تجدد المخاوف على «خصوصية» المستخدمين من الذكاء الاصطناعي

تجدد المخاوف على «خصوصية» المستخدمين من الذكاء الاصطناعي
TT

تجدد المخاوف على «خصوصية» المستخدمين من الذكاء الاصطناعي

تجدد المخاوف على «خصوصية» المستخدمين من الذكاء الاصطناعي

تجددت المخاوف بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على «خصوصية» بيانات المستخدمين، مع اعتراف شركة «ميتا» باستغلال صور المستخدمين المنشورة على المنصات التابعة لها في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. وتزامن هذا الاعتراف مع تحذيرات أطلقتها منصة «سيغنال» بشأن اعتماد تقنية الذكاء الاصطناعي على ما سمّته «المراقبة الجماعية». ولكن في حين رأى خبراء «خطورة» ذلك على الخصوصية، فإنهم عدّوا أن لا سبيل لحماية البيانات إلا الامتناع عن نشرها رقمياً.

جاء «اعتراف» كريس كوكس، مدير قطاع المنتجات بشركة «ميتا»، على هامش مؤتمر «بلومبرغ تك» الشهر الماضي، عندما قال إن «شركة ميتا تستخدم جميع البيانات التي يشاركها المستخدمون مع الجمهور public، لا سيما الصور في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي التابعة لها... وتلك البيانات المتنوعة تُسهم في رفع مستوى أداء وكفاءة نتائج تقنيات الذكاء الاصطناعي». وأضاف كوكس أن «ميتا لا تستخدم في هذا المجال الصور والبيانات الجارية تشاركها بشكل خاص (Private) مع الأصدقاء والعائلة عبر الحسابات الشخصية للمستخدمين».

تصريحات المسؤول في شركة «ميتا» تزامنت مع تحذيرات أطلقتها ميريديث ويتاكر، رئيسة منصة «سيغنال»، خلال معرض «فيفاتك» للتكنولوجيا الحديثة، الذي نظم أخيراً في باريس. إذ نقلت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن ويتاكر قولها إن «تقنيات الذكاء الاصطناعي الراهنة تعتمد على المراقبة الجماعية، التي باتت المحرك الاقتصادي للقطاع التكنولوجي». وأضافت ويتاكر، التي عملت لأكثر من 10 سنوات على مسألة الأخلاقيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي لدى «غوغل» قبل تركها الشركة، أنّ «الذكاء الاصطناعي يتطلب كمية هائلة من البيانات ويستخدمها في كل مرة ينشئ محتوى... وهذه البيانات التي قد تكون خاطئة بشكل كامل، لديها القدرة على توجيه حياتنا بطريقة ينبغي أن تثير القلق». وبينما ذكرت ويتاكر أن «إتاحة الوصول إلى مجموعات من البيانات والسماح باعتماد مزيد من الشفافية في النماذج أمر مفيد»، فإنها دعت إلى «مراجعة تعريف المقصود بالمصدر المفتوح».

وتعليقاً على هذا الأمر، قالت الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «الذكاء الاصطناعي يتمتّع بإمكانات هائلة للوصول إلى بيانات المستخدمين، إذ بإمكانه تتبع أغلب جوانب حياتهم الشخصية... وفي هذا قضاء مبرم على الخصوصية بشكل تام». وأردفت أن «مواقع التواصل الاجتماعي تكفّلت بجمع بيانات المستخدمين، كونها تعدّ تلك البيانات رأسمالها الحقيقي والمحرك لعجلة اقتصادها، وهي تعتمد عليها في العمليات التسويقية والأبحاث الاجتماعية المرتبطة بمشاعر المستخدمين واتجاهاتهم الفكرية وسلوكهم... ومن ثم؛ هناك تأثير لهذه البيانات على المستويين السياسي والأمني لجهة الوصول إلى الناخبين وغير ذلك من الاستخدامات المتنوعة والمتعددة».

وشددت عبد الغني على التأثير الكبير والخطير لإتاحة البيانات بهذا الشكل، مرجحة أن «تزداد وتيرته وتتعاظم مع التطور المتسارع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي شهد تطورات متسارعة في السنة الماضية». وفي حين تطرّقت إلى «عمل كثير من مطوّري برمجيات الذكاء الاصطناعي على تطوير برمجيات تحمي بيانات المستخدمين»، لفتت إلى «صعوبة ذلك، لا سيما مع ما يحتمه استخدام تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي من التخلي عن البيانات، وقدر من الخصوصية بشكل أو بآخر».

ثم أوضحت: «هناك تجارب تحاول أن تحمي بيانات المستخدمين، كتجربة الاتحاد الأوروبي الذي أصدر أخيراً لائحة لحماية البيانات، وإقدام بعض المؤسسات الأميركية على استخدام الذكاء الاصطناعي لترميز (تشفير) بيانات المستخدمين، وإجراء التحديثات الأمنية بشكل دوري وآلي. ولكن حماية بيانات المستخدمين تنبع من الوعي الذاتي بأهمية تلك البيانات... ومن الضروري جداً تعزيز المعرفة بإجراءات الأمن الرقمي للحد من التأثيرات السلبية لاختراق الخصوصية». وهنا تلفت إلى أن عدداً من الشركات العاملة على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي يسعى إلى عقد صفقات مع صُناع المحتوى، ومنصات التواصل والمؤسسات الإعلامية وغيرها، بهدف الحصول على إذن باستخدام المحتوى المنشور رقمياً في تدريب وتشغيل برامج الذكاء الاصطناعي.

من جهته، أشار خالد البرماوي، الباحث المصري في مجال الإعلام الرقمي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «قضية الخصوصية وحمايتها في عصر الذكاء الاصطناعي مُثارة، وتتجدد إثارتها بين الحين والآخر، سواءً كان ذلك متعلقاً بالبيانات المنظمة التي تنتجها مؤسسات، أو البيانات العشوائية المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي».

ومع تأكيد البرماوي على «التأثير الكبير» لتقنيات الذكاء الاصطناعي على خصوصية البيانات، فإنه لفت إلى صعوبة ضبط أداء هذه التقنية، قائلاً إن «برامج الذكاء الاصطناعي تستخدم مليارات البيانات، ما يجعل من الصعب التيقن من استخدامها صورة أو معلومة محددة أنتجتها جهة معروفة».


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق تقرير «ليونز العالمي» يُعدّ معياراً عالمياً موثوقاً في مجالات الإبداع والتسويق لدى الوكالات والعلامات التجارية (الشرق الأوسط)

«SRMG Labs» تحصد لقب أفضل شركة سعودية للخدمات الإبداعية والإعلانية

حلّت «SRMG Labs» شركة الخدمات الإبداعية والإعلانية في المراتب الأفضل بين الشركات المدرجة هذا العام في تقرير «ليونز العالمي للإبداع».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق صدر كتاب السيرة الذاتية للإعلامي اللبناني كميل منسّى بعد أشهر على وفاته (الشرق الأوسط)

كميل منسّى يختم نشرته الأخيرة ويمضي

رحل كميل منسى، أحد مؤسسي الإعلام التلفزيوني اللبناني قبل أشهر، فلم يسعفه الوقت ليحقق أمنية توقيع سيرته الذاتية. تسلّم ابنه الأمانة وأشرف على إصدار الكتاب.

كريستين حبيب (بيروت)
العالم شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)

«ميتا» تحظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية على منصاتها

أعلنت مجموعة «ميتا»، المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، فرض حظر على استخدام وسائل الإعلام الحكومية الروسية لمنصاتها، وذلك تجنّبا لأي «نشاط تدخلي أجنبي».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شؤون إقليمية طرد صحافي من «جويش كرونيكل» لتقارير مزيَّفة عن «حماس» تخدم نتنياهو

طرد صحافي من «جويش كرونيكل» لتقارير مزيَّفة عن «حماس» تخدم نتنياهو

«جويش كرونيكل» تطرد صحافياً لنشره وثائق مزيَّفة تخدم تخريب نتنياهو للهدنة، وادعاءات أن «حماس» ستهرّب المختطفين إلى إيران واليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

مجلة تثير جدلاً حول الحريات في ألمانيا

يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)
يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)
TT

مجلة تثير جدلاً حول الحريات في ألمانيا

يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)
يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)

قمع حرية التعبير أم حماية الديمقراطية؟ من الأسئلة التي باتت تواجه المشرّعين والسياسيين الألمان بشكل مزداد. وفي حين كانت الانتقادات خلال الأشهر الماضية تصبّ على تعامل السلطات الألمانية القاسي مع المدافعين عن الفلسطينيين، فتحت وزارة الداخلية الألمانية جبهة جديدة في «الصراع حول الحريات».

بدأت الانتقادات لوزيرة الداخلية نانسي فيزر بعدما قرّرت حظر مجلة «كومباكت» اليمينية المتطرفة وإغلاقها بحجة «حماية الديمقراطية والدستور». ولكن بعد أيام قليلة عادت محكمة لتقلب قرار الداخلية وتسمح للمجلة بالعودة إلى النشر. ومع أن قرار المحكمة كان «مؤقتاً» يسري مفعوله لغاية درس ملف المجلّة بشكل معمّق والتوصّل إلى قرار نهائي حول قانونية الحظر، جاءت الانتقادات لوزيرة الداخلية لاذعة.

غلاف أحد أعداد مجلة "كومباكت" اليمينية المتطرفة (IPON-MAGO)

انتقادات... بالجملة

بل إن فيزر، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم، تتعرض فقط لانتقادات اليمين المتطرف واليمين التقليدي، بل كذلك من شركائها في الحكومة الذين حتى دعوها للاستقالة. ذلك أن نائب رئيس «البوندستاغ» (مجلس النواب)، فولفغانغ كوبيكي، المنتمي للحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي الوسطي)، الشريك في الائتلاف الحاكم، قال إن على فيزر «أن تفكّر بالاستقالة... وأن تنظر إلى نفسها وتسأل ما إذا كانت تريد أن تستمر بالقيام بحملات لصالح حزب البديل لألمانيا»، أم لا.

تصريحات مشابهة جاءت من حزب المعارضة الرئيسي، الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين تقليدي)، الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، ومن «شقيقه» الاتحاد المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا. وجاء على لسان النائب ألكسندر هوفمان، من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، قوله إن «الانتصار المرحلي لمجلة يمينية متطرّفة يظهر أن فيزر تصرّفت عبر قرارها المتسرّع بصورة معاكسة لحماية الديمقراطية».

وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر (رويترز)

المتطرفون يهزأون

أما حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف فقد هزأ من قرار الحظر، ودعت زعيمته أليس فايدل إلى إقالة فيزر على الفور. وللعلم، «البديل لألمانيا» حزب مصنّف يمينياً متطرفاً، ويتقدم باستطلاعات الرأي في الانتخابات المحلية المقرر تنظيمها بولايات ألمانية شرقية خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

مجلة «كومباكت» تؤيد بقوة الحزب المتطرف وتروّج لأفكاره، وغالباً ما تستضيف قادته وسياسييه. وفي هذه الأثناء، يثير تقدّم هذا الحزب في ولايات شرق البلاد الشرقية قلق الأحزاب الألمانية التي تعهدت كلها برفض التحالف معه حتى على الصعيد المحلي. وجاء كثير من انتقادات السياسيين لقرار فيزر، بسبب المخاوف من أن يترك حظر المجلة تأثيراً عكسياً على الناخبين، ويتسبّب بدفعة تعاطف إضافية للحزب المتطرف.

مع هذا، ظلت الوزيرة فيزر مصرّة على أنها اتخذت القرار الصائب، ووصفت قرار المحكمة التي تلقت طعناً قانونياً من المجلة، بأنه «ضروري في الديمقراطيات»، لكنها أكدت أن الداخلية «ستثبت للمحكمة بأن قرارها صائب».

ما يُذكر أن فيزر استندت في قرار الحظر إلى القوانين التي تُجيز منع الجمعيات ويمكن تطبيقه على شركات «في ظروف خاصة». وهي في قرار الحظر، لم تستهدف فقط المجلة، بل أيضاً الشركة التي تملك المجلة. ويسمح القانون بحظر الشركات التي «تعمل بصورة مخالفة للدستور».

ووصفت الوزيرة المجلة بأنها «قومية وتعتمد على مبدأ إثني اجتماعي، وتسعى لإبعاد الإثنيين الأجانب عن الدولة، الأمر الذي يتجاهل كرامة الناس الذين لا تنطبق عليهم أوصاف هذا المبدأ الإثني». أكثر من هذا، أورد قرار الحظر كذلك أن المجلة تستخدم بشكل متكرّر «خطاب المقاومة والثورة، وتروّج بشكل عدواني للانقلاب على النظام السياسي»، وهو ما يمكن «أن يشجع القراء على التصرف ضد الدستور».

يقدّر عدد قراء المجلة بنحو 40 ألفاً وهي تنشر على الإنترنت وتطبع بشكل شهري ولديها قناة على «يوتيوب» تبث عليها برامج أسبوعية

خلفيات عن «كومباكت»

جدير بالذكر، أنه سبق للاستخبارات الألمانية أن مجلة «كومباكت» من قبل بأنها «يمينية متطرفة» عام 2021، وهي تخضع للمراقبة منذ ذلك الحين. وراهناً، يقدّر عدد قراء المجلة بنحو 40 ألفاً، وهي تنشر على الإنترنت وتطبع أيضاً بشكل شهري، ولديها كذلك قناة على «يوتيوب» تبث عليها برامج أسبوعية. ومن «ضيوفها» وكتّابها الدائمين مارتن سيلنر، النمساوي اليميني المتطرف الذي كان شارك في اجتماع سرّي كشفه الإعلام الألماني نهاية العام الماضي بألمانيا، وناقش ترحيل ملايين المهاجرين من حملة الجنسية الألمانية. ولقد شارك سيلنر في ذلك الاجتماع، الذي ذكّر باجتماع النازيين لبحث «الحل النهائي» الذي سبق محرقة «الهولوكوست»، سياسيون من حزب «البديل لألمانيا».

أسّس «كومباكت» يورغن إيلاسر عام 2010 في برلين، وهو رئيس تحريرها منذ ذلك الحين، ولقد داهمت الشرطة منزله يوم إعلام حظر المجلة. وإبّان أزمة اللاجئين عام 2015، نشرت المجلة على غلافها صورة لأنجيلا ميركل وهي ترتدي الحجاب. ونشرت مقالاً تتهم فيه حكومة ميركل «بإغراق ألمانيا بشكل منهجي وخلط جيناتها بثقافات أجنبية بهدف تقليص الذكاء العام للشعب».

من جهة ثانية، منذ الحرب في أوكرانيا، اعتمدت المجلة خطاباً شبيهاً بخطاب اليمين المتطرف معادياً لأوكرانيا ومؤيداً لروسيا. وقبل فترة قصيرة، نشرت موضوعاً تحت عنوان «مجرمو حرب: كيف يخطّط جنرالات ألمان لاعتداء على روسيا». وبالتوازي، تصف المجلة سياسيين من حزب «البديل لألمانيا» مقرّبين من روسيا والصين، مثل ماكسيمليان كراه - الذي اعتقل مساعده بتهمة التجسس للصين - بأنهم «وطنيون تشوه سمعتهم بتهم التخوين». وقبل سنة تقريباً كتب إيلاسر نفسه مقالة قال فيها: «إننا، ببساطة، نريد الانقلاب على النظام». وهذه كلها مقاطع ستعتمدها وزارة الداخلية لتبرير قرار الحظر أمام المحكمة، وتأمل في أن تقبل بها وتعدّها كافية لتأكيد قرارها.

ولكن، في حال خسارة الوزارة القضية، ستكون وزيرة الداخلية أمام أزمة حقيقية قد تدفعها فعلاً إلى الاستقالة. وبالتالي، سيستخدم اليمين المتطرف، حتماً، قرار الحظر ثم سيلغيه لتحقيق مكاسب إضافية بعدما أصبح الحزب ثاني أقوى أحزاب البلاد بنسبة تأييد تتراوح بين 17 في المائة و19 في المائة، بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي، مع أنه قبل بضع سنوات لم تكن نسبة تأييده على الصعيد الوطني تتجاوز 11 في المائة.