اتجاه أميركي لحظر «تيك توك»... منافسة أم حماية للخصوصية؟

اتجاه أميركي لحظر «تيك توك»... منافسة أم حماية للخصوصية؟
TT

اتجاه أميركي لحظر «تيك توك»... منافسة أم حماية للخصوصية؟

اتجاه أميركي لحظر «تيك توك»... منافسة أم حماية للخصوصية؟

تجدد الجدل بشأن مصير تطبيق «تيك توك» في الولايات المتحدة، مع اتجاه ولايات عدة لحظر التطبيق بحجة «حماية الخصوصية»، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الاتجاه، وما إذا كانت حماية البيانات الشخصية، هي «مبرر الحظر»، أم هناك دوافع أخرى، من بينها المنافسة المحتدمة بين «تيك توك» الصيني، وتطبيقات التواصل الاجتماعي الأميركية.

كذلك يرى بعض الخبراء أن القرار «صعب التطبيق» من الناحية العملية، ويجزم بعضهم بأن المنافسة -سواء كانت سياسية أو تجارية- هي الدافع الرئيسي وراء مساعي الحظر.

الجدل أثير أخيراً مع إعلان مجموعة من 18 مدعياً عاماً بالولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، دعمهم جهود ولاية مونتانا لحظر «تيك توك»، وحثوا القضاء على «رفض الطعون المقدمة في هذا الشأن، قبل تاريخ سريان الحظر المقرر في أول يناير (كانون الثاني) المقبل»، حسبما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء. ويمثل المدعون العامون كلاً من ولايات: فيرجينيا، وجورجيا، وألاسكا، ويوتاه، وإنديانا، ونبراسكا، وإنديانا، وأيوا، وكنتاكي، وساوث داكوتا. وحسب وكالة «رويترز»، يطلب هؤلاء «رفض الطعون المقدمة من (تيك توك)»؛ لأن التطبيق «ينخرط عمداً في ممارسات تجارية خادعة، تُحفز الأفراد على مشاركة معلومات شخصية حساسة، تمكّن الصين من الوصول إليها بسهولة، إضافة إلى إضرار التطبيق بالأطفال في مونتانا».

وما يستحق الإشارة، أنه في مايو (أيار) الماضي، أصبحت مونتانا أول ولاية أميركية تفرض حظراً على «تيك توك»، المملوك لشركة «بايت دانس» الصينية.

وخلال الشهر الماضي، عدَّ المدعي العام الأميركي الجمهوري في الولاية، أوستن كنودسن، قرار المجلس التشريعي لولاية مونتانا حظر التطبيق «صحيحاً». ورداً على قرار الحظر، رفع «تيك توك» دعوى قضائية، بهدف وقف تنفيذ قرار الحظر، بحجة «انتهاكه للتعديل الأول من الدستور الأميركي، بشأن حرية التعبير». ومن المقرر الآن عقد جلسة استماع بهذا الشأن في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

ولا يفرض قانون مونتانا عقوبات على المستخدمين الأفراد؛ لكنه قد يفرض غرامة قدرها 10 آلاف دولار على كل انتهاك من جانب «تيك توك»، بينما تشير تقديرات «تيك توك» إلى أن «380 ألف شخص في مونتانا يستخدمون خدمة الفيديو».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، قال لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء معه، إن «محاولات حظر تطبيق (تيك توك) ليست جديدة... والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي حاولوا في وقت سابق حظر التطبيق، ومنعه من الانتشار. وبالفعل تم منع فئات معينة من الموظفين الحكوميين في بعض الدول من استعمال (تيك توك)». وأردف: «إن تبريرات المنع غالباً ما كانت غامضة؛ لكن من الواضح أن المنع يخفي وراءه نزاعاً غربياً- صينياً، لم يتوقف عند (تيك توك)؛ بل حصل أيضاً مع (هواوي)، وكذلك أشباه الموصلات (الشرائح) التي تنتجها الصين وتايوان، وتستعملها أميركا وأوروبا في صناعة منتجاتها».

وفي منتصف الشهر الجاري، أعلن مفوض حماية البيانات في آيرلندا، الجهة التنظيمية الرئيسية للاتحاد الأوروبي المتخصصة في التعامل مع شركات التكنولوجيا الكبرى، فرض غرامة قيمتها 345 مليون يورو على «تيك توك»، لـ«انتهاكه قوانين الخصوصية في التعامل مع البيانات الشخصية للقُصّر في الاتحاد الأوروبي».

ثمة دوافع عدة وراء هذا الخلاف، لخَّصها كيالي بقوله، إن «الدول الغربية تدَّعي أن الصين تعمل على تجميع واستعمال كل المعلومات الموجودة في التطبيق لأغراض استهداف الأمن القومي»، موضحاً أن «الصين بدأت تسيطر بشكل واضح على أسواق التكنولوجيا الحديثة في كل العالم، وهذا يضر بمصلحة الشركات التكنولوجية الغربية، وبالأخص الأميركية».

وحول تأثير مثل هذه القرارات على تطبيقات التواصل الاجتماعي. قال كيالي: «عندما دخل (تيك توك) سوق تطبيقات التواصل الاجتماعي، اهتز عرش التطبيقات الأميركية، وكبَّدها خسائر مالية كبيرة... وشركات مثل (ميتا)، و(يوتيوب) و(إكس) أخذت تعدل استراتيجياتها كل فترة، بإضافة ميزات منافسة ومشابهة للتطبيق الصيني».

وللعلم، يستخدم تطبيق «تيك توك» اليوم نحو 150 مليون شخص في الولايات المتحدة، وفقاً للإحصائيات الرسمية المعلنة.

من جهة ثانية، أفاد محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، «الشرق الأوسط»، بأن «جمع تطبيق (تيك توك) بيانات أكثر من 150 مليون مواطن أميركي يثير مخاوف من قدرة الحكومة الصينية على الوصول إلى هذه البيانات». ويشير إلى أن «حظر التطبيق يُمكن أن يتحقق عبر مطالبة الشركتين الأميركيتين المالكتين للمتاجر الإلكترونية (ألفا) و(آبل) بحذف التطبيق من متاجرها»؛ لكنه يوضح أنه «من الناحية العملية من الصعب تنفيذ الحظر بشكل كلي؛ لأنه يُمكن للمستخدمين الوصول إليه عبر دول أخرى، عن طريق تغيير الموقع الجغرافي».

ويشرح بأن «الدوافع الأميركية معروفة في إطار المنافسة اقتصادياً بين الولايات المتحدة والصين؛ إذ يمثل (تيك توك) تهديداً للشركات الأميركية التي تعمل في المجال نفسه، مثل (ميتا)»، لافتاً إلى أن «دعوات الحظر داخل الولايات المتحدة ليست وليدة الساعة؛ بل تعود إلى سنوات مضت، تزامنت مع أزمات شركات صينية أخرى، مثل (هواوي)، وجميعها تتعلق بالاتهامات ذاتها... أي التجسس واستغلال البيانات لأغراض غير معلنة».

ثم يدلل على أن المنافسة هي الدافع الرئيس وراء «مطالبة الولايات المتحدة شركة (بايت دانس)، مالكة تطبيق (تيك توك)، ببيع عملياتها داخل أميركا لشركة أميركية، لمراقبة وتتبع مسألة البيانات تحديداً، في حين تصر (بايت دانس) على أن نظام عملها لا يختلف عن بقية تطبيقات التواصل، وأنها لا تنقل البيانات للصين».

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنه في مارس (آذار) الماضي، اتهم مشرعون أميركيون تطبيق «تيك توك» بـ«تقديم محتوى ضار، والتسبب في اضطراب عاطفي للمستخدمين الشباب»؛ إلا أن «تيك توك» نفى أكثر من مرة «مشاركة بيانات المستخدمين مع الحكومة الصينية». وأكد التطبيق «اتخاذ إجراءات لحماية الخصوصية».



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».