لويس بوينو: حرب غزة نقطة تحوّل في الإعلام الأوروبي

الناطق باسم الاتحاد أحب التراث العربي بفضل مسجد قرطبة

بوينو خلال زيارته لمقر "الشرق الأوسط" في الرياض (تصوير سعد العنزي)
بوينو خلال زيارته لمقر "الشرق الأوسط" في الرياض (تصوير سعد العنزي)
TT

لويس بوينو: حرب غزة نقطة تحوّل في الإعلام الأوروبي

بوينو خلال زيارته لمقر "الشرق الأوسط" في الرياض (تصوير سعد العنزي)
بوينو خلال زيارته لمقر "الشرق الأوسط" في الرياض (تصوير سعد العنزي)

في أحد أحياء مدينة قرطبة، العاصمة التاريخية للأندلس المليئة بالآثار والتراث الإسلامي العريق في جنوب إسبانيا، بدأ شغف وحب اللغة العربية لدى الطفل لويس ميغيل بوينو. في حينه لفتت انتباه الطفل تلك الحروف الغريبة على حائط أحد المساجد الأموية القديمة، الذي تحول كاتدرائية لاحقاً. ومنذ ذلك الوقت، قرر أنه في يوم من الأيام سيتعلّم هذه اللغة التي أسرت عقله. وبالفعل، بعد سنوات ومراحل عدة عاشها بوينو أصبح الناطق الرسمي باللغة العربية للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خلال زيارة قام بها بوينو إلى مقر «الشرق الأوسط» الإقليمي في العاصمة السعودية الرياض، تحدّث عن رحلته مع تعلم اللغة العربية، وعمله كأول ناطق رسمي للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهذه اللغة التي أحبها.

لويس ميغيل بوينو، الناطق الرسمي باللغة العربية للاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (تصوير سعد العنزي)

وبدأ الناطق الأوروبي كلامه مبتسماً: «منذ طفولتي كنت أزور كل الأماكن الموجودة في منطقتي قرطبة (جنوب إسبانيا) التي تنتمي إلى التراث الإسلامي العالمي، وفيها مسجد أموي قديم في قرطبة أصبح الآن كاتدرائية قرطبة، وكان أول ما لفت انتباهي عندما كنت تقريباً في العاشرة من العمر الكتابات على حائط هذا المكان... تلك الكلمات وتلك اللغة الغريبة عني والتي لم أر مثلها من قبل».

الدرس الأول في السودان

ثم أضاف: «منذ ذلك الحين فكّرت أنني يوماً من الأيام سوف أتعلم هذه اللغة الجميلة والمذهلة. وحقاً، جاءت الفرصة ولو بشكل متأخر قليلاً عندما أصبحت دبلوماسياً في سفارة إسبانيا بالسودان، حيث تلقي أول درس تعليمي باللغة العربية عام 2008، كذلك كان لوجودي لاحقاً في الأردن دور كبير في التكلم والتحاور بالعربية».

وفقاً للدبلوماسي الأوروبي، للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي هناك شخص يتكلم عن الاتحاد بشكل رسمي بلغة غير رسمية في الاتحاد الأوروبي، وهي العربية وليست الصينية أو الروسية، أو أي لغة أخرى، وهذا - على حد تعبيره - دليل على اهتمام الاتحاد تجاه هذه المنطقة. وبالفعل، عمل لويس ميغيل بوينو من عام 2010 إلى 2013 مستشاراً للسفير الإسباني لدى الأردن، قبل أن ينتقل إلى السفارة الإسبانية لدى البوسنة والهرسك بصفة نائب للسفير. ثم في 2014 انطلقت رحلته إلى بروكسل، العاصمة الأوروبية والبلجيكية، للالتحاق بخارجية الاتحاد الأوروبي.

بداية الرحلة الرسمية

بوينو بدأ العمل في مكتب الخارجية الأوروبية ببروكسل في عام 2014، حيث عمل على ملفات عدة، منها مسؤول العلاقات مع الجزائر، ثم مع دول الخليج واليمن؛ وهو ما فتح له الأبواب لاحقاً ليغدو المرشح الأوفر حظاً لمنصب أول ناطق للاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللغة العربية.

وعند هذا المفصل، يتذكّر بوينو بدايات ممارسته مهامه الجديدة قبل ثلاث سنوات، وهي فترة وصفها بـ«الصعبة». ومن ثم، يوضح بقوله: «التحدي الأكبر كان أنني أول موظف أوروبي في هذا المنصب. لقد كنت في مكان صعب... وكان أحد أبرز التحديات التي واجهتها هو شق الطريق وبدء عملية التواصل مع وسائل الإعلام».

وتابع: «كان في بروكسل ناطقٌ رسمي باسم جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، وكذلك مكتب متكامل من الناطقين باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية... إلا أنني كنت في مكان مختلف وصعب. لقد كان لدينا 15 بعثة دبلوماسية في هذه المنطقة، وفي كل بعثة السفير هو المسؤول عن إجراء المقابلات الإعلامية مع وسائل الإعلام المختلفة».

بعدها، يصف الناطق بوينو أول مقابلة أجراها على الهواء مع إحدى وسائل الإعلام، معترفاً بأنها كانت محرجة. ويتابع ضاحكاً: «كانت مقابلة قصيرة، لكنني مع ذلك ارتكبت أخطاء لغوية عدة. ويومها شعرت بالإحراج، الذي ازداد مع شعوري أن الناس يراقبون حديثي... وربما يعتقدون بأنني لست جاهزاً لهذا المنصب». ومن ثم، لفت إلى تأثير ردود الناس في مواقع التواصل الاجتماعي على الموضوعات والصور والفيديوهات التي ينشرها عن موضوعات عدة، عادّاً بعض هذه الردود «صعبة... صعبة... على الصعيد الشخصي، فأنا لم أكن متعوداً على هذا النوع من الظهور المستمر، بل كنت أعمل خلف الكواليس، أما الآن فالعكس تماماً هو الصحيح».

التعامل مع تغير المواقف

في رد على سؤال طرحناه حول كيفية تعامل الناطق الرسمي مع المواقف السياسة المتغيّرة وفقاً لمصالح دول الاتحاد وأولوياتها، قال بوينو: «ينبغي علينا كناطقين باسم الاتحاد الأوروبي شرح ما هو موقف الاتحاد الأوروبي (...) الخلافات أحياناً تكون عميقة جداً بين الدول، وربما تصل لانقسامات، لكن في الوقت نفسه دائماً ما نوجد أرضية مشتركة، والتفاوض جزء لا يتجزأ من هذا التكتل. وأعتقد هذا الأمر طبيعي... الجلوس بين 27 دولة للتكلم عن موضوع حساس من أجل الوصول إلى اتفاق أمر دائماً صعب، لكنه يحدث، ودائماً ما يكون الاتحاد الأوروبي لاعباً فعالاً على المستوى الدولي». ثم يقول: إن الممثل الأعلى الأوروبي للخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عادةً ما يكون هو «المسؤول الأول والأخير في نهاية المطاف لإقناع الدول الأعضاء في الوصول إلى اتفاق وإجماع».

تغطية الإعلام لحرب غزة

وأثناء تفسيره لاختلاف تغطية وسائل الإعلام الغربية، لا سيما الأوروبية منها، لحرب غزة وتداعياتها، لفت بوينو إلى التعددية الكبيرة على الصعيد الإعلامي في أوروبا. وانطلق من ثم ليشرح «أن هناك فئات تلقي اللوم على (حماس) ولا تلقيه على إسرائيل، والعكس صحيح بالنسبة لفئات أخرى، في حين أن آخرين يتكلمون عن مأساة الفلسطينيين بشكل مستمر... وفي ما يخصني، فأنا أعتقد أن أزمة غزة تشكل نقطة تحول في أوروبا على الصعيد الإعلامي أيضاً، وليس فقط على الصعيد السياسي».

وأضاف: «نحن نلاحظ أن المشهد في المنطقة يتغير باتجاهات مختلفة منذ فترة. هناك أحياناً قلة معرفة بما يجري، ومَن هو المسؤول، وما هي التحولات العميقة سياسية وغيرها... وبالتالي، نعم، هناك إعلام يُغطي البُعدين، لكن في النهاية لا نستطيع التعميم عن الإعلام الغربي، ففي إسبانيا مثلاً الكلام عن الفلسطينيين يختلف تماماً عنه في دول أخرى في الاتحاد... وهكذا».

دبلوماسية بناء الجسور

من جهة أخرى، يرى الناطق بوينو، أن أوروباً «مهتمة بشكل كبير لبناء علاقات أقوى مع دول الخليج، ليس فقط سياسياً واقتصادياً وتجارياً، وإنما أيضاً على مستوى الشعوب والعلاقات الإنسانية والثقافية». وأردف قائلاً: «فعلاً، أعتقد أنه ينبغي لنا كأوروبيين أو كخليجيين، وبالذات السعودية كدولة رئيسية في المنطقة، بذل جهود أكبر في هذا الاتجاه... إننا نريد منصة مشتركة لإجراء زيارات متبادلة ومطوّلة للشباب في الاتجاهين... من السعودية إلى أوروبا ومن أوروبا إلى السعودية».

ومع تشديد الناطق على أن أوروبا «لا تريد فرض قِيَمها أو تقاليدها على الخليج، بل بناء الجسور المشتركة في ظل الاحترام المتبادل لعادات وقيم وأديان الجميع»، استطرد مضيفاً: «السعودية لها تقاليد وعادات تختلف عنّا... دعونا نتحدث ونتحاور ونتعرف بعضنا على بعضنا. لا نريد فرض أي تقاليد أو قيَم من جانبنا على الخليج، بل يهمّنا التعرف عليكم واحترام ثقافتكم ودينكم، وأكثر من ذلك فإن لدينا - ضمن دول الاتحاد الأوروبي - ملايين المسلمين الأوروبيين؛ ولذا يجب أن نتجنب سيناريو (نحن وأنتم)، أو خوف أحدنا من الآخر».

قهوة صنعاء وصوت فيروز

أخيراً، قال بوينو، مع اقتراب نهاية الحوار، إنه يشعر بقدر كبير من الراحة عندما يقرأ قصائد الشاعر اليمني الراحل عبد العزيز المقالح في كتابه «الشمس تتناول القهوة في صنعاء القديمة»، كما يطرب لصوت «الأسطورة» فيروز، على حد قوله. وفي مقر إقامته الإقليمي بالعاصمة اللبنانية بيروت، ينجذب بوينو كذلك إلى فرقة «أدونيس» اللبنانية للموسيقى، التي يرى أنها تقدم أسلوباً مبتكراً للموسيقى العربية، وهنا ردّد مقاطع عدة لإحدى أغاني الفرقة، تقول: «إذا في نهار جئنا لنحكي، ولقيني ببكي لا تسأل شو صار، راحت السنين». وأنهى بقوله: «أريد أن أكتشف الفن السعودي، كذلك، أقدّر الأدب العربي كثيراً، وأرى ذلك مغامرة مستمرة للأبد طيلة حياتي».



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».