامياً، تلك التي دارت رحاها في مرحلة ثانية بين محطتي «المستقبل» و«تلفزيون المنار» إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005 وأحداث 7 مايو (أيار) عام 2008، عندما شنتا الهجمات الإعلامية الممنهجة؛ إحداهما على الأخرى.

ثم هناك من الخلافات المعروفة بين التلفزيونات اللبنانية، الخلاف الذي ذر قرنه بين «إم تي في» و«إل بي سي آي»؛ فالأولى ساندت حزب «القوات اللبنانية» بمطالبته بحصّة من محطة الـ«إل بي سي آي»، والأخيرة ردّت بحملات تشير فيها إلى تدخلات «إم تي في» لغايات شخصية. ثم هناك «المواجهة» التلفزيونية التي عاشها اللبنانيون بين «إن بي إن» التابعة للرئيس نبيه برّي (زعيم حركة أمل) و«الجديد»، ووصل الأمر إلى رمي قنابل ومتفجرات على «الجديد»، فاتهمت هذه الأخيرة «حركة أمل» بضلوعها بهذه الأحداث.

د علي رمال (الشرق الأوسط)

كل تلك الحملات كانت تغيب لتعود بعد فترة. وأحدث فصولها ظهر أخيراً على شاشتي «إم تي في» و«الجديد». وبدأت المشكلة عندما عرضت الأولى في نشرتها الإخبارية تقريراً اتهمت فيه شركة «ميب» التي يملكها مالك «الجديد» وشركاه باختلاس 38 مليون دولار، على أساس صيانة معامل إنتاج الكهرباء من دون صرف أي جزء من المبلغ، بينما يعاني اللبنانيون من الظلام. وردّت قناة «الجديد» على تقرير المحطة المنافسة في حملات إعلامية متتالية. وتطورت الأمور فيما بعد لتطال شخص رئيس مجلس إدارة «إم تي في»، واتهامه بالفساد استناداً إلى ملف تخابر غير شرعي اتهم به. وغلب على الطرفين تبادل الاتهامات، ما أجّج نار الحرب الإعلامية بينهما حتى خارج نشرات الأخبار.

أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون المهتمون بقطاع الإعلام حول هذه الحملات الإعلامية المتبادلة. وفي حين بعضهم يعدّها «فقاقيع هواء» لا تلبث أن تنتهي بتسويات لأن الطرفين في النهاية يصلحان الأمور وفقاً لمصالح يتقاسمانها، يراها آخرون نوعاً من «الفلتان الإعلامي»، حيث الدولة اللبنانية تقف متفرجة من دون وضع حدّ لها. وثمة فئة ثالثة ترى أن ما يحدث نوع من الضغوط التي يمارسها كل طرف بحسب أجندته السياسية.

تدخّل القضاء

وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري تكلّم عن الموضوع لـ«الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أن هذه الحملات «تضرّ بأخلاقيات المهنة»، مع أنها تُعدّ جاذبة للمشاهد؛ لأنها تصبّ في خانة الفضائح والإثارة. وذكر مكاري أنه تدخل أكثر من مرة للحد من حملات من هذا النوع. وأوضح أن «هذا الأمر مثلاً، حصل عندما عالجت مشكلة وقعت بين (المنار) و(نيو تي في)، وبرأيي أن هذه الخلافات لا تتفاقم إذا ما عولجت في القضاء اللبناني. فالقضاء هو المسؤول الوحيد عن تهدئتها؛ لأن وزارة الإعلام ليس بيدها حلّ هذا النوع من القضايا».

وشدد الوزير مكاري: «أنا أطالب النيابات العامة بالتحرك بهذا الخصوص. كل يوم نشهد مادة فساد واتهامات وكراهية في الخطاب الإعلامي، وعلى المؤسسات الإعلامية الالتزام باحترام مواثيق دولية وقّع عليها لبنان لنبذ الكراهية والأخبار الزائفة».

حروب الإعلام والمصالح

من جهته، قال الدكتور علي رمّال، العميد السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، إن له رأياً مغايراً في هذا الموضوع، وإن الإعلام برمّته أصبح ممولاً من جهات خارجية، وكل جهة تحاول بلسان محطتها الحفاظ على مصالحها. ومن ثم، يختصر رمّال رأيه الأكاديمي بالقول: «حروب الإعلام هي حروب المصالح. وعلى الرغم من أن التلفزيون وسيلة ترفيهية، فإنه يتحوّل إلى مكان للترويج لمادة مثيرة ترفع من نسب المشاهدة». وأردف: «إن عمل المحطات شبيه إلى حد كبير بالعمل الاستخباراتي... فهم يجمعون المعلومات ويحتفظون بنسبة منها، ويُخرجون إلى العلن نصفها الآخر من باب غايات ومصالح خاصة... وبذلك يصبح المشاهد تابعاً، لهذه المحطة أو تلك، حسب انتمائه».

كيف تنتهي هذه الحروب وعلى أي أساس؟

يرد الدكتور رمّال: «إدارة المصالح تقوم على لفلفة الملفات. وفي نهاية المطاف، نراهم يتقاسمون الغنائم. وتحت عنوان نوقف الحرب كي لا نخسر معاً، توضع التسويات؛ لأن الفساد ليس بعيداً عن الإعلام... وهذا الأمر لا يقتصر فقط على الإعلام اللبناني بل هو موجود في الإعلام الغربي أيضاً».



عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

عمّقت عائدات الإعلانات النزاع الناشئ بين شركة «غوغل» والناشرين، ما جدّد التساؤلات بشأن تأثير ذلك في مستقبل الإعلام، الذي يعتمد في تمويل بقائه على الإعلانات. وبينما أشار خبراء تحدّثت إليهم «الشرق الأوسط» إلى إمكانية الوصول إلى حلول توافقية، فإنهم لفتوا إلى هيمنة «غوغل» على هذه السوق.

النزاع كان قد اندلع أخيراً مع دعوى قضائية رفعتها السلطات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، ضد «غوغل»، هي الثانية من نوعها في غضون أقل من سنة. وتتهم الدعوى التي رفعتها وزارة العدل الأميركية «غوغل» بـ«الهيمنة على الإعلانات عبر الإنترنت وخنق المنافسة». ووفقاً لتفاصيلها فإن «غوغل» متهمة بأنها «استخدمت وسائل غير قانونية مانعة للمنافسة؛ للقضاء على أي تهديد لهيمنتها على تقنيات الإعلان الرقمي، أو تقليص المنافسة بشكل كبير». وتطرّق الاتهام إلى أن «غوغل استخدمت قوتها المالية للاستحواذ على منافسين محتملين واحتكار السوق، ما لم يترك للمعلنين والناشرين أي خيار سوى استخدام تقنيتها». ويذكر أنه سبق لمحكمة أميركية أن قضت، الشهر الماضي، بأن الشركة العملاقة «تمارس احتكاراً غير قانوني في سوق الإنترنت».

في المقابل، ترفض «غوغل» هذه الاتهامات، وترى أنها «تتعارض مع مبادئ قانون المنافسة التي تساعد على دفع النمو الاقتصادي والابتكار». ولقد أوضحت في وثيقة سلمتها للمحكمة وتداولتها وسائل الإعلام الأميركية، أن «القضية أيضاً غير صحيحة من ناحية الوقائع». ومن المرجح أن يستمر نظر القضية ضد «غوغل» نحو أسابيع، وإذا ما صدر حكم بالإدانة، فستقرر محكمة أخرى العقوبات. وللعلم، تواجه «غوغل» تحقيقات مماثلة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

الباحثة في الإعلام الرقمي، الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي في ليبيا، أفادت «الشرق الأوسط» بأن «النزاع اشتعل أخيراً بين (غوغل) والناشرين، مع إعلان رغبة (غوغل) إطلاق خدمة ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤثر في الناشرين ويقلل من فرصة الحصول على الإعلانات». وأضافت أن «شركة غوغل تحقق أرباحاً تقدر بالملايين عبر الإعلانات التي تظهر عبر صفحات الإنترنت؛ ما دفع المسألة إلى باحات القضاء في أوروبا وأميركا عبر دعاوى احتكار لتقنيات الإعلام الرقمي رُفعت ضد الشركة».

وحدّدت عبد الغني 4 أسباب للنزاع، هي «أولاً، التطورات التكنولوجية المتسارعة في ميدان تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما تفرضه من تحديات وتأثيرات سواء على الشركات الرقمية أو على مستهلكي ومستخدمي تقنياتها الإعلامية. وثانياً، الصراع الأزلي على الأرباح والسيطرة على السوق والاستحواذ عليها. وثالثاً، رغبة بعض الدول والهيئات الدولية في الحد من سيطرة بعض الشركات الكبرى التي أصبحت مهيمنةً على الاقتصادَين المحلي والعالمي. أما السبب الرابع، حسب عبد الغني، فيتعلق بالرغبة في حماية حقوق الأفراد الرقمية في ظل احتكار الشركات الكبرى للمشهدَين التقني والإعلامي».

مع هذا، ترجّح الدكتورة عبد الغني «إمكانية التوصّل إلى حلول توافقية بين الطرفين: غوغل، والناشرين والحكومات؛ لأن استمرار الدعاوى القضائية وجلسات المحاكمة لوقت طويل أمر من شأنه الإضرار بطرَفي الصراع. ثم إن هذه الشركات، بسبب ضخامتها وتأثيرها، باتت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الرأسمالية وأحد أسباب ركائز قوته المحلية والإقليمية». وهنا نشير إلى أن شركة «إي ماركتر» قدّرت أخيراً حصة «غوغل» من السوق العالمية في مجال الإعلانات الرقمية بنحو 28 في المائة خلال عام 2024، متفوقة على «ميتا» التي حصلت على 23 في المائة من السوق، و«أمازون» التي تحصد 9 في المائة، بينما حصلت «تيك توك» على نحو 7 في المائة.

في سياق متصل، قال محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن «هيمنة (غوغل) على سوق الإعلانات ليست بالأمر الجديد، بل تعود إلى سنوات عدة مضت، صار فيها (غوغل)، محرك البحث الرئيسي، مستحوذاً على أكبر قدر من الإعلانات على الإنترنت، قبل أن يتكامل مع خدمات أخرى ظهرت لاحقاً مثل (يوتيوب)، والبريد الإلكتروني، والتعاون مع شركاء للأعمال، وأخيراً منتجي وصانعي المحتوى على منصاتها».

وأردف فتحي: «كل ما سبق، جعل (غوغل) خصماً صعباً ومنافساً قوياً في سوق الإعلانات الرقمية العالمية، الأمر الذي دفع نحو رفع دعاوى احتكار أمام المحاكم الأميركية والأوروبية، وبالأخص ما يتعلق بسوق البحث والإعلانات عبر الإنترنت». ثم تابع: «تتمتع (غوغل) بحصة سوقية ضخمة من الإعلانات تمنحها بصفتها شركةً، قوةً تفاوضيةً كبيرةً أمام المعلنين والمنافسين، وقدرةً على عقد صفقات حصرية مع شركات تصنيع الهواتف، وشركات الاتصالات؛ لجعل محرك بحثها هو المحرك الافتراضي على أجهزتهم، ما يحد من فرص المنافسين».

ولكن الصحافي المصري يرى أن «الدعاوى القضائية ضد (غوغل) قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في سوق البحث والإعلانات، ما قد يفتح الباب أمام المنافسين، وأبرزهم (فيسبوك) و(أمازون)»، مشيراً إلى «إمكانية فرض بعض القيود على «غوغل»، ما قد يقلص هيمنتها على السوق، وكذلك إمكانية تطوير قوانين مكافحة الاحتكار لتشمل الشركات التكنولوجية الكبرى... مع أن هذا أمر شديد التعقيد من النواحي التكنولوجية والاقتصادية والقانونية».

ووفق فتحي فإن «اهتمامات (غوغل) الخدمية لصالح المستخدمين، وكذلك نشاطها التجاري، كانت دائماً مثار جدل، فهي من ناحية تقدم خدمات قيِّمة للمستخدمين تسهم في تطوير الإنترنت، إلا أنه من ناحية أخرى تفرض هيمنتها على السوق بصورة تهدد التنافسية، وتخلق عملاقاً كبيراً لا يستطيع أحد التغلب عليه».