بينما تتواصل الحرب على غزة، يبدو أن هناك معركة أخرى تخاض بالتوازي، في محاولة للسيطرة على «الخلل المعلوماتي»؛ حيث وجه الاتحاد الأوروبي «اتهامات» لمنصات التواصل الاجتماعي بنشر «معلومات مضللة» عن حرب غزة، ما دفع تلك المنصات للإعلان عن حذف حسابات قالوا إنها «داعمة لحركة (حماس)».
وفي حين يؤكد خبراء قوة تأثير منصات التواصل الاجتماعي على المجتمع بعدّها وسيلة أساسية لنشر المعلومات، يرى آخرون أن قلة وضوح طريقة عمل خوارزميات منصات التواصل يجعلها ساحة لنشر معلومات زائفة. وحقاً، فإن ثمة تحقيقاً أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، إطلاقه يستهدف في الأساس منصة «إكس» (تويتر سابقاً) لاتهامها بنشر «معلومات مضللة»، منذ الهجوم الذي شنته «حماس» على إسرائيل بداية الأسبوع الماضي. ويأتي هذا التحقيق بعد تحذير وجهه المفوّض الأوروبي للشؤون الرقمية، تييري بريتون، لمنصات التواصل الاجتماعي «إكس» و«ميتا» و«تيك توك»، بشأن نشر «معلومات مضللة» عن الحرب.
وطلبت المفوضية الأوروبية معلومات من «إكس»، عدّها مراقبون خطوة أولى قد تدفع لفرض عقوبات وغرامات مالية على المنصة إذا انتهكت قانون المعلومات الجديد. وبحسب بيان نشرته المفوضية عبر حسابها على «إكس»، فإن طلب المعلومات «كان على شكل وثيقة من نحو 40 صفحة تضم أسئلة محددة». ويتوجب على منصة «إكس» الرد على الجزء المتعلق بنشر «معلومات مضللة عن الصراع بين (حماس) وإسرائيل» قبل 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أما باقي الأسئلة فيمكن الرد عليها حتى نهاية الشهر. أشرف الراعي، الكاتب الصحافي الأردني والاختصاصي في القانون الجزائي والتشريعات الإعلامية والإلكترونية، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً، إن «اتهامات الاتحاد الأوروبي لمنصات التواصل الاجتماعي بنشر معلومات مضللة تسهم في إضعاف حجم المحتوى الخاص بالفلسطينيين، لا سيما أن المستهدفين اليوم هم من المدنيين ولا بد من تسليط الضوء على معاناتهم». وعدّ الراعي «الاستجابة لهذه الضغوط عاملاً مؤثراً على التوعية بأهمية وقف الأعمال الحربية التي تدعو لها جميع الدول حول العالم حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، وتطبيقاً لقواعد القانون الدولي».
الراعي أكد أيضاً «ضرورة أن يكون المحتوى مفتوحاً ليرى العالم وجهات النظر المختلفة، ويكون قادراً على تقييم ما يتعرض له المدنيون من جرائم حرب تخالف المبادئ التي يفترض أن المجتمع الدولي يقوم عليها من دون تحيز». وأردف: «هناك أهمية للمنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي في نقل الصورة الحقيقية لما يجري من دون أن تكون واقعة تحت ضغوط أو تحيز»، ثم أوضح أن «هذه المنصات أصبحت تمثل الإعلام الجديد وإعلام المستقبل، وإن كانت تعاني بعض التقييد». وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض قيوداً جديدة على منصات التواصل منذ نهاية أغسطس (آب) الماضي، بعد دخول قانون الخدمات الرقمية الجديد حيز التنفيذ، وقبلها فعلت أستراليا الشيء نفسه.
وفي رسالته إلى رئيس منصة «تيك توك»، قال المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية، تييري بريتون، إن «المنصة يستخدمها بشكل مكثف أطفال ومراهقون. ولدى المنصة التزام خاص بحمايتهم من المحتوى العنيف، الذي يبدو أنه ينتشر على نطاق واسع على (تيك توك) من دون أيّ تدابير أمنية خاصة». وسعياً لمواجهة هذه الاتهامات، أعلنت «ميتا»، نهاية الأسبوع الماضي إنشاء مركز عمليات خاصة يضم خبراء، بينهم أشخاص يجيدون اللغتين العبرية والعربية. وأفادت بأنها «أزالت أو أضافت علامة تميز المحتوى المقلق على أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية». وأعلنت منصة «إكس» حذفها عشرات الآلاف من الرسائل التي تتناول هجوم حركة «حماس»، وأوضحت ليندا ياكارينو، الرئيسة التنفيذية لشركة «إكس»، أن «المنصة حذفت المئات من الحسابات التابعة لـ(حماس)، واتخذت إجراءات لحذف أو تصنيف عشرات الآلاف من المحتويات منذ الهجوم على إسرائيل».
من جهة أخرى، رصد عمرو العراقي، عضو هيئة التدريس بكلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، «انتشار منشورات مختلفة مدفوعة، ومقاطع فيديو من ألعاب تصور جنوداً بعدّهم أعضاء في (حماس)، إضافة إلى تفعيل خدمة سؤال المستخدمين عما إذا كانوا يرغبون في رؤية مزيد من هذه المنشورات أم لا». ولفت إلى أن «هذا الاختيار وإن بدا لصالح المستخدم، فإن إبداء شخص عدم رغبته في رؤية محتوى معين قد يؤثر على ظهوره عند آخرين بفعل الخوارزميات التي ستتعامل معه بعدّه محتوى غير مرغوب فيه». وذكر العراقي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رصد حسابات باللغة الكردية داعمة لحماس وفلسطين، كما رصد اختلافاً في الصياغات والتعبيرات المستخدمة إعلامياً في وصف الأحداث بغزة»، وأشار إلى أنه «في ضوء الانتشار الكبير لمنصّات التواصل الاجتماعي، فإن ما يظهر عليها يؤثر في نفسية المستخدمين، حيث تعدّ بالنسبة لكثيرين مصدراً أساسياً للمعلومات والحقائق». وفي سياق متصل، شهدت الفترة الأخيرة، بحسب العراقي، «حذف منشورات عدة بحجة تعارضها مع ضوابط المجتمع، وجرى حظر حسابات أو تجميد أخرى، ومنعها من التعليق... وفي المقابل، فإن المستخدمين باتوا أكثر قدرة على التحايل على خوارزميات منصات التواصل عن طريق حذف حروف من الكلمة أو كتابة بعض الكلمات بأحرف منفصلة ما يصعب على الخوارزميات فهمها».
وعلى الرغم من الكلام عن تأثير منصات التواصل، يرى العراقي أن «الحرب على غزة كشفت أن تلك المنصات لم تعد مصدراً للأخبار، لا سيما مع ما تظهره من تعاطف مع الجانب الإسرائيلي كونها تعمل في دول تبدي دعماً وانحيازاً واضحاً لإسرائيل». وأرجع العراقي الهجوم الشديد على منصة «إكس» إلى سياسات مالك المنصة إيلون ماسك الأخيرة، موضحاً أن «فرض رسوم لتوثيق الحسابات أدى إلى وجود عدد كبير من الحسابات الوهمية التي تحمل شارة التوثيق، ما يجعلها تحظى بمصداقية لدى المستخدمين».