الإعلام الفرنسي: نزعة جديدة باتجاه تفلّت الخطاب العنصري

«هجمة» رجل الأعمال المحافظ فانسان بولوريه تعزّز هيمنة اليمين المتطرّف عليه

صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)
صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)
TT

الإعلام الفرنسي: نزعة جديدة باتجاه تفلّت الخطاب العنصري

صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)
صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)

منذ أيام قليلة، انتهى إضراب صحافيي أسبوعية «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية وعمالها بتأكيد مجموعة «لاغاردير» ثقتها في الإعلامي جوفروا لوجون على رأس إدارة الأسبوعية الشهيرة. ويأتي تنصيب صحافي معروف بمواقفه الموالية لليمين المتطرف على رأس صوت إعلامي بعد هجمة ملحوظة للملياردير فانسان بولوريه على معاقل الإعلام الفرنسي بغرض ضمّها إلى مجموعته الضخمة «فيفندي»، وكان رجل الأعمال الفرنسي المحافظ قد أثار في مناسبات كثيرة جدلاً واسعاً بسبب مواقفه الموالية لليمين المتطرف.

إيريك زمّور (إلى اليمين) على قناة "سي نيوز"

«لوجورنال دو ديمانش»

أكثر من شهر من الإضرابات، ودعم 650 شخصية من مختلف الأطياف السياسية والثقافية، وجدل على مستوى الصحافة والبرلمان حول حياد وسائل الإعلام لم تكن كافية للي ذراع إدارة مجموعة «لاغاردير» المالكة (مؤقتاً) لـ«لوجورنال دو ديمانش» (جي دي دي). وللعلم، كان الفريق العامل فيها قد عبّر بغالبية ساحقة (98 في المائة) عن رفضه تعيين جوفروا لوجون مديراً للتحرير بسبب مواقفه المتطرفة. وما يذكر أن مدير التحرير الجديد كان قد أُقيل قبلاً من مهامه على رأس صحيفة «فالور أكتووال» (التي يملكها رجل الأعمال الفرنسي - اللبناني إسكندر صفا) بعدما ساند علانية ترشّح زعيم اليمين المتطرف إيريك زمّور للرئاسة، ويعد زمّور من أصدقائه المقربين. كذلك فإن لوجون كان أيضاً وراء تأليف كتاب بعنوان «زمّور الرئيس» (دار نشر رينغ) الذي مدح فيه الطموح السياسي لزعيم كتلة «الاستعادة» (روكونكيت) وحظوظه المزعومة في الفوز بالرئاسيات ورسم للمرشح السابق ملامح شخصية مثالية.

أكثر من هذا، يُعدّ لوجون البالغ من العمر 35 سنة صديقاً مقرباً لماريون مارشال - لوبن، ابنة أخت زعيمة حزب «التجمع الوطني» المتطرف مارين لوبن وحفيدة جان ماري لوبن مؤسّس حزب «الجبهة الوطنية» المتطرف. وهو لم يكتفِ بالإجهار عن قناعاته السياسية فحسب، بل ذهب إلى غاية الإعلان عن نيته الدفاع عن نظريات اليمين المتطرف في وسائل الإعلام. وفي حوار نشر على موقع «أنسيب» لمدرسة العلوم السياسية التي أسهم في تأسيسها مع صديقته ماريون، صرّح لوجون قائلاً: «إنني أحاول تطوير أفكارنا في المناقشات العامة من أجل إقناع الناس، والدفاع عن مواقفنا. وأنا أفكّر خصوصاً بالقنوات الإخبارية التي تتيح لنا إمكانية القيام بذلك بصفة منتظمة».

جوفروا لوجون

من جهة ثانية، حين كان لوجون يدير مجلة «لي فالور أكتوروال» صدر بحقه حكم قضائي وغرامة مالية بتهمة «السبّ العلني بدوافع عنصرية» بعد تشبيه النائبة ذات الأصول الأفريقية دانيال أبونو بـ«العبدة السوداء». وحالياً تؤكد نسبة كبيرة من فريق تحرير الـ«جي دي دي» نيتها الاستقالة بعد وصول المدير الجديد. وفي مقال بعنوان «اليمين المتطرف يبتلع جي دي دي»، في جريدة «لامارسياز»، أعرب الناطقون باسم الصحافيين عن أسفهم لـ«الهزيمة التي أفضت إلى تولّي الصحافي المعروف بمواقفه المتطرفة إدارة الأسبوعية رغم احتجاجاتهم لكنه (أي المدير) - كما يقول البيان - سيدخل إلى مكاتب خالية من العمال... لأن الغالبية استقالت...».

وسائل الإعلام الفرنسية التي تناولت بإسهاب قضية الـ«جي دي دي» ربطت، في الواقع، بين صعود الخطاب المتطرف في بعض وسائل الإعلام واتساع نفوذ مجموعة «فيفندي» التابعة لفانسان بولوريه، وهذه ليست القضية الوحيدة، فكثرة من الانتقادات وُجهت في السابق، وما زالت تُوجه، إلى القناة الإخبارية «سي نيوز» بسبب نزعتها نحو نشر نظريات التيارات المحافظة.

«سي نيوز» الإخباريةمنبر لليمين المتطرف

في سياق موازٍ، وتحت عنوان «سي نيوز... قناة تعدّدية»، نشرت صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية دراسة تختبر فيها مدى «تعدّدية» القناة - التابعة لـ«فيفندي» - وحجم انفتاحها على مختلف الأطياف السياسية. وجاء ذلك إثر الجدل الكبير الذي أعقب تصريح وزير التربية والتعليم السابق باب ندياي، الذي وصف القناة الإخبارية بأنها «بوق لليمين المتطرف بلا منازع». ولقد أكدت دراسة «ليبيراسيون»، كما يتوقع كثيرون، تصريحات وزير التربية السابق عندما كشفت أن القناة (التي تملكها «فيفندي» العملاقة عبر ذراعها «كانال بلوس») هي بمثابة «حاضنة للشخصيات اليمينية». وبالأرقام، مثلت الشخصيات السياسية المنتمية لليمين واليمين المتطرف التي شاركت بمقابلات القناة وتدخلاتها خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو (تموز) الماضي لوحده نسبة 73 في المائة، أي الغالبية الساحقة. وأيضاً وصلت نسبة الشخصيات الإعلامية المشاركة التي تنتمي إلى التيار السياسي نفسه إلى 82 في المائة.

الدراسة أشارت كذلك إلى وجود شخصيات فرنسية مختلفة تظهر بانتظام في تغطيات هذه القناة الإخبارية، وكلها معروفة بمواقفها المعادية للهجرة والمهاجرين، وبالأخص المسلمين، وبين هؤلاء العضو في حزب «التجمع الوطني» سابقاً وحزب «الاستعادة» حالياً، جان مسيحة - واسمه الحقيقي باسم مسيحة ـ وهو مصري الأصل.

كذلك شملت الانتقادات أيضاً معالجة القناة للأحداث السياسية واختيار المواضيع، وإضافة إلى استضافتها برنامجاً أسبوعياً من تنشيط الصحافي السابق ورئيس حزب «الاستعادة» إيريك زمّور، فهي أيضاً القناة التي خصصت برنامجاً للكاتب رولان كامو، صاحب نظرية «الاستبدال العظيم»، نشر من خلالها، على مدار نصف ساعة، نظرياته المُتطرفة بكل حرية في برنامج أسهم فيه الإعلامي المخضرم إيفان روفيول، أحد أقطاب صحيفة «لوفيغارو». والأمر اللافت اليوم، أن هذه القناة في تقدم مستمر. وثمة تقارير عديدة كشفت عن أنها - بالرغم من كونها حديثة التأسيس - تحتل حالياً ريادة القنوات الإخبارية مناصفةً مع «بي إف إم تي في»، التي ظلت طويلاً الأولى من حيث نسب المشاهدة. والواضح، أن «سي نيوز» تُركز كثيراً في تغطياتها على إشكالات الهجرة والإسلام والأمن وأحداث الشغب بين الشرطة وشباب الضواحي، وتستفيد من ذلك. وعلى سبيل المثال، حققت القناة خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة نسبة مشاهدة عالية جداً بالنسبة للقنوات الإخبارية.

بولوريه «برلوسكوني جديد»!

يُرجع المراقبون توجه بعض وسائل الإعلام، وبالأخص التابعة لمجموعة «فيفندي» نحو تبني خطاب اليمين المتطرف إلى تأثير مالكها ورئيسها اليميني الملياردير بولوريه الذي يوصف بأنه كاثوليكي ملتزم.

الرجل كوّن ثروة تُقدر بأكثر من 10 مليارات يورو معظمها من نشاطات استثمارية في أفريقيا، تشمل مجالي النقل البحري والمقاولات، مُعتمداً على علاقاته المتينة بقادة سياسيين في دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا وكوت ديفوار وغانا والكاميرون. إلا أنه وجه في الفترة الأخيرة اهتمامه إلى الإعلام، بضمه قناة «سي نيوز»، و«قناة سي 8»، و«إذاعة أوروبا 1»، وباقة قنوات «كانال بلوس» إلى إمبراطوريته.

وتفيد أحدث بأن «فيفندي» هي الآن على وشك التحول إلى عملاق الإعلام في فرنسا، بعد موافقة بروكسل (الاتحاد الأوروبي) على العرض الذي تقدمت به لشراء مجموعة «لاغاردير» الإعلامية، مُستحوذة بذلك على صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» ومجلة «باري ماتش»، ومجلة «غالا»، ودار «هاشيت» العريقة للنشر، وشركة الدعاية والاتصال العالمية العريقة «هافاس». ولكن، بخلاف رئيس الوزراء الإيطالي السابق الراحل سيلفيو برلوسكوني، الذي استغل إمبراطوريته الإعلامية لخدمة طموحه السياسي، فإن بولوريه - وإن كان قريباً جداً من الأوساط اليمينية - بقي في ظل السياسيين تربطهم به علاقة قوية من دون أن يخوض المُعترك السياسي.

وهنا نشير إلى أنه قريب جداً من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وكان قد احتفل معه بفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2007. والشيء المؤكد أن بولوريه يسعى بوضوح وإصرار إلى بناء استراتيجية مُحكمة لبسط آرائه اليمينية المحافظة على وسائل الإعلام التي يمتلكها عبر فتح منابرها لشخصيات يمينية محافظة. ولغايات رمزية أشارت وسائل الإعلام إلى إقدامه على تغيير اسم القناة بعد ضمّها عام 2016 من «أي تيلي» إلى «سي نيوز» على غرار نظيرتها الأميركية «فوكس نيوز»، مع الإشارة إلى مساندة القناة الصريحة لترشح إيريك زمور. وحقاً، كانت «سي نيوز» أشبه ما يكون بمنبر للمرشح المتطرف السابق، مخالفة بذلك قوانين المجلس الأعلى للسمعي البصري.

واليوم، فإن فانسان بولوريه هو من فرض جوفروا لوجون على رأس الـ«جي دي دي». ومع أنه لم يعترف بهذه الأجندة السياسية علانية. وهو كان قد قال أمام أعضاء مجلس الشيوخ خلال جلسة استماع بشأن تركيز ملكية وسائل الإعلام: «مصالحنا ليست سياسية وليست آيديولوجية... إنها اقتصادية فقط. أنا أجيبك عن أسئلتكم كفرد فقط وليس لدي أي قوة ضمن مجموعة فيفندي...».


مقالات ذات صلة

زينة يازجي: «سباق القمة» يقدّم الانتخابات الأميركية من منظور مختلف

إعلام زينة يازجي (الشرق الأوسط)

زينة يازجي: «سباق القمة» يقدّم الانتخابات الأميركية من منظور مختلف

مع احتدام سباق البيت الأبيض، يتجه الاهتمام العالمي نحو الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها واحدة من أكثر المنافسات السياسية

مساعد الزياني (دبي)
إعلام اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

أعلنت شركة «ميتا» عزمها البدء في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، معتمدة على بيانات مصدرها المنشورات العامة للمستخدمين على «فيسبوك» و«إنستغرام»،

إيمان مبروك (القاهرة)
المشرق العربي عربة عسكرية إسرائيلية خارج المبنى الذي يستضيف مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

«الجزيرة» تعدّ اقتحام القوات الإسرائيلية لمكتبها في رام الله «عملاً إجرامياً»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه أغلق مكتب قناة «الجزيرة» في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لأنه «يحرض على الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
العالم شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)

«ميتا» تحظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية على منصاتها

أعلنت مجموعة «ميتا»، المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، فرض حظر على استخدام وسائل الإعلام الحكومية الروسية لمنصاتها، وذلك تجنّبا لأي «نشاط تدخلي أجنبي».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
إعلام ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث.

حمزة مصطفى (بغداد)

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة
TT

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

أجيال عربية متلاحقة تحتفظ بذكريات من الانغماس في عوالم بديلة تكوّنت بين الصفحات الملوّنة لمجلات الأطفال المليئة بالقصص المشوّقة والصور المبهجة، غير أن رفيق الطفل العربي هذا يشهد اليوم تحوّلات جذرية تتجاوز حدود الورق الملون لتصل إلى عالم التكنولوجيا الرقمية.

وفي حين يعتمد خبراء ومتابعون على تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أشار إلى أن معدل قراءة الطفل العربي للكتاب غير المدرسي 6 دقائق فقط، وهذا معدل منخفض للغاية مقارنة بدول العالم، فإن ثمة بيانات أخرى تبدو أكثر إيجابية، إذ تضمنت قائمة «مؤشر إن أو بي الثقافي العالمي» (NOP World Culture Score Index) الصادر مطلع العام الحالي دولتين عربيتين بين الأكثر قراءة عالمياً.

مصر احتلت المرتبة الخامسة في «المؤشر»، وجاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة العاشرة، وهو ما عدّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمنزلة «فرصة جيدة لمجلات الأطفال لمنافسة الآيباد والهواتف الذكية».

جدير بالذكر، أن المنطقة العربية تصدر عدداً من مجلات الأطفال، تأتي في مقدمتها «ماجد»، وهي مجلة إماراتية صدرت للمرة الأولى عام 1979، وترأس تحريرها منذ البداية الكاتب الصحافي أحمد عمر، الذي توفي في أغسطس (آب) الحالي عن عمر ناهز 85 سنة، أمضى معظمه في إثراء صحافة الطفل، ومع وفاته تصاعدت تساؤلات حول مستقبل مجلات الأطفال في الوطن العربي.

تجارب راسخة

أيضاً، بين التجارب الراسخة في مجال صحافة الطفل مجلة «ميكي»، التي صدرت في مصر لأول مرة عام 1959. وهي مستوحاة من شخصية «ميكي ماوس» الشهيرة لشركة «والت ديزني»، وعلى مدار عقود حققت المجلة نجاحاً كبيراً، واستمرت في الصدور حتى اليوم. وثمة تجارب أخرى في مصر والوطن العربي مثل مجلات «علاء الدين» و«العربي الصغير» و«قطر الندى» و«سمسم» -المستوحاة من البرنامج الشهير «عالم سمسم»- و«كوكو»... وأيضاً «سمير» و«سندباد» وغيرها من التجارب البارزة في صحافة الطفل.

الفنانة التشكيلية الإماراتية، آمنة الحمادي، رسامة كاريكاتير وخبيرة كرتون أطفال وتحكيم دولي، ترى أن تجارب صحافة الطفل «راسخة حتى الآن، لأنها تسعى جاهدة للاستمرار في تقديم المفيد للطفل في جميع المجالات الفنية والثقافية والترفيهية». وتخص آمنة الحمادي مجلة «ماجد» بالحديث قائلة: «لا أزال أؤمن بأن مجلة (ماجد) هي أفضل التجارب في صحافة الطفل، بدليل أنها الأعلى توزيعاً».

ومن ثم، تعزو آمنة الحمادي أسباب هذه الاستمرارية إلى أن «مجلة (ماجد) تسعى صادقة لترسيخ ثقافة عربية تنبع هويتها من تراث أصيل يحمل المبادئ الراقية والأخلاق النبيلة، وينادي بحب الإنسانية. ومن هنا كانت لغة الخطاب الموجهة إيجابية، وجاء ذلك بمشاركة خبراء في عالم الطفل من كُتاب ورسّامين مُبدعين في الوطن العربي، قادرين على إلهام أجيال المستقبل وإثراء تجاربهم وتطوير ذائقتهم»، على حد تعبيرها.

وتضيف أن «المجلة نجحت في خلق مساحات خاصة لمشاركات الأطفال من خلال نشر إسهاماتهم، ما يُعزّز نموذجاً تفاعلياً، ما ساهم في تطوير مواهبهم في إطار ترفيهي يحترم عقلية ونفسية الطفل بصفته فرداً من أسرة تحرير المجلة».

التطوّر الرقمي... و«مانجا»

وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم راهناً، تعتقد الفنانة الإماراتية آمنة الحمادي أن «أثر التكنولوجيا بات واضحاً وإيجابياً على شكل مجلات الطفل، من حيث سعة المعلومات وسرعة الإنتاج وسهولة الوصول للجميع وسهولة المشاركة بين المجلة والأطفال، وأيضاً حماية البيئة في تقليل الاعتماد على الأوراق وجماليات الألوان، وهو ما يعدّ أحد جوانب الجمال البصري». وتشدّد على أن «الطفل العربي أكثر انفتاحاً على التكنولوجيا، ما يعني وجود فرصة لصنّاع صحافة الطفل للتطوير».

من ناحية أخرى، عدّ خبراء التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة»، إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف»، أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال. وفي السياق نفسه، جاءت المبادرة الأولى لإطلاق مجلات إلكترونية تفاعلية للأطفال على يد المملكة العربية السعودية من خلال طرح تجربة «مانجا العربية» عام 2021، وهي مجلة إلكترونية مخصّصة للأطفال والشباب متوفرة عبر الإنترنت وتطبيقات متجر «غوغل بلاي» و«آبل»، فضلاً عن حضورها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وتضم «مانجا العربية» مجموعات قصصية عربية ويابانية مصوّرة ومزوّدة بالفيديو بصفتها طريقة لجذب الفئات العُمرية الصغيرة، كما تقدّم حملات رقمية توعوية تستهدف الأطفال والشباب، وتطرح المسابقات التحفيزية لتحقيق مزيد من التفاعل. ولقد اتجهت المجلة في مايو (أيار) الماضي، نحو تعاون مع شركة «بلايستيشن» لتعزيز دورها في صناعة الألعاب التفاعلية، كما أعلنت الشهر نفسه عن خطة توسعية بإطلاق «مانجا إنترناشونال».

في هذا السياق، قال الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة «أم القيوين» في دولة الإمارات، يرى أن مجلات الطفل بشكلها التقليدي «بحاجة إلى أذرع التكنولوجيا»، مضيفاً: «تقف مجلات الأطفال الكلاسيكية في مفترق طرق غير مستقر، إذ يبدو أن مستقبلها متأثر بعدة عوامل أشارت إليها الأبحاث الحديثة».

وحقاً، تشير الأبحاث إلى أن اهتمام الجمهور الأصغر سناً بوسائل الإعلام المطبوعة آخذ في التناقص. ومن ثم، فإن الأشكال الكلاسيكية على وشك الاختفاء، لكنها لن تختفي تماماً أمام نظيراتها الرقمية، وبدلاً من ذلك، ستكون نموذجاً هجيناً، جزء منه ورقي، وجزء رقمي، وهذا من شأنه أن يلبي الأذواق المتباينة، ويساعد مجلات الأطفال على البقاء في مشهد إعلامي يزداد تحدياً».

وشدد سعد، من ثم، على عنصر التفاعل، بقوله: «دراسات عدة أثبتت أن منصّات التعلّم بالألعاب فعّالة، لأنها توفر المتعة مع تعليم الشخص التفكير النقدي ومهارات حل المشاكل... ومن شأن تزويد مجلات الأطفال العربية بأدوات تفاعلية تعليم الطفل قيماً كثيرة، من بينها التعاون ومشاركة الأفكار مع آخرين لتحقيق أهداف تنعكس على مجتمعاتهم».

يرى خبراء أن التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة» إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف» أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال

مخاطر الهواتف

في المقابل، ترى الكاتبة المصرية أمل فرح، المتخصّصة في الكتابة للطفل، التي تقلّدت عدة مناصب في مجلات عربية منها مجلة «ميكي»، أن «التكنولوجيا ورقمنة محتوى الطفل سيفُقد المجلات الورقية هويتها». وتشرح أمل فرح: «صحيح، لدينا أزمة ضخمة في مجلات الأطفال، غير أن السبب ليس في شكل المجلة أو الوسيلة المستخدمة، سواء كانت نسخة ورقية أم رقمية، بل في جاذبية المحتوى، ومدى تطوره ليرضي حاجة أطفال اليوم». ثم تضيف: «على مدار العقد الماضي، بالغنا في الترويج للثقافة الإلكترونية بحجة عزوف الطفل عن القراءة، غير أنها فرضية تحتاج إلى إعادة نظر وتحليل أكثر دقة».

وهنا تدلّل أمل فرح على فرضية أن الطفل العربي لا يزال معنياً بالقراءة، مضيفة: «شهدت سلسلة كتب هاري بوتر مبيعات ضخمة، رغم تقديمها من دون رسوم أو عناصر جذب رقمية». وكذلك تدحض ربط تطوير مجلات الأطفال بضرورة الاعتماد على التكنولوجيا، بقولها: «ثمة مخاطر صحية عدة لاستخدام الهاتف الذكي والآيباد، فقد حذرت دراسات كثيرة من آثار ذلك على صحة العين والدماغ والإدراك، حتى إن بعض الدراسات أشارت إلى أن المدة المسموح بها لاستخدام الطفل الهاتف الذكي لا تتخطّى ساعة يومياً؛ ولذلك فنحن بحاجة إلى النسخة الورقية الكلاسيكية، بشرط أن تحمل بين صفحاتها أفكاراً عصرية تحترم رغبات وعقلية الطفل».

عودة إلى الدكتور سعد، فإنه لا يُعوّل على التطور التكنولوجي فقط، بل يرى أن الصحافيين وكتاب الأطفال ركيزة في التطوير، «ولتقديم محتوى جذاب للأطفال، يجب على الصحافيين والكتاب تطوير اللغة وفقاً للعمر والتجربة، والاستعانة بالرسوم التوضيحية وغيرها من العناصر المرئية المطوّرة وفقاً للتكنولوجيا، إلى جانب التفاعل، إذ يمكن لتقنيات سرد القصص -مثل تطوير الشخصيات والحبكات المثيرة- أن تعزز الاستثمار العاطفي والانتباه».