حظر «ميتا» الأخبار في كندا... وسيلة ضغط أم بداية نهج جديد؟

حظر «ميتا» الأخبار في كندا... وسيلة ضغط أم بداية نهج جديد؟
TT

حظر «ميتا» الأخبار في كندا... وسيلة ضغط أم بداية نهج جديد؟

حظر «ميتا» الأخبار في كندا... وسيلة ضغط أم بداية نهج جديد؟

جددت اتهامات وجهتها الحكومة الكندية لشركة «ميتا» المالكة لمنصتي «فيسبوك» و«إنستغرام» بتقديم أرباحها على «سلامة المواطنين»، الصراع الدائر بشأن كيفية تعامل منصات التواصل الاجتماعي مع الأخبار، وهذا في ظل سعي وسائل الإعلام للحصول على مقابل مادي نظير إعادة نشر ما تنتجه من محتوى على هذه المنصات. وفي حين يرى خبراء أن ما يحدث من جانب «ميتا» هو محاولة للضغط على الحكومات هدفها عرقلة قوانين تتعلق بنشر المحتوى على الإنترنت، يقول آخرون إن هذا جزء من سياسة تتبعها منصات التواصل في الاعتماد على المحتوى الترفيهي، وتقليل الاهتمام بالأخبار.

خلال الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن «ميتا» قدّمت أرباحها على سلامة الأفراد إبّان حرائق الغابات بمنعها نشر أخبار الحرائق على «فيسبوك». وللعلم، كانت «ميتا» قد أعلنت في وقت سابق، اعتزامها حظر نشر الأخبار على المنصات التابعة لها في كندا بسبب قانون كندي جديد يطالب عمالقة التكنولوجيا ومن بينهم «ميتا» و«غوغل» بدفع مقابل إعادة نشر الأخبار التي تنتجها وسائل الإعلام. وفي ظل استمرار الحرائق التي تسببت في نزوح عشرات الآلاف في كندا، دعا ترودو «ميتا» إلى رفع الحظر المفروض على الأخبار في كندا.

رائف الغوري، اختصاصي تقنية المعلومات والمدرب الإعلامي السوري في دولة الإمارات العربية المتحدة، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً إن «ميتا تواصل نهجها تجاه الأخبار؛ فقبل أيام حظرت نشرها في كندا، وهو ما حدث قبل سنوات في أستراليا، ومن المنتظر تكراره قريباً في فرنسا». وأردف أن «مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بات بين المطرقة والسندان، لا سيما أن منصات التواصل الاجتماعي تتعامل مع الأخبار بوصفها خدمة إضافية لبقية خدماتها».

وأشار الغوري إلى «قدم الصراع بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث وجدت الأولى أن ما تنتجه من محتوى ينشر دون مقابل على منصات التواصل... ومع انخفاض عائدات الإعلانات، طالبت وسائل الإعلام هذه المنصات بالدفع مقابل ما تنشره من أخبار، لكن الأخيرة رفضت، ليغدو الاختيار بين نشر الأخبار مجاناً أو منع نشرها، ما يعني أن الخاسر في هذه المعركة هو المستخدم».

وبالفعل، يشهد العالم اليوم صراعاً قانونياً شرساً بين وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، فإلى جانب حظر «ميتا» نشر الأخبار في كندا، سبق أن حدث أمر مماثل في أستراليا، عندما أصدرت الحكومة قانون «تسوية ساحة المنافسة» 2021، كما يوجد قانون مماثل في فرنسا اسمه «قانون المجاورة» 2019. وتتيح هذه القوانين لوسائل الإعلام الحصول على تعويض من منصات التواصل الاجتماعي نظير إعادة نشر ما أنتجته من محتوى.

الغوري يرى أن الهدف من قرار «ميتا» الأخير بحظر نشر الأخبار في كندا، هو «الضغط على الحكومات من أجل سحب هذا النوع من القوانين، أو الوصول إلى تسويات مناسبة للطرفين، لأنه في حقيقة الأمر كلا الطرفين خاسر، والمستخدم، وهو المستهدف الأول الخاسر الأكبر». ويوضح أن «وكالات الأنباء تودّ الحصول على مردود من المنصات لقاء جهدها وجهود فرق المراسلين والمحررين والإداريين، ومنصات التواصل الاجتماعي تجد في المحتوى الإخباري مادة جيدة تحافظ على جمهورها الذي تستفيد منه في عرض الإعلانات، وتجييش الحملات الإعلانية والتسويقية بالاعتماد على أحدث خوارزميات التسويق الرقمي الخاصة بكل منصة».

ومن ثم، ينصح الغوري مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بـ«الحصول على المعلومات من مصادر ذات مصداقية، وهي وسائل الإعلام كونها تحرص على الدقة والتحقق من المعلومات، في حين تعيد منصات التواصل نشر الأخبار ربما بصياغة وشكل مختلف ما يؤثر في المصداقية». ولكن رغم الصراع فإنه يحمل نواحي إيجابية، وفق الغوري، الذي يعده «فرصة للمؤسسات الإخبارية لإعادة التركيز على قنواتها الأصلية، ما قد تنتج عنه زيادة في الاشتراكات والمبيعات، حيث يبحث القراء عن مصادر موثوق بها للأخبار». ومن جهة ثانية، يقول الغوري إن «انخفاض أو انعدام المحتوى الإخباري الرسمي في منصات التواصل الاجتماعي، سيترك المجال لصحافة المواطن أو الأخبار الاجتماعية للمشتركين بالمنصات، فيكون طابعها اجتماعياً أكثر منه إخبارياً، ما يدفع المهتم بالحصول على الأخبار والأحداث إلى استقائها من مصادرها الأصلية وهي وكالات الأنباء والصحف المحلية والعالمية».

ما يجدر ذكره، أنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، احتفت أستراليا بنجاح قانون نشر المحتوى الإخباري. وقالت الحكومة الأسترالية في تقرير لها، إنه منذ تطبيق القانون وقعت شركات التواصل الاجتماعي أكثر من 30 عقداً مع وسائل الإعلام. هذا النجاح دفع دولاً أخرى لتحذو حذو أستراليا، بينها كندا، التي صادق برلمانها على قانون مماثل في 20 يوليو (تموز) الماضي، ومن المقرر أن يبدأ العمل به في ديسمبر المقبل.

وبدوره، قال الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي محمد فتحي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ميتا بدأت في يونيو (حزيران) الماضي، اختبار تقليل ظهور الأخبار في كندا، تمهيدًا لتعميم المسألة على العالم كله... والهدف إعطاء مساحة أكبر للمحتوى المنوع والترفيهي والخدمي، بعيداً عن محتوى المستخدمين والناشرين الإخباري، الذي تقول (ميتا) إن نسبة استهلاكه على منصتها لا تتعدى 4 في المائة».

ووفق فتحي «ما فعلته (ميتا) شبيه بما فعلته (غوغل) من قبل، عندما عارضت «قانون الأخبار عبر الإنترنت» المقترح في كندا، لإجبار الشركات على التفاوض على صفقات تجارية ودفع أموال للناشرين الكنديين مقابل نشر المحتوى على الإنترنت». وهنا يضيف أن «(ميتا) حذّرت من أنها ستنهي إتاحة المحتوى الإخباري للكنديين على منصاتها إذا مُرر مشروع القانون المقترح، قبل أن تنفذ تعهداتها، مع توقعات دخول القانون حيز التنفيذ في ديسمبر المقبل».



كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».