«البريس ريليس»... فخ لغوي أم تهميش للعربية؟

مهمته تسهيل عمل الإعلامي وتزويده بالمعلومات


الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)
الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)
TT

«البريس ريليس»... فخ لغوي أم تهميش للعربية؟


الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)
الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)

يعدّ البيان الإعلامي - أو «البريس ريليس» - من ضمن البيانات الإعلامية الأكثر جدية خصوصاً إذا ما كان صادراً عن شركة أو مؤسسة أو وزارة أو سفارة، وغيرها من الجهات الرسمية.

وتتصف هذه البيانات بالدقة عادة، مختصرة حدثاً بأكمله سياسياً أو اجتماعياً أو فنياً. وفي هذا الأخير يُعتمد النص البسيط الذي يعلن عن أغنية جديدة أو مهرجان، ومرات يتخذ منحى مختلفاً عندما يصبح شرحاً رسمياً لموقف فني يتعلق بدعوى قضائية أو رد من فنان على آخر.

المعروف أن الـ«بريس ريليس» يسهل مهمة عمل الإعلامي، فيزوده بالخبر اليقين معززاً بالمصداقية أكثر من غيره من الأخبار. ولقد تنبّه الإعلاميون خلال الفترة الأخيرة إلى كثافة البيانات التي تصلهم بالأجنبية فقط وتتقدمها الإنجليزية. ومع أن لبنان بلد عربي يقع على المتوسط ولغته الرسمية هي العربية، فإن البعض يفوتهم هذا الواقع، فيكتبون بياناتهم الإعلامية بلغات أجنبية، عادةً ما تكون بالفرنسية أو الإنجليزية. وأحيانا يهملها الإعلامي سواءً في المرئي أو المسموع والمكتوب. فهي تتطلب منه وقتاً إضافياً وترجمة لكلمات تقنية قد لا تفي بالمعنى الصحيح وبدقة.

هنا، يُطرح سؤال بديهي: لماذا يجري التعامل مع محطاتنا التلفزيونية وصحفنا وإذاعاتنا التي تبثّ وتنشر بالعربية بلغات أجنبية؟ هل هو فخ اختباري لغوي للإعلامي نفسه؟ أم أنه تهميش للعربية يسهم في زوالها بطريقة أسرع؟ أو أنها تأتي نتيجة غياب الكادرات المؤهلة للكتابة بعربية صحيحة في المؤسسات؟

هنادي داغر («MHD»)

شهادات من إعلاميين

يقول الإعلامي زافين قيومجيان لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يجد في الأمر مشكلة عندما يُرسل إليه بيان صحافي بالإنجليزية. ويتابع: «الإنجليزية لغة الـ(بيزنس) العالمية، وحالياً تُتداول بكثافة في المؤسسات والشركات. في أي حال، اللغة لم تعد تشكل عائقاً للتواصل بشكل عام. هناك لغة الـ«تشات» (الدردشة) المستخدمة من قبل الجيل الشاب الرائجة حتى في الامتحانات الجامعية... وبرأيي أنها أسوأ من غيرها، واللافت أن بعض طلاب الجامعات يستخدمونها في الامتحانات».

ويرى قيومجيان أن هذه المشكلة لا تقتصر على لبنان فقط «فهي موجودة في مختلف بلدان العالم. حتى إن الفرنسيين أنفسهم يعانون من تدهور لغتهم الأم، ولكن الأهم هو ترجمة تلك البيانات. ذلك أن بعضهم، اختصاراً للوقت، يستعملون «غوغل ترانسلايت» لترجمتها، وعندها يصبح الأمر مربكاً ومحرجاً؛ إذ إن هذه الترجمات الإلكترونية تفقد النص، في أحيان كثيرة، المعنى الصحيح.

الصحافية إسراء حسين لديها رأي آخر في هذا الموضوع، وتقول: «بالفعل من المزعج تلقي الصحافي الـ(بريس ريليس) فقط بالأجنبية. أنا أعمل في مؤسسة تصدر بالعربية، ما يشكّل عندي عملية ضغط. فأضطر لأن أبذل جهداً ووقتاً خصوصاً إذا ما كان الأمر يتعلق بمصطلحات معينة». وتتابع حسين - وهي محررة منوعات وفن لـ«الشرق الأوسط» - شارحةً: «الموضوع لا يرتبط بقدرات الصحافي اللغوية؛ لأنه حتى ولو كان يتقن الأجنبية من إنجليزية أو فرنسية، فالأمر يتطلب منه الوقت. ثم إنه ليس كل الصحافيين يتمتعون بالقدرة على الترجمة المتميزة التي هي اختصاص في حد ذاته. إن الخلفية الثقافية موجودة، ولكن ليس عند الجميع. وهو ما يدفع بالإعلامي إلى إهمال البيان أو تحويله إلى قسم الترجمة في المؤسسة. ولكن في الحالة الأخيرة يشكل عبئاً؛ لأن العاملين في قسم الترجمة منصرفون إلى ترجمة أخبار ذات أهمية ومطلوبة منهم. وهذا ما يتطلب عملاً إضافياً لا يستسيغونه».

زافين قيومجيان («فيسبوك» زافين)

ومن ناحيته، يرى إسكندر خشاشو، الذي يعمل في التحرير السياسي، أن هذا النوع من البيانات يتعرض للرفض منه ومن قبل زملائه، «وهو إما يجري إهماله ويوضع على الرف... وإما نظراً لأهميته في العلاقات السياسية مع لبنان يجري تحويله إلى قسم الترجمة على مضض».

الـ«بريس ريليس» بالأجنبية فقط... صح أم خطأ؟

في الواقع ينقسم الإعلاميون، مع تفاوت أعمارهم، بين موافق ومعترض إزاء الـ«بريس ريليس» باللغات الأجنبية؛ فبعضهم، ولا سيما الشباب منهم، يفضلونه بالأجنبية لأننا حسب رأيهم «نعيش عصر العولمة»، وغالبية القراءات عبر الـ«أون لاين» يختارونها بالإنجليزية. والإنجليزية لغة عملية رائجة في الوسائل الرقمية وتهيمن عليها. فلماذا عليهم أن يسيروا عكس التيار؟

الدكتورة ماريا بو زيد، رئيسة قسم الإعلام بجامعة سيدة اللويزة في لبنان، تصف هذا الموضوع باللوجيستي والتقني. وتفيد بو زيد «الشرق الأوسط» خلال لقاء معها، بـ«أن هناك نقصاً كبيراً في كوادر مؤسساتية تجيد العربية والإنجليزية. المطلوب استحداث مكتب خاص بالإعلام فيه (بريس أوفيس)... ثم إن جيل الشباب بغالبيته لا يملك مؤهلات تخوله الكتابة بالعربية السليمة. وهنا تلعب المهارة عند الصحافي دورها، ليترجم على الأقل الخطوط العريضة والأساسية من البيان المرسل إليه. ولكن هل يملك هذا الصحافي الوقت الكافي للقيام بهذه المهمة؟ هذا سؤال بديهي نطرحه».

ونستوضح من بو زيد عما إذا كانت هذه الممارسة خطأ أم صحيحة في موضوع الإعلام؟ فترد: «لا أستطيع أن أؤيد أو أرفض هذا الأمر. المؤسسة المرسلة للخبر يجب أن تعرف أنها تقلل من نسبة نصيب نشر الخبر الخاص بها لدى وسائل الإعلام. فالمفروض أن يشكل مادة جاهزة للنشر وتفي بالهدف المطلوب. وبالتالي، فالمسؤولية تقع على عاتقها؛ لأن نشر الخبر أو إهماله سيكون له نتائج سلبية عليها في حال اعتمدت النص الأجنبي فقط».

لغة الـ«بيزنس»... هل أصبحت ضرورة؟

من جانب آخر، يطالب بعض أساتذة اللغة العربية، لا سيما مع تراجع استعمالها عند الجيل الشاب، بإجراء تعديلات عليها كي تواكب تطور العصر. وهذا أمر - كما يقول بعضهم - اتبع عند الفرنسيين وخرجت إلى العلن تعديلات رسمية طالت لغتهم وأحدثت تغييرات عليها.

هنادي داغر صاحبة شركة علاقات عامة (MHD) تهتم بإعداد البيانات الإعلامية. وهي تنظم نشاطات مختلفة وتتمسك بإرسال البيان الصحافي باللغات الثلاث. وعن هذا الموضوع تقول: «من الطبيعي أن أتبع هذه القاعدة في عملي كي يستطيع أي شخص يتلقى الخبر أن يتفاعل معه وينشره. وكوني أعمل في بلد عربي وأتعامل مع مؤسسات إعلامية غالبيتها تنشر وتبث بالعربية، لا بد أن أحرّر البيان الإعلامي باللغة الأم إلى جانب الفرنسية والإنجليزية».

أما كريستوفر، من غاليري «جانين ربيز»، فبرأيه أن لكل معرض فني ينظمه خصوصيته. ويقول لـ«الشرق الأوسط» موضحاً: «أحياناً، لأن المعرض يتعلق بفنان أجنبي، يفرض علينا إرسال بيان بالأجنبية، ولكنني عادة ما أرسل البيانات الصحافية بالإنجليزية؛ لأنها لغة البيزنس العالمية».

حصره في الأجنبية فقط...

استخفاف بالعربية

وفي هذا السياق، يعد البعض أن تحرير البيان الإعلامي بالأجنبية فقط أمر بديهي في عالم اقتصادي مفتوح على بعضه البعض. ولكن، في المقابل، يلاحَظ اعتماد شركات صناعية كبرى العربية إلى جانب لغات أخرى في كتيّباتها الإعلانية والتسويقية. وهي تأخذ بعين الاعتبار الزبون العربي، لا سيما أن الخليجي يتصدر لائحة المستهلكين عندها. ولذا هناك من يتساءل عن كيفية حصول هذا التناقض... بحيث إن شركات أجنبية تحرص على إدراج العربية في بياناتها بينما شركات عربية تغض النظر عنها.

البروفيسور كامل فرحان صالح، أستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية، قال لـ«الشرق الأوسط» مجيباً عن هذا التساؤل: «برأيي هذا استخفاف بالعربية يجري تحت عنوان (كل شي فرنجي برنجي). لا بأس أن يأخذ الإعلام والإعلان بعين الاعتبار الأجنبية كي يروج لأخباره ومنتجاته ونشاطاته، ولكن في المقابل يجب التمسك بالعربية لغةً أساسية. فكيف يمكن أن يخصص لها الأجانب حصة، فيما نتناساها نحن العرب؟ ... على الإعلام كما الإعلان أن يلعب دوراً في تفعيل العربية بدل تهميشها». ويعطي صالح مثلاً على ذلك في عصر النهضة عندما لعبت هذه القطاعات دوراً رئيساً في تطوير العربية، فيقول: «الصحافة يومذاك لعبت هذا الدور التقدمي، وأسهمت في تجذيب العربية وتبسيطها بعدما أخرجتها من إطار المحسنات البلاغية وغيرها». ثم ينهي: «باختصار، اللغة ترتبط بالحضارات... وعندما نقوى حضارياً تقوى لغتنا. فالمشكلة هي في الإنسان نفسه. وأنا مع تطوير العربية، في عملية بناء الجُمل والقواعد اللغوية، كي تصبح أكثر سهولة ولا ترهق الطالب».


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا الإعلامية المصرية فيروز مكي (إكس)

مذيعة مصرية توبّخ ضيفها الأميركي: لا تبتسم عند الحديث عن معاناة أطفال غزة

تصدرت مذيعة قناة «القاهرة» الإخبارية فيروز مكي محركات البحث، بعد أن وبّخت مستشار الحزب الجمهوري الأميركي ليف لارسون

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي وزير الإعلام السوري محمد العمر يتحدث إلى وسائل الإعلام خلال اجتماع في دمشق (أ.ف.ب)

وزير الإعلام السوري يتعهّد بالعمل على تعزيز حرية الصحافة والتعبير

قال وزير الإعلام السوري الجديد محمد العمر إنه يعمل من أجل «بناء إعلام حر»، متعهداً بضمان «حرية التعبير» ببلد عانت فيه وسائل الإعلام لعقود من التقييد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
إعلام نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

في ظل صراعات وحروب إقليمية وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت أحياناً مهمات القوات العسكرية على الأرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
إعلام انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى…

فيفيان حداد (بيروت: )

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.