أثار إعلان رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك عزمه تزويد منصة «إكس» (تويتر سابقاً) بخدمات مقاطع الفيديو الطويلة، مستهدفاً أجهزة التلفاز الذكية، تساؤلات حول منافسة «إكس» لـ«يوتيوب» وتأثير ذلك على مستقبل صيغة التواصل مع الجمهور. وعدّ بعض الخبراء هذه الخطوة «تحولاً للمنصة التي تسعى إلى توسيع نطاق وصولها إلى ما هو أبعد من التواصل عبر التغريدات».
وفق ما نقلته مجلة «فورتشن» عن منصة «إكس»، فإن الشركة تخطط لإطلاق تطبيق تلفزيوني لأجهزة التلفزيون الذكية من «أمازون» و«سامسونغ» خلال الأسبوع الحالي، وبحسب ما نقلت المجلة، عن مصدر – لم تسمه - فإن ماسك يهدف إلى تشجيع المستخدمين على مشاهدة مقاطع الفيديو الطويلة على شاشة أكبر، وأنه مستعد «للتنافس مع يوتيوب». وأضاف أن التطبيق الجديد يبدو «مطابقاً» لنسخة «يوتيوب» المخصصة للتلفزيون.
يعمل «إكس» من خلال مقاطع الفيديو الطويلة لاجتذاب جمهور جديد اعتاد استخدام أجهزة التلفزيون الذكية، وقد يكون هذا الجمهور خارج نطاق المستخدمين التقليديين للمنصة. ويرى مراقبون أن هذا الاتجاه من شأنه «إنشاء شبكة إعلانية جديدة داخل التطبيق، ما ينعكس على الإيرادات التي كانت قد شهدت تراجعاً ملحوظاً على مدار العام الماضي». فخلال أغسطس (آب) الماضي، كشف موقع «تك كرانش» عن أن الأداء المالي لمنصة «إكس» يتراجع منذ استحواذ ماسك على المنصة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022.
ويرى مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، أنه من خلال إطلاق الفيديوهات الطويلة على منصة «إكس»، «يتطلع ماسك إلى أمور عدة؛ من بينها زيادة الوقت الذي يمضيه الجمهور على المنصة، ومن البديهي أن يمضي الجمهور وقتاً أطول في مشاهدة الفيديوهات الطويلة مقارنة بالقصيرة». ويتوقع كيالي أن يكون لدى ماسك «مخططات» للدخول في عالم «فيديوهات مدفوعة» لينافس منصات الترفيه مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«أبل تي في».
كيالي يعتقد أيضاً أن مستقبل المقاطع المصورة الطويلة راسخ، وذكر أنه «في عالم التسويق هناك نظرية تقول إن مقاطع الفيديو القصيرة يصعب من خلالها بناء علاقة حقيقية مع جمهورك، لكن مقاطع الفيديو الطويلة تساعدك على تطوير شخصيتك وبناء تواصل مع جمهورك». وتابع: «إنها توفر المساحة والوقت لصياغة قصة مقنعة، وتكمن قوة سرد القصص في التسويق وبناء العلاقات في جعل الجمهور يرغب في مشاهدة المزيد... ومن ثم فإن الفيديوهات الطويلة تُحسن محركات البحث الـ(SEO) مقارنة بالمحتوى القصير».
الخبير نفسه أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «سوق الفيديوهات الطويلة تختلف عن سوق الفيديوهات القصيرة، فلكل جمهوره ونوع المحتوى المناسب له... وسوق الفيديوهات الطويلة واعدة، وربما تشهد ازدهاراً في المستقبل القريب بسبب اعتماد صانعي المحتوى ومنصات الفيديو عليها بشكل أكبر لما يحقق لهما من أرباح أعلى».
وبالمناسبة، منذ استحواذ ماسك على «إكس» تعرّض لانتقادات عديدة بسبب سياسته التي عدّها الخبراء سبباً لتراجع إيرادات المنصة. ففي يونيو (حزيران) الماضي، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تقرير لها، إلى تراجع إيرادات إعلانات المنصة في الولايات المتحدة خلال الفترة من أبريل (نيسان) الماضي، حتى الأسبوع الأول من مايو (أيار) الماضي، بنسبة قدرت بـ59 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وكان إنريكي باراغان، المهندس في شركة «إكس»، قد أعلن في فبراير (شباط) الماضي عن طرح المنصة خدمة المكالمات بالصوت والفيديو للمستخدمين الذين لا يدفعون رسوم الاشتراك المميّز، وقال إن المستخدمين سيتمكنون الآن أيضاً من تلقي المكالمات من جميع الأشخاص الموجودين على التطبيق إذا أرادوا ذلك.
وعن اتجاه ماسك نحو تطبيق شامل، قال كيالي إن ماسك كان واضحاً منذ بداية استحواذه على «تويتر»، إذ صرح وقتها بأنه سيجعل التطبيق «شاملاً للعديد من المميّزات منها الفيديوهات ومنها المدفوعات والمكالمات الصوتية». وعدّ كيالي أن الاتجاه نحو أجهزة التلفزيون الذكية يهدف إلى جذب المعلنين الذين عزفوا عن التطبيق أخيراً، وأردف: «صحيح أن الفيديوهات الطويلة، لا سيما تلك المخصصة للعرض عبر شاشات التلفزيون، هي أفضل خيار للمعلنين... لأن هذا النوع من الفيديوهات يعد قادراً على مشاركة الكثير من المعلومات مع المشاهدين وجذب اهتمامهم، ما يضمن للمعلنين تذكر علامتهم التجارية وعدها مصدراً موثوقاً».
من جهة ثانية، وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين بالإمارات، إنه «على الرغم من صعوبة التكهن بالخطوات التي يتخذها ماسك، في تقديري أن ماسك يراهن على الفيديوهات الطويلة؛ لأن الأبحاث ذهبت إلى أنها تحظى بمعدلات مشاهدة أعلى مقارنة بالفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل يوتيوب وحتى تيك توك». وأضاف أن «الفيديوهات الطويلة تسمح بتقديم محتوى أكثر تنوّعاً، مثل الأفلام الوثائقية والبرامج التعليمية والبودكاست، ومن ثم فرصة أكبر للإعلانات، وبالتالي زيادة عائدات المنصة، خاصة أنها تميل لجذب مشاهدة أكثر تركيزاً واهتماماً بالمحتوى، ما يخلق قاعدة جماهيرية مخلصة للمنصة».
وحقاً، حسب بيانات نشرتها شركة «ألفابيت»، مالكة «غوغل» و«يوتيوب»، في مطلع فبراير الماضي، بلغت إيرادات إعلانات «يوتيوب» 9.2 مليار دولار في الربع الأخير من عام 2023. وهنا رجّح سعد أن ماسك يسعى لمنافسة «يوتيوب» مراهناً على ميول المعلنين. وتابع شارحاً: «يميل المعلنون إلى تفضيل الفيديوهات الطويلة على التلفزيون الذكي لأسباب متعددة؛ أهمها زيادة فرص الإعلانات والمرونة التي توفرها الفيديوهات الطويلة، وبالتالي، زيادة فرص الوصول إلى الجمهور المستهدف... أضف إلى ذلك التأثير على القرارات الشرائية، فقد أثبتت الدراسات أن للفيديوهات الطويلة تأثيراً أكبر في قرارات الشراء، ربما لأنها تتيح معلومات أكثر، ومن ثم فرص إقناع أرجح».
وفي حين شدّد سعد على أن «الفيديو الطويل يمنح المشاهد تجربة مشاهدة أكثر تفاعلية وجاذبية، ما يزيد من فرص تذكر الإعلانات»، أشار إلى أن تجربة ماسك تتسم بـ«السياسات المتقلبة... إذ يرى البعض أن ماسك يركّز على زيادة أرباح المنصة على حساب جودة المحتوى وتجربة المستخدم، وهذا هو الاتهام الذي يواجهه ماسك من منافسيه والعاملين معه بتغيير سياسات المنصة بشكل متكرر، مما يخلق حالة من الارتباك بين المستخدمين».
أيضاً يؤخذ على ماسك - وفق الدكتور سعد - «تغاضيه عن انتشار المعلومات المضللة على المنصة». غير أن سعد لا يقلل من أهمية تجربة «إكس»، قائلاً إن «ماسك أدخل تغييرات جوهرية على (تويتر) كتحسين خوارزمية عرض المحتوى، الأمر الذي أدى إلى زيادة تنوّع المحتوى المعروض على المستخدمين، فضلاً عن إتاحة ميزات جديدة مثل: ميزة التعديل على التغريدات بعد نشرها، وميزة (سبيسيس) للنقاشات الصوتية، ومحاربة البريد العشوائي والحسابات المزيفة، وساعد ذلك على تحسين تجربة المستخدم وجعل المنصة أكثر أماناً».