هل كان الإعلام الفرنسي منحازاً في تغطيته حرب غزة؟

انتقادات كثيرة تطال وسائله المكتوبة والسمعية والبصرية

منظر من حرب غزة (رويترز)
منظر من حرب غزة (رويترز)
TT

هل كان الإعلام الفرنسي منحازاً في تغطيته حرب غزة؟

منظر من حرب غزة (رويترز)
منظر من حرب غزة (رويترز)

يرى كثيرون أن تعامل الإعلام الفرنسي مع الحرب الدائرة في قطاع غزة، كشف أن «الشعارات شيء والممارسة شيء آخر»، وأن حرية الرأي والتعبير الجاري التفاخر بها في الديمقراطيات الغربية، كفرنسا، هي في الواقع فارغة من المضمون، ونسبية، وربما خاضعة لاعتبارات سياسية واقتصادية. وهذا ما سجله المنتقدون بعدما رأوه «انسياقاً» لوسائل إعلامه الكبيرة نحو ازدواجية المعايير واللامهنية في تغطية الأحداث.

ازدواجية المعايير

في عمود جماعي بصحيفة «لوموند» في 16 أكتوبر (تشرين الأول) تحت عنوان «للدفاع عن السلام، علينا الاعتراف بأن حياة البعض لها قيمة مثل حياة البعض الآخر...»، كتبت مجموعة من المثقفين والجامعيين: «بعد أيام من بدء الحرب وارتفاع عدد الموتى، لا يبدو أن لقيمة الضحايا موضع تقدير متكافئاً، فمن جهة يظهر الإسرائيليون كأشخاص لهم أسماء ووجوه وعائلات وتاريخ، بينما لا يُشار الى الفلسطينيين إلا بحصيلة من الوفيات مجهولة الهوية في مكان ما من قطاع غزة... لا أحد يهتم بها ولا يأبه لها ... ».

فابريس فريس (آ ف ب)

الشعور ذاته ورد أيضاً في حوار مع برتران بادي، الباحث في علم الاجتماع المعروف، الذي صرح لموقع «ميديا بارت» الإخباري، بأنه وجد «صعوبة كبيرة» في إيجاد صور أو شهادات تُمكّن المشاهدين من مشاطرة آلام الفلسطينيين. وأردف: «رأيت تحقيقات لا ترى معاناة الطرفين بطريقة متكافئة ولا تعطيهم الصّدى نفسه... هناك ميل نحو تجاهل الهويات، وحين يحدث تدمير في غزة فإن ما يصار إلى تصويره هو ركام من الحجارة بدلاً من تصوير آلام الناس ومعاناتهم ...». وهذا مثلاً ما فعلته يومية «لوبارزيان» في عدد يوم 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما اختارت أن تخصّص افتتاحية عددها لتقديم وجوه الأسرى الإسرائيليين واحداً بواحد من دون أي كلمة عن الأطفال والضحايا الفلسطينيين.

هذه الازدواجية في المعايير والتغطية الإعلامية المنحازة أصبحت تُثير استياء كثير من المشاهدين والقراء. وكانت شركة «نيتين»، المسؤولة عن المراقبة والإشراف على الصفحات المخصّصة لتعليقات القرّاء والمشاهدين التابعة لكبرى وسائل الإعلام الفرنسية على الشبكة، أول من دقّ ناقوس الخطر. إذ قالت: «هناك سيل جارف من التعليقات والانتقادات التي تكتسح مواقع وسائل الإعلام الفرنسية تعبيراً عن مشاعر استياء من تغطية إعلامية منحازة منذ بدء الأحداث في غزة يوم 7 أكتوبر الماضي». وأكّدت الشركة في بيانها للصحافة، أنها المرة الأولى التي تواجه فيها هذا الكم الهائل من التعليقات، الذي بلغ ضعف ما كان يصل إليها في السابق. وللعلم، معظم الشكاوى تشمل؛ ليس فقط الاعتراض على المصطلحات المستعملة لوصف أحداث النزاع ومصدر الصور والأشرطة التي تبثها القنوات الفرنسية، بل أيضاً شرعية المتدخّلين و«الخبراء» الذين تستضيفهم في برامجها الإخبارية وعلاقاتهم برسميين إسرائيليين، والوقت المخصّص بصفة غير متكافئة لتغطية الأحداث من الجانبين.

وهنا تنقل مجلة «لاروفو دي ميديا» في مقال بعنوان «الحرب بين إسرائيل وحماس: رسائل القرّاء تصل إلى الضعفين»، أن هيئة الوساطة التابعة لـ«فرنس تلفزيون» (التي تتلقى الشكاوى الموجهة لقنوات القطاع العام)، لم يسبق لها أن تلقت مثل هذا الكمّ الهائل من الشكاوى منذ الأزمة التي تسببت بها جائحة «كوفيد - 19». وأدرج المقال سؤال مشاهد اسمه كريستيان، يقول فيه: «أنا مندهش من الوقت الذي تخصّصونه لأوضاع الإسرائيليين وهو الذي يصل إلى عدة ساعات، بينما لا يتعدى دقائق قليلة حين يتعلق الأمر بالفلسطينيين... أعتقد أن على القطاع العام إظهار حياد تام في وضعية كهذه، أليس كذلك؟». إلا أن إجابة مسؤول التحرير كانت أن «المشكلة تعود لغياب مراسلين في غزة، لأن إسرائيل تمنع دخولهم لدواعٍ أمنية. ولذا فهم يعتمدون على متعاونين من هناك، لكنهم لا يعدّونهم صحافيين ....».

من جهة ثانية، فإن الشعور المتنامي بانعدام المصداقية لدى وسائل الإعلام الكبيرة حاضر بقوة في فرنسا منذ السنوات الأخيرة، ولكن بشكل ملفت للانتباه منذ «أحداث ذوي السترات الصفراء»، وأيضاً إبان أزمة «كوفيد - 19». وهذا الواقع أكّدته دراسة أخيرة ظهرت نتائجها على صفحات أسبوعية «لا كروا»، حين كشفت أن أكثر من 57 في المائة من الفرنسيين ما عادوا يثقون في إعلامهم المحلي حيال ما يتعلق بتغطية الأحداث الجارية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل شدد المصدر ذاته على أن هذا التوجه على صعيد تلاشي الثقة في ازدياد مستمر. وحقاً، يعدّ 59 في المائة من المواطنين المستجوبين أن الصحافيين ليسوا مستقلين «عن ضغوط السّاسة ومَن هم في السلطة»، كما يعتقد 56 في المائة أنه لا يمكنهم مقاومة «ضغوط المال».

باتريك دراهي (آ ف بي/غيتي)

حرب الكلمات

وفي تحقيق لموقع «ميديا بارت» المستقل بإمضاء الصحافيين يونس أبزوز ولوسي دولابورت، تحت عنوان «في قاعات التحرير: النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني يسخن العقول»، نقرأ ما يلي: «يسود قاعات التحرير جو مشحون بالتوتر والقلق إلى حد التسبب في انقسامات حقيقية تتبلور في الخوف من الاتهام بالتحيز». وفي قاعات تحرير «فرنس 24» و«تي في 5» و«إر إم سي» وغيرها، البعض يتكلّم عن «مطاردة ساحرات» تطال الصحافيين، لا سيما المتحدرين من أصول عربية.

المقال يستشهد بقضية الصحافي محمد قاسي من قناة «تي في 5» الفرنسية الذي قرّرت إدارة القناة توقيفه عن العمل، بعد سؤال أحرج فيه الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي أولفي رافوفيتش، حين توجّه إلى ضيفه بخصوص اقتحام مستشفى بغزة، سائلاً: «هل يمكن القول إن إسرائيل تتصرف كـ(حماس)؟».

لتبرير قرار الإبعاد تذرّعت القناة بحجّة «قلة احترام محمد قاسي للقواعد المطبقة في الحوارات الصحافية»، مع أنه التزم بكل أخلاقيات المهنة بشهادة الجميع. والأخطر - كما يكتب الصحافي المستّقل مراد غيشار - أنها المرة الأولى التي تقوم فيها قناة فرنسية بنشر بيان تتبرأ فيه من أحد صحافييها، بدلاً من أن تستدعيه وتحاول معالجة المشكلة داخلياً كما هو معتاد.

وعلى صعيد متصل، تناول مقال موقع «ميديا بارت» الإخباري النقاشات التي أصبحت أكثر حدّة داخل قاعات التحرير منذ بداية أحداث غزة، حيث كتب الصحافي يونس أبزوز، نقلاً عن مجموعة من الصحافيين الذين أدلوا بشهادتهم، أن بعض الكلمات مثل «احتلال» و«حرب» و«مستوطنات» كانت محظورة في التقارير الإخبارية. وهكذا يروي صحافي من قناة «بي إف إم تي في» الإخبارية لموقع «بلاست»، أن قسم التحرير أعّد تحقيقاً جيّداً حول رعاة فلسطينيين من الضفة الغربية اعتدى عليهم مستوطنون إسرائيليون، ولكن حين بُث التحقيق اكتشف الصحافيون أن كلمة «مستوطن» قد اختفت من عنوان التحقيق.

ونوّه الموقع الإخباري المستقل نفسه في تحقيق بعنوان «إسرائيل - فلسطين: كيف نفسر الكارثة الإعلامية؟»، بأنه كان من المتوقع جداً نشر إسرائيل ترسانتها الإعلامية لمحاولة تأطير الخطاب الإعلامي المُرافق لهذه الأحداث، لكن من المدهش السهولة التي تغلغلت فيها عناصر من لهجة الرسميين الإسرائيليين إلى خطاب الإعلاميين الفرنسيين، لا سيما العاملين في القنوات التلفزيونية. إذ تبنّى هؤلاء بسرعة مُذهلة مصطلح «الإرهاب»، مُتخلين عن مصطلح «مقاتلو حماس» الذي استعمل في بداية التغطية فقط، إلى غاية استخدام مصطلحات الرسميين الإسرائيليين نفسها. «اختيار الكلمات» المناسبة كان أيضاً وراء أزمة داخلية في وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب)، حيث لجأ بعض العاملين فيها إلى إصدار بيان من دون تواقيع، وتسريب أخبار لوسائل الإعلام عن أن إدارة الوكالة تمنع استخدام كلمة «إرهاب» لوصف العمليات المسلّحة لحركة «حماس»، وتخصّص تغطية مهمة لغزة، وهو ما جلب لها كثيراً من انتقادات الدوائر السياسية، حتى إنه طُلب من وزيرة الثقافة قطع التمويل الحكومي عن الوكالة الإخبارية مع تعرضها لمساءلة برلمانية.

فابريس فريس، الرئيس والمدير العام لوكالة الصحافة الفرنسية، شرح بشيء من الانفعال خلال جلسة الاستماع البرلمانية، أن الوكالة لم تمنع أياً من زبائنها (من وسائل الإعلام) من استعمال كلمة «إرهاب» إذا كان ذلك مناسباً لها، «إلا أن الوكالة، ولأن الجنوب الشامل لا يعترف بـ(حماس) منظمة إرهابية، ترى أنه من المهم مراعاة ذلك أيضاً... إذن ما العمل؟»، على حد قول المدير العام للوكالة، «نحن اخترنا أن نكتب (حماس) التي تعدّها المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة منظمة إرهابية والتي لا تعترف بدورها بدولة إسرائيل بحدودها الحالية... إلخ... المشكلة فيما نقوله»، وأضاف: «لماذا تقوم علينا القيامة ويحاول البعض منذ أسابيع فبركة مشكلة من هذا الأمر، في حين أننا لم نغير شيئاً في خطنا التحريري منذ 20 سنة؟... لماذا الآن؟».

أما ليتيسيا بوكاي، الباحثة في علم الاجتماع والحضارات الشرقية، فلاحظت هذا الجو المشحون بالضغوط في الفضاء الإعلامي. وكتبت في مقال بمجلة «تيليراما» بعنوان «النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني في فرنسا... جدل ملغوم»، ما يلي: «هناك شيء أشبه بالصيغة الأمرية موجه لكل الموجودين على الساحة الإعلامية باختيار معسكره، فإما مع إسرائيل أو ضدها... ونظراً لماضي فرنسا الفيشية، فإنه من الضروري توخي الحذر مع المصطلحات التي نستخدمها، لأن كل محاولة لانتقاد إسرائيل تُقابل بتهم معاداة السامية وتُوازي قراراً بالإعدام على الساحة العامة».

«بي إف إم تي في»

من التغطيات الإعلامية التي أثارت كثيراً من الجدل تلك التي خصّصتها قناة «بي إف إم تي في» للحرب في غزة. أما السبب فيعود للعلاقة الوطيدة بينها وبين القناة الإخبارية الإسرائيلية «إ 24 نيوز». وللتذكير، فإن «بي إف إم» تعد رائدة القنوات الإخبارية في فرنسا بأكثر من 10 ملايين متفرج يومياً، وهي تابعة لمجموعة «ألتيس» التي يملكها رجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي. وهذا الأخير لم يخفِ أبداً قربه من الحكومة الإسرائيلية، ولا حرصه على الدفاع عن الدولة العبرية، وهو من كان وراء تأسيس القناة الإخبارية الإسرائيلية «إ 24 نيوز» عام 2013.

هذا التقارب تسبّب في جدل كبير وردود فعل من جمعية الصحافيين، التي لفتت انتباه الإدارة إلى أن تغطية القناة أعطت مكان الصدارة لإسرائيل وجيشها، ولم تترك إلا مكاناً ضئيلاً لغزة. وتابعت: «حين نبث 4 أو 5 تحقيقات حول المجتمع الإسرائيلي ولا شيء على غزة أو الضفة الغربية، فإننا أمام مشكلة»، كما جاء في بيان الجمعية.

الاتهامات بالانحياز واللامهنية بدأت حين جرى، بحجة نقص المراسلين في غزة، اللجوء إلى مراسلين من قناة «إ 24 نيوز». وبالفعل، غطى مراسل القناة الإسرائيلية مائييل بناليون - وهو يحمل ميكروفون «إ 24»، ومصحوباً برسميين من الجيش الإسرائيلي - تحقيقاً لقناة «بي إف إم تي في»، ما أثار كثيراً من مشاعر الارتباك في العلاقة بين القناتين. ثم إن تغطية القناة الإخبارية الفرنسية لقيت انتقاداً شديداً كذلك، حين لجأت في مداخلات كثيرة إلى شخصية جوليان بهلول، الذي قُدم للمشاهدين على أنه خبير فرنكو - إسرائيلي، ليتبيّن فيما بعد أنه ناطق سابق باسم الجيش الإسرائيلي ومدافع متحمس له على منصّة «إكس»، لدرجة أنه أسهم في نقل أخبار كاذبة بخصوص إحراق رضيع إسرائيلي من دون التأكد من صحة هذه الأخبار.



اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»
TT

اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

أعلنت شركة «ميتا» عزمها البدء في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، معتمدة على بيانات مصدرها المنشورات العامة للمستخدمين على «فيسبوك» و«إنستغرام»، الأمر الذي عدّه بعض الخبراء يجدد المخاوف بشأن «الخصوصية»، ولا سيما أن الشركة كانت قد واجهت اعتراضات سابقة في ما يخص مشروعها لتغذية نماذج الذكاء الاصطناعي، ما أدى إلى توقفه في يونيو (حزيران) الماضي.

«ميتا» كانت قد أصدرت إفادة في سبتمبر (أيلول) الحالي، لتوضيح آلية استخدام المنشورات العامة للمستخدمين على «فيسبوك» و«إنستغرام» اللتين تملكهما. وقالت إنها «تشمل الصور والمنشورات والتعليقات فقط، بهدف تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي». وشددت الشركة على أن المحتوى المستخدم لن يشمل الرسائل الخاصة أو أي بيانات صنّفها المستخدم تحت عبارة خاص أو محمي، كما لن تشارك أي معلومات من حسابات المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة.

حاتم الشولي، المشرف على تحرير الإعلام الرقمي في قناة «الشرق للأخبار» قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرى أن الخطوة تأتي في إطار سعي «ميتا» لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. وأوضح أنها «خطوة في الاتجاه الصحيح؛ لكنها تصب في مصلحة (ميتا)، التي تسعى للبقاء منافساً قوياً في سوق التكنولوجيا المتقدمة». وأضاف: «(ميتا) هي الشركة الأضخم من حيث الاستحواذ على بيانات المستخدمين، وكانت منذ نشأتها الأكثر مرونة في التعاطي مع المتغيرات». وعدّ الشولي أن دخول الشركة في سوق الذكاء الاصطناعي أمر حتمي، موضحاً أن «(ميتا) تحمي نفسها من الشيخوخة، ولا سيما أن منصاتها التقليدية مثل (فيسبوك) بدأت تشهد تراجعاً في شعبيتها».

وعن تهديد مشروع «ميتا» لمبدأ الخصوصية، علّق الشولي بالقول إن «مسألة حماية البيانات قضية جدلية منذ ظهور منصات التواصل الاجتماعي، ولتحليل ما إذا كان مشروع (ميتا) يهدد الخصوصية أم لا، علينا أولاً التفريق بين نوعين من البيانات: الأول هي البيانات المحمية من قبل المستخدم، والثاني يخص البيانات المسموح بمشاركتها وفقاً لرغبة المستخدم أيضاً... وفي مشروع (ميتا) الذي نحن بصدده، أقرّت الشركة بأنها تعتمد على البيانات المعلنة فقط التي يوافق المستخدمون على مشاركتها، مثل العمر، النوع، الموقع الجغرافي، الاهتمامات».

مع هذا، أثار الشولي الحديث عن «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، أو النماذج التي تعتمد عليها شركات التكنولوجيا المهيمنة على السوق لتدريب الذكاء الاصطناعي، وقال: «تنظيم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بات أكثر إلحاحاً من أكثر وقت مضى، وبالفعل اتجهت بعض الدول مثل الصين والولايات المتحدة ودول أوروبا في تشريع قوانين لحماية خصوصية المستخدمين». وشدّد «على أهمية وضع معايير واضحة ومهنية تنظم آلية استخدام البيانات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، ووجوب الإشارة إلى أن المحتويات المصنوعة بالذكاء الاصطناعي اعتمدت على مصادر معينة، وذلك من شأنه تحقيق الشفافية، ما يُجنب وقوع أي عمليات تضليل».

للعلم، يأتي مشروع «ميتا» الجديد بعدما كانت قد أعلنت تأجيل إطلاق نماذج الذكاء الاصطناعي في أوروبا، منتصف يونيو (حزيران) الماضي، على خلفية بعض العقبات، من بينها طلب هيئة حماية الخصوصية الآيرلندية تأجيل خطة «ميتا» لاستخدام البيانات من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. ويومذاك أعلنت الشركة أن التوقف أيضاً سيسمح لها بتلبية طلبات «مكتب مفوضية المعلومات البريطاني» (ICO) في ما يخصّ التعليمات التنظيمية لاستخدام البيانات.

ثم إن «ميتا» واجهت في يونيو الماضي انتقادات عدة من قبل «المركز الأوروبي للحقوق الرقمية» (NOYB)، وهي منظمة غير ربحية، مقرّها في فيينا، دعت الهيئات الوطنية لحماية الخصوصية في جميع أنحاء أوروبا، وإلى وقف استخدام محتوى وسائل التواصل الاجتماعي لهذا الغرض. وبرّرت موقفها بالقول إن «الإشعارات التي تقدمها (ميتا) غير كافية لتلبية قواعد الاتحاد الأوروبي الصارمة المتعلقة بالخصوصية والشفافية»، وفقاً لما نقلته وكالة أنباء «رويترز».

من جهة ثانية، قال فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن تاريخ شركة «ميتا» المالكة لمنصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» مليء بالثغرات في ما يخص حماية البيانات. وأضاف: «من قبل نماذج الذكاء الاصطناعي، وشركة ميتا تتعامل مع أي محتوى ينشره المستخدمون بشكل علني، باعتباره متاحاً للاستخدام بدليل البيانات التي تُوفَّر للمعلنين»، وتابع: «(ميتا) تقاعست عن تعزيز الشفافية على مدار السنوات الماضية، ما يعقد الوثوق فيها الآن... لقد واجهت (ميتا) مشاكل متكررة في التعامل مع بيانات المستخدمين، وسبق أن واجهت فضائح متعلقة بتسريب البيانات، مثل قضية كمبريدج أناليتيكا». وتعود قضية «كمبريدج أناليتيكا»، ومقرها لندن، إلى عام 2018 حين كُشف عن أن الشركة جمعت البيانات الشخصية لملايين الأشخاص مستخدمة حساباتهم على «فيسبوك»، وجرى استخدام هذه البيانات لأغراض الدعاية السياسية، ما اضطر «فيسبوك» لاحقاً لدفع 725 مليون دولار في إطار تسوية لدعوى قضائية جماعية تخص تلك القضية.

ووفق رمزي، فإن «حماية الخصوصية معضلة لن تحلها شركات التكنولوجيا، لا (ميتا) ولا غيرها... فحماية الخصوصية ميزة تتنافى مع مصالح شركات التكنولوجيا، ولا سيما ونحن أمام نماذج تتنافس في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي». وفي ما يخص مشروع «ميتا» الجديد، قال رمزي إن «النموذج الذي قدّمته الشركة لا يشير إلى أي إلزام بإبلاغ المستخدمين حول استخدام بياناتهم، وهو أمر يعود إلى غياب التشريعات في هذا الصدد». ورهن التزام الشركة بالمصداقية والأخلاقيات المهنية فيما يخص بيانات المستخدمين أو حقوق الناشرين، كذلك بالتشريعات الملزمة.