«زين إف إم»... إذاعة متخصّصة لمخاطبة كرديات سوريا بصوت نسوي

«آرتا للإعلام والتنمية» أطلقت أول إذاعة كردية بشمال شرقي البلاد

فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)
فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)
TT

«زين إف إم»... إذاعة متخصّصة لمخاطبة كرديات سوريا بصوت نسوي

فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)
فريق عمل إذاعة "أرتا" (الشرق الأوسط)

داخل استوديو مجهّز بمعدات إذاعية، وتحت شعار «زين»، في بلدة عامودا الواقعة بأقصى شمال شرقي سوريا، تعمل إذاعة «زين إف إم»، وتعني العبارة بالعربية «راديو إف إم المرأة».

الإذاعة، التي هي أحد مشاريع مؤسسة «آرتا للإعلام والتنمية»، تسعى إلى طرح قضايا مجتمعية بشكل يومي تهم شريحة واسعة من السوريات والفتيات. وما يميزها أن كادرها الإعلامي بالكامل من المذيعات والمقدمات والمراسلات، وكذلك، تعد أول تجربة إذاعية من نوعها على مستوى شمال شرقي سوريا، تبث موادها عبر موجات الـ«إف إم» ومنصاتها الرقمية.

«من خلال أثير (زين) وبرامجها نسعى إلى زيادة الوعي المجتمعي بحقوق المرأة، وتمكين النساء على الصعيدين العملي والمعرفي، حتى تلعب دوراً أكثر فاعلية بمختلف نواحي الحياة»... بهذه الكلمات بدأت ريزيار جنو، وهي مراسلة الإذاعة من عامودا – التي تقع على مسافة نحو 25 كيلومتراً غرب مدينة القامشلي، حيث خضعت هذه الإعلامية لتدريبات مكثفة في المركز التدريبي لمؤسسة «آرتا»، تلقت خلالها أساسيات العمل الإذاعي، وكيفية صناعة التقارير الميدانية، وإعداد البرامج الحوارية والتقديم.

ريزيار جنو (الشرق الأوسط)

جمهورها النساء والفتيات والشباب

انطلقت إذاعة «زين إف إم» من عامودا، ذات الغالبية السكانية الكردية في سبتمبر (أيلول) 2021، بوصفها أول تجربة إذاعية نسوية على صعيد المنطقة. وتأتي هذه التجربة بعدما شهدت سوريا منذ عام 2011 انطلاقة عدد من الإذاعات المستقلة ووسائل الإعلام الخاصة بعيداً عن رقابة السلطات السورية. وتعمل حالياً في شمال شرقي البلاد نحو 10 إذاعات محلية، تبث برامجها باللغات العربية والكردية والسريانية على أثير موجات الـ«إف إم»، ومواقع الإنترنت وصفحات «السوشيال ميديا» والمنصات الرقمية، وللعلم كانت اللغتان الكردية والسريانية محظورتين سابقاً على البث الإذاعي التابع لوسائل حكومة نظام دمشق.

المراسلة ريزيار جنو ذكرت أن «الشريحة المستهدفة بالدرجة الأولى من النساء والفتيات، وبشكل عام جيل الشباب»، وأردفت: «عندما نتجوّل بين الناس ونقول لهم إننا إذاعة خاصة بالنساء يستغربون ونشعر بصدمتهم، بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية... لكن من خلال حديث بسيط نتجاوز هذه التحديات».

بدورها، قالت المذيعة دلدا يوسف خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إن فريق «إذاعة (زين) يعمل وفق رؤية الإعلام الحديث، وتلامس برامجه واقع المرأة في المنطقة خصوصاً، بما في ذلك قضايا العمل والانتهاكات المرتكبة بحقها في مناطق الحروب والنزاعات». وتابعت: «إنها إذاعة مجتمعية: بكادر نسائي، وتُعنى بقضاياهنّ... نحن نركز على قصص نجاح السيدات في مختلف المجالات، السياسي منها والاجتماعي وحتى الاقتصادي والفولكلوري، كما نغطي النشاطات التي تقوم بها الجمعيات والمنظمات المحلية».

وحقاً، بين المواضيع التي تتناولها الإذاعة قضايا خدمية إلى جانب طرح فقرات عن الجوانب المعيشية، وكذلك حلقات خاصة عن الصحة برفقة طبيب متخصص، والوقاية الطبية، والاستماع لخبراء وموجهين تربويين. وبالمناسبة، تقدم دلدا يوسف فقرات برنامجها بلغتها الكردية الأم، وعن دور الإذاعة وفاعليتها في مخاطبة الجمهور، أوضحت قائلة: «عبر تقارير مراسلاتنا نستمع بحرص للنساء وهمومهن الحياتية والمعيشية، وبدورنا نتولى نقل قضاياهنّ للخبراء وللجهات المعنية إذا كانت لديهنّ شكاوى، ونخاطب السلطات المحلية».

ولفتت هذه المذيعة الكردية، المنحدرة من عامودا، إلى أن إذاعة «زين إف إم» باتت منبراً إعلامياً، ووسيلة للتعبير عن السيدات والفتيات لسماع وإسماع آرائهنّ بصوتهنّ، وبالتالي، «هي فرصة للتحدث عن قضاياهن وأكثر العقبات التي تواجههن بصوت نسوي ومنبر يهتم بهنّ... إننا نسعى إلى رسم خريطة إعلامية جديدة لرفع الوعي النسوي، وانخراط أكبر للنساء بالمجتمع».

ما يجدر التطرق إليه، أن سوريا كانت بلد الإعلام الموجه بامتياز، إلا أن المشهد الإعلامي تغيّر بعد 2011 في عموم سوريا؛ إذ ظهرت كثير من الإذاعات الخاصة. وهنا شددت يوسف على أن أهمية إذاعة «زين إف إم» تكمن في «تجاوزها كلاسيكيات البث الإذاعي التقليدي، والتوجه نحو التخصص النوعي لا الكمّي، الأمر الذي يسهم في خلق فضاء سماعي أفضل للنساء السوريات عموماً والكرديات خصوصاً». ومن ثم نوهّت بأن هذه التجربة «تضيف نافذة إعلامية تدعم هذا التوجه للتعبير عن النساء في المنطقة عبر برامج تعكس واقعها، وتحمل أفكارهنّ، وتوفر مساحة لمناقشة مختلف المواضيع اليومية وتقديم كثير من الإرشادات والنصائح اللازمة».

نصف مليون متابع...

وآلاف المقاطع على صفحاتها

كما سبقت الإشارة، فإن إذاعة «زين إف إم» هي أحد مشاريع مؤسسة «آرتا للإعلام والتنمية»، التي تعدّ من بين أقدم المؤسسات الإعلامية المستقلة في سوريا، ذلك أنها بدأت عملها منتصف عام 2013، بعد بث إذاعة «آرتا» برامج بأربع لغات لأبناء المنطقة، هي الكردية والعربية والسريانية والأرمينية، على التردد 99.5. ولها صفحة رسمية على موقع «فيسبوك»، ولديها قناة ويب على موقع «يوتيوب» وغيرها من المنصات الرقمية.

كلمة «آرتا» تعني «المقدّس» بالعربية، وهي أول إذاعة انطلقت باللغة الكردية في سوريا. ويقول الإعلامي سيروان حاج بركو، المدير التنفيذي لمؤسسة «آرتا»، - وهو أيضاً من بلدة عامودا - إن أكبر التحديات التي واجهتهم كانت في بث الإذاعة بلغتهم الأم الكردية. وشرح في حواره مع «الشرق الأوسط» أنها كانت لغة غير معترف بها في سوريا، «الأمر الذي حال دون تطوّرها مع مرور الوقت، بسبب منعها من قبل السلطات السورية».

وأضاف حاج بركو أن غياب مرجع كردي وقاموس موحّد للغة «كان يجبر فريق العمل في (آرتا) و(زين) على خوض نقاشات يومية مستمرة لإنتاج البرامج الإذاعية بلغة بسيطة يفهمها المستمع من أجل خلق توازن بين اللغتين العامية المحكية والأبجدية الفصحى في الكردية». ثم لفت إلى أن فريق المؤسسة «لا يسعى إلى تصحيح أبجدية اللغة الكردية... بل إلى تقديم إعلام مجتمعي مسموع ومفهوم، فالصعوبات لا تزال موجودة... ونحن نعمل على تصحيحها من خلال جهود اختصاصيين ولغويين وأكاديميين».

خلفية عن «آرتا»

في الواقع، تعد إذاعة «آرتا» اليوم بين أكثر الإذاعات رواجاً في شمال شرقي سوريا؛ إذ يتابعها نحو 40 في المائة من مستمعي الإذاعات العاملة في المنطقة. ووفق مجموعة «نافانتي» الأميركية التي تتابع بث الإذاعات في محافظات حلب وإدلب والحسكة، تصدرت «آرتا» ترتيب الإذاعات المسموعة في هذه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري الحاكم منذ سنوات.

وحالياً، تضم مؤسسة «آرتا» إلى جانب إذاعة «آرتا» وإذاعة «زين إف إم»، إذاعة «صوت الفراتية» التي تبث برامجها من مدينة الرقة شمالاً، و«آرتا الهول» التي تبث أثيرها داخل مخيم الهول شرق سوريا. ويضيف حاج بركو شارحاً أن «الحرب وتقلبات المشهد الميداني بسوريا والتهديدات التركية بضرب هذه المناطق، كلها كانت تحديات تفرض علينا تقديم صحافة إذاعية مهنية». وشدد على أن تفاعل المستمعين على منصات الإذاعة والاتصالات اليومية التي تردهم تعطيهم دفعاً لتقديم المزيد، فـ«عندما تتكلم بلغة جمهورك وصوت منطقتك ستحظى باهتمام ومتابعة أكبر».

وحقاً، يقدّر عدد متابعي «آرتا» على صفحتها الرسمية بموقع «فيسبوك» نحو نصف مليون متابع، وهناك 110 آلاف متابع على قناة «يوتيوب» المنشور عليها أكثر من 4 آلاف مقطع فيديو وأغنية ولقاء مع فنانين كرد. ولدى هذه الإذاعة أكبر مكتبة موسيقية من نوعها تضم أقدم التسجيلات الصوتية لفنانين كبار من أكراد سوريا، مثل الراحل محمد شيخو وسعيد يوسف «أمير البزق» وعبد القادر سليمان وجوان حاجو ومئات الألبومات الغنائية النادرة.

بدوره، أوضح الصحافي ماهر قرنو، رئيس تحرير إذاعة «آرتا» أن كل أفراد الكادر الإعلامي «على الرغم من ظروف الحرب والتهديدات التركية ومنغصات الحياة اليومية... وبفضل إيمان جميع الزميلات والزملاء ومستمعي الإذاعة ومتابعيها، توصلنا لهذه النتائج... وبالفعل، وجود نصف مليون متابع ومئات المشاركات والتعليقات والرسائل التي تصل لغرفة الأخبار والمتابعة، يشكّل مسؤولية كبيرة نتحملها».

ثم لفت قرنو إلى أن العمل الإذاعي يختلف عن أمثاله في الإعلام المطبوع والمرئي وقوة جاذبية الصوت والكلمة المسموعة. وأردف أن فريق عمل «آرتا» اختار الدمج بين موجات البث والصحافة الرقمية ومنصات «السوشيال ميديا»، للإطلالة على الجمهور ومتابعي صفحاتها. وتابع قرنو قائلاً إن «استمرارية العمل كانت من بين أكبر التحديات التي واجهتنا طوال السنوات الماضية. واختتم كلامه بقول: «كانت خططنا أسبوعية وشهرية، أما الدورة الإذاعية فكانت 3 شهور فقط... كان حلماً، وقد تحقق بفضل تعاون الكادر الإعلامي وتعاون فريق العمل، وهذا أعده أكبر إنجاز حققناه».



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».