كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟

كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟
TT

كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟

كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟

مرة أخرى يبرز الفيديو وسيلةً أساسية لنشر الأخبار؛ لا سيما لدى فئة الشباب والمراهقين، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن تأثير زيادة شعبية مقاطع الفيديو القصيرة على الناشرين. وعدَّ خبراء أنه ينبغي لوسائل الإعلام التكيف مع هذه التطورات، والاستثمار بشكل أوسع في تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزّز، والذكاء الاصطناعي.

فقد كشف تقرير الإعلام الرقمي السنوي، الذي أصدره معهد «رويترز» لدراسة الصحافة، في منتصف شهر يونيو (حزيران) المنقضي، عن «زيادة أهمية الفيديو بوصفه مصدراً للمعلومات عبر الإنترنت؛ خصوصاً بين الشباب». وقال مدير المعهد، راسموس نيلسن، في مقدمة التقرير السنوي لعام 2024 «سيجب على الصحافيين ووسائل الإعلام أن يبذلوا جهداً أكبر لجذب انتباه الجمهور، ناهيك من إقناعه بدفع المال مقابل الحصول على الأخبار».

التقرير بنى نتائجه على استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة «يوغوف» عبر الإنترنت، على 95 ألف شخص في 47 دولة. وجاءت النتائج لتؤكد الاتجاهات التي لوحظت بالفعل في السنوات السابقة؛ حيث أشار ثلثا المشاركين في الاستطلاع على مستوى العالم، إلى أنهم يشاهدون مقطع فيديو قصيراً واحداً على الأقل (بضع دقائق) حول موضوع إخباري، كل أسبوع. وأوضح التقرير –أيضاً- أن 72 في المائة من مشاهدات الفيديو تجري على منصات التواصل الاجتماعي، مقابل 22 في المائة فقط على المواقع الخاصة بوسائل الإعلام.

رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً على هذا الموضوع، إن «الفيديو يتميز بقدرته على جذب انتباه المشاهدين بشكل أكبر عن غيره من أصناف المحتوى، كالنص أو الصورة، ما يجعله خياراً مثالياً لنقل المعلومات بسرعة وفعالية». وأضاف أنه من خلال التجارب الشخصية وتحليل سلوك مستخدمي المنصات ما بعد جائحة «كوفيد-19»، ازدادت القناعة بأن شريحة الشباب وصغار السن تميل إلى اعتبار الفيديوهات أكثر موثوقية وسلاسة ومباشرة من المقالات الإخبارية. ثم تابع بأن «تضمين مقاطع الفيديو عناصر الصوت والنص والصورة الثابتة والمتحركة معاً، يجعلها أسهل في الاستهلاك والرواج، لا سيما مع احتدام المنافسة بين المنصات الرقمية وتطوير أغلبها لمزايا تفاعلية جاذبة، ساهمت بشكل كبير في زيادة شعبية هذا النوع من المحتوى، ليس فقط بوصفه مصدراً إخبارياً؛ بل بوصفه مصدراً معرفياً على وجه العموم».

وأشار إلى أن «هذا الرواج الكبير جعل الفيديو أداة من أدوات تأجيج الحرب الدائرة أخيراً شرقي العالم وغربه، ضد شركات التواصل الاجتماعي العملاقة، حول مدى صحة الأخبار المتناقلة عبر منصاتها، وموثوقيتها».

الطراونة رأى في الفيديو «محركاً أساسياً في تغيير استراتيجيات ومنهجيات النشر الخبري، وتراجع الاعتماد على النصوص بوصفها نموذجاً رئيساً لنقل الأخبار». ولفت إلى أن «تأثير الفيديو يبدو جلياً في الإقبال المتزايد نحوه، من جانب معظم الجهات الإعلامية ذات الخلفيات المطبوعة أو التلفزيونية». واستطرد: «اعتماد وسائل الإعلام على الفيديو يزداد؛ لا سيما مع احتدام المنافسة؛ ليس فقط مع نظيراتها؛ بل مع (صناع المحتوى) الرقمي الإخباري المستقلين، والذين يستندون في نموذج عملهم بشكل أساسي على الفيديو... وتأثير الفيديو يدفع الجميع بقوة نحو استراتيجيات تحوّلية أكثر تكيفاً مع أدوات التأثير الجديدة».

وفي سياق متصل، قال الطراونة: «التكيف لا يعني تحويل المحتوى المقروء أو المرئي العادي لصيغ مناسبة لمنصات التواصل فقط؛ بل مراجعة وتحليل عملية إنتاج الفيديو كلها، والتعامل مع تكاليف أدواتها وعمالتها ومتغيراتها، كدخول الذكاء الاصطناعي... وثمة ضرورة التعامل مع الفيديو بوصفه مصدراً واعداً للمردود المادي المباشر أو غير المباشر، من دون إغفال محور حقوق النشر وتشعباته».

عودة إلى تقرير معهد «رويترز»، فإنه لاحظ أن منصّات «يوتيوب» و«تيك توك» و«إنستغرام» و«سنابشات» تحظى بشعبية لدى الشباب الذين عادة ما يبحثون عن المعلومات عليها، مستندين إلى حسابات المؤثرين أكثر من وسائل الإعلام التقليدية. وهنا أدلى المهندس رائف الغوري، وهو مدرب وباحث متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدلوه، فقال لـ«الشرق الأوسط» إنه من «المنتظر خلال السنوات الخمس المقبلة أن تحل النظارات الذكية محل الهواتف، ما سيشكل محفزاً قوياً على انتشار الفيديو وتغلبه على النص، على اختلاف أنواع المحتوى».

وذكر الغوري أن الفيديو يحظى بشعبية وتأثير، كونه يشغل حواساً عدة؛ لكنه «فيما يتعلق بالأخبار... وعندما تكون الصور قاسية جداً وغير إنسانية، يكون النص أقل وطأة على النفس، فضلاً عن أن الفيديو يبرز المشهد من زاوية تصويره، ولو جرى تصويره من زاوية أخرى ربما نقل معلومة أو رسالة مختلفة». ثم أضاف أن «انتشار مقاطع الفيديو يرجع إلى انحياز وسائل الإعلام وعدم نقلها صورة ما يحدث بشكل كامل، ما منح الفرصة للمواطنين على (السوشيال ميديا) للعمل ونقل الصورة من أرض الواقع».

واختتم المهندس الغوري شارحاً: «إن انتشار الفيديو بوصفه مصدراً للأخبار سيحدث تأثيرات كبيرة على سوق الإعلام، وطريقة تعامل الناشرين مع منصات الفيديو... وستصبح الأخبار المصوّرة القصيرة والمباشرة أكثر شيوعاً، الأمر الذي سيحث المؤسسات الإعلامية على الاستثمار بشكل أوسع في تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزّز، والذكاء الاصطناعي، لإنشاء محتوى فيديو جذّاب».



ضغوط واشنطن على «ميتا» تجدد مطالب «ضبط المحتوى»

زوكربيرغ (آ ب)
زوكربيرغ (آ ب)
TT

ضغوط واشنطن على «ميتا» تجدد مطالب «ضبط المحتوى»

زوكربيرغ (آ ب)
زوكربيرغ (آ ب)

عادت مطالب «ضبط محتوى» منصات التواصل الاجتماعي إلى الواجهة، من جديد، إثر كلام مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، عن تعرّض شركته لـ«ضغوط» من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هدفها فرض قيود على المحتوى المتعلق بجائحة «كوفيد - 19» على المنصات التي تملكها الشركة. إلا أن بعض الخبراء الذين يرون ضرورة لضبط محتوى المنصات، لا يتوقعون نهاية قريبة للجدل بشأن هذه القضية.

عبر رسالة مؤرخة يوم26 أغسطس (آب) الماضي، أعرب زوكربيرغ للجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي عن ندمه على إحجامه عن كشف أمر هذه الضغوط في وقت سابق... وأيضاً على بعض القرارات التي اتخذتها «ميتا»، التي تملك منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب» بشأن حذف محتوى بعينه.

ووفق رسالة زوكربيرغ، التي نشرتها اللجنة القضائية في الكونغرس عبر صفحتها على «فيسبوك»، فإنه «في عام 2021 دأب مسؤولون كبار من إدارة بايدن، منهم مسؤولون من البيت الأبيض، لشهور، على الضغط على طواقم (ميتا) من أجل تقييد محتوى بعينه يتعلق بكوفيد - 19، بما في ذلك الفكاهة والسخرية، وعبّروا عن غضب شديد لموظفي (ميتا) عندما لم يوافق هؤلاء على ذلك».

وتعليقاً على رسالة زوكربيرغ، أفاد الناطق باسم البيت الأبيض في بيان مقتضب نقلته وكالات الأنباء بأن «موقف الرئاسة الأميركية كان واضحاً وثابتاً... فنحن نعتقد أن على مجموعات التكنولوجيا والجهات الخاصة الأخرى الخاص أن يأخذوا في الاعتبار تبعات أعمالهم على الشعب الأميركي، واتخاذ خيارات بطريقة مستقلة بشأن المعلومات التي ينشرونها».

أما يوشنا إكو، الباحث الإعلامي الأميركي رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، فقد شدد على «أهمية حوكمة محتوى منصات التواصل الاجتماعي». وعلق لـ«الشرق الأوسط» قائلاً «لا بد لأنظمة الحكم الديمقراطية العمل على حوكمة شركات التكنولوجيا العملاقة التي تمارس عملها بلا محاسبة، بشأن تأثيرها على المستخدمين أو غير المستخدمين الذين قد يصبحون ضحايا لما ينشر من معلومات مضلِّلة».

إكو يؤيد الدعوات المطالبة بتعديل المادة 230 من قانون الاتصالات الأميركي لعام 1996، التي تحول دون تحمل شركات التكنولوجيا المسؤولية عما ينشره المستخدمون على المنصات التابعة لها، لأنها «منحت تلك الشركات قوة وهيمنة كبيرة». ولقد أوضح أن «هذه المادة وُضعت بناءً على فكرة عُرضت وقتها، بأنه عند استخدام شركات الهاتف في ارتكاب جريمة، لا تُحاسَب شركات الهواتف، بل يُحاسَب الشخص مرتكب الجريمة. من هنا فإن شركات التكنولوجيا تقول بضرورة محاسبة منشئ المحتوى لا صاحب منصة التواصل»،

وبرّر الباحث الأميركي مناصرته حوكمة المحتوى على منصات التواصل لأنه تكون «المعلومات المضللة (والشائعات الكاذبة) أكثر جذباً من الحقيقة، وبالتالي فإن تأثيرها يكون أكبر... والواقع أن خوارزميات منصات التواصل تُعطي الأفضلية لتحقيق الأرباح على حساب المستخدم».

وبشأن معارضة البعض فرض قيود على محتوى المنصات بداعي «حرية التعبير». قال إكو إن «الحرية تأتي مع المسؤولية... وفي عصر الإنترنت تحوّل المجتمع إلى مواطنين رقميين، أي إلى أفراد متصلين بالإنترنت. هذا المواطن الرقمي له حقوق، لكن عليه التزامات، ولا يجوز أن تضرّ حريته بالآخرين».

تصريحات زوكربيرغ تزامنت، في الواقع، مع تزايد المخاوف من انتشار «المعلومات المضللة»، وخصوصاً مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، ما فتح جدلاً بشأن حوكمة منصات التواصل وقواعد ضبط المحتوى ومنع انتشار «التزييف المعلوماتي».

وكانت «ميتا»، حظرت أخيراً حسابات في «واتساب» قالت إنها «مرتبطة بمجموعة قرصنة إيرانية استهدفت حملتي المرشحين للرئاسة الأميركية».

وتعليقاً على كلام زوكربيرغ، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن كلامه الآن «قد يكون مرتبطاً بالانتخابات الرئاسية الأميركية، خاصة أن شركته (ميتا) تتعرّض لضغوط تقوم على اتهامات بأنها تساعد على نشر التضليل».

وقال بنضريف إنه «لا توجد في الولايات المتحدة قوانين من شأنها إجبار المنصات على مشاركة البيانات... فحوكمة المنصات مشكلة جدلية لا سيما مع ضرورة حماية حرية التعبير، وبالتالي، فإن جدل ضبط محتوى المنصات لن يحسم في القريب العاجل، والمشهد المقبل سيحكمه مَن يصل إلى البيت الأبيض، لا سيما أن شركات التكنولوجيا قد تتماهى مع السلطة حفاظاً على أرباحها».