كيف تواجه مواقع التواصل «اتهامات» نشر «معلومات مضللة» عن حرب غزة؟

صحافي يحمل السترة الواقية لزميله محمود صبح الذي قتل في غارة إسرائيلية  في 10 أكتوبر بغزة (رويترز)
صحافي يحمل السترة الواقية لزميله محمود صبح الذي قتل في غارة إسرائيلية في 10 أكتوبر بغزة (رويترز)
TT

كيف تواجه مواقع التواصل «اتهامات» نشر «معلومات مضللة» عن حرب غزة؟

صحافي يحمل السترة الواقية لزميله محمود صبح الذي قتل في غارة إسرائيلية  في 10 أكتوبر بغزة (رويترز)
صحافي يحمل السترة الواقية لزميله محمود صبح الذي قتل في غارة إسرائيلية في 10 أكتوبر بغزة (رويترز)

بينما تتواصل الحرب على غزة، يبدو أن هناك معركة أخرى تخاض بالتوازي، في محاولة للسيطرة على «الخلل المعلوماتي»؛ حيث وجه الاتحاد الأوروبي «اتهامات» لمنصات التواصل الاجتماعي بنشر «معلومات مضللة» عن حرب غزة، ما دفع تلك المنصات للإعلان عن حذف حسابات قالوا إنها «داعمة لحركة (حماس)».

وفي حين يؤكد خبراء قوة تأثير منصات التواصل الاجتماعي على المجتمع بعدّها وسيلة أساسية لنشر المعلومات، يرى آخرون أن قلة وضوح طريقة عمل خوارزميات منصات التواصل يجعلها ساحة لنشر معلومات زائفة. وحقاً، فإن ثمة تحقيقاً أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، إطلاقه يستهدف في الأساس منصة «إكس» (تويتر سابقاً) لاتهامها بنشر «معلومات مضللة»، منذ الهجوم الذي شنته «حماس» على إسرائيل بداية الأسبوع الماضي. ويأتي هذا التحقيق بعد تحذير وجهه المفوّض الأوروبي للشؤون الرقمية، تييري بريتون، لمنصات التواصل الاجتماعي «إكس» و«ميتا» و«تيك توك»، بشأن نشر «معلومات مضللة» عن الحرب.

ليندا ياكارينو (غيتي)

وطلبت المفوضية الأوروبية معلومات من «إكس»، عدّها مراقبون خطوة أولى قد تدفع لفرض عقوبات وغرامات مالية على المنصة إذا انتهكت قانون المعلومات الجديد. وبحسب بيان نشرته المفوضية عبر حسابها على «إكس»، فإن طلب المعلومات «كان على شكل وثيقة من نحو 40 صفحة تضم أسئلة محددة». ويتوجب على منصة «إكس» الرد على الجزء المتعلق بنشر «معلومات مضللة عن الصراع بين (حماس) وإسرائيل» قبل 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أما باقي الأسئلة فيمكن الرد عليها حتى نهاية الشهر. أشرف الراعي، الكاتب الصحافي الأردني والاختصاصي في القانون الجزائي والتشريعات الإعلامية والإلكترونية، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً، إن «اتهامات الاتحاد الأوروبي لمنصات التواصل الاجتماعي بنشر معلومات مضللة تسهم في إضعاف حجم المحتوى الخاص بالفلسطينيين، لا سيما أن المستهدفين اليوم هم من المدنيين ولا بد من تسليط الضوء على معاناتهم». وعدّ الراعي «الاستجابة لهذه الضغوط عاملاً مؤثراً على التوعية بأهمية وقف الأعمال الحربية التي تدعو لها جميع الدول حول العالم حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، وتطبيقاً لقواعد القانون الدولي».

الراعي أكد أيضاً «ضرورة أن يكون المحتوى مفتوحاً ليرى العالم وجهات النظر المختلفة، ويكون قادراً على تقييم ما يتعرض له المدنيون من جرائم حرب تخالف المبادئ التي يفترض أن المجتمع الدولي يقوم عليها من دون تحيز». وأردف: «هناك أهمية للمنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي في نقل الصورة الحقيقية لما يجري من دون أن تكون واقعة تحت ضغوط أو تحيز»، ثم أوضح أن «هذه المنصات أصبحت تمثل الإعلام الجديد وإعلام المستقبل، وإن كانت تعاني بعض التقييد». وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض قيوداً جديدة على منصات التواصل منذ نهاية أغسطس (آب) الماضي، بعد دخول قانون الخدمات الرقمية الجديد حيز التنفيذ، وقبلها فعلت أستراليا الشيء نفسه.

تييري بريتون (آ ف ب/غيتي)

وفي رسالته إلى رئيس منصة «تيك توك»، قال المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية، تييري بريتون، إن «المنصة يستخدمها بشكل مكثف أطفال ومراهقون. ولدى المنصة التزام خاص بحمايتهم من المحتوى العنيف، الذي يبدو أنه ينتشر على نطاق واسع على (تيك توك) من دون أيّ تدابير أمنية خاصة». وسعياً لمواجهة هذه الاتهامات، أعلنت «ميتا»، نهاية الأسبوع الماضي إنشاء مركز عمليات خاصة يضم خبراء، بينهم أشخاص يجيدون اللغتين العبرية والعربية. وأفادت بأنها «أزالت أو أضافت علامة تميز المحتوى المقلق على أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية». وأعلنت منصة «إكس» حذفها عشرات الآلاف من الرسائل التي تتناول هجوم حركة «حماس»، وأوضحت ليندا ياكارينو، الرئيسة التنفيذية لشركة «إكس»، أن «المنصة حذفت المئات من الحسابات التابعة لـ(حماس)، واتخذت إجراءات لحذف أو تصنيف عشرات الآلاف من المحتويات منذ الهجوم على إسرائيل».

من جهة أخرى، رصد عمرو العراقي، عضو هيئة التدريس بكلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، «انتشار منشورات مختلفة مدفوعة، ومقاطع فيديو من ألعاب تصور جنوداً بعدّهم أعضاء في (حماس)، إضافة إلى تفعيل خدمة سؤال المستخدمين عما إذا كانوا يرغبون في رؤية مزيد من هذه المنشورات أم لا». ولفت إلى أن «هذا الاختيار وإن بدا لصالح المستخدم، فإن إبداء شخص عدم رغبته في رؤية محتوى معين قد يؤثر على ظهوره عند آخرين بفعل الخوارزميات التي ستتعامل معه بعدّه محتوى غير مرغوب فيه». وذكر العراقي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رصد حسابات باللغة الكردية داعمة لحماس وفلسطين، كما رصد اختلافاً في الصياغات والتعبيرات المستخدمة إعلامياً في وصف الأحداث بغزة»، وأشار إلى أنه «في ضوء الانتشار الكبير لمنصّات التواصل الاجتماعي، فإن ما يظهر عليها يؤثر في نفسية المستخدمين، حيث تعدّ بالنسبة لكثيرين مصدراً أساسياً للمعلومات والحقائق». وفي سياق متصل، شهدت الفترة الأخيرة، بحسب العراقي، «حذف منشورات عدة بحجة تعارضها مع ضوابط المجتمع، وجرى حظر حسابات أو تجميد أخرى، ومنعها من التعليق... وفي المقابل، فإن المستخدمين باتوا أكثر قدرة على التحايل على خوارزميات منصات التواصل عن طريق حذف حروف من الكلمة أو كتابة بعض الكلمات بأحرف منفصلة ما يصعب على الخوارزميات فهمها».

وعلى الرغم من الكلام عن تأثير منصات التواصل، يرى العراقي أن «الحرب على غزة كشفت أن تلك المنصات لم تعد مصدراً للأخبار، لا سيما مع ما تظهره من تعاطف مع الجانب الإسرائيلي كونها تعمل في دول تبدي دعماً وانحيازاً واضحاً لإسرائيل». وأرجع العراقي الهجوم الشديد على منصة «إكس» إلى سياسات مالك المنصة إيلون ماسك الأخيرة، موضحاً أن «فرض رسوم لتوثيق الحسابات أدى إلى وجود عدد كبير من الحسابات الوهمية التي تحمل شارة التوثيق، ما يجعلها تحظى بمصداقية لدى المستخدمين».



«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
TT

«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)

طوال الأشهر الماضية، حظي مسار المفاوضات الرامية إلى تحقيق «هدنة» في قطاع غزة، باهتمام وسائل الإعلام العربية والأجنبية. واحتلت الأخبار المتعلقة بالمباحثات مساحات واسعة في التغطيات الإعلامية، وسط تضارب في العناوين والتفسيرات بين «التفاؤل» بقرب الوصول إلى اتفاق حيناً، والحديث عن «فشل» المفاوضات حيناً آخر. وبين هذا وذاك تنشر وسائل الإعلام يومياً تقارير متباينة، إما عن عثرات وعقبات تقف في طريق الهدنة، أو عن جهود تمنح دفعة نحو الحل، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن أسباب هذه التضارب في العناوين، والمعلومات، ومدى تأثيره على مصداقية الإعلام.

وفي حين أرجع خبراء هذا التضارب إلى غياب المعلومات من مصدرها الأصلي والاعتماد على التسريبات، حذّروا من «تأثير النقل عن مصادر مُجهّلة على ثقة الجمهور في وسائل الإعلام».

يوان ماكساكيل (جامعة غلاسغو)

الواقع أنه يعتمد معظم الأخبار المتعلقة بمفاوضات «هدنة غزة»، سواءً عربياً أو غربياً، على «تسريبات» من مصادر «مُجهّلة» تتكلم عن تفاصيل مقترحات التهدئة، إضافة إلى بعض التصريحات الرسمية، إما من الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة)، أو من طرفي المفاوضات (إسرائيل وحماس).

ولكن بحسب مراقبين، فإن «أطراف المفاوضات لا تدلي بمعلومات بقدر ما تسرب من تفاصيل تعبّر عن وجهة نظرها، بهدف التأثير على مسار المفاوضات أو تحسين موقفها فيها».

الصحافي والمدرّب الأردني خالد القضاة، نائب رئيس شعبة الاتصال بجامعة الدول العربية لشؤون الحريات الصحافية والسلامة المهنية، عدّ في لقاء مع «الشرق الأوسط» الإعلام «طرفاً» في المفاوضات الدائرة حالياً، وقال: «أطراف التفاوض تستخدم الإعلام سلاحاً في المعركة، لتعزيز وجهة نظرها وخلق رأي عام مناصر لها، فكل طرف يستخدم الإعلام لتحقيق مصالحه».

وأضاف أن «طبيعة المفاوضات التي تجري دائماً في غرف مغلقة تفرض هذه الصيغة، بحيث يعتمد الإعلام على ما يصل إليه من تسريبات أو معلومات من أطراف التفاوض».

وتابع القضاة أن «ما ينشر يسبِّب ارتباكاً للجمهور، الذي بات مضطراً للبحث عن المعلومات من أكثر من مصدر أو وسيلة إعلامية، لتكوين صورة أقرب للواقع في ظل انحيازات إعلامية واضحة».

من جهة ثانية، وفق كتاب نشر عام 2003 وحرّره البروفسور الراحل جون دربي بجامعة نوتردايم الأميركية وروجر ماكغينتي البروفسور حالياً بجامعة درام البريطانية، فإن «إحدى الفرضيات الأكثر شيوعاً في جميع مفاوضات السلام، أنه من الضروري إبقاء وسائل الإعلام خارجاً، حيث يقال إنه كلما زاد مستوى المشاركة الإعلامية، زاد احتمال فشل المباحثات».

وبحسب الكتاب، فإن «هذه الفرضية صحيحة في معظمها، لأن إجراء المفاوضات تحت وهج الأضواء أصعب بكثير من إجرائها خلف الأبواب المغلقة، لكن في الوقت ذاته من المهم لصانعي السياسة النظر للمسألة بشكل أعمق... ثم إن الإعلام يشكل حلقة في أحجية المفاوضات، فعندما يلعب الإعلام دوراً بنّاءً في نقل أنباء المفاوضات التي تجري في مناخ داعم، لا يعود من المحتمل أن يكون له تأثير سلبي على نتائجها».

الإعلام وصانع السياسة بينهما مصالح متبادلة

أيضاً ورد في الكتاب أن «العلاقة بين الإعلام وصانع السياسة تعتمد على مصالح متبادلة، فالأول يريد معلومات لصناعة قصة جاذبة للجمهور يتمتع فيها بأكبر مساحة من النقد والتحليل وحرية العرض، والثاني يريد نقل سياساته لقطاع أكبر من الجمهور، مع السيطرة الكاملة على نوع وحجم وطريقة نقل المعلومات دون نقد». واستخلص أن «هذه العلاقة الجدلية هي التي تحدد دور الإعلام في العملية السياسية».

على الجانب العملي، قال يوان ماكاسكيل، الصحافي البريطاني الاستقصائي ومراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية السابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «واحدة من كبرى المشاكل التي تواجه الصحافيين، هي انعدام ثقة الجمهور... وأن إحدى الطرق للبدء في استعادة الثقة هي الالتزام بالشفافية في نقل المعلومات بقدر الإمكان، وهذا يعني تجنب المصادر المجهولة كلما كان ذلك ممكناً».

ماكاسكيل شرح أن «الأخبار التي تنشر وقت المفاوضات تعتمد في معظمها على مصادر مُجهّلة، ما قد ينتج عنه تضارب في المعلومات، وربما يقوض الثقة في الإعلام»، لافتاً إلى أنه خلال عمله صحافياً حاول فقط استخدام اقتباسات من أشخاص تكلم إليهم فعلاً، وعند النقل من وكالة أنباء أو صحيفة أخرى، أو متى من مواقع التواصل الاجتماعي، كان يحرص على نسبة الاقتباسات لمصدرها.

أيضاً ذكر ماكاسكيل أنه «في كل الأحوال ينبغي استخدام المصادر المجهولة بشكل مقتصد جداً... وهذا مع أن استخدامها قد يكون ضرورياً في ظروف استثنائية، لا سيما إن كان الكشف عن هوية المصدر قد يعرض حياته أو وظيفته للخطر».

بالتوازي، كانت دراسة نشرتها جامعة أكسفورد عام 1974، أسهم فيها الباحث و. فيليبس دافيسون، قد أشارت إلى أن «التسريبات يمكن أن تعرقل المفاوضات الدولية، ولكن في الوقت ذاته قد يسهم الإعلام في تحقيق الاتفاق عبر تسليط الضوء على القضايا قيد التفاوض، ما يساعد في ضمان التنسيق بين أطراف التفاوض، ويربط الحكومات بالجماهير، عبر قنوات اتصال تكميلية للدبلوماسية».

مراعاة المعايير المهنية

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، ألقى الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، باللائمة على الصحافيين في تضارب المعلومات التي تنشر على لسان مسؤولين رسميين، بيد أنه شدد على «ضرورة أن يراعي الصحافي المعايير المهنية في نقل التصريحات، فلا يتزيد أو يغير فيها، ولا يعالجها بشكل يتضمن نوعا من الانحياز». وتابع أن «الصحافي دوره هنا ناقل للسياسة وليس صانعاً لها. وبالتالي فهو ينقل تفاعلات الأطراف المختلفة في الحدث ويعرض وجهات نظرها جميعاً».

وقياساً على مفاوضات «هدنة غزة»، لفت خليل إلى أنه «في جولات التفاوض المتعددة، كان معظم ما نشرته وسائل الإعلام معتمداً على تسريبات من مصادر مُجهَّلة». وأردف: «لا بد للصحافي أن يلتزم الحذر في التعامل مع التسريبات التي تهدف إلى الترويج لوجهة نظر ما بهدف التأثير على مسار المفاوضات». وعزا انتشار التسريبات إلى نقص المعلومات، وغياب القوانين التي تكفل حرية تداولها.

من ثم، لمواجهة التضارب في المعلومات وتداعياته من تراجع للثقة في وسائل الإعلام، ينصح الدكتور خليل بـ«الالتزام بالمعايير المهنية في نقل المعلومات والتوازن في عرض التحليلات، من دون انحياز لوجهة نظر على حساب أخرى، لأن تلك الانحيازات تؤثر على التغطية، وعلى المصداقية أيضاً». وشدد على «ضرورة إعطاء مساحة أكبر للمعلومات مقارنة بالتحليلات والتفسيرات، لا سيما أن بعض التحليلات قد ينطوي على خداع للجمهور». واستطرد أن «مساحة التحليل في الإعلام العربي أكبر من مساحة المعلومات التي تراجع وجودها لصالح التسريبات في ظل غياب حرية تداول المعلومات».