كيف يواجه «إكس» اتهامات نشر «معلومات زائفة»؟

كيف يواجه «إكس» اتهامات نشر «معلومات زائفة»؟
TT

كيف يواجه «إكس» اتهامات نشر «معلومات زائفة»؟

كيف يواجه «إكس» اتهامات نشر «معلومات زائفة»؟

عاد الجدل مجدداً بشأن منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، ودورها في مكافحة الخلل المعلوماتي، لا سيما بعد تجدد الاتهامات للمنصة التي يملكها رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك، بالمساهمة في نشر المعلومات «الزائفة» و«المُضللة»، الأمر الذي عده خبراء تهديداً لاستمرار عمل «إكس» في بعض الدول، ما لم تتخذ إجراءات فعلية لمواجهة الخلل المعلوماتي.

ومن جهة أخرى، صنّف الاتحاد الأوروبي، في بيان نشره الأسبوع الماضي، منصة «إكس» بأنها «صاحبة أعلى معدل في نشر المعلومات الزائفة والمضللة بين منصات التواصل الاجتماعي». وقالت مفوضة القيم والشفافية بالاتحاد الأوروبي فيرا جيروفا، في البيان، إنه «رُصد أداء سيئ لمنصة (إكس) في هذا الصدد، خلال مرحلة تجريبية لاختبار كود الممارسات المرتبط بقانون الخدمات الرقمية». وسبق أن حذر الاتحاد الأوروبي منصة «إكس» في مايو (أيار) الماضي، من أن «الإجراءات التي اتخذها ماسك أسهمت في نشر الدعاية الروسية». وفي العام الماضي، طالب الاتحاد الأوروبي «إكس» باتخاذ بعض الإجراءات حتى تتجنب الوقوع تحت طائلة «قانون الخدمات الرقمية»، بحسب ما نشره موقع «ذا كرنش».

محمود غزيل، الصحافي اللبناني والمدرّب في مجال التحقق من المعلومات، قال في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «تركيبة منصة إكس التفاعلية القائمة بشكل أساسي على النصوص، بالإضافة إلى المواد البصرية الأخرى، وقوة الخوارزمية، أي طريقة عرض المنشورات، تجعلها مساهمة قوية في انتشار المعلومات عالمياً، وليس محلياً فقط».

وتابع غزيل أنه «مع غياب الإجراءات الرادعة القويّة لمنع تغلغل المعلومات المضللة، فإن ناشري تلك المعلومات يستغلون قوة المنصة للتوسّع في نشر الأكاذيب والدعاية السياسية والتضليل العلمي والاجتماعي». ولفت إلى أن «قرارات إيلون ماسك، منذ تسلم دفة المنصة، أزالت كثيراً من القيود التي كانت موضوعة على طبيعة المعلومات المنشورة والحسابات النشطة، مع أنها لم تكن كافية حتى آنذاك، بل ذهب أبعد من ذلك إلى أنه أعاد بنفسه نشر معلومات غير دقيقة حول كثير من المسائل. وهذا الأمر دفع كثيراً من المستخدمين والشركات والجهات إلى الانسحاب من المنصة».

غزيل ذكر أيضاً أن «طرق مواجهة التضليل المعلوماتي عبر منصّات التواصل تختلف من دولة إلى أخرى ومن منطقة جغرافية إلى أخرى... والقيود قد تختلف حسب طبيعة هذه المناطق». ورأى أن تقرير الاتحاد الأوروبي الأخير جاء بمثابة «تحذير» مما قد يحصل في بداية العام المقبل، مع دخول «قانون الخدمات الرقمية» الأوروبي حيز المراقبة بنهاية العام الماضي، واقتراب بدء حيز التنفيذ في بداية 2024.

ثم أردف: «وفق هذا القانون، ستكون هناك عقوبات على المنصات التي لا تلتزم بحماية المستخدمين، وهذه العقوبات ستُحدد من قبل كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ومن قبل الاتحاد نفسه، ومفوضية الاتحاد الأوروبي... ويمكن في الحالات الأكثر جدية أن تفرض غرامات تصل إلى 6 في المائة من الإيرادات العالمية لمقدم الخدمة. وفي حال واصلت (إكس) رفض التجاوب مع مطالب حماية المستخدمين، من الممكن فرض تعليق قضائي مؤقت لخدماتهم، أي حجب منصة (إكس) أو أي منصة غير متجاوبة تعمل في الاتحاد الأوروبي».

أما بشأن إجراءات منصة «إكس» في مواجهة الخلل المعلوماتي، فقال غزيل: «منذ أن تسلم ماسك إدارة المنصة، حدث كثير من التغييرات في مجال مكافحة الخلل المعلوماتي، ومن بينها إقصاء إمكانية دراسة المنشورات والتفاعل عبر المنصة. وبالتالي منع إمكانية المجتمعات العلمية من إجراء تحليل واسع لما يحدث وتتم مشاركته عبر المنصة، حيث رفع ماسك دعوى قضائية ضد منظمة متخصصة بدراسة انتشار خطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي، متهماً إياها بتنفيذ حملة تخويف لإبعاد المعلنين. ومن ثم، أزال الملاحظات على الحسابات الأفراد والهيئات التي تتبع الجهات الحكومية، وكشف عن أن الأداة المخصصة للإبلاغ عن المعلومات المضللة المتعلقة بالانتخابات في الولايات المتحدة، وأستراليا وعدد من دول العالم، تم تخفيض عملها في المنصة. لكن ماسك في المقابل، دعم إدارة خدمة الملاحظات المجتمعية التي لا تزال غير مفعّلة في كثير من المناطق حول العالم، لا سيما المنطقة العربية، حيث يمكن للمستخدمين في مناطق محددة من العالم، التحقق من صحة المنشورات، وإذا وافق عليها عدد كافٍ من المستخدمين، يمكن إضافتها إلى المنشور كسياق إضافي».

وهنا يقول غزيل إن «هذه الميزة، على الرغم من نجاحها في كثير من المجالات، لا تزال محدودة القوة في فرض نفسها ومعاقبة ناشري المعلومات الخاطئة، لذا لا يزال المؤمنون بضرورة الحفاظ على الانتقال السليم للمعلومات يرون أن (إكس) التي يمتلكها أحد أغنى الأشخاص حول العالم، قادرة على اتخاذ مزيد من الإجراءات في الحد من تداول الخلل المعلوماتي، لا سيما في العالم غير الناطق باللغة الإنجليزية».

ورداً على الانتقادات نشر حساب الشؤون الحكومية العالمية التابع لـ«إكس» عدة منشورات، قال إن «شبكات التواصل الاجتماعي شهدت نمواً في عدد المشتركين والحسابات المؤيدة لروسيا، وظهر أكثر من 700 ملاحظة مجتمعية على المنشورات المتعلقة بالنزاع في أوكرانيا من خلال ميزة ملاحظات المجتمع، ووضعت هذه الملاحظات على أكثر من 1200 منشور آخر».

في سياق موازٍ، قال محمد الصاوي، الباحث الإعلامي المصري في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الانتشار السريع للمعلومات المضللة والخاطئة على الإنترنت، والمعروفة بالخلل المعلوماتي، أصبح مشكلة عالمية تستدعي الاهتمام. وبينما يمكن أن تسهم جميع الشبكات الاجتماعية في هذه المشكلة بطريقة أو بأخرى، تبرز منصة (إكس) بشكل خاص في هذا السياق». وأشار الصاوي إلى أن «تقرير نيوز غارد الأخير، أظهر أن قرار إيلون ماسك، إزالة العلامات التي تشير إلى الحسابات المرتبطة بالدولة، أدى إلى زيادة في نشر الدعاية على المنصة في الـ90 يوماً التالية، وارتفع تفاعل الأشخاص على المنشورات من حسابات الإعلام الروسية والصينية والإيرانية الناطقة باللغة الإنجليزية بنسبة 70 بالمائة».

وفي ضوء الاتهامات الموجهة لمنصة «إكس»، ذكر الصاوي أنه «يمكن فرض قيود أو تنظيم أشد على المنصة داخل الاتحاد الأوروبي، من خلال قانون الخدمات الرقمية الذي يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة للمنصات الرقمية الكبيرة. وإذا لم تتخذ المنصة الإجراءات اللازمة لمكافحة الخلل المعلوماتي، فقد تكون عرضة لعقوبات قانونية أو تنظيمية صارمة». وأضاف أن «الإجراءات التي اتخذتها المنصة لمكافحة الخلل المعلوماتي لم تكن ناجحة، بل على العكس فإن إزالة العلامات التي تشير إلى الحسابات المرتبطة بالدولة أدت إلى زيادة نشر الدعاية والمعلومات غير الصحيحة، كما أن الاقتراح الأخير لماسك بفرض رسوم على جميع المستخدمين قد يؤدي بالفعل إلى تراجع أعدادهم، مما يقلل من التأثير العام للمنصة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة تقليل مشكلة الخلل المعلوماتي». ووفق الصاوي فإن «النقاش حول الخلل المعلوماتي ودور الشبكات الاجتماعية فيه قائم ومستمر، ومن الصعب تحديد الدور الذي تلعبه المنصة بدقة، من دون النظر إلى البيانات والإحصاءات الخاصة}. ويوضح أن «أي منصة اجتماعية، لديها القدرة على تشكيل وتوجيه المحادثات العامة والخاصة، ولذلك يجب على هذه المنصات أن تتحمل المسؤولية في مكافحة الخلل المعلوماتي}.


مقالات ذات صلة

خلاف بين محامي ترمب والمحقق الخاص بشأن الجدول الزمني لقضيته

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ب)

خلاف بين محامي ترمب والمحقق الخاص بشأن الجدول الزمني لقضيته

ظهرت خلاف بين المدعي الخاص الذي يلاحق ترمب بتهمة محاولة إلغاء نتائج انتخابات 2020 وفريق الدفاع عن الرئيس السابق بشأن الجدول الزمني لإجراءات النظر في القضية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب وابنته إيفانكا (إ.ب.أ)

ترمب: إيفانكا رفضت أن تصبح سفيرة لدى الأمم المتحدة وفضّلت توفير فرص عمل للملايين

قال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، إن ابنته إيفانكا كان ينبغي أن تكون سفيرة للأمم المتحدة، و«القادة الأكثر روعة» يأتون من أسكوتلندا مثل والدته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص إيثان غولدريتش خلال المقابلة مع «الشرق الأوسط» (الشرق الأوسط) play-circle 00:45

خاص غولدريتش لـ «الشرق الأوسط»: لا انسحاب للقوات الأميركية من سوريا

أكد إيثان غولدريتش، مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والمسؤول عن الملف السوري في الخارجية، أن القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا.

رنا أبتر (واشنطن)
العالم عالم الأنثروبولوجيا فيليب بلوين والناشطتان من أقلية الموهوك كاهنتينثا وكويتييو أمام مسبح هنري ويليام مورغان في معهد ألين التذكاري في 17 يوليو 2024 في مونتريال - كندا (أ.ف.ب)

كندا: نساء من السكان الأصليين يسعين لتفتيش موقع اختبارات سابق لـ«سي آي إيه»

تأمل نساء من السكان الأصليين بكندا وقفَ أعمال البناء في موقع مستشفى سابق في مونتريال، يعتقدن أنه قد يكشف حقيقة ما جرى لأبنائهن المفقودين عقب تجارب تعرّضوا لها.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
الولايات المتحدة​ المخرج علي عباسي (الثالث يميناً) مع مجموعة من المشاركين في فيلم «ذي أبرنتيس» عند وصولهم إلى العرض الأول للفيلم في مهرجان «كان» السينمائي الدولي السابع والسبعين بجنوب فرنسا في 20 مايو 2024 (أ.ب)

فيلم مثير للجدل عن سيرة ترمب يُعرض في صالات السينما قبل الانتخابات

من المقرر طرح فيلم «ذي أبرنتيس» (The Apprentice) المثير للجدل والمستوحى من سيرة الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي دونالد ترمب، في صالات السينما الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الإعلام الرياضي متهم بـ«الانحياز الجنسي» و«تسليع الأجساد»

إيمان خليف
إيمان خليف
TT

الإعلام الرياضي متهم بـ«الانحياز الجنسي» و«تسليع الأجساد»

إيمان خليف
إيمان خليف

كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، حول العنف تجاه النساء والفتيات في مجال الرياضة، أن 87 في المائة من حالات التنّمر المسجّلة على هامش الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس على منصّة «إكس» («تويتر» سابقاً) كانت ضد الرياضيات الإناث. والنسبة هي بالتأكيد مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الجدل حول التمييز الجندري (الجنسي) الذي تتعرض له النساء اللائي اخترن احتراف الرياضة.

ثم إنه على الرغم من التقدم الذي تحقق في التغطية الإعلامية المخصّصة للرياضات النسوية، يبدو أن الطريق ما زال طويلاً قبل الوصول إلى تحقيق التكافؤ بين الجنسين. وهذه خلاصة لدراسة أعدتها هيئة «الأركوم» الفرنسية لتنظيم الإعلام السمعي البصري والرقمي، نشرت في يناير (كانون الثاني) 2023، وجرت فيها دراسة تطور التغطية الإعلامية للرياضات النسوية على مدى 4 سنوات.

النتائج كشفت ما كان متوقعاً، أي أن الرياضيين الذكور يحظون بتغطية أوسع من زميلاتهم الإناث، إذ يستولون على نسبة 77 في المائة من اهتمام الإعلام. وفي المقابل، بيّنت الدراسة أن الأمور تتجه لتحسن طفيف، ذلك أن نسبة بثّ المباريات والمسابقات الرياضية النسوية ارتفعت من 3.6 في المائة عام 2018 إلى 4.8 في المائة عام 2021، مع العلم أن معظمها بُثت على قنوات القطاع العام، لأن القنوات الخاصة التي تخضع لمنطق الربحية لا تريد المغامرة وتفضل التركيز على الرجال لتكون قادرة على جلب المعلنين وتحقيق نسب مشاهدة عالية. في حديث مع إذاعة «راديو فرانس» قالت الصحافية الرياضية إيميلي روس إن «القضية ليست قضية أرباح فقط بل خيارات تحريرية، فنحن نضع على الواجهة ما يباع... ونرفض الاعتراف بأننا إذا سلّطنا الضوء على الرياضات النسوية، فسينتهي بنا الأمر إلى بيع الاهتمام بشكل أكبر». واستشهدت الصحافية بدراسة لجريدة «لوباريزيان» الفرنسية كانت قد أظهرت أنه خلال الفترة التي أعقبت ترشّح منتخب كرة القدم النسوي لنهائيات كأس الأمم، ورغم النجاحات التي أحرزتها اللاعبات، كانت نسبة تداول اسم نجم كرة القدم كيليان مبابي في وسائل الإعلام 3 أضعاف تداول اسم كل لاعبات فريق كرة القدم الوطني مجتمعات (11 لاعبة). الانتقادات لم تطل الجانب «الكمّي» من التغطية الإعلامية فحسب، بل الجانب النوعي أيضاً. فقد نقلت تقارير كثيرة جداً نماذج للتحّيز الجنسي الواضح في تغطيات الصحافيين عندما يتعلق الأمر بمباريات أو مسابقات رياضية تشارك فيها النساء، إذ يصار إلى التركيز على شكل الجسد والعمر والحياة الخاصة للرياضيات، بينما تشيد التقارير الموازية بالقدرات والمنجزات والأداء الرياضي عند زملائهن من الرجال.

آنا كورنيكوفا

وفي هذا السياق، كان الصحافي الأسترالي (اللبناني الأصل) ديفيد بشير قد تسبّب في جدل كبير في وسائل الإعلام الأسترالية عام 2023، بسبب تعليق له حول الأداء الرياضي للاعبة كرة قدم بعد فترة الأمومة. أما ساندي مونتانولا، الباحثة الفرنسية في علوم الإعلام والاتصال في جامعة رين الأولى (شمال غربي فرنسا) فقد نشرت في إطار دراسة علمية مقتطفات من المقالات التي كُتبت في وصف الملاكِمات، ليتضّح أن معظمها يحمل تعليقات حول بنية الجسد والملامح القاسية. وجاء في مقطع من تحقيق خُصّص لبطلة الملاكمة السابقة مريم لامار ما يلي: «في غرفة الملابس ترتدي مريم لامار السروال القصير، فتظهر عضلاتها المثيرة: ذراعان قويتان وظهر تتوقّعه من رجل...».

آميلي موريزمو

من جهة أخرى، إذا كان البعض يرى أن المشكلة في المظهر والأنوثة، فإن آخرين يرون أن المشكلة تكمن في الطابع الجنسي الذي تحاول وسائل الإعلام إضفاءه على أجساد الرياضيات. وهنا، كشفت دراسة كانت قد أجريت إبّان الألعاب الأولمبية في أثينا عام 2004 أن 20 في المائة من اللقطات التي بُثت من مباريات كرة اليد الشاطئية كانت مشاهد مقرّبة لصدور وأرداف اللاعبات، وكأن المباراة «فرجة» لمفاتن اللاعبات أكثر منها تقييماً للأداء الرياضي.

وما يستحق الإشارة هنا أن قرار الاتحاد الأوروبي بمعاقبة لاعبات كرة اليد الشاطئية النرويجيات، لاستعاضتهن عن لباس السباحة المكون من قطعتين صغيرتين (بيكيني) بسروال قصير أكثر حشمة، أحدث جدلاً كبيراً حول ظاهرة «تسليع» جسد الرياضيات. وهذه الفكرة شرحتها الباحثة الفرنسية مونتانولا حين كتبت: «بينما يستطيع الرياضيون ارتداء بدلة مريحة، لا تملك الرياضيات حرية اختيار اللباس، وكأن أجسادهن ملك للاتحاد وللشركات المعلنة ووسائل الإعلام». وبالفعل، هذه الظاهرة نجدها بقوة اليوم في شبكات التواصل التي تعرض أجساد الرياضيات طمعاً في الحصول على الإعجابات. وفي هذا الشأن تشرح مصارعة الجودو المغربية (ذات الأصول السنغالية) أسماء نيانغ لمجلة «وومان سبورت» قائلة: «كثيرات من الرياضيات ينشرن صوراً تكشف عن أجسادهن، وكلما أظهرن المزيد حصلن على المزيد من (الإعجابات)... وهذا ببساطة ما يدفع الرُّعاة والمعلنين إلى توقيع عقود الشراكة، ما يعني أننا أصبحنا (منتوجاً) على شبكات التواصل، وهذه للأسف خطوة لا بد منها إذا أردنا ضمان وجودنا على المشهد الرياضي والإعلامي». الأدهى من ذلك هو أن الحضور القوي لبعض الرياضيات على شبكات التواصل لا يرتبط بالضرورة بأداء رياضي متميّز. وهنا يستعين سيبستيان أيسا، الباحث في جامعة الفرانش كونتيه (شرق فرنسا) بمثال لاعبة كرة المضرب الروسية الحسناء آنا كورنيكوفا، التي لم تكن تصنّف ضمن أحسن اللاعبات لكنها تحظى بأضعاف التغطية الإعلامية التي تلقاها زميلتها المصنفة العالمية الأولى. وبالنسبة للرياضيات اللائي لا تنطبق عليهن معايير الأنوثة المتعارف عليها، فغالباً ما يتعرّضن للتنمّر والتمييز ضدهن، وبالأخص على شبكات التواصل. وكانت آخر حلقات هذه الظاهرة الحملة العنيفة التي تعرضت لها الملاكمة الجزائرية إيمان خليف على منصّة «إكس»، عندما وُصفت فيها بـ«الوحش» و«الرجل» و«المتحوّل الجنسي»، وقد شارك فيها مالك المنصّة نفسه إيلون ماسك، الذي يعد حسابه على المنصة 190 مليون متابع. ثم إن الجدل وصل إلى وسائل الإعلام الأميركية ودخل في المنافسة الانتخابية بين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب ومنافسته كامالا هاريس.

وقبل إيمان تعرّضت مجموعة من نجمات الرياضة، بينهن بطلة كرة المضرب الأميركية سيرينا وليامز وزميلتها الفرنسية آميلي موريزمو والجنوب أفريقية كاستر سيمنيا والإيرانية زهرة قودائي وأخريات، إلى حملات تنمّر شنيعة، بتشجيع من شبكات التواصل، بالإضافة لتغطية إعلامية متحيّزة لا تمت بصلة لأدائهن الرياضي، بل لخروجهن عن إطار الصورة النمطية للجسد المثالي للمرأة.