رودولف سعادة... قطب إعلامي جديد في فرنسا

رجل الأعمال اللبناني ــ الفرنسي تحول إلى «صانع للملوك» بعد شرائه مجموعة «بي إف إم»

صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)
صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)
TT

رودولف سعادة... قطب إعلامي جديد في فرنسا

صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)
صورة لشعار القناة التلفزيونية «بي إف إم تي في» التي اشتراها سعادة (أ.ف.ب)

حتى أسابيع قليلة، لم يكن رودولف سعادة شخصية معروفة على الصعيد الشعبي في فرنسا. بيد أنه، في الأيام الأخيرة، تحول إلى شخصية مركزية تحتل صوره أغلفة المجلات والجرائد، وتلهج باسمه قنوات التلفزيون والإذاعات. والسبب ليس لأن رودولف سعادة، اللبناني ـ الفرنسي، صاحب ثروة كبيرة أو أنه مقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون الذي اصطحبه أكثر من مرة في زياراته للبنان، أو لأن الرجل بارع في عالم الأعمال، وخصوصاً في قطاع النقل البحري والجوي وكل الأذرع اللوجيستية؛ إذ إن شركته «سي جي إم ــ سي إم آي» تحتل المركز الثالث عالمياً وحققت في الأعوام الأخيرة أرباحاً خيالية... السبب هو أن رودولف سعادة توصل إلى اتفاق مع باتريك دراهي، صاحب شركة «ألتيس ميديا» التي تمتلك مجموعة إعلامية ضخمة، لتملكها بالكامل مقابل مبلغ يصل إلى 1.55 مليار يورو. وستتوزع ملكية «ألتيس ميديا» على شركة النقل البحرية بنسبة 80 بالمائة، ونسبة 20 بالمائة الباقية على شركة «ميريت فرنس»، العائدة لعائلة سعادة والتي تدير القسم الإعلامي للمجموعة.

رودولف سعادة المدير العام التنفيذي لمجموعة «سي إم آي ــ سي جي إم» في 5 سبتمبر 2019 (أ.ف.ب)

«قنبلة إعلامية»

كان للخبر وقع القنبلة على المشهد الإعلامي، وخاصة التلفزيوني في فرنسا؛ إذ إن الصفقة، عندما تتم بشأنها المعاملات الإدارية الصيف المقبل، ستحول رودولف سعادة، البالغ من العمر 54 عاماً، إلى قطب إعلامي رئيسي في فرنسا، وإلى شخصية مؤثرة في عالم السياسة لما هناك من تداخل بين الإعلام والسياسة.

وعقب باتريك دراهي، الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والإسرائيلية، على إتمام الصفقة ببيان أعرب فيه عن «ثقته الكاملة برودولف سعادة الذي تربطه به علاقات وثيقة وودية منذ سنوات (...) لمواصلة الاستثمار وتطوير (ألتيس ميديا)». بالمقابل، شددت شركة النقل البحري على «التزامها بالحفاظ على التعددية والاستقلالية والأخلاقيات المهنية في قنواتها».

وبموجب الصفقة، سيستحوذ رودولف سعادة على القناة الإخبارية العامة «بي إف إم تي في»، وعلى شقيقتها المتخصصة في عالم الأعمال «بي إف إم بيزنس»، والقنوات المناطقية لهذه الشبكة، فضلاً عن تملّك راديو «آر إم سي»، وخمس من القنوات التلفزيونية المتخصصة التابعة للمجموعة التي تحمل الاسم نفسه (رياضة، تاريخ، اكتشافات...).

بذلك، سيحقق رودولف سعادة قفزة نوعية استثنائية في عالم الإعلام، وسيوسع دائرة نفوذه؛ إذ إن «ألتيس ميديا» تعد ثالث قطب إعلامي خاص في فرنسا، الذي سينضم إلى مجموعة «واي نت» الإعلامية التي بناها رجل الأعمال سابقاً، والتي تضم ثلاث جرائد؛ «لا تريبون» الاقتصادية، و«لا بروفانس» واسعة الانتشار في جنوب فرنسا، و«كورس ماتان» الصحيفة الرئيسية في جزيرة كورسيكا، فضلاً عن حصة في قناة «إم 6»، وفي منصة الفيديو «بروت». وتدير القطب الإعلامي لمجموعة رودولف سعادة زوجته فيرونيك.

فرصة نادرة

قبل عشر سنوات، اشترى باتريك دراهي، الناشط في حقل الاتصالات في فرنسا مجموعة «بي إف إم» والقنوات المرتبطة بها بمبلغ يزيد قليلاً على 700 مليون يورو، وهو يبيعها بمليار ونصف. وبذلك يكون قد حقق أرباحاً استثنائية.

لكن يبدو أن رودولف سعادة، الذي تتمتع شركته الملاحية بملاءة مالية استثنائية، كان مستعداً لدفع ثمن مرتفع للتوسع في الفضاء التلفزيوني؛ إذ إن الفرص المتاحة نادرة جداً. وما كان باتريك دراهي ليبيع «درة» ممتلكاته لو لم يكن يعاني من مشاكل كبرى في مواجهة تسديد الديون وفوائدها المترتبة عليها، والبالغة 66 مليار يورو.

ويمتلك دراهي القناة التلفزيونية الإخبارية «إي 24»؛ أي «إسرائيل 24»، بالعديد من اللغات ومنها الفرنسية. وقناة «بي إف إم» تحتل المرتبة الأولى بين القنوات الإخبارية في فرنسا؛ إذ تؤكد أن عديداً من مشاهديها يومياً يصل إلى 12 مليون شخص، في حين أن منافستها الأولى «سي نيوز» تحصد 8 ملايين مشاهد.

كذلك، فإنها الوحيدة التي تحقق أرباحاً من بين كافة القنوات الخاصة الشبيهة؛ إذ إن نسبة ربحيتها تصل إلى 30 في المائة قياساً لعائداتها السنوية. وقبل عامين، سعى رودولف سعادة إلى السيطرة على القناة التلفزيونية «إم 6» بالتعاون مع رجل الأعمال مارك لادريت، والإعلامي ستيفان كوربيت، إلا أن المحاولة فشلت، وجل ما نجح فيه هو الدخول إلى رأس مال القناة بحصة ضعيفة.

مع إتمام هذه الصفقة، لن تتغير تركيبة المشهد التلفزيوني الفرنسي؛ إذ تهيمن عليه ثلاثة أسماء قادمة إليه من عالم الأعمال. فإضافة إلى رودولف سعادة، الوافد الجديد، فإن الاسمين الآخرين هما مارتين بويغ، الناشط في قطاع الإنشاءات والعقارات والاتصالات. وتملك مجموعته القناة الأولى «تي إف 1» والقناة الإخبارية «إل سي إي»، إلى جانب عدة قنوات ترفيهية. والاسم الآخر هو فانسان بولوريه، الفاعل في العديد من القطاعات، منها النقل البحري والنشر والموسيقى والاتصالات وألعاب الفيديو والصحافة المكتوبة. ويملك بولوريه، المنتمي سياسياً إلى اليمين المتشدد، قناتين تلفزيونيتين إحداهما إخبارية وهي «سي نيوز» التي تروج لليمين المتطرف وتراهن على دمجه مع اليمين التقليدي.

خامس ثروة في فرنسا

لا يمكن لزائر مدينة مرسيليا الفرنسية المطلة على المتوسط، حيث مقرّ شركة «سي إم آي ــ سي جي إم»، إلا أن يلفت نظره مبناها الشاهق بطوابقه الثلاثين والمتفرد بلون زجاجه الأزرق الداكن، الذي رسمته المهندسة العراقية «زها حديد»، وأن يشدّ انتباهه البواخر الكبيرة التابعة للمجموعة والراسية قريباً من الشاطئ.

ومن الطابق الذي يحتله في المبنى المذكور، يُطلّ رودولف سعادة على العديد من بواخره الراسية في مياه مرسيليا، والبالغ عددها الإجمالي 600 باخرة من فئة ناقلة الحاويات التي ترسو في 520 مرفأ عبر العالم. وتوظف شركة رودولف سعادة، وأخيه جاك جونويور، وأخته تانيا، 155 ألف موظف عبر العالم.

وكادت الشركة تختفي في عام 2009 بسبب أعباء ديونها، إلا أن الدولة الفرنسية مدّت لها يد المساعدة. ومنذ وباء «كوفيد-19»، وبفضل زيادة تكلفة الشحن، حققت المجموعة أرباحاً هائلة؛ نحو 50 مليار يورو ما بين الأعوام 2020 و2023، إلى درجة أن رودولف سعادة يوسع إمبراطوريته في كافة الاتجاهات، وليس فقط في عالم الإعلام. وبين عامي 2020 و2027، ستعمد المجموعة لشراء 120 ناقلة حاويات تعمل بالغاز الطبيعي المسال والميتانول، بحيث تكون أقل إفرازاً لثاني أكسيد الكربون.

تقدر ثروة رودولف سعادة، الذي تدرب على يدي والده جاك سعادة المتوفى في عام 2018، بتسعة مليارات يورو، وفق مجلة «فوربس»، بحيث يتأرجح بين خامس وثامن أكبر ثروة في فرنسا. ولكن مع استحواذه على مجموعة «بي إف إم» وما يرتبط بها، تحول إلى رجل نفوذ وإلى فاعل في الميدان السياسي في فرنسا، والذي يبحث كبار السياسيين عن صداقته.

فالإعلام، وخصوصاً التلفزيون، في فرنسا هو صانع للرأي العام وإحدى أكثر الوسائل تأثيراً في الانتخابات، وفي دفع هذا السياسي أو ذاك إلى الواجهة أو التعتيم عليه. من هنا، فإن رودولف سعادة، اللبناني - الفرنسي، سيكون، إلى جانب الأقطاب الإعلامية الأخرى، أحد صانعي الملوك في فرنسا. من هنا، أهمية متابعة التوجهات السياسية للقنوات التي سيستحوذ عليها في الأشهر المقبلة، علماً أن الاستحقاق السياسي الأول سيكون الانتخابات الأوروبية في يونيو (حزيران) المقبل.



تساؤلات بشأن ازدياد اعتماد «مؤثري» مواقع التواصل مصدراً للأخبار

شعار "إنستغرام"
شعار "إنستغرام"
TT

تساؤلات بشأن ازدياد اعتماد «مؤثري» مواقع التواصل مصدراً للأخبار

شعار "إنستغرام"
شعار "إنستغرام"

مرة أخرى يعود الجدل بشأن دور المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار، لا سيما مع ازدياد اعتماد الجمهور عليهم مصدراً للمعلومات، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة بشأن تأثير ذلك في وسائل الإعلام، وفي صدقية المعلومات. وأفاد خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» بأن اعتماد المؤثرين مصادر للأخبار له آثار سلبية في وسائل الإعلام، وفي موثوقية الأخبار، إلا أنهم في الوقت ذاته أشاروا إلى إمكانية الاستفادة منهم في نشر المحتوى، والوصول إلى شرائح مجتمعية أصغر سناً.

يذكر أن «معهد رويترز لدراسات الصحافة» كشف، في تقريره الذي نشره أخيراً حول الإعلام الرقمي، عن نمو الاعتماد على مؤثّري مواقع التواصل الاجتماعي، مصدراً للأخبار. وقال إن «بعض الحسابات والأفراد بات لهم دور متزايد في السياسة، ومجموعة من الموضوعات الأخرى». ووفق التقرير فإن «وسائل الإعلام تواجه تحدّيات كبيرة من قبل مجموعة من المؤثرين والمبدعين على منصات التواصل (تيك توك)، و(إنستغرام)، و(يوتيوب)، الذين باتوا مصدراً للأخبار والمعلومات، بالنسبة لجمهور تلك المنصات». وفي المقابل، التقرير تطرق إلى أن «الوضع مختلف على منصتَي (فيسبوك)، و(إكس)، حيث لا يزال الصحافيون ووسائل الإعلام يحتفظون بالأفضلية فيما يتعلق بالأخبار».

الدكتور أشرف الراعي، الكاتب الصحافي الأردني والخبير القانوني المختص بالجرائم الإلكترونية وتشريعات الإعلام، قال في حوار مع «الشرق الأوسط» حول هذه المسالة إن «الثورة الرقمية أنتجت جيلاً من صنّاع المحتوى الذين أصبحوا يمارسون دور وسائل الإعلام التقليدية... وهذا الأمر أصبح ظاهرة عالمية تتوجب معالجتها تشريعياً؛ كي لا يحدث انفلات في المضمون والمحتوى».

ولفت الراعي إلى «التأثير السلبي لظاهرة الاعتماد على المؤثرين في وسائل الإعلام واستمراريتها بوصفها قطاعاً استراتيجياً... ما يحتم العمل على إنقاذ وسائل الإعلام من تغوّل صناع المحتوى، والمؤثرين»، على حد تعبيره.

كذلك لفت الكاتب والخبير الأردني إلى «ضرورة ضبط حالة الانفلات التي يشهدها الواقع الإعلامي مع انتشار المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكيانات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وغيرها الكثير، ولكن بشرط ألا يؤثر ذلك في حرية التعبير». وأردف: «عديدة هي المؤسسات الإعلامية التي فقدت دورها، وفقد الصحافيون والإعلاميون عملهم؛ لأن المتابعات أصبحت تذهب لحفنة من صُنّاع المحتوى الذين يبحثون عن التريند، من دون البحث في قانونية ما ينشرون أو حتى تماشيه مع المبادئ الأخلاقية».

وللعلم، رصد تقرير «معهد رويترز لدراسات الصحافة» تأثير المؤثرين في 5 دول هي: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والأرجنتين، والبرازيل، محلّلاً منصّات التواصل «الأكثر شعبية»، وهي «فيسبوك»، و«إكس»، و«إنستغرام»، و«سناب تشات»، و«تيك توك»، و«يوتيوب». وأظهرت النتائج «اعتماد الجمهور بشكل أكبر على المؤثرين وحسابات المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي على أنها مصادر موثوقة للمعلومات، لا سيما فيما يتعلق بالفن والموسيقى، والرياضة، والطعام، واللياقة البدنية، والأزياء، والسفر».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، أكد لـ«الشرق الأوسط» خلال لقائنا معه أن «المؤثرين أصبحوا أمراً واقعاً وعنصراً أساسياً في إيصال المحتوى، من أخبار ومعلومات». وأرجع هذا لأسباب عدة منها: الأول أن الجمهور، يفضّل أن يتلقى الأخبار عن طريق أشخاص يستطيع أن يرى وجوههم وتعابيرهم، وليس فقط عبر نصوص أو صور أو حتى فيديوهات دون أشخاص تخاطب المشاهد مباشرة. والثاني هو محاربة منصات التواصل خلال السنوات الأخيرة للروابط الإخبارية. وثمة سبب ثالث مهم هو أن للمؤثرين جمهوراً مختلفاً عن الجمهور التقليدي للمؤسسة الإعلامية، ما يتيح للمؤسسة الوصول إلى شريحة أوسع من المتابعين.

وبالتالي، يرى كيالي أن زيادة الاعتماد على المؤثّرين وصُنّاع المحتوى «تؤثّر سلباً في وسائل الإعلام، لا سيما إذا ما لجأت إليهم لترويج محتواها. وغالبية المؤسسات الإعلامية تغدو محكومة بطريقة عرض المحتوى عن طريق المؤثر، الذي تعاقدت معه للترويج لما تنشره، ما يمكن أن يؤثر سلباً في علامتها التجارية». ويضيف أن «المؤسسات الإعلامية يمكن أن تقع في فخ أن مَن يتابعها الآن فهو يتابعها بسبب هذا المؤثر، وعندما ينتهي التعاقد بينهما تصبح في ورطة من ناحية النتائج والأرقام».

مع هذا، ورغم التأثير السلبي، فإن كيالي لا يرفض مبدأ التعاون بين الإعلام والمؤثرين، حيث يعدّهم «قيمة مضافة لوسائل الإعلام، لا سيما أن لهم متابعين يمكن للمؤسسات الإعلامية الاستفادة منهم في توسيع قاعدتها الجماهيرية، كما قد يسهمون في جذب الفئات العمرية الصغيرة، التي يصعب جذبها بشكل مباشر». إذ يوضح: «يحظى المؤثرون بتأثير خاص في متابعيهم، وهو ما يتيح استغلالهم في طرح قضايا اجتماعية أو سياسية مهمة، أو في تبسيط محتوى الأخبار، ونشرها... والمهم هنا كيفية الاستفادة من الإيجابيات، ومحاولة تجنب السلبيات».