استراتيجية «تيك توك»... مخاوف أم دعم لصُناع المحتوى؟

شعار تيك توك (رويترز)
شعار تيك توك (رويترز)
TT

استراتيجية «تيك توك»... مخاوف أم دعم لصُناع المحتوى؟

شعار تيك توك (رويترز)
شعار تيك توك (رويترز)

أعلن التطبيق الصيني الأكثر تحميلاً في العالم «تيك توك» عن تغيير استراتيجية الدعم المالي لصُناع المحتوى بما يوفر لهم تحقيق مزيد من المكاسب المادية. وجاء ذلك بعدما انطلقت دعاوى من صُناع محتوى بارزين بأن التطبيق لا يحقق المكاسب المتوقعة مقارنة بمنافسيه الأبرز «فيسبوك» و«يوتيوب».

كان «تيك توك» قد خصّص 200 مليون دولار أميركي لإطلاق صندوق في 2020 بغرض دعم صُناع المحتوى وتشجيعهم على مزيد من التفاعل والنشر وتحقيق المشاهدات. ثم ذكرت الشركة الصينية المالكة للتطبيق «بايت دانس»، ومؤسسها تشانغ يي مين، في 2021، أن «الدعم المالي للصندوق قد ارتفع إلى مليار دولار في داخل الولايات المتحدة الأميركية فقط، على أن يستمر لمدة ثلاث سنوات تالية».

غير أن التطبيق الصيني تعرّض لانتقادات وتشكيك في جديته لدعم صُناع المحتوى وتحقيق المكاسب النقدية. فمثلاً في يناير (كانون الثاني) 2022، نشر صانع المحتوى الأميركي هانك غرين، ويتابعه 8 ملايين على «تيك توك»، فيديو عبر حسابه على «يوتيوب» كشف من خلاله عن تحقيق نحو 2.5 سنت لكل ألف مشاهدة على «تيك توك»، ما اعتبره منافِياً للاستراتيجية المعلنة من قبل التطبيق. وأردف غرين أن «تيك توك» يدفع على نحو ثابت حتى مع تحقيق مقاطع الفيديو ملايين المشاهدات. وأجرى مقارنة بين أرباح «تيك توك» و«يوتيوب»، مرجحاً كفة الأخير بالقول إن «(يوتيوب) يدفع لصُناع المحتوى نسبة ربحية مُرضية من الإعلانات».

كلام غرين لم يكن الوحيد؛ إذ عاد إلى الواجهة كشف صانع المحتوى الأميركي مستر بيست، المتصدر قائمة «فوربس» كأفضل صانع محتوى عام 2023، أنه جنى نحو 82 مليون دولار خلال سنة من أرباح قناته على «يوتيوب» ومشاريع تجارية أخرى على التطبيق، في حين حصل على 14 دولاراً من «تيك توك» خلال 10 أشهر.

صندوق جديد

وصلت احتجاجات صُناع المحتوى لمؤسسي «تيك توك» ليرد الأخير بعزمه إطلاق صندوق جديد لتعزيز أرباح صُناع المحتوى. وقال الناطق باسم «تيك توك»، في بيان صحافي، خلال الشهر الجاري، إن التطبيق «بصدد تطوير برنامج الإبداع بناءً على التعليقات التي صدرت من صُناع المحتوى على مدار الفترة الماضية». وأضاف الناطق لشبكة «سي بي إس نيوز» الأميركية: «سيلغى إلغاء النموذج الربحي المتبع بدءاً من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لا سيما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا». وأوضح أن الصندوق الجديد سيسمح لمنشئي المحتوى بكسب ما يصل إلى «20 مرة أكثر»، مقارنة بالنموذج السابق الذي أثار غضب صُناع المحتوى، غير أنه وضع شروطاً للربح تتعلق بالعمر وعدد المشاهدات.

منّة متولي، وهي صانعة محتوى مصرية يتابعها نحو مليون عبر «تيك توك»، وحصدت أكثر من 15 مليون إعجاب، تقول إن «(تيك توك) لا يدفع على نحو جيد لصُناع المحتوى». وأضافت لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «(تيك توك) يساعد على سرعة الانتشار وتحقيق المشاهدات، لكن هذا لا يتبعه ربح نقدي مباشر». ثم أوضحت أن أرباح «تيك توك» تأتي عبر قناتين؛ «الأولى أن يعتمد صانع المحتوى على بث مباشر مع متابعيه عبر حسابه على التطبيق لتقاضي الهدايا الرقمية التي تتحول لاحقاً إلى أموال يحددها التطبيق، والثانية هي الدعاية لصالح علامة تجارية، وهنا العلامة هي التي تدفع لصانع المحتوى وليس التطبيق».

رواج المحتوى

من جانبه، يدحض أسامة عصام الدين، خبير تطوير منصات التواصل الاجتماعي بالمملكة العربية السعودية، جدوى الاعتماد على الشراكات أو الإعلانات الدعائية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، خلال حوار معه: «طلبات الإعلانات والشراكات التي تصل لصُناع المحتوى عبر المنصة الصينية أرقامها زهيدة للغاية... وهناك مسارات كسب مادي مباشرة تشمل الإعلانات عبر منصة تسمى (كرييتور ماركيت بلايس) Creator Market Place والهدايا الافتراضية خلال البث المباشر، أما غير المباشرة فهي علاقة المؤثر المباشرة بالشركات والمتاجر وغيرها من الجهات المهتمة بالإعلان على حساب المؤثر».

غير أن عصام الدين يثمّن دور المنصة في رواج المحتوى، ويعتبرها ذات قيمة لا يُستهان بها، قائلاً: «أهم ما يميّز المنصة هو تعزيزها لروح الإبداع والتغيير والتجديد في صانع المحتوى، فهو العامل الأساس للانتشار والشهرة في المنصة». وعن الصندوق الجديد الذي أعلن عنه «تيك توك»، يرى عصام الدين أن «الآلية ليست واضحة حتى الآن، ذلك أن (تيك توك) يَعِد بدخل أعلى يصل إلى ما يزيد على 20 مرة عن برنامج الدعم السابق، لكن هذا مخصص لأولئك الذين ينشرون محتوى أطول يزيد على دقيقة، وهو أمر منطقي؛ لأن وجود إعلانات في محتوى يزيد على دقيقة منطقية بكثير عن إعلانات على فيديوهات لا تتجاوز عشرين أو ثلاثين ثانية».

مقاطع الفيديو

هذا، وكان «تيك توك» قد حدد في إفادة صحافية الأرباح الجديدة بعدة معايير؛ منها «مشاركة مقاطع الفيديو التي تزيد مدتها على دقيقة واحدة، بالإضافة إلى محتوى قصير». وبرّر ذلك بأن مستخدمي «(تيك توك) يمضون 50 في المائة من وقتهم على التطبيق في مشاهدة مقاطع الفيديو التي تزيد مدتها على دقيقة. وذكر أنه «بات بإمكان المستخدمين تحميل مقاطع فيديو تصل مدتها إلى 30 دقيقة أو تصوير مقاطع فيديو في التطبيق تصل مدتها إلى 10 دقائق».

ولكن رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، يرى خلال تعليق أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، أن ثمة مخاوف بشأن المنافسة تشق طريقها إلى «تيك توك» المتربع على عرش تطبيقات الفيديو، وهو ما يبرر الاتجاه نحو تغيير استراتيجيات الدعم الربحي. وأردف أن «(تيك توك) يسعى لجذب المزيد من صُناع المحتوى إلى المنصة من خلال تقديم حوافز مالية أكبر، وبطرق أكثر تنوعاً وقرباً من المستخدمين». واعتبر أنه وفقاً لما أعلن عنه من تفاصيل النظام المحدث للدعم من «تيك توك»، فإن مشاهدات الفيديو والانطباعات عليه والتفاعل معه «ستكون عوامل مؤثرة في احتساب أرباح المقاطع. وهي منهجية تحاكي ما تقوم به منصات (يوتيوب) و(إكس) و(تويتش) Twitch مثلاً في برامجها المباشرة المخصصة لدعم صناع المحتوى».

ووفق الطراونة «من هنا، يظهر تأثير المنافسة المحتدمة التي أشعلها إيلون ماسك أخيراً عبر نظام الدعم لصناع المحتوى على منصة (إكس)، بالإضافة إلى وصول الإعلانات إلى شورتس، وهي المقاطع القصيرة في يوتيوب، التي تعد المنافس الأبرز لـ«تيك توك)». ومن ناحية أخرى، بينما يرى بعض الخبراء أن التغيير لن يطول النموذج الربحي فحسب، بل سيكون هناك تطوير في المحتوى على ألا يقتصر على النموذج الترفيهي، لدى الطراونة رأي آخر؛ إذ يقول: «لا تزال منصة (تيك توك) منصة ترفيهية في الأساس، وستبقى كذلك، حيث إن شهرة المنصة بُنيت على طبيعتها الترفيهية الحالية... ولا أعتقد أن جوهر هذه المنصة قابل للمساس في أي تحديث مستقبلي، وكل الجهود التي تُبذل من الآن هي لتوظيف نموذجها الترفيهي الأساسي الناجح مع مختلف أنواع المحتوى». ومن ثم أشار إلى ثمة سبب آخر لتغيير مسارات الربح على «تيك توك»، قائلاً: «قد يكون في ذلك مطلباً قانونياً من بعض الدول لـ(تيك توك) بغرض متابعة أرباح صُناع المحتوى وحصرها على نحو دقيق».

وعن تبعات الصندوق الجديد، يرى الطراونة أن علينا انتظار نتائج هذا النموذج الربحي الواعد، وهل هذه الأموال ربما تمس بعض المزايا الراهنة التي حصل عليها صُناع المحتوى أم لا؟


مقالات ذات صلة

إلى المراهقين... احذروا هذه الممارسة الخطيرة على «تيك توك»

يوميات الشرق مقاطع ممارسة «الكرومينغ» انتشرت بشكل واسع على «تيك توك» (رويترز)

إلى المراهقين... احذروا هذه الممارسة الخطيرة على «تيك توك»

هذا الانتشار قد يكون نتيجة شيوع مقاطع الفيديو التي تعرض هذه الممارسات على المنصة الشهيرة بين الشباب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق شعار «تيك توك» (د.ب.أ)

«تيك توك» يحظر حسابات وسائل إعلام روسية حكومية

قال تطبيق «تيك توك» إنه أزال حسابات مرتبطة بوسائل إعلام روسية حكومية «لمشاركتها في عمليات تأثير سرية».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ من أمام أحد مكاتب «تيك توك» في ولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)

مستقبل «تيك توك» في الولايات المتحدة على المحك أمام محكمة فيدرالية

سيسعى تطبيق «تيك توك» إلى إقناع محكمة فيدرالية أميركية، الاثنين، بأن القانون الذي يلزم مالكي المنصة الصينيين ببيعه وإلا يُحظر في أميركا، مخالف للدستور.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق مها أحمد (حسابها على فيسبوك)

هل يلجأ فنانون مصريون إلى «تيك توك» لتعويض غيابهم عن الشاشة؟

لجأ عدد من الفنانين المصريين خلال السنوات القليلة الماضية إلى موقع "تيك توك"، لأغراض وغايات متنوعة.

داليا ماهر (القاهرة)
شمال افريقيا طورت الداخلية مراكز الإصلاح والتأهيل في السنوات الماضية (وزارة الداخلية - أرشيفية)

ضبط «تيك توكر» مصري أجرى مشهداً تمثيلياً لـ«مراكز الإصلاح»

أعلنت وزارة الداخلية المصرية ضبط «تيك توكر» وبصحبته 3 آخرين، على خلفية تقديمهم «مشاهد تمثيلية» بوصفهم داخل إحدى غرف «مراكز الإصلاح والتأهيل».

أحمد عدلي (القاهرة)

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.