«حرب غزة» تسقط بديهيات العمل الصحافي وفي مقدمها الموضوعية والصدقية والموثوقية

انحياز كاسح لإسرائيل من المؤسسات الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي الأميركية

حرب غزة ...على "السي إن إن"
حرب غزة ...على "السي إن إن"
TT

«حرب غزة» تسقط بديهيات العمل الصحافي وفي مقدمها الموضوعية والصدقية والموثوقية

حرب غزة ...على "السي إن إن"
حرب غزة ...على "السي إن إن"

في زمن التغييرات الذي فرضته وسائل التواصل الاجتماعي على منصات الأخبار الرئيسية، كشفت الحرب المستمرة في قطاع غزة عن سقوط ثلاث ميزات، كانت تعد «قواعد» بديهية للعمل الصحافي في الولايات المتحدة، والغرب عموماً، هي: الموضوعية، والصدقية، والموثوقية.

منصة "إكس".. ومشاهد الحرب

صعوبات تغطية الحرب

لا شك في أن التغطية الصحافية في حرب سريعة الحركة والتغير، كالحرب في غزة، عادة ما تكون صعبة، وتفرض تحديات على الصحافيين وناقلي الأخبار عموماً، غير أن البعض يرى أن «الارتباك» الذي وقعت فيه المؤسسات الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، في التعاطي مع هذه الحرب، يعود في جزء منه، إلى ضخامة الحدث ومدلولاته على مستوى المنطقة، وتوازن القوى الذي قد يتغير بنتيجتها، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

كل هذا فضلاً عن صعوبة التعامل مع ملف هذا الصراع، الذي لا يزال يثير كثيراً من الانقسامات، في ظل «طوفان» المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وموجات الهجرة غير المسبوقة من «أهل الجنوب» إلى الشمال، وما سببته نزعات التشدد الديني، لدى بعض الأصوليات، من صعود لتيارات شعبوية، يمينية ويسارية، تلقي بثقلها على الغرب عموماً.

وهنا، تقول كاثلين كارول، المحررة التنفيذية السابقة لوكالة «أسوشييتد برس»، إن الوضع في غزة كان من الصعب على المؤسسات الإخبارية التعامل معه، لأنها لا تستطيع دائماً الحصول على روايات مباشرة أو تم التحقق منها. وبينما تستعد إسرائيل لهجوم بري على غزة، قام معظم الصحافيين الغربيين بإخلاء المنطقة، ويواجه المراسلون الذين بقوا في غزة القصف، ونقص المياه والغذاء والكهرباء.

وبالفعل، تغطية الحروب دائماً ما تكون محفوفة بالأخطار، وذلك لأن الصحافيين على الأرض غالباً ما يكونون في طريق الأذى، ولأن الأطراف المتحاربة تدفع برواياتها لمصلحتها بقوة. وخلال الأسبوع، قالت لجنة حماية الصحافيين إن 19 صحافياً على الأقل قتلوا خلال الصراع، 15 منهم فلسطينيون. كذلك أثبتت الحرب بين إسرائيل و«حماس»، أنها أكثر صعوبة من أغلب الصراعات، وذلك لأنها ولّدت كميات هائلة من المعلومات المضللة والكاذبة على شبكة الإنترنت. وهناك كثير من الادعاءات غير الصحيحة، لدرجة أن بعض الناس يشككون في صحة تلك الادعاءات.

سقوط منصات التواصل الاجتماعي

من ناحية ثانية، الكثير قد تغيّر على الإنترنت منذ ذلك الحين، مثلاً تغير «تويتر» إلى «إكس» مع إيلون ماسك، المتهم بالتسبب في فوضى غير مسبوقة على واحدة من أشهر منصات التواصل الاجتماعي، ويحاول عدد من المنصات الجديدة الحلول محلها. ولكن منذ الأيام الأولى للحرب الحالية في غزة، تبيّن أن هذه المنصات لم تتعلم كثيراً من «دروسها» السابقة من الحرب الروسية- الأوكرانية. بل، بدلاً من ذلك، تدهور مشهد وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، كما يقول الخبراء.

وحقاً، يتفق المحللون عموماً على أن «إكس»، كانت أسوأ منصة فيما يتعلق بالمعلومات المضللة المتعلقة بالصراع بين إسرائيل و«حماس». وتحت قيادة ماسك، الذي مكّن الحسابات المدفوعة من التحقّق من صدقيتها مقابل «علامته الزرقاء» وحصولها على عائدات من المنصة إذا حققت منشوراتها رواجاً، أهمل التدقيق في بقية الحسابات؛ إذ جرى تسريح «مجموعات كبيرة» من فرق إدارة المحتوى والسياسة، الأمر الذي سمح لمقاطع الفيديو المزيفة بالبقاء والانتشار عبر المنصة.

غير أن جانباً خفياً بدا في خلفية الجدال الذي اندلع بين ماسك ومنتقديه -خصوصاً بعد توجيه الاتحاد الأوروبي تحذيراً إلى المنصة ولمنصات «ميتا» المالكة لتطبيقات «ثريدز» و«إنستغرام» و«فيسبوك»، وكذلك لتطبيق «تيك توك» الصيني- وهو أن المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة أخذا ينتشران على المنصات، وقد يؤدي هذا الأمر إلى عقوبات شديدة. ولعل الانحياز الأوروبي -والغربي عموماً- لإسرائيل في هذا الصراع، بدا دافعاً رئيسياً لهذا «التحذير»، وخصوصاً بعدما عجزت تلك المنصات عن منع المنشورات المناهضة لمزاعم إسرائيل من الانتشار، رغم أن بعضها كان يدين هجوم «حماس».

والملاحظ أن «موضوعية» بعض تلك المنشورات لم يشفع لها في الاختفاء عن تلك المنصات. وأي مطالع يمكنه ملاحظة «الترند» الذي لا يزال يجتاح منصة «فيسبوك»، والذي يدعو أصحابه إلى كتابة أي تعليق ولو بكلمة واحدة، في ظل اتهام المنصة (الذي لم يتم التأكد منه بعد) بأنها قامت بتقليص عدد القادرين على رؤية المنشورات إلى 25.

المعلومات المضللة!

يقول شايان ساردار زاده، الصحافي في «بي بي سي» (هيئة الإذاعة البريطانية)، الذي يركز على المعلومات المضللة، لمعهد «رويترز»، إنه خلال الشهرين الأولين من حرب أوكرانيا، «كان هناك طوفان من المعلومات المضللة عبر الإنترنت، وكثير من مقاطع الفيديو القديمة» من الحروب الماضية. وتابع بأنه صادف الآن كثيراً من مقاطع الفيديو القديمة التي تزعم أنها من إسرائيل وغزة، بما في ذلك بعض المقاطع التي تم تحريرها لتبدو وكأنها تقارير أصلية لـ«بي بي سي».

لا شك في أن بعضاً من أنواع المعلومات الخاطئة نفسها التي انتشرت في الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، انتشر أيضاً في حرب غزة. لكن محاولة تغييب الأصوات المعارضة، بحجة الموضوعية، لم تؤدِّ فقط إلى فقد كثير من المنصات صدقيتها، بل أيضاً إلى فرض حصار وتقييد، طال معظم المؤسسات الإعلامية الأميركية والغربية، كما حصل بعدما اتُّهمت مؤسسة مرموقة، كوكالة «رويترز»، بأنها «عجزت» عن الإشارة صراحة إلى مسؤولية الجهة التي تسببت في مقتل أحد مصوّريها في لبنان.

تعاطف يطيح باليسار

أيضاً كان لافتاً ما قامت به محطة «إم إس إن بي سي» الأميركية المحسوبة على الديمقراطيين، من إبعادها بهدوء ثلاثة من مذيعيها البارزين، هم المهدي حسن وأيمن محيي الدين وعلي فيلشي، عن تقديم برامجهم المعتادة، وسط موجة من التعاطف الأميركي مع ضحايا الهجوم الذي نفّذته «حماس» على إسرائيل. ولقد أعرب بعض الموظفين في الشبكة عن قلقهم من إبعاد هؤلاء المذيعين، قائلين إن لديهم بعض المعرفة العميقة بالصراع، وهو ما كان سيسمح بمواصلة الحفاظ على الموضوعية.

لكن من نافل القول، إن هجوم «حماس»، حمل في طياته القدرة على تقسيم اليسار، الذي نجح في السنوات الأخيرة في تآكل بعض الدعم للحكومة الإسرائيلية بين الليبراليين الأميركيين، الذين كانت «إم إس إن بي سي» من بين المؤسسات الإعلامية التي تمثلهم. ورغم إبعاد المذيعين الثلاثة عن تقديم برامجهم، ترفض الشبكة الاتهامات، وتقول إن إبعاد المذيعين الثلاثة كان «محض مصادفة»، وإنهم مستمرون في الظهور على الهواء لتقديم التقارير والتحليلات. ولكن في الواقع، كانت لهجة الأخبار الأميركية خلال الأيام القليلة الماضية متشابهة؛ سواءً في عرض الأخبار أو الحوارات، بعدما تمكنت وسائل الإعلام المحافظة من دفع المؤسسات المعتدلة إلى تبني روايات الحرب المنحازة في غالبيتها لإسرائيل. ورغم محاولتها نقل الأخبار عن وحشية الهجمات الإسرائيلية، أدان عشرات من المعلقين والنقاد عنف «حماس» وأعربوا عن درجات متفاوتة من الدعم للرد العسكري الإسرائيلي العدواني المستمر.

في المقابل، ما لفت الانتباه في تغطية هذه الحرب، هو الصمت المطبق من قبل المؤسسات والمنصات الإخبارية اليمينية المحافظة، على «السقطة» التي وقع فيها الرئيس السابق دونالد ترمب، حين سخر من إسرائيل ورئيس وزرائها وأجهزتها الأمنية والعسكرية، وأشاد بذكاء «حماس» و«حزب الله». وبدا أن هذه المؤسسات كانت تجهد مع المسؤولين الجمهوريين على محوها من ذاكرة الناخبين، بعد «النقاط» التي سجلها عليه منافسه الرئيس جو بايدن؛ إذ ظهر بايدن وإدارته الديمقراطية وكأنهم مَن يقودون إسرائيل التي زارها الرئيس تحت القصف.

وفي نهاية المطاف، فإن الصوت والمال وصناعة الأخبار، يهيمن عليها كثير من مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة.



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».