الإعلام الرياضي متهم بـ«الانحياز الجنسي» و«تسليع الأجساد»

تقارير صحافية كشفت عن تغطية غير متكافئة بين الجنسين في الأولمبياد

إيمان خليف
إيمان خليف
TT

الإعلام الرياضي متهم بـ«الانحياز الجنسي» و«تسليع الأجساد»

إيمان خليف
إيمان خليف

كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، حول العنف تجاه النساء والفتيات في مجال الرياضة، أن 87 في المائة من حالات التنّمر المسجّلة على هامش الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس على منصّة «إكس» («تويتر» سابقاً) كانت ضد الرياضيات الإناث. والنسبة هي بالتأكيد مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الجدل حول التمييز الجندري (الجنسي) الذي تتعرض له النساء اللائي اخترن احتراف الرياضة.

ثم إنه على الرغم من التقدم الذي تحقق في التغطية الإعلامية المخصّصة للرياضات النسوية، يبدو أن الطريق ما زال طويلاً قبل الوصول إلى تحقيق التكافؤ بين الجنسين. وهذه خلاصة لدراسة أعدتها هيئة «الأركوم» الفرنسية لتنظيم الإعلام السمعي البصري والرقمي، نشرت في يناير (كانون الثاني) 2023، وجرت فيها دراسة تطور التغطية الإعلامية للرياضات النسوية على مدى 4 سنوات.

النتائج كشفت ما كان متوقعاً، أي أن الرياضيين الذكور يحظون بتغطية أوسع من زميلاتهم الإناث، إذ يستولون على نسبة 77 في المائة من اهتمام الإعلام. وفي المقابل، بيّنت الدراسة أن الأمور تتجه لتحسن طفيف، ذلك أن نسبة بثّ المباريات والمسابقات الرياضية النسوية ارتفعت من 3.6 في المائة عام 2018 إلى 4.8 في المائة عام 2021، مع العلم أن معظمها بُثت على قنوات القطاع العام، لأن القنوات الخاصة التي تخضع لمنطق الربحية لا تريد المغامرة وتفضل التركيز على الرجال لتكون قادرة على جلب المعلنين وتحقيق نسب مشاهدة عالية. في حديث مع إذاعة «راديو فرانس» قالت الصحافية الرياضية إيميلي روس إن «القضية ليست قضية أرباح فقط بل خيارات تحريرية، فنحن نضع على الواجهة ما يباع... ونرفض الاعتراف بأننا إذا سلّطنا الضوء على الرياضات النسوية، فسينتهي بنا الأمر إلى بيع الاهتمام بشكل أكبر». واستشهدت الصحافية بدراسة لجريدة «لوباريزيان» الفرنسية كانت قد أظهرت أنه خلال الفترة التي أعقبت ترشّح منتخب كرة القدم النسوي لنهائيات كأس الأمم، ورغم النجاحات التي أحرزتها اللاعبات، كانت نسبة تداول اسم نجم كرة القدم كيليان مبابي في وسائل الإعلام 3 أضعاف تداول اسم كل لاعبات فريق كرة القدم الوطني مجتمعات (11 لاعبة). الانتقادات لم تطل الجانب «الكمّي» من التغطية الإعلامية فحسب، بل الجانب النوعي أيضاً. فقد نقلت تقارير كثيرة جداً نماذج للتحّيز الجنسي الواضح في تغطيات الصحافيين عندما يتعلق الأمر بمباريات أو مسابقات رياضية تشارك فيها النساء، إذ يصار إلى التركيز على شكل الجسد والعمر والحياة الخاصة للرياضيات، بينما تشيد التقارير الموازية بالقدرات والمنجزات والأداء الرياضي عند زملائهن من الرجال.

آنا كورنيكوفا

وفي هذا السياق، كان الصحافي الأسترالي (اللبناني الأصل) ديفيد بشير قد تسبّب في جدل كبير في وسائل الإعلام الأسترالية عام 2023، بسبب تعليق له حول الأداء الرياضي للاعبة كرة قدم بعد فترة الأمومة. أما ساندي مونتانولا، الباحثة الفرنسية في علوم الإعلام والاتصال في جامعة رين الأولى (شمال غربي فرنسا) فقد نشرت في إطار دراسة علمية مقتطفات من المقالات التي كُتبت في وصف الملاكِمات، ليتضّح أن معظمها يحمل تعليقات حول بنية الجسد والملامح القاسية. وجاء في مقطع من تحقيق خُصّص لبطلة الملاكمة السابقة مريم لامار ما يلي: «في غرفة الملابس ترتدي مريم لامار السروال القصير، فتظهر عضلاتها المثيرة: ذراعان قويتان وظهر تتوقّعه من رجل...».

آميلي موريزمو

من جهة أخرى، إذا كان البعض يرى أن المشكلة في المظهر والأنوثة، فإن آخرين يرون أن المشكلة تكمن في الطابع الجنسي الذي تحاول وسائل الإعلام إضفاءه على أجساد الرياضيات. وهنا، كشفت دراسة كانت قد أجريت إبّان الألعاب الأولمبية في أثينا عام 2004 أن 20 في المائة من اللقطات التي بُثت من مباريات كرة اليد الشاطئية كانت مشاهد مقرّبة لصدور وأرداف اللاعبات، وكأن المباراة «فرجة» لمفاتن اللاعبات أكثر منها تقييماً للأداء الرياضي.

وما يستحق الإشارة هنا أن قرار الاتحاد الأوروبي بمعاقبة لاعبات كرة اليد الشاطئية النرويجيات، لاستعاضتهن عن لباس السباحة المكون من قطعتين صغيرتين (بيكيني) بسروال قصير أكثر حشمة، أحدث جدلاً كبيراً حول ظاهرة «تسليع» جسد الرياضيات. وهذه الفكرة شرحتها الباحثة الفرنسية مونتانولا حين كتبت: «بينما يستطيع الرياضيون ارتداء بدلة مريحة، لا تملك الرياضيات حرية اختيار اللباس، وكأن أجسادهن ملك للاتحاد وللشركات المعلنة ووسائل الإعلام». وبالفعل، هذه الظاهرة نجدها بقوة اليوم في شبكات التواصل التي تعرض أجساد الرياضيات طمعاً في الحصول على الإعجابات. وفي هذا الشأن تشرح مصارعة الجودو المغربية (ذات الأصول السنغالية) أسماء نيانغ لمجلة «وومان سبورت» قائلة: «كثيرات من الرياضيات ينشرن صوراً تكشف عن أجسادهن، وكلما أظهرن المزيد حصلن على المزيد من (الإعجابات)... وهذا ببساطة ما يدفع الرُّعاة والمعلنين إلى توقيع عقود الشراكة، ما يعني أننا أصبحنا (منتوجاً) على شبكات التواصل، وهذه للأسف خطوة لا بد منها إذا أردنا ضمان وجودنا على المشهد الرياضي والإعلامي». الأدهى من ذلك هو أن الحضور القوي لبعض الرياضيات على شبكات التواصل لا يرتبط بالضرورة بأداء رياضي متميّز. وهنا يستعين سيبستيان أيسا، الباحث في جامعة الفرانش كونتيه (شرق فرنسا) بمثال لاعبة كرة المضرب الروسية الحسناء آنا كورنيكوفا، التي لم تكن تصنّف ضمن أحسن اللاعبات لكنها تحظى بأضعاف التغطية الإعلامية التي تلقاها زميلتها المصنفة العالمية الأولى. وبالنسبة للرياضيات اللائي لا تنطبق عليهن معايير الأنوثة المتعارف عليها، فغالباً ما يتعرّضن للتنمّر والتمييز ضدهن، وبالأخص على شبكات التواصل. وكانت آخر حلقات هذه الظاهرة الحملة العنيفة التي تعرضت لها الملاكمة الجزائرية إيمان خليف على منصّة «إكس»، عندما وُصفت فيها بـ«الوحش» و«الرجل» و«المتحوّل الجنسي»، وقد شارك فيها مالك المنصّة نفسه إيلون ماسك، الذي يعد حسابه على المنصة 190 مليون متابع. ثم إن الجدل وصل إلى وسائل الإعلام الأميركية ودخل في المنافسة الانتخابية بين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب ومنافسته كامالا هاريس.

وقبل إيمان تعرّضت مجموعة من نجمات الرياضة، بينهن بطلة كرة المضرب الأميركية سيرينا وليامز وزميلتها الفرنسية آميلي موريزمو والجنوب أفريقية كاستر سيمنيا والإيرانية زهرة قودائي وأخريات، إلى حملات تنمّر شنيعة، بتشجيع من شبكات التواصل، بالإضافة لتغطية إعلامية متحيّزة لا تمت بصلة لأدائهن الرياضي، بل لخروجهن عن إطار الصورة النمطية للجسد المثالي للمرأة.



قنوات «واتساب» للأخبار... بين تعزيز التفاعل وضعف الأرباح

نجح الناشرون الكبار في الوصول إلى ملايين الأشخاص عبر قنوات «واتساب» (ميتا)
نجح الناشرون الكبار في الوصول إلى ملايين الأشخاص عبر قنوات «واتساب» (ميتا)
TT

قنوات «واتساب» للأخبار... بين تعزيز التفاعل وضعف الأرباح

نجح الناشرون الكبار في الوصول إلى ملايين الأشخاص عبر قنوات «واتساب» (ميتا)
نجح الناشرون الكبار في الوصول إلى ملايين الأشخاص عبر قنوات «واتساب» (ميتا)

بعد مرور أكثر من سنة على خدمة القنوات الإخبارية بـ«واتساب»، أثيرت تساؤلات أخيراً حول مدى تحقيق المستهدف من الخدمة. وأشار متخصصون التقتهم «الشرق الأوسط» إلى أهمية التفاعل وتعزيز العلاقة المباشرة بين الناشر والمُستخدمين، غير أن الفشل في تحقيق أرباح لمنصات الأخبار يجعل «واتساب» بديلاً محدوداً لـ«فيسبوك».

شركة «ميتا» كانت قد أطلقت خدمة «القنوات» على «واتساب» يوم 8 يونيو (حزيران) 2023؛ وهي عبارة عن نظام توزيع محتوى أحادي الاتجاه - أي لا يسمح بالنشر إلا من مالك القناة (الناشر) - مدمج في تطبيق «واتساب» الرئيسي، بعكس خدمة «مجتمعات واتساب» التي يمكن أن تضم 2000 عضو حداً أقصى.

وكان لدى الناشرين توقعات كبيرة عند إطلاق القنوات الإخبارية على «واتساب» آملين في زيادة تفاعل الجمهور والتكيف مع المشهد المتغير لاستهلاك الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي. وعزز هذا الاتجاه استطلاع أجراه «معهد رويترز للصحافة» في نهاية عام 2023، وذهب إلى تحليل إجابات واردة من 314 ناشراً للأخبار في 56 دولة. وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن 61 في المائة من عينة الاستطلاع بصدد بذل مزيد من الجهد لتحسين خدمة قنوات الأخبار على «واتساب»، أملاً في زيادة التفاعل المباشر مع المُستخدمين وتعويض الخسائر.

ويشار إلى أنه على مدار العام الماضي، نجح الناشرون الكبار في الوصول إلى ملايين الأشخاص عبر قنوات «واتساب» (التطبيق الذي يستخدمه نحو ملياري شخص حول العالم وفقاً لأحدث تقديرات عام 2024)، مثلاً صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قائمة الأكثر متابعة بأكثر من 12 مليون مشترك، ما يعد بنتائج واعدة بالنسبة للناشرين الذين يتطلعون إلى بناء زيادة القاعدة الجماهيرية وتحسين سبل التفاعل المباشر.

الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في دولة الإمارات العربية المتحدة، قال: «إنه على الرغم من التوقعات الإيجابية التي استقبل بها الناشرون خدمة قنوات (واتساب)، فإنهم واجهوا تحديات في الاستفادة الكاملة من إمكانات (واتساب) بسبب قيود مثل العمل اليدوي المطلوب، وإهمال استراتيجيات إشراك الجمهور، ما حال دون حدوث تحوّل في العلاقة بالقراء». وأشار كذلك إلى «صعوبة تكييف اللغة الصحافية مع الخصائص الفريدة لـ(واتساب) بوصفه أداة تواصل عبر الهاتف المحمول والتواصل بين الأشخاص، ما خفّض توقعات الوصول بنجاح إلى الجمهور الأصغر سناً وإقامة علاقات ذات مغزى بالقراء».

من ناحية أخرى، رأى سعد في خدمة القنوات الإخبارية على «واتساب» عدة مزايا لصناعة الأخبار، بينها «زيادة تفاعل الجمهور، والتواصل الفوري مع القراء، بجانب أن العرض على (واتساب) لا يتطلب تنسيق الأخبار بطريقة محددة ما سمح بالتنوع، وجميعها قرائن تُدلل على خدمة صُناع الأخبار». وأردف: «أظهرت الأبحاث أن (واتساب) بوصفه تطبيقاً يسمح للمؤسسات الإعلامية بتعزيز جودة مصادر أخبارها وزيادة عدد الزيارات وبناء علاقة أوثق بقرائها».

وأضاف سعد: «علاوة على ذلك، تتيح إمكانات الوسائط المتعددة التي تتمتع بها المنصة نشر صيغ مختلفة من المحتوى مثل النصوص والصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية، مما يساهم في نمو تطبيقها بوصفها قناة لتوزيع الأخبار». وعدّ قنوات «واتساب» أداة قيّمة للصحافيين خلال أوقات الأزمات، مشيراً إلى أن «(واتساب) بات يوفر مساحة جديدة للوساطة الإعلامية والتعليق والظهور، ومن ثم توسيع نطاق وصول وتأثير التقارير الإخبارية».

وفي السياق نفسه، أوضح سعد أن مستقبل خدمة قنوات الأخبار على «واتساب» يبدو واعداً، موضحاً أن «التطور المستمر في استخدام واتساب أداة للتواصل الاجتماعي وتوزيع المحتوى ينعكس على أداء الناشرين من خلال تطوير محتوى مخصص لقنوات الخدمة يتناسب مع طبيعة التطبيق وتفضيلات المستخدمين».

في المقابل، يرى مراقبون أن أحد عيوب قنوات «واتساب» بالنسبة للناشرين هو أنها «لا ترسل الإشعارات تلقائياً عند نشر محتوى جديد»، بينما «يضطر المُستخدم إلى القيام بذلك يدوياً لكل قناة يشترك فيها». كذلك تفتقر «قنوات واتساب» إلى فرص الربح المباشر، بينما تقتصر الفوائد الربحية على توجيه الزوار إلى المواقع الإلكترونية، ومن ثم تحقيق زيارات أو الاكتفاء بميزة التفاعل. وهنا قال معتز نادي، الصحافي والمدرب المتخصص في الإعلام الرقمي: «إن الربح المباشر لم يكن الهدف الأهم لدى الناشرين من البداية». وأضاف أن «هناك عدة مكاسب تحققت من قنوات الأخبار على (واتساب) أهمها تطبيق مبدأ الخصوصية؛ حيث يُمكن لأي مستخدم الدخول دون الإفصاح عن هويته، كما أن سهولة الوصول للخبر ساهمت في انتشار الأخبار، فضلاً عن التفاعل بالتعليق برموز تعبيرية أو إعادة النشر، ومن ثم الوصول لقاعدة جماهيرية كبيرة ربما خارج نطاق المشاركين في القناة».

وحسب نادي، فإن الناشرين يستطيعون تحقيق أرباح من «واتساب» على نحو غير مباشر، ذلك أن «نشر الأخبار بأشكالها المتعددة، هو طريقة لجذب المستخدم إلى قنوات أخرى، مثل الموقع الإلكتروني أو القناة على (يوتيوب)، ومن ثم تحقيق مشاهدات وزيارات تدر عائداً مادياً من منصات أخرى، وهنا يتحقق ربح يُمكن قياسه على نحو أكثر دقة من خلال الناشرين».