كيف منحت «تيك توك» اليمين الفرنسي المتطرف شعبية جديدة؟

«التجمع الوطني» هو الحزب الذي خصّص أكبر ميزانية لوسائل التواصل الاجتماعي

بارديلا... يتواصل عبر "تيك توك"
بارديلا... يتواصل عبر "تيك توك"
TT

كيف منحت «تيك توك» اليمين الفرنسي المتطرف شعبية جديدة؟

بارديلا... يتواصل عبر "تيك توك"
بارديلا... يتواصل عبر "تيك توك"

تسعى التشكيلات السياسية في مختلف دول العالم، وعلى اختلاف ألوانها اليوم، إلى تعزيز وجودها على منصّات التواصل الاجتماعي بوصفها أدوات أثبتت فاعليتها في الوصول إلى الناخبين من مختلف الفئات. ولذا نرى أن معظم استراتيجياتها الاتصالية المستخدمة في الدعاية الانتخابية لم تعد تشمل الحضور القوي للشخصيات السياسية في معظم هذه المنصّات فحسب، بل أيضاً اعتماد نمط متميز للاتصال السياسي يضمن لها الشعبية، وبالتالي الفوز في الاستحقاقات.

اليمين الفرنسي و«تيك توك»

تيار أقصى اليمين الفرنسي استوعب هذه المعطيات الجديدة واقتحم بقوة منصات التواصل، وبالأخص «تيك توك» الصينية. وهنا نشير إلى أن الاهتمام بتبني استراتيجية اتصالية مُحكمة ليس جديداً عليه، إذ سبق أن لجأ جان إيف لوغالو، المستشار السابق للزعيم اليميني المتطرف المتقاعد جان ماري لوبان، منذ الثمانينات إلى تكثيف الحضور في وسائل عُدَّت عصرية بالنسبة إلى تلك الفترة. ومن ثم، كان حزب لوبان «الجبهة الوطنية» أول الأحزاب الفرنسية استخداماً لـ«المينيتل» عام 1980 ومنصّة «سوكند لايف» عام 2003 لأغراض دعائية.

واقع الحال أن الاتصال السياسي عبر منصّات التواصل الاجتماعي أضحى أكثر من الضروري، ففي دراسة حديثة لمركز «أركوم»، وهي الهيئة المكلّفة بتنظيم نشاط وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، صدرت بعنوان «الفرنسيين والإعلام» في مارس (آذار) الماضي تبين أن فرنسياً واحداً من أصل اثنين صار يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار، وبالأخص السياسة.

وسائل التواصل الاجتماعي صارت حاجة سياسية بامتياز

كذلك بيّنت الدراسة أن أكبر نسبة من مستخدمي منصة «تيك توك» هم من جيل الشباب بين 15 و25 سنة، وهو تحديداً ما يبحث عنه حزب «التجمّع الوطني» المتطرف –الذي ورث «الجبهة الوطنية»– أي استقطاب الناخبين الجدد من الشباب ممن لم يسبق لهم التصويت، ومعهم أيضاً كل الشرائح الاجتماعية التي لا تتمتع بثقافة سياسية واسعة، مكتفية بالمحتويات التي تُقدَّم لها عبر المنصّة.

عوامل أخرى جعلت المنصة الصينية بمثابة الأرض الخصبة التي يصطاد فيها أقصى اليمين أصواتاً جديدة، أهمها، وفق الباحث نيكوس سميرانوس من جامعة «تولوز»، «ظهور منابر إعلامية جديدة لليمين المتطرف تسهم في إمداد المنصّة بمحتويات ومقاطع فيديو مثيرة للجدل كقناة «سي نيوز»، التي تناقش باستمرار إشكاليات الهجرة والإسلام، وتستضيف شخصيات من اليمين المتطرف مما جعل هذه المواضيع تشغل حيزاً مهماً في النقاشات المتداولة في هذه المنصّة».

من جهته، كتب رومان فارجي، الباحث في مركز الدراسات السياسية والاجتماعية بجامعة «مونبلييه»، في مقال بصحيفة «لا كروا» عن جوردان بارديلا، رئيس «التجمع الوطني» بعنوان «مع (تيك توك) بارديلا يجذب الناخبين الشباب»، أن الاستراتيجية الاتصالية لـ«التجمع الوطني» فيما يتعلق بـ«تيك توك» كانت ناجحة بفضل شعبية رئيسها الجديد والقبول الذي يحظى به لدى الجمهور. فبارديلا شاب وسيم يظهر في فيديوهات قصيرة ساخرة مع مقاطع موسيقية في الخلفية كأنه «مؤثر influencer»، إذ نراه مثلاً وهو يشرب نَخْب بتعليق ساخر يقول فيه: «أنا أشرب دموع (الرئيس إيمانويل) ماكرون...!». وتابع فارجي: «مع بارديلا هناك ازدواجية في صيغة الاتصال. فمن جهة نجد رموز السياسي الذي يأخذ الأمور بجدّية، ومن جهة الأخرى نجد رموز المؤثِّر الذي يخاطب الجمهور كأنه واحد منهم... وهو ما يميّزه عن غيره من المرشحين».

في سياق موازٍ، لفتت ماري نؤوزي، الباحثة في قسم العلوم السياسية بجامعة «مونبلييه» أيضاً، إلى أن جمهور «تيك توك» لا يمتلك ثقافة سياسية واسعة، وهو إذا كان يهتم ببارديلا فإن الأمر يعود إلى اعتبارات أخرى. وهنا توضح في شهادة لمجلة «لاكروا» أن «ما يهم جمهور تيك توك هو شخصية بارديلا لا برنامجه. ولذا فهو لن يحتاج إلى توضيح مواقفه الغامضة من أوروبا ولا أي من مقترحاته كي ينال إعجابهم، ذلك أن الصورة التي يظهر بها تكفي هذا الجمهور لتكوين فكرة عن المرشح».

جوردان بارديلا... الشخصية السياسية الثالثة الأكثر متابعة على المنصة

الترويج للأفكار

من جهة ثانية، في تحقيق صحافي بعنوان «دعاية باهظة الثمن على (فيسبوك) لنواب (التجمع الوطني)»، كشفت جريدة «لوموند» عن أن الحزب خصّص خلال السنوات الأخيرة ميزانية مهمة للترويج لنشاط ممثليه في البرلمان الأوروبي. وجاء في هذا المقال، ما يلي: «في حملتها الانتخابية للوصول إلى الرئاسة كانت مارين لوبان تهاجم منصّات التواصل كـ(تويتر) و(فيسبوك)، وتتهمها بفرض رقابة على محتويات اليمين المتطرف، لكنَّ واقع الأمر اليوم هو أن هذا الحزب هو الأكثر استخداماً لهذه الوسائل، إذ دفع لـ(فيسبوك) مبلغاً يناهز 600 ألف يورو خلال الفترة بين عامي 2019 و2023 مقابل خدمات دعاية وترويج. وهذا رقم قياسي لم تصل إليه أي مجموعة برلمانية أوروبية أخرى». ثم يشرح مقال «لوموند» أنه «إلى جانب هذا تجب إضافة المبالغ التي أُنفقت على الحسابات الخاصّة لكوادر الحزب كرئيسه جوردان بارديلا، مثلاً، الذي يُخصَّص أكثر من 71 ألف يورو للدعاية لحسابه الخاص».

هذه الاستراتيجية التي تعتمد على تكثيف الحضور سرعان ما أعطت ثمارها على منصة «تيك توك»، فالرئيس الشاب للحزب اليميني المتطرف، يُعد اليوم ثالث الشخصيات السياسية الفرنسية شعبية على المنصة الصينية (مليون و300 متابع وأكثر من 30 مليون إعجاب) بعد رئيس كتلة «فرنسا الأبيّة» اليساري المخضرم جان لوك ميلونشون (مليونان و300) والرئيس إيمانويل ماكرون (أربعة ملايين و400) وهو أيضاً الأكثر متابعةً مقارنةً بخصومه في الانتخابات، كاليسارية مانون أوبري التي قادت لائحة كتلة «فرنسا الأبيّة» التي يتابعها على حسابها 50 ألف شخص، وممثلة لائحة حزب «الخضر» ماري توسان التي لا تعد على حسابها في «تيك توك» إلا على 1900 متابع.


مقالات ذات صلة

إلى المراهقين... احذروا هذه الممارسة الخطيرة على «تيك توك»

يوميات الشرق مقاطع ممارسة «الكرومينغ» انتشرت بشكل واسع على «تيك توك» (رويترز)

إلى المراهقين... احذروا هذه الممارسة الخطيرة على «تيك توك»

هذا الانتشار قد يكون نتيجة شيوع مقاطع الفيديو التي تعرض هذه الممارسات على المنصة الشهيرة بين الشباب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق شعار «تيك توك» (د.ب.أ)

«تيك توك» يحظر حسابات وسائل إعلام روسية حكومية

قال تطبيق «تيك توك» إنه أزال حسابات مرتبطة بوسائل إعلام روسية حكومية «لمشاركتها في عمليات تأثير سرية».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ من أمام أحد مكاتب «تيك توك» في ولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)

مستقبل «تيك توك» في الولايات المتحدة على المحك أمام محكمة فيدرالية

سيسعى تطبيق «تيك توك» إلى إقناع محكمة فيدرالية أميركية، الاثنين، بأن القانون الذي يلزم مالكي المنصة الصينيين ببيعه وإلا يُحظر في أميركا، مخالف للدستور.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق مها أحمد (حسابها على فيسبوك)

هل يلجأ فنانون مصريون إلى «تيك توك» لتعويض غيابهم عن الشاشة؟

لجأ عدد من الفنانين المصريين خلال السنوات القليلة الماضية إلى موقع "تيك توك"، لأغراض وغايات متنوعة.

داليا ماهر (القاهرة)
شمال افريقيا طورت الداخلية مراكز الإصلاح والتأهيل في السنوات الماضية (وزارة الداخلية - أرشيفية)

ضبط «تيك توكر» مصري أجرى مشهداً تمثيلياً لـ«مراكز الإصلاح»

أعلنت وزارة الداخلية المصرية ضبط «تيك توكر» وبصحبته 3 آخرين، على خلفية تقديمهم «مشاهد تمثيلية» بوصفهم داخل إحدى غرف «مراكز الإصلاح والتأهيل».

أحمد عدلي (القاهرة)

ضغوط واشنطن على «ميتا» تجدد مطالب «ضبط المحتوى»

زوكربيرغ (آ ب)
زوكربيرغ (آ ب)
TT

ضغوط واشنطن على «ميتا» تجدد مطالب «ضبط المحتوى»

زوكربيرغ (آ ب)
زوكربيرغ (آ ب)

عادت مطالب «ضبط محتوى» منصات التواصل الاجتماعي إلى الواجهة، من جديد، إثر كلام مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، عن تعرّض شركته لـ«ضغوط» من جانب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هدفها فرض قيود على المحتوى المتعلق بجائحة «كوفيد - 19» على المنصات التي تملكها الشركة. إلا أن بعض الخبراء الذين يرون ضرورة لضبط محتوى المنصات، لا يتوقعون نهاية قريبة للجدل بشأن هذه القضية.

عبر رسالة مؤرخة يوم26 أغسطس (آب) الماضي، أعرب زوكربيرغ للجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي عن ندمه على إحجامه عن كشف أمر هذه الضغوط في وقت سابق... وأيضاً على بعض القرارات التي اتخذتها «ميتا»، التي تملك منصات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب» بشأن حذف محتوى بعينه.

ووفق رسالة زوكربيرغ، التي نشرتها اللجنة القضائية في الكونغرس عبر صفحتها على «فيسبوك»، فإنه «في عام 2021 دأب مسؤولون كبار من إدارة بايدن، منهم مسؤولون من البيت الأبيض، لشهور، على الضغط على طواقم (ميتا) من أجل تقييد محتوى بعينه يتعلق بكوفيد - 19، بما في ذلك الفكاهة والسخرية، وعبّروا عن غضب شديد لموظفي (ميتا) عندما لم يوافق هؤلاء على ذلك».

وتعليقاً على رسالة زوكربيرغ، أفاد الناطق باسم البيت الأبيض في بيان مقتضب نقلته وكالات الأنباء بأن «موقف الرئاسة الأميركية كان واضحاً وثابتاً... فنحن نعتقد أن على مجموعات التكنولوجيا والجهات الخاصة الأخرى الخاص أن يأخذوا في الاعتبار تبعات أعمالهم على الشعب الأميركي، واتخاذ خيارات بطريقة مستقلة بشأن المعلومات التي ينشرونها».

أما يوشنا إكو، الباحث الإعلامي الأميركي رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، فقد شدد على «أهمية حوكمة محتوى منصات التواصل الاجتماعي». وعلق لـ«الشرق الأوسط» قائلاً «لا بد لأنظمة الحكم الديمقراطية العمل على حوكمة شركات التكنولوجيا العملاقة التي تمارس عملها بلا محاسبة، بشأن تأثيرها على المستخدمين أو غير المستخدمين الذين قد يصبحون ضحايا لما ينشر من معلومات مضلِّلة».

إكو يؤيد الدعوات المطالبة بتعديل المادة 230 من قانون الاتصالات الأميركي لعام 1996، التي تحول دون تحمل شركات التكنولوجيا المسؤولية عما ينشره المستخدمون على المنصات التابعة لها، لأنها «منحت تلك الشركات قوة وهيمنة كبيرة». ولقد أوضح أن «هذه المادة وُضعت بناءً على فكرة عُرضت وقتها، بأنه عند استخدام شركات الهاتف في ارتكاب جريمة، لا تُحاسَب شركات الهواتف، بل يُحاسَب الشخص مرتكب الجريمة. من هنا فإن شركات التكنولوجيا تقول بضرورة محاسبة منشئ المحتوى لا صاحب منصة التواصل»،

وبرّر الباحث الأميركي مناصرته حوكمة المحتوى على منصات التواصل لأنه تكون «المعلومات المضللة (والشائعات الكاذبة) أكثر جذباً من الحقيقة، وبالتالي فإن تأثيرها يكون أكبر... والواقع أن خوارزميات منصات التواصل تُعطي الأفضلية لتحقيق الأرباح على حساب المستخدم».

وبشأن معارضة البعض فرض قيود على محتوى المنصات بداعي «حرية التعبير». قال إكو إن «الحرية تأتي مع المسؤولية... وفي عصر الإنترنت تحوّل المجتمع إلى مواطنين رقميين، أي إلى أفراد متصلين بالإنترنت. هذا المواطن الرقمي له حقوق، لكن عليه التزامات، ولا يجوز أن تضرّ حريته بالآخرين».

تصريحات زوكربيرغ تزامنت، في الواقع، مع تزايد المخاوف من انتشار «المعلومات المضللة»، وخصوصاً مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، ما فتح جدلاً بشأن حوكمة منصات التواصل وقواعد ضبط المحتوى ومنع انتشار «التزييف المعلوماتي».

وكانت «ميتا»، حظرت أخيراً حسابات في «واتساب» قالت إنها «مرتبطة بمجموعة قرصنة إيرانية استهدفت حملتي المرشحين للرئاسة الأميركية».

وتعليقاً على كلام زوكربيرغ، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن كلامه الآن «قد يكون مرتبطاً بالانتخابات الرئاسية الأميركية، خاصة أن شركته (ميتا) تتعرّض لضغوط تقوم على اتهامات بأنها تساعد على نشر التضليل».

وقال بنضريف إنه «لا توجد في الولايات المتحدة قوانين من شأنها إجبار المنصات على مشاركة البيانات... فحوكمة المنصات مشكلة جدلية لا سيما مع ضرورة حماية حرية التعبير، وبالتالي، فإن جدل ضبط محتوى المنصات لن يحسم في القريب العاجل، والمشهد المقبل سيحكمه مَن يصل إلى البيت الأبيض، لا سيما أن شركات التكنولوجيا قد تتماهى مع السلطة حفاظاً على أرباحها».