موارد ضخمة وتغطية إعلامية واسعة رصدت لـ«أولمبياد باريس 2024»

20 ألف إعلامي حصلوا على تصاريح اعتماد... و4 ملايين مشاهد سيتابعون المنافسات

باريس... ترحب بكم (أو بي إس)
باريس... ترحب بكم (أو بي إس)
TT

موارد ضخمة وتغطية إعلامية واسعة رصدت لـ«أولمبياد باريس 2024»

باريس... ترحب بكم (أو بي إس)
باريس... ترحب بكم (أو بي إس)

تغطية فعاليات دورة باريس للألعاب الأولمبية (أولمبياد باريس 2024) تأتي بمثابة «أكبر إنتاج سمعي بصري في العالم على الإطلاق»...

هذا هو رأي يانيس إكزاركوس، المدير التنفيذي لشركة «خدمات البث الأولمبية» (أو بي إس) التابعة للجنة الأولمبية الدولية، وقد عبّر عنّه على صفحات جريدة «اللوموند» الفرنسية الرائدة في مقال بعنوان «الألعاب الأولمبية 2024 تدابير غير مسبوقة في التلفزيون والإذاعة». وبالفعل، يعكس هذا الكلام الاهتمام الذي يوليه الإعلام العالمي لهذا الحدث الرياضي العالمي، إذ تتوقع الدراسات أن يصل عدد المشاهدين الذين سيتابعون دورة الألعاب الأولمبية، المنظمة في باريس بين 26 يوليو (تموز) الحالي و11 أغسطس (آب)، إلى 4 مليارات (بلايين) مشاهد.

إنتاج ضخم وموارد كبيرة

ومن ثم، أضاف إكزاركوس: «إذا كنا قد أنتجنا 3000 ساعة من البرامج خلال أولمبياد أثينا عام 2004، فإننا سننتج في باريس، وبعد مضي 20 سنة، 11 ألف ساعة من البرامج، تتضمن بالإضافة إلى المنافسات الرياضية المباشرة على الهواء، كواليس التحضيرات وبورتريهات الرياضيين، وكأنك تمضي سنة و3 أشهر في مشاهدة شاشة التلفزيون من دون انقطاع».

والواقع أن تغطية فعاليات هذه الدورة ستكون مهمة 20 ألف صحافي وتقني حصّلوا على الاعتمادات اللازمة للعمل في مواقع المنافسات الأولمبية الستة والثلاثين. ومن أجل مباشرة مهام البثّ السمعي البصري، حشدت شركة «أو بي إس»، التي تتولى خدمات بثّ الأولمبياد، موارد بشرية هائلة تتمثل في أكثر من 8 آلاف شخص يعملون من مراكز البثّ، 49 في المائة منهم - أي تقريباً النصف - هم من النساء، وهذه سابقة في تاريخ الدورات الأولمبية. ولاستقبال وسائل الإعلام الحاصلة على الاعتمادات، أنجز تشييد مركز إعلامي كبير أطلق عليه اسم «نادي فرنسا»، أو «كلوب دو فرانس»، مجهّز بغرف للمحتوى ومكاتب للعمل وقاعات لتنظيم المؤتمرات الصحافية للرياضيين ومرافقيهم.

القطاع العمومي... برمجة استثنائية

أكثر من هذا في فرنسا، وفي سابقة أولى من نوعها، قرّر مسؤولو قطاع الإعلام العمومي تخصيص برمجة استثنائية بمناسبة هذا الحدث الرياضي الكبير، إذ تقرر أن توقف قناتا «فرانس 2» و«فرانس 3» برامجها المعتادة واعتماد البثّ المتواصل لفعاليات الألعاب الأولمبية. وباستثناء النشرات الإخبارية والبرامج الدينية، فإن كل البرامج الأخرى في هاتين القناتين ستُجمد إلى نهاية الفعاليات يوم 11 أغسطس المقبل.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن تغطية «فرانس 2» العمومية ستركّز على الرياضات الفردية، أما «فرانس 3» فستتولى أمر تغطية الرياضات الجماعية. ثم إنه لتوفير تغطية إعلامية أكثر شمولية، لجأت «مجموعة فرانس تلفزيون»، وهي الهيئة المشرفة على قنوات القطاع العمومي، إلى إطلاق قناة رقمية جديدة بمناسبة هذا الحدث، سمّيت «فرانس تي في باريس 2024» تهتم بالرياضات الحضرية التي تستهوي الشباب كالتزحلق اللوحي والتسّلق وسباق دراجات «بي إم إكس» ورياضة «السكيت بورد» اللوحية.

الجديد أيضاً هو أن إدارة «فرانس تلفزيون» لجأت في سابقة تسجّل لها إلى «صنّاع محتوى» (ستريميرز) شباب يحظون بشعبية كبيرة على منصّة «تويتش» للاضطلاع بمهام التعليق والتنشيط، مع إمكانية إشراك المشاهدين على المباشر، وهذه بادرة غير مسبوقة في تاريخ الألعاب الأولمبية. أيضاً التغطية الإذاعية للألعاب ستكون هي الأخرى واسعة النطاق، إذ تسخّر مجموعة «راديو فرانس» العمومية كل محطاتها للتغطيات المباشرة، لكن حصّة الأسد تعود لإذاعة «فرانس إنفو» التي خصصّت كل جدول برامجها من دون استثناء للمنافسات الأولمبية من بداية الفعاليات إلى نهايتها. أما على المستوى الأوروبي فقد كلّفت مجموعة «أورو سبور» ببثّ مسابقات الألعاب وأحداثها في 47 دولة أوروبية... باستثناء روسيا.

داخل «مركز البثّ الأولمبي» (أو بي إس)

طلبات تصاريح الاعتماد

على صعيد تصاريح الاعتماد الرسمية للإعلاميين المولجين تغطية فعاليات الألعاب الأولمبية، حصل 20 إعلامياً وفنياً ومصوّراً محترفاً في قطاع الإعلام على تصريح الاعتماد الرسمي المطلوب، ولئن بدا هذا الرقم مرتفعاً نشير إلى أن عدد الطلبات التي تقدّمت بها وسائل الإعلام من مختلف أنحاء العالم قد وصلت – وفق تقرير اللجنة الأولمبية الدولية - إلى 5 أضعاف هذا الرقم.

هذه التصاريح الثمينة ضرورية للوصول إلى منابر الصحافة ومواقع التصوير، التي يصل عددها إلى 10 آلاف، وكذلك للدخول إلى المناطق المزدوجة التي تنظم فيها لقاءات الرياضيين وفرق التدريب مع الصحافيين. وبالنسبة للفعاليات الأكثر شعبية، كسباق جري 100 متر، يتوجّب على الصحافيين طلب تصاريح إضافية، تمنح حسب أهمية وسيلة الإعلام، فصحيفة «ليكيب» الرياضية الفرنسية الشهيرة، مثلاً، حصلت على أكثر من تصريح باعتبارها أكبر صحيفة رياضية في فرنسا، إضافة إلى أنها تنتمي للبلد المضيف.

طريقة توزيع التصاريح

للتذكير، اللجنة الأولمبية الدولية هي الجهة التي توزّع هذه التصاريح، أولاً على اللّجان الوطنية الأولمبية، ومن ثم تتولى كل لجنة وطنية بدورها توزيع هذه التصاريح على وسائل إعلامها المحلية.

وعن الشروط التي يتعين توفرها للحصول على تصاريح الاعتماد، يشرح إتيان بونامي، رئيس التحرير السابق والعضو في اللجنة الأولمبية الوطنية (الفرنسية) في حوار لصحيفة «الروفو دي ميديا» ما يلي: «تصاريح الاعتماد ليست تذاكر لدخول حفلة... لقد كنت رئيس تحرير وغطّيت مباريات كأس العالم 6 مرات، لكن هذا لا يعني أنني أستحق التصريح لحضور المنافسات. كثير من الزملاء في الوضع ذاته، وإذا بدأنا نوزّعها على أساس المحسوبية، فإننا سندمر النظام بأكمله...».

هذا الأمر قد يفسر حصول صحافيين مستقلّين أيضاً على تصاريح اعتماد، شريطة أن يكونوا مدعومين من قبل مكاتب التحرير. إذ يوضح فانسان دولوك، الصحافي ورئيس اتحاد الصحافيين الرياضيين لصحيفة «الروفو دي ميديا» في موضوع بعنوان «من هم الصحافيون الذين سيغطّون الألعاب الأولمبية؟»، ما يلي: «تشجع اللجنة الأولمبية الدولية أكبر عدد ممكن من وسائل الإعلام. لذلك كنا منفتحين على كل شيء، حتى الصحف الأسبوعية الصغيرة التي لا يتجاوز توزيعها 4000 نسخة، والعناوين التي لا تنفتح عادةً على الرياضة...».

ويضيف دولوك شارحاً: «بعض وسائل الإعلام طلبت مزيداً من تصاريح الاعتماد في إطار تغطية خاصة، صحيفة (اللوموند) مثلاً كلّفت كبار مراسليها، مثل بونوا هوبكين وجيل فون كوت وآخرين، بتحضير تحقيقات على هامش الألعاب الأولمبية حول تأثيرها على الحياة اليومية للفرنسيين في النقل والسكن والأمن... وهي إن لم تكن مواضيع رياضية بحتة فإنها تظل مرتبطة مباشرة بهذا الحدث الرياضي المهم». وللعلم، في أولمبياد الحالي، ككل أولمبياد، تمنح امتيازات للبلد المضيف، فمن أصل 6000 تصريح اعتماد للصحافة المكتوبة والمصورين، مُنح 400 منها لوسائل الإعلام الفرنسية.



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.