اتجاه الناشرين لـ«ريديت»... بين الترويج ومواجهة تراجع الأخبار

شعار «ريديت» (رويترز)
شعار «ريديت» (رويترز)
TT

اتجاه الناشرين لـ«ريديت»... بين الترويج ومواجهة تراجع الأخبار

شعار «ريديت» (رويترز)
شعار «ريديت» (رويترز)

دفع نمو عدد مستخدمي منصة «ريديت» أخيراً، الناشرين لتعزيز حضورهم وزيادة حساباتهم على المنصة، ما أثار تساؤلات بشأن دور ذلك في الترويج للمحتوى الإعلامي، خصوصاً مع تراجع الاهتمام بالأخبار على منصات التواصل الاجتماعي الكبرى، مثل «فيسبوك»، و«إكس». هذا، وكان قد تضاعف عدد قراء منصة «ريديت» نحو 3 مرات، خلال الفترة ما بين أغسطس (آب) 2023 وأبريل (نيسان) 2024 ليصل إلى 346 مليون زائر شهرياً، وفق بيانات موقع «سيمرش» المتخصص في حسابات زيارات منصات التواصل.

أوين فينسر، مؤسس وكالة «ريدفيسبل» لحساب النمو الرقمي، أشار إلى أن «منصة ريديت نمت بشكل مطرد ومتزايد خلال الشهور التسعة الماضية، وهو ما دفع الناشرين إلى إعادة النظر في استراتيجيات تطوير وجذب الجمهور، ومحاولة الاستفادة من (ريديت) في جلب زيارات للمواقع الإخبارية»، وفق تقرير نشره موقع «أدويك» الأسبوع الماضي. وبالفعل، أنشأت صحيفة «النيويورك تايمز» حساباً لها على «ريديت» أخيراً، كما أعادت مجلة «نيوزويك» ووكالة «أسوشييتد برس» وصحيفة «الإندبندنت» وغيرها، تفعيل حساباتها على المنصة.

رامي الطراونة، مدير إدارة الإعلام الرقمي في مركز الاتحاد للأخبار، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن «منصة ريديت باتت ذات تأثير واضح إخبارياً، خارج نطاق المنطقة العربية، لما تتميز به من بنية حاضنة لمساحات الحوار بشكل أكثر تركيزاً وتخصصية، مقارنة ببقية منصات التواصل الحالية». وأردف أن «شعبية (ريديت) ونموذجها النصي الحواري يعزّزان فكرة استخدامها لترويج الأخبار وتداولها. وهو ما أثبتته فعلياً المؤشرات التي توضح تزايد تدفق المستخدمين إلى المنصة عبر محرك البحث (غوغل)، الذي خصص تبويباً جديداً للمنتديات، ضمن مبادرات تعزيز انتشار المحتوى المفيد، الأمر الذي أنعش (ريديت) وعدداً من المواقع المشابهة في الفترة الأخيرة». بيد أن الطراونة يرى أن «انتشار الأخبار عبر (ريديت) لا يعني بالضرورة قدرتها على توجيه المستخدمين نحو المواقع الإخبارية الأخرى». وأوضح إلى أن «(ريديت) كانت من أوائل المنصات التي أبرمت شراكة مع (أوبن إيه آي)، ما يعد عنصر جذب إضافياً يشير إلى دخول المنصة أجواء المنافسة، وفقاً لأحدث الأدوات المتاحة». وللعلم، تصنّف «ريديت» التي أطلقت قبل نحو 20 سنة باعتبارها «شبكة اجتماعية تسمح لمستخدميها بمشاركة اهتماماتهم وهواياتهم وخبراتهم»، بحسب موقع المنصة، الذي يشير إلى «وجود نحو 91 مليون مستخدم نشط يومياً على المنصة».

أما محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، فأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «منصة ريديت أصبحت إحدى المنصات المهمة للنقاشات المفتوحة وتبادل المعلومات حول مواضيع متنوعة، حيث تعتمد على طريقة الانتخاب والتصفية للتعليقات والمنشورات، حسب صحة المعلومات وقوتها». وتابع أن «المنصة استطاعت جذب المستخدمين من جميع أنحاء العالم ليقترب حجم الزيارات الشهرية من نصف مليار زيارة، بحسب تقارير عديدة». وأرجع ذلك إلى «محتوى (ريديت) الغني والمتنوّع، وكبر حجم مساحات النقاش والرأي، مثل مجتمعات الأخبار التي كانت تعتمدها بعض المؤسسات الصحافية في البداية أو منتديات الإنترنت في التسعينات».

وأوضح فتحي أن «(ريديت) باتت منافساً قوياً لمنصات التواصل الاجتماعي، لأنها تعزّز حركة زيارات الناشرين، ما يجعلها مساعداً قوياً لجلب ملايين الزيارات الشهرية إلى الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية في ظل بعض القيود على المحتوى في المنصات الأخرى». لكن رغم ذلك يرى الصحافي المصري أن «(ريديت) لن تستطيع أن تضاهي أو تقترب من مكانة أي من شركات التكنولوجيا العملاقة... فهي وإن كانت تنمو بسرعة كبيرة جداً في كندا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، لكنها تجد صعوبة في النمو ببعض المناطق من العالم، مثل منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا وبعض مناطق أوروبا»، مشيراً إلى أنه «خلال الفترة الأخيرة تلقت المنصة استثمارات كبيرة من شركات التكنولوجيا».

ما يذكر أنه يأتي الاهتمام بمنصة «ريديت» في ظل تراجع اهتمام منصات التواصل الاجتماعي الكبرى بالأخبار، لصالح مقاطع الفيديو القصيرة. ولقد تراجع معدل زيارات المواقع الإخبارية من الروابط المنشورة على «فيسبوك» بنسبة 85 في المائة منذ عام 2018، وفقاً لبيانات موقع «تشارت بيت». وفي هذا السياق، أوضح رائف الغوري، المدرب والباحث المتخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «(ريديت) تؤثر بشكل كبير في انتشار الأخبار والمعلومات من خلال آليات عدة، ولا سيما أنها تعتمد على المحتوى الذي ينشئه المستخدم، وتتيح باباً متنوعاً للمناقشات والتعليقات، ونظاماً للتصويت يسمح في رفع الأخبار إلى قمة الصفحة الرئيسة حال زاد التفاعل عليها».



تساؤلات بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا

رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)
رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)
TT

تساؤلات بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا

رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)
رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)

أثارت نتائج دراسة حديثة بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا الجنوبية والشمالية خلال العامين الماضيين، تساؤلات بشأن السبب وراء هذا التراجع، وتأثيره في «مستقبل الإعلام»، وفي حين أرجع خبراء الأمر إلى «تشبّع السوق» فإنهم أشاروا إلى أن الوضع مختلف في المنطقة العربية التي تشهد حراكاً سياسياً وإعلامياً لافتاً.

الدراسة أعدها مشروع بحثي تموّله «مبادرة غوغل للأخبار»، وقد رصدت تباطؤاً في عدد شركات الإعلام الرقمي الناشئة في أوروبا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية منذ عام 2022. وربطت الدراسة، التي نشرها أخيراً معهد «نيمان لاب»، المتخصّص في الدراسات الإعلامية، بين النمو البطيء والتحديات الاقتصادية والصراعات السياسية بوصفها أسباباً محتملة لتراجع عدد المشاريع الإعلامية. كذلك رأت الدراسة أن «التراجع قد يكون مؤشراً على أن الأسواق تقترب من نقطة التشبّع في بعض الأماكن، خصوصاً في المدن الكبرى»، بيد أنها قالت أيضاً إن التراجع في رصد المشاريع الجديدة قد يعود إلى أن عدداً منها ينطلق بشكل غير رسمي، ما يجعل من الصعب رصده بصفته مشروعاً إعلامياً جديداً.

جدير بالذكر أن دراسة معهد «نيمان لاب» حلّلت أكثر من 3 آلاف مؤسسة إعلامية في 68 دولة عبر أوروبا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية. ولقد صنّفت أكثر من 60 في المائة من المؤسسات الإعلامية التي شملتها الدراسة بصفتها مؤسسات ربحية، و32 في المائة منها بصفتها مؤسسات لا ربحية، و5 في المائة تعمل بشكل غير رسمي، و3 في المائة مؤسسات هجينة، أي تجمع بين صفتي الربحية واللاربحية. ومن ثم، لفتت إلى «ارتفاع عدد المواقع الإخبارية التي توقفت في أميركا اللاتينية خلال العام الماضي، مقارنة بأي من السنوات التسع السابقة، إذ توقف 678 موقعاً عن النشر بحلول مايو (أيار) الماضي، في حين شهد عام 2022 إطلاق 46 موقعاً إخبارياً جديداً في أميركا الشمالية».

أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، ربط في لقاء مع «الشرق الأوسط» بين نتائج الدراسة وما بات يُعرف بظاهرة «تشبّع السوق»، وقال إنه مع رصد دراسة تباطؤ إصدار مواقع جديدة في أوروبا والأميركتين فإن الوضع في المنطقة العربية «لا يختلف كثيراً»، وأنه «بعد الانفجار الكبير في إطلاق مواقع ووسائل إعلام جديدة عقب أحداث (الربيع العربي) شهدت السوق تشبّعاً أثر في عدد المواقع الجديدة المدشّنة، لا سيما أن الزيادة العددية لم تنعكس تنوعاً في الشكل والمحتوى».

بنضريف أضاف سبباً آخر هو أن «غالبية المواقع الجديدة، لا سيما تلك المستقلة، لم تفرض نفسها بشكل كبير في سوق الإعلام العربي، بل ظلّت مواقع نخبوية». ولفت إلى «تحديات مالية تواجه إصدار مواقع جديدة أو حتى الحفاظ على القائم منها، في ظل قلة المستثمرين في مجال الإعلام، ونقص العائدات الإعلانية في ضوء المنافسة مع مواقع التواصل الاجتماعي».

ولاحظ الصحافي المغربي أيضاً «تغيّر سلوك الجمهور واعتماده على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما (تيك توك) و(إنستغرام)، بوصفهما مصدرين للمعلومات والأخبار».

عودة إلى الدراسة نفسها، فإنها أفادت بأن الفترة الأخيرة شهدت تراجعاً في المنح التمويلية المقدمة لدعم الصحافة والإعلام. وأوضحت أن المنح الطارئة ساعدت عديداً من وسائل الإعلام على النجاة من تداعيات جائحة «كوفيد- 19»، ولكن مع نضوب هذه الأموال، عانى عدد من المواقع الإخبارية من آثار مالية هدّدت استمرار عملها. ومعلومٌ أن العديد من المواقع الإخبارية في أميركا الشمالية يعتمد على الإعلانات بصفتها مصدر دخل وحيداً.

في سياق موازٍ، برّر خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، تراجع أو تباطؤ نمو المشاريع الإعلامية في أوروبا والأميركتين بـ«الهجمة الشرسة لبرامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تنافس الإعلام بقوة». لكنه خلال حواره مع «الشرق الأوسط» قال إنه، في الوقت ذاته، لا يتوقع استمرار هذا التراجع، و«إن الفترة المقبلة قد تشهد اندماجات إعلامية، واستحواذات من شركات كبرى على شركات أصغر لمواكبة المتغيرات المتلاحقة في سوق الإعلام».

وبشأن المنطقة العربية، رأى البرماوي أن «الوضع مختلف، خصوصاً في ظل حراك سياسي مستمر من شأنه أن ينعكس على طبيعة الإعلام وتكوينه... ثم إن الإعلام العربي لا يزال في طور التحوّل والتغيّر، ومن هنا فالتوقّعات بشأن مستقبله مختلفة عن الوضع في الغرب». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن «الدراسة تتكلّم عن نحو 60 في المائة من المشاريع الإعلامية الهادفة للربح، وهذا رقم كبير إذا ما قُورن بالوضع عربياً، إذ لا تتجاوز نسبة المشاريع الإعلامية العربية الربحية نسبة الـ20 في المائة، مقابل أخرى مدعومة من دول المنطقة».