مخاوف أوروبية من «إضرار» منصات التواصل بالعملية الانتخابية

تييري بريتون (رويترز)
تييري بريتون (رويترز)
TT

مخاوف أوروبية من «إضرار» منصات التواصل بالعملية الانتخابية

تييري بريتون (رويترز)
تييري بريتون (رويترز)

جدد إعلان المفوضية الأوروبية عن فتح تحقيق في تعاطي شركة «ميتا» مع الدعاية الانتخابية عبر منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام»، المخاوف بشأن تأثير منصات التواصل الاجتماعي على الديمقراطية، لا سيما مع اتهامات لتلك المنصات بـ«الإضرار بالعملية الانتخابية». ويأتي قرار المفوضية الذي أعلن في الأسبوع الماضي، تعبيراً عن «قلق» مسؤولين أوروبيين بشأن تعامل منصات التواصل مع المحتوى السياسي، ومخاوفهم من أن «تشكل تلك المنصات تهديداً للديمقراطية»، وبالأخص، مع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر عقدها في الفترة من 6 إلى 9 يونيو (حزيران) المقبل، فوفق المفوضية يلفت مسؤولون أوروبيون إلى «مخاوف من نشر محتوى مضلل متعمد من جهات خارجية يتعارض مع نزاهة الانتخابات».

جدير بالذكر أن فيرا يوروفا، نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، كانت قد قالت خلال فعالية نُظمت في بروكسل الأسبوع الماضي، إنه «من أجل حماية العملية الانتخابية يجب التحقيق بشأن ظهور مثل هذه المعلومات المضللة لأسباب أمنية». وبالفعل، يجري راهناً تحقيق مع «ميتا» بموجب «قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي»، المسؤول عن تنظيم المحتوى عبر الإنترنت. ويطالب هذا القانون منصات التواصل بإدارة «مخاطر خدماتها التي قد تلحق الضرر بالعملية الانتخابية».

ومن جهة ثانية، أعلن تييري بريتون، مفوض السوق الداخلية بالاتحاد الأوروبي، في بيان صحافي الأسبوع الماضي، أن «منصات التواصل الاجتماعي عرضة للتلاعب والتدخل الأجنبي، ولا سيما في الفترة التي تسبق الانتخابات». وفي محاولة للحدّ من تأثير منصات التواصل على سير العملية الانتخابية، أصدرت المفوضية الأوروبية «مجموعة من المبادئ التوجيهية بشأن تعامل المنصات مع المعلومات المضللة». ووفق هذه المبادئ يتوجّب على منصات التواصل «إنشاء فرق داخلية لرصد المخاطر المحلية وتكييف جهودها بحيث تلائم الدول والانتخابات التي تجري فيها».

تعليقاً على هذا التطوّر، رأى رائف الغوري، اختصاصي تقنية المعلومات والمدرب الإعلامي السوري في دولة الإمارات العربية المتحدة، أن «شركات التكنولوجيا الكبرى تطوّع حالياً الخوارزميات وتعيد تشكيلها بهدف خدمة مصالحها بالدرجة الأولى، حتى وإن حاولت رسم صورة عن الشفافية والنزاهة والديمقراطية التي تتبعها». وأردف أن «منصات التواصل أصبحت تمتلك قوة تأثير كبيرة جداً على ملايين المستخدمين، ما يجعلها قادرة على إعادة تشكيل وعي وأسلوب تفكير شريحة عريضة من الجمهور». وهنا أشار إلى ما بات يعرف باسم «غُرف الصدى»، وشرح أنها «بيئات يصار فيها إلى تعزيز الرأي أو الميول السياسية أو اعتقاد المستخدمين حول موضوع معيّن بسبب التفاعلات المتكررة مع أقرانهم أو المصادر التي لها نفس الميول والمواقف».

الغوري أفاد أيضاً بأن «منصات التواصل الاجتماعي باتت تؤثر بشكل كبير على سير العملية الانتخابية بطرق عدة، لا سيما أنها أصبحت مصادر رئيسية للمعلومات للناخبين، ما يسمح للمرشحين بالتواصل مباشرة مع الناخبين، ويثير المخاوف حول انتشار المعلومات الخاطئة». وأضاف أن «منصات التواصل الاجتماعي تسمح بالإعلانات الموجّهة إلى جمهور بعينه، الأمر الذي يكثّف الحملات الانتخابية ويثير التساؤلات حول قضايا الشفافية... ثم إن تصميم خوارزميات منصات التواصل يستهدف الآن إظهار محتوى يتوافق مع اهتمامات المستخدمين، وهذا يساهم في الحراك المجتمعي والاستقطاب السياسي».

ولفت المدرب الإعلامي السوري إلى «محاولات وتعهدات سابقة من جانب منصات، مثل (غوغل) و(ميتا)، بمنع تدخل الذكاء الاصطناعي في الانتخابات ضمن اتفاق انتخابات الذكاء الاصطناعي الذي سبق تقديمه إلى مجلس الأمن في فبراير (شباط) الماضي».

وأوضح أنه «بموجب المبادئ التوجيهية للمفوضية الأوروبية بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي، سيتوجّب على منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة، أي التي تضم أكثر من 45 مليون مستخدم شهرياً، استخدام علامات مائية لضمان أن المعلومات المتعلقة بالعمليات الانتخابية رسمية». ويذكر هنا أن قواعد تخفيف المخاطر الخاصة بـ«قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي» تطبق على الأنظمة الأساسية التي تضم أكثر من 45 مليون مستخدم شهرياً، ودخلت حيز التنفيذ في أغسطس (آب) 2023.

إلا أن رائف الغوري شدد كثيراً على الإجراءات التي أعلنت المنصات عنها لمكافحة التلاعب بالانتخابات؛ إذ يقول إن «هذه الإجراءات تواجه تحديات عدة، منها صعوبة التطبيق، بالإضافة إلى تركيزها على الأشكال العلنية للتلاعب، بينما تبقى الأشكال الأهم والأكثر تأثيراً مثل تحيّز الخوارزميات وغُرف الصدى، من دون معالجة».

ما يستحق الذكر، بالمناسبة، أن «قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي» يطالب بالحد من «التأثيرات السلبية» على الانتخابات غير أنه لا «يُلزم بإزالة المعلومات المضللة»؛ إذ إنه بموجب القانون «يتعيّن أن يكون لدى المنصات أنظمة جاهزة للمستخدمين للإبلاغ عن المحتوى غير القانوني».

من جانبه، أكد علي فرجاني، الباحث المصري والمحاضر في صحافة الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني لـ«الشرق الأوسط»، أن «منصات التواصل باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، وتلعب دوراً مهماً في مختلف المجالات، لا سيما في المجال السياسي... كما أن المنصات وفّرت أساليب جديدة للتواصل والتعبير عن الرأي، وفتحت آفاقاً واسعة للتواصل بين المرشحين والناخبين».

بيد أن فرجاني يلفت إلى «مخاوف جدية تحيط بتأثير السوشيال ميديا على الانتخابات»؛ إذ يحذّر من أن «هذه المنصات تُستخدم لنشر المعلومات المضللة والدعاية المُغرضة، ما قد يُؤثّر على نزاهة وسلامة العملية الانتخابية، من خلال استخدام التقنيات الحديثة مثل التزييف العميق والدعاية الحاسوبية التي تُوظَّف للأغراض السياسية»، لكنه في الوقت ذاته «يرهن حجم تأثير هذه المنصات بمدى استجابة الأنظمة السياسية لاتجاهات الرأي العام، ومدى انتشار وشعبية هذه المنصات في الدول المختلفة»، ويضيف أن «منصات التواصل تواجه صراعاً محتدماً للحد من استخدامها في مجال التلاعب السياسي والدعاية الانتخابية، خاصة ما يرتبط بالروبوتات والتلاعب بالخوارزميات، والأخبار المزيفة».

الباحث الإعلامي المصري يضع مسؤولية مواجهة تأثير منصات التواصل على عاتق الأفراد والمجتمعات والحكومات والمؤسسات. ويوضح أنه «لا بد من تنظيم عمل شركات التواصل الاجتماعي بهدف وضع سياسات واضحة لمنع انتشار المعلومات المضللة والدعاية على منصاتها، والاستثمار في تقنيات التحقق من المعلومات، والتعاون مع المنظمات المدنية والمؤسسات الأكاديمية، فضلاً عن نشر الوعي حول مخاطر المعلومات المضللة».

أيضاً يرى فرجاني أن «الإجراءات التي اتخذتها منصات التواصل في هذا الشأن غير جادة بالشكل الكافي؛ نظراً لاستمرار توظيف الخوارزميات لصالح جهات فاعلة تجمعها مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة... وبالتالي، لا بد من تعديل الخوارزميات، و(فلترة) حائط التغذية الإخبارية، إلى جانب توقيع عقود شراكة مع مؤسسات مستقلة لتقصي الحقائق، وضخ استثمارات في مجال تعديل وكشف المحتوى البشري والآلي».


مقالات ذات صلة

الآلاف يتظاهرون في أوروبا دعماً لغزة بعد عام على اندلاع الحرب

أوروبا فلسطينيون يحملون أعلاماً ولافتات في سيدني بأستراليا خلال مظاهرة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة (أ.ف.ب)

الآلاف يتظاهرون في أوروبا دعماً لغزة بعد عام على اندلاع الحرب

تظاهر آلاف الأشخاص دعما لغزة في أوروبا وجنوب أفريقيا ومئات في فنزويلا في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا امرأة أفغانية تدفع عربة يد خارج مدينة مزار شريف (أ.ف.ب)

القضاء الأوروبي: كل النساء الأفغانيات يحق لهن طلب وضع لاجئ في دول الاتحاد

قضت محكمة العدل الأوروبية، الجمعة، بأن الجنسية والجنس «كافيان» لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي لمنح حق اللجوء للنساء الأفغانيات بسبب «الإجراءات التمييزية».

«الشرق الأوسط» (فيينا)
أوروبا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يصل إلى قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل ببلجيكا 30 مايو 2022 (رويترز)

«المفوضية الأوروبية» تقاضي المجر بتهمة انتهاك الحقوق الأساسية للاتحاد

قررت «المفوضية الأوروبية»، اليوم (الخميس)، اتخاذ إجراءات قانونية ضد المجر على خلفية انتهاك الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل (أ.ف.ب)

بوريل: يجب تجنُّب أي تدخل عسكري آخر في لبنان

قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الاثنين، إنه من الضروري تجنُّب أي تدخلات عسكرية أخرى في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا مارين لوبن (رويترز)

بدء محاكمة مارين لوبن بتهمة اختلاس أموال أوروبية

بدأت محاكمة زعيمة حزب اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن إلى جانب 24 عضوا في حزب التجمع الوطني، بتهمة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لتمويل رواتب موظفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.