عودة «غوغل» لاستراتيجية «التتبع» تُجدد المخاوف بشأن «الخصوصية»

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

عودة «غوغل» لاستراتيجية «التتبع» تُجدد المخاوف بشأن «الخصوصية»

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

بعد نحو خمس سنوات من العمل، فاجأت شركة «غوغل» الجميع بالتراجع عن قرار إلغاء «ملفات تعريف الارتباط»، أو «الكوكيز»، التي تستهدف «تتبّع» نشاط المُستخدمين على متصفح «كروم» لصالح المعلنين. وفي حين أبدى خبراء مخاوف بشأن تراجع «غوغل» عن قرارها، رحّب معلنون بـ«القرار».

«غوغل» كانت قد أعلنت، في أغسطس (آب) 2019، عزمها التخلص من نظام «ملفات تعريف الارتباط» الخاصة بطرف ثالث على متصفح الويب (كروم) لصالح مشروع أطلقت عليه «ساند بوكس»، وكانت الذريعة أن الأخير «يحمي بيانات المستخدم، ومن ثم تتجه الشركة لتحقيق مزيد من التقدم في قضايا حماية الخصوصية». يومذاك رحّبت «هيئة مراقبة خصوصية البيانات» في بريطانيا بالقرار، لكنها أعربت عن «أسفها» إزاء العودة عن هذه الاتجاه، والاستمرار في تتبع نشاط المُستخدمين لصالح المُعلنين.

«ملفات تعريف الارتباط» ملفات صغيرة تُحفظ على أجهزة الكومبيوتر من شأنها تتبّع نشاط المُستخدم، وتوفير المعلومات والبيانات للمعلنين، الذين بدورهم يستهدفون المُستخدمين بإعلانات تتعلق باهتماماتهم. وبالتالي، يُعد المعلن المستفيد الأبرز من نظام «الكوكيز»، ولذا واجه مشروع «ساند بوكس» اعتراضات كثيرة دفعت «هيئة مراقبة المنافسة» في بريطانيا إلى التدخل.

وفي عام 2021، طالبت «غوغل» بتوفير ضمانات تحد من مخاوف المعلنين، وتحمي سوق الإعلانات الرقمية.

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي مستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، قرار «غوغل» إلى «ضغوط السوق».

وأوضح أن المعلنين يعتمدون بشكل كبير على البيانات التي يوفرها نظام «الكوكيز»، وبناءً عليها تُطلق حملات إعلانية دقيقة قائمة على «بروفايل» شخصي لكل مُستخدم، ما يحقق أكبر فاعلية من الاستهداف المباشر.

وعن الخصوصية، اعتبر النجداوي أن خطة «غوغل» لم تكن واضحة. وشرح أن «الاتجاه إلى نظام الحماية (ساند بوكس) لم يكن بالدقة المطلوبة فيما يخص الخصوصية، الأمر الذي يعني خسائر للمعلنين وارتباكاً للناشرين الذين يعتمدون على الإعلانات الرقمية مصدراً للدخل، وذلك من دون ضمانات كافية لخصوصية المُستخدم»، ثم أشار إلى خطورة «بصمة» متصفح الإنترنت، فقال إن «هذا النموذج أحد أنواع التعقُّب الإلكتروني، ويعتبر أكثر خطورة من التعقُّب العادي المُستند إلى ملفات تعريف الارتباط. والاستغناء عن (الكوكيز) يفسح المجال أمام نموذج البصمة، ولذا فنظام (ساند بوكس) يُعد تعقُّباً إلكترونياً، على الرغم من جهود (غوغل) في تقديم نموذج يوازن بين حماية خصوصية المُستخدم ومصلحة المعلنين والناشرين».

النجداوي أشار، من جهة ثانية، إلى أن مشروع «ساند بوكس» لم ينجح في تطابق معاييره الموضوعة من قبل «اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)»، وكذلك «قانون خصوصية المستهلك»، لافتاً إلى أن «نظام (ساند بوكس) يضع المُستخدم ضمن مجموعات من دون الإشارة إلى بياناته الشخصية. ومن هنا جاءت وعود الخصوصية، غير أن آلية التطبيق لم تكن صارمة في هذا الشأن». وهو يرى أن على شركة «غوغل» تحقيق التوازن من خلال «توفير شفافية كاملة فيما يتعلق ببيانات المستخدمين التي تذهب إلى المُعلن، كما يجب سن تشريعات تتوافق مع الحلول التقنية، مع توفير آلية عمل آمنة في نظام التخزين والتشفير».

من جانبها، لم تكشف «غوغل» بوضوح عن خطتها المقبلة، وما إذا كانت بهذا القرار إزاء عودة كاملة لـ«ملفات تعريف الارتباط» أم أنها بصدد مشروع يقود نهج الإعلانات الرقمية.

وهنا تجدر الإشارة إلى وجود ترحيب بالقرار من قبل كبريات شركات الإعلانات، إذ قال جيف غرين، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة تكنولوجيا التسويق البرمجي «ذي ترايد ديسك»، في حوار مع لـ«بريس غازيت» البريطانية، إن «(غوغل) أقرّت أخيراً بما كانت صناعة الإعلان تقوله لسنوات؛ بأن (ساند بوكس) ليس منتجاً جيداً، ولا يحمي خصوصية المستهلكين بشكل كافٍ أو يعمل على تمكين المعلنين، بل ربما يضر ذلك بربحية الناشرين بشكل كبير».

عن أسباب تراجع «غوغل»، قال محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، إنه يعتقد أن ثمة أسباباً أملت تراجع «غوغل»، عددها لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «كان للتأثير الاقتصادي يد واضحة في قرار العودة عن (ساند بوكس) لأن الإعلانات تُعدُّ مصدراً هائلاً لإيرادات (غوغل). وبالتالي، فالتخلي كلياً عن السبيل الجاذب للمعلنين ربما كان سيوقع خسائر مالية قاصمة للشركة». وأضاف: «أيضاً هناك التحديات الفنية، فخلال سنوات العمل على نظام (ساند بوكس) المعزّز لخصوصية المستخدم، اكتشفت الشركة تعقيدات تقنية وواجهت عقبات فنية أثارت الشكوك حول فعاليته».

ورأى تعلب أنه كان للمنافسة أيضاً أثر في قرار «غوغل»، ذلك أنه «أثَّرت إجراءات الخصوصية التي اتخذتها شركة (أبل) على الإعلانات، ما أثار قلق منافستها الأبرز (غوغل) التي تراجعت عن قرارها في إعلاء خصوصية المستخدم لتعزيز قدرتها على المنافسة».

وفي السياق نفسه، توقع تعلب ألا تُعيد «غوغل» نظام «ملفات تعريف الارتباط» بنظامها السابق نفسه. وأوضح: «قد تجري (غوغل) تعديلات على النظام الحالي لتحسين الخصوصية، مع الحفاظ على فعالية الإعلانات... أو قد تتجه لاحقاً في المسارين بالتوازي»، مضيفاً: «قد تجمع (غوغل) بين (الكوكيز) ونظام التتبُّع المبني على موافقة المستخدم، وذلك بجانب مواصلتها الاستثمار في (ساند بوكس) كاستراتيجية طويلة المدى».



تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)

أثار قرار شركة «ميتا» بحذف أكثر من مليونَي حساب على منصات «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب»، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات بشأن سياسات الشركة حول حماية بيانات المستخدمين، لا سيما أن القائمين على القرار برّروا الخطوة بأنها جاءت بهدف «مواجهة عمليات الاحتيال الرقمي». ووفق خبراء تحدَّثوا مع «الشرق الأوسط» فإن «الخطوة تعد تطوراً في سياسات (ميتا) لحماية البيانات».

«ميتا» ذكرت، في تقرير صدر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن السبب وراء حذف الحسابات هو «رصد عمليات احتيال رقمي كانت قد قامت بها تلك الحسابات». ويُعدّ هذا التقرير الأول الذي تكشف من خلاله «ميتا» عن تفاصيل استراتيجيتها للتصدي للأنشطة الاحتيالية العابرة للحدود. وعدّ مراقبون هذه الخطوة تعزيزاً لاتباع سياسة واضحة تجاه أي اختراق لحماية المستخدمين. وكتبت الشركة عبر مدونتها «لا مكان على (فيسبوك) أو (إنستغرام) أو (واتساب) للمجموعات أو الأفراد الذين يروّجون للعنف، والإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الكراهية».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدرّبة في الإعلام ومواقع التواصل، رأت في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «ميتا» تعمل على تحديث أدواتها لحماية المستخدمين. وأضافت: «تركز سياسات (ميتا) على الحدِّ من الجريمة المنظمة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) المتطورة، وتعمل هذه التقنيات على تحليل النشاطات المُريبة على المنصات واكتشاف المحتويات المرتبطة بالجريمة المنظمة».

ووفق البنا فإن «(ميتا) تُراجع وتحدّث سياساتها بشكل دوري، كي تتفادى أي تهديدات تلاحق المستخدمين، وكانت الشركة قد أوضحت أن خوادمها الـ(Servers) المنتشرة في الدول يتم تحديثها بشكل دوري؛ لضمان مواكبة أي تغييرات، ولضمان بيئة أكثر أماناً لمستخدمي منصاتها حول العالم».

وأردفت: «التزاماً بلائحة حماية البيانات العامة، تتعامل (ميتا) مع الأشخاص الذين تُحلّل بياناتهم عبر رموز مشفّرة، وليس عبر أسمائهم الحقيقية، ما يضمن الحفاظ على خصوصياتهم»، مشيرة إلى أن حماية بيانات المستخدمين لا تتوقف على «ميتا» فقط.

إذ شدّدت الإعلامية والمدرّبة اللبنانية على تدابير يجب أن يتخذها المستخدم نفسه لحماية بياناته، إذ توصي مثلاً «بتفعيل خاصية (التحقق بخطوتين/ Two-Factor Authentication)؛ لضمان أمان الحسابات، ويمكن أيضاً استخدام تطبيقات مثل (Google Authentication)، التي تولّد رموزاً سرية تُستخدم للدخول والتحقق من هوية المستخدم، وكذا يمكن استخدام خاصية الإبلاغ التي توفّرها (ميتا) بسرية تامة، حيث يصار إلى التعامل مع هذه البلاغات من خلال فرق مختصة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان بيئة آمنة للجميع».

معتز نادي، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، عدّ خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تحرّكات «ميتا» الأخيرة انعكاساً لـ«تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وزيادة التهديدات السيبرانية التي تواجه المستخدمين». ورأى أن «تحديات (ميتا)» تصطدم بتطور الاحتيال، وازدياد عدد المستخدمين بما يتجاوز نحو مليارَي مستخدم، وتشديد الرقابة الرقمية التي تضعها في مرمى نيران الانتقادات، خصوصاً مع انتقاد خوارزمياتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم أخيراً.

وحول جدية «ميتا» في حماية بيانات المستخدمين، قال معتز نادي: «بنظرة إلى المستقبل، سيكون الأمان الرقمي بحاجة إلى مجاراة التطور من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تثقيف المستخدمين عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لمنع أي اختراق لخصوصياتهم».