الإعلام في سوريا: ممنوع الاقتراب أو التصوير!

أخطاء على الشاشة الرسمية تكشف عن غياب المهنية

 هنادي كحيلة
هنادي كحيلة
TT

الإعلام في سوريا: ممنوع الاقتراب أو التصوير!

 هنادي كحيلة
هنادي كحيلة

لم يعد العمل في الإعلام داخل سوريا مثل «السير في حقل ألغام»، كما كانت الحال خلال سنوات الحرب العشر السابقة؛ إذ يتجرأ عليها الإعلامي ويتحمل مسؤولية ذلك. والسبب، أن المنع وتضييق الهوامش يصادران الآن المبادرة؛ ما يجعل عبارة «ممنوع الاقتراب أو التصوير» الأقوى حضوراً في مواجهة وسائل الإعلام، سواء كانت محلية أم خارجية.

وفي الآونة الأخيرة، ألغت وزارة الإعلام السورية اعتماد «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)؛ بسبب ما وصفته بـ«تقاريرها المضللة». وجاء في بيان وزارة الإعلام حول ما حصل إنه «نتيجة عدم التزام القناة بالمعايير المهنية، وإصرارها على تقديم تقارير مسيّسة ومضلّلة» تقرّر «إلغاء اعتماد مراسل ومصور القناة».

يشار إلى أن الدافع للقرار بثُّ القناة البريطانية تحقيقاً مصوّراً عن المخدرات في سوريا، جرى تصويره وإعداده من خارج سوريا، ولم تكن ثمة علاقة لا لمراسل القناة أو مصورها في الداخل بهذا التقرير.

جريدة «البعث»

من جهة ثانية، كشفت حادثة أخرى تعرَّض لها الإعلام الرسمي المحلي عن ما يواجهه العمل الإعلامي من تضييق، وبيّنت أن المنع لا يقتصر فقط على الجهات الإعلامية المعنية أو الجهات الأمنية والعسكرية، بل قد يصل الأمر أيضاً إلى البلديات والإدارات المحلية. فقد علمت «الشرق الأوسط» من مصادر محلية أن إدارة ناحية كفربطنا بمحافظة ريف دمشق (في شرق العاصمة) استدعت عدداً من أهالي الناحية ممّن ظهروا في برنامج خدمي على التلفزيون الرسمي كان قد عُرض (الخميس) قبل الماضي، ووبّختهم على انتقادهم واقع الخدمات في الناحية. كذلك جرى تقديم شكاوى قانونية بحق بعضهم، واستدعيت إحدى السيدات إلى مخفر كفربطنا.

الموضوع يتصل ببرنامج «البلدية» الذي تقدمه هنادي كحيلة؛ إذ كان البرنامج المذكور قد بثّ تحقيقاً ميدانياً مع أهالي ناحية كفربطنا، أظهر تردي الخدمات في تلك المنطقة. وفيه اشتكى الأهالي من تراكم القمامة في الشوارع، ووجود حُفر صرف صحي مفتوحة تشكّل خطراً على المارة. كذلك، اشتكى الأطفال من الكلاب الضالة، ناهيك عن قلة مخصّصاتهم من الخبز. ولقد أجمعت شهادات الأهالي على انعدام اكتراث المسؤولين في إدارة الناحية بشكاواهم، بحجة أن لا وجود لميزانية لديهم. ومن اللافت خلال البرنامج، محاولة مقدمته نقل الشكاوى مباشرة إلى المسؤولين في الناحية وتلقيها ردوداً غير واضحة، من بينها رفض السماح لهم بالتصريح للإعلام ما لم يحصلوا على موافقة مسبقة من إدارتهم!

وما يستحق الذكر هنا، أن المؤسسات الحكومية السورية تفرض على موظفيها الحصول على موافقة مسبقة قبل الإدلاء بتصريحات إلى وسائل الإعلام. كما تفرض وزارة الإعلام على مراسلي وسائل الإعلام الخارجية الحصول على موافقة مسبقة على إعداد أي مادة من سوريا، و الأمر ذاته ينطبق على ما يخص التصوير وتحريك الكاميرات في الأماكن العامة.

مشكلة الموافقات المسبقة

مراسل وسيلة إعلام أجنبية - لم يفصح عن اسمه - قال إنه يجد صعوبة كبيرة في ممارسة عمله مراسلاً داخل سوريا؛ بسبب تقييده بالموافقات المُسبقة، أياً كانت الفكرة التي يريد العمل عليها حتى لو كانت مادة سياحية أو يومية، وغالباً يستغرق الرد أياماً عدة وأحياناً أكثر من أسبوع، وغالباً يأتي الرد بالرفض من دون توضيح السبب.

الأمر في الإعلام المحلي لا يختلف كثيراً، حيث تمر الفكرة «المقترحة» داخل المؤسسة الصحفية بسلسلة من الموافقات، وفي حال حصول خطأ يُصار الأمر إلى معاقبة المسؤول. ولذا، تقول مصادر إعلامية محلية متابعة: «قامت الدنيا ولم تقعد عندما استضاف التلفزيون الرسمي ضمن برنامج (جذور) الكاتب والباحث المصري يوسف زيدان. ووصل الأمر إلى مجلس الوزراء الذي طلب من وزارة الإعلام تشكيل لجنة للتحقيق في الأمر، وذلك للاشتباه بأن زيدان من مؤيدي التطبيع مع إسرائيل». ومن ثم، اضطرت وزارة الإعلام والتلفزيون الرسمي إلى إصدار بيان اعتذار والتعهد بألا يتكرر الخطأ، ومعاقبة المسؤول عنه.

وتتابع المصادر: «إن ما قيل رسمياً ليس السبب في حالة الارتباك، بل هناك أسباب أخرى منها مهنية تتعلق بخسارة المؤسسات الإعلامية الرسمية كثيراً من كوادرها الخبيرة بالسياسة السورية، والممنوعات الأمنية و(الخطوط الحمراء)، وحساسيات كل خط، ومتى يُسمح بالتجاوز، ومتى يجب التوقف».

«تنفيعات» سنوات الحرب

في المقابل، أثناء سنوات الحرب دخلت الإعلام المحلي «كوادر» جديدة معظمها يعد «تنفيعة»، وبالتالي يفتقر إلى الخبرة والتدريب، وحتى «الحس الإعلامي». وأعطت المصادر نموذجاً عن ذلك «خطأ» حصل الأسبوع قبل الماضي في برنامج «الكابتن» حين نقل البرنامج نصّ خبر نشرته جريدة «البعث» المحلية، وتضمّن الخبر جملة ختامية، بمثابة تعليق، تمثّل موقفاً معارضاً من الوجودَين الروسي والإيراني في سوريا. والمفارقة أن مُقدّم البرنامج اكتشفها بينما كان يقرأها على الهواء، فنبّه فريق الإعداد إلى وجود خطأ على الهواء. وبعدها تبين أن الإعداد نقل الخبر «قصاً ولصقاً» عن مصدر معارض بدلاً من نقله عن المصدر الأصلي الذي هو جريدة «البعث».

وعلى الأثر، اضطرت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إلى إصدار بيان أعلنت فيه إيقاف برنامج «الكابتن» حتى الانتهاء من التحقيق في محتوى خبرٍ خاطئ على قناة «سوريا دراما». وأضافت، أنه ستتم معاقبة المسؤولين عن هذا الخطأ بناء على نتائج التحقيق. وتبع ذلك، مع تكرار الأخطاء، إصدار وزير الإعلام، بطرس الحلاق، قراراً بتغيير مديري «القناة السورية» وقناة «الإخبارية والمعلوماتية» في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري.

صحافية مخضرمة تعمل في وسيلة إعلام رسمية، قالت معلّقة على ما يحصل: «إن هذه الأخطاء تعدّ فضيحة، وقد انكشفت لأنه جرى تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هناك أخطاء أكبر تحصل لا يتم الحديث فيها... وهي أخطاء ناجمة عن (الجهل وقلة الخبرة)». وتابعت قائلة: «عندما تتدنى الأجور، وتضيق هوامش العمل، ويستفحل الفساد، من الطبيعي حصول أخطاء مثل هذه».

ولفتت الصحافية إلى أن راتبها في بداية عملها كان يتراوح بين 60 و120 دولاراً ولم يكن كافياً، وبالتالي، كانت تضطر إلى العمل متعاونة مع وسائل خارجية. أما الآن فراتبها بالكاد يعادل 30 دولاراً ولا يغطي أجور النقل... ومَن يُقبِل على هذا العمل من الشباب فهو مَن لا يجد فرصة عمل، أو الذي يبحث عن مدخل إلى العمل في الإعلام. وهكذا، يكون العمل في الإعلام المحلي مرحلة انتقالية، أو فرصة للتجريب والتدريب، أو ربما لأهداف أخرى... فمنذ ظهور إعلام الموبايل صار الإعلام «مهنة مَن لا مهنة له».


مقالات ذات صلة

«امسك مزيّف»... استنفار مصري لمواجهة «الشائعات»

العالم العربي ندوة «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر

«امسك مزيّف»... استنفار مصري لمواجهة «الشائعات»

حالة استنفار تشهدها مصر أخيراً لمواجهة انتشار «الشائعات»، تصاعدت مع إعلان «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، الثلاثاء، عزمه إطلاق موقع «امسك مزيف».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
إعلام إدمون ساسين (إنستغرام)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق وزير الإعلام سلمان الدوسري التقى رئيسة الإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون الصينية كاو شومين (واس)

شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص

اختتم وزير الإعلام السعودي، اليوم، أعمال برنامج الشراكة الإعلامية السعودية الصينية، وشهدت الزيارة إبرام اتفاقيات وبرامج تنفيذية وورش عمل بين الجانبين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
إعلام توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين منصة سعوديبيديا وجامعة بكين للغات والثقافة (الخارجية السعودية)

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

التقى سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، في بكين، اليوم الخميس، مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي.

«الشرق الأوسط» (بكين)
إعلام ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية

إيلي يوسف (واشنطن)

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».