تفاقم «المعلومات المضلّلة» إبّان الحروب والكوارث يجدّد الحديث عن آليات مواجهتها

Disinformation media and abstract screen.  gettyimages
Disinformation media and abstract screen. gettyimages
TT

تفاقم «المعلومات المضلّلة» إبّان الحروب والكوارث يجدّد الحديث عن آليات مواجهتها

Disinformation media and abstract screen.  gettyimages
Disinformation media and abstract screen. gettyimages

مرة أخرى تجدّدت التحذيرات بشأن تفاقم انتشار «المعلومات المضلّلة» في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما مع استمرار النزاعات في مناطق عدة من العالم؛ مما أثار تساؤلات بشأن آليات مواجهة «التضليل المعلوماتي».

وبينما أكد بعض الخبراء أن فترات الحروب والكوارث الطبيعية تُعدّ «بيئة خصبة» لانتشار «المعلومات المضللة»، أشار آخرون إلى أن الجهود التي بُذلت حتى الآن لمواجهة التزييف «لم تؤتِ ثمارها».

تقرير كان قد نشره معهد «بوينتر» الأميركي، المتخصص في الدراسات الإعلامية، خلال الأسبوع الماضي، حول كيفية انتشار «المعلومات المضلّلة» في «حرب غزة»، أورد أن «الصور ومقاطع الفيديو التي جرى تغييرها أو إخراجها من سياقها غمرت منصات التواصل الاجتماعي؛ مما أدى إلى تشويه الواقع». وتابع التقرير أنه «في أوقات الأزمات، لا سيما في بدايتها، غالباً ما يكون هناك فراغ معلوماتي؛ ما يتيح المجال لانتشار التضليل». ونقل عن عالم السلوك المتخصص في التضليل والتطرف العنيف بمؤسسة «راند»، تود هيلموس، قوله: «الجميع يريد معرفة الحقيقة، ومع محدودية المعلومات المتاحة، تكون هناك فرصة أمام البعض لاستغلال الفراغ المعلوماتي». وأضاف هيلموس أن «الطبيعة شديدة الاستقطاب لحرب غزة أجّجت نيران المعلومات المضلّلة».

ولكن، لم يقتصر الأمر على «حرب غزة»، وإنما امتد إلى إعصار «ميلتون» الذي ضرب أخيراً ولاية فلوريدا الأميركية، لا سيما مع انتشار «مزاعم» على منصات التواصل أن الإعصار كان «مُدبّراً»، و«حصل تلاعب في الطقس». إذ لمّحت النائبة الجمهورية اليمينية المتطرفة، مارجوري تايلور غرين، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن حكومة بلادها «تستطيع التحكم في الطقس»، وهي المزاعم التي عدّها الرئيس الأميركي جو بايدن «أكثر من سخيفة»، معلقاً «هذا غباء شديد، ويجب أن يتوقف»، وفق تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية.

الكاتب الصحافي الأردني، الخبير القانوني المختص في الجرائم الإلكترونية وتشريعات الإعلام، الدكتور أشرف الراعي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «تزايد انتشار المعلومات المضلّلة على مواقع التواصل الاجتماعي إبّان الكوارث والحروب صار يمثّل تهديداً خطيراً للأمن الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن الأمن والسلم الدوليين»، مشيراً إلى أنه «جارٍ استغلال حالة الخوف والاضطراب لتحقيق أهداف متنوعة، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية، أو حتى لزعزعة الاستقرار».

وبناءً عليه، طالب الراعي بـ«اتباع نهج شامل ومتكامل لمواجهة المعلومات المضلّلة... مع ضرورة وجود تشريعات صارمة وواضحة تجرّم نشر المعلومات الزائفة، وتطبيق الاتفاقيات الدولية، مثل: اتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم الإلكترونية، والاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات». ولفت إلى «دور وسائل الإعلام في التصدي لانتشار المعلومات المضلّلة، من خلال نشر أخبار موثوقة، والتزام معايير مهنية صارمة للتحقّق من صحة المعلومات، بالإضافة إلى تطوير مهارات الصحافيين بشأن المعلومات الرقمية وآليات رصد ومكافحة الأخبار المضلّلة».

ودعى الراعي إلى «تطوير تقنيات أكثر فاعلية لمراقبة المحتوى الذي يتم تداوله على نطاق واسع»، مطالباً بـ«رفع مستوى الوعي لدى مستخدمي منصات التواصل لكي يتمكنوا من التمييز بين الأخبار الصحيحة والمغلوطة، ما يحدّ من انتشار المعلومات المضللة». ويُذكر، في هذا الإطار، أن دراسة لموقع معهد «نيمان لاب» الأميركي، المتخصص في الدراسات الإعلامية، أشارت في أبريل (نيسان) الماضي إلى أن «التشريعات التي صاغتها الحكومات في دول عدة حول العالم لمكافحة (الأخبار الزائفة) لا تفعل الكثير لحماية حرية الصحافة».

من جانبه، قال الأستاذ المساعد بقسم الصحافة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، خالد عز العرب، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في أوقات الحروب غالباً ما يكون هناك تعمّد لنشر المعلومات المضلّلة، بوصفها جزءاً من الدعاية والحرب النفسية، وبهدف فرض سردية معينة خلال النزاع». وأضاف: «شهدت حرب غزة انتشاراً كبيراً للمعلومات المضلّلة، معظمه كان من الجانب الإسرائيلي في بداية الحرب، بهدف فرض الرواية الإسرائيلية على سير الأحداث... ثم إن التضليل المعلوماتي ينتشر أيضاً في فترات الكوارث الطبيعية، وقد يكون ذلك مصحوباً بأهداف سياسية أو اقتصادية أحياناً، أو نتيجة لنقص المعلومات في ظل حاجة ملحة لدى الناس إلى معرفة التفاصيل، ولا شك في أن الكوارث والحروب تُعدّ بيئة خصبة لانتشار التضليل المعلوماتي».

عز العرب عدّ، من ناحية أخرى، أن مواجهة التضليل المعلوماتي «معضلة كبيرة... وهناك استراتيجيتان في هذا الموضوع: الأولى تتعلّق بمحاولات منصات التواصل ضبط المحتوى، وحذف الحسابات والمعلومات (الزائفة)، وهو سلاح ذو حدين يُواجه بانتقادات تتعلّق بالحد من حرية التعبير. أما الاستراتيجية الأخرى فتتعلق بسنّ تشريعات، سواء على مستوى الأفراد أو المنصّات، لمعاقبة من ينشر معلومات مضلّلة».



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».