هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟

«مبارزة الملاكمة» بين مالك «تويتر» وزوكربيرغ تتجسد افتراضياً

هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟
TT

هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟

هل تجيب الانطلاقة المليونية لـ«ثريدز» على سؤال ماسك؟

مارك زوكربيرغ

بعد إطلاق شركة «ميتا» تطبيق «ثريدز»، المنافس المباشر، الذي يمكنه تهديد «تويتر»، سيكون من الصعب على إيلون ماسك، ألّا يلوم سوى نفسه.

قبل سنة، سأل ماسك: «هل تويتر يموت؟». وبعد ذلك قام بخطوة، لم يجد لها محللو وسائل التواصل الاجتماعي وراصدوها، حتى الآن، تفسيراً مقنعاً عن دوافعه للاستحواذ على هذا التطبيق المثير للجدل. إلا أن الانطلاقة الصاروخية لتطبيق «ثريدز»، قد تُقدم إجابة عن سؤال ماسك أعلاه، في أعقاب «الفوضى» التي أحدثها بنفسه على «تويتر».

الجدل المستمر لم ينتهِ بعد عن أهداف ماسك، رائد صناعة السيارات الكهربائية، وصواريخ الفضاء، وكوكبته من الأقمار الاصطناعية؛ لنقل خدمات الإنترنت، عبر امتلاكه «تويتر». ولعل مبلغ الـ44 مليار دولار أميركي، الذي دفعه الرجل، لا يعادله من حيث ضخامة دلالات السطوة، التي باتت تمتلكها وسائل التواصل الاجتماعي، سوى الرقم الخيالي الذي سجله تطبيق «ثريدز» لعدد المشتركين، والذي فاق 30 مليون مشترك خلال أقل من 24 ساعة. ولم تنمُ قاعدة مستخدمي المنصة الجديدة بسرعة فحسب، بل واجتذبت أيضاً نجوم وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهير والساسة الذين لديهم القدرة على توليد هذا النوع من الضجيج، الذي لا يمكن إلا أن تحلم به غالبية الشركات الناشئة.

مبارزة حقيقية «افتراضياً»

قلة من الناس كانوا يعلمون أن «مبارزة الملاكمة» التي شاع خبرها بين مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» (مالكة «ثريدز» و«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»)، وإيلون ماسك ستكون حقيقية... لكن في «العالم الافتراضي».

وفي سياق الجدل الدائر حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في الإعلام، وفي التأثير في الانتخابات الأميركية، والقلق من استخدامها لنشر معلومات مضللة والتلاعب بالرأي العام، ادّعى ماسك بشكل مُبهَم، أن استحواذه على «تويتر» هدفُ إلى «الحد من سيطرة الليبراليين» على تلك الوسائل. لكن عديداً من المعلقين يقولون إن هذا الادعاء ليس أكثر من مجرد غطاء لتعزيز أرقام مستخدمي التطبيق. وفي المقابل، فإن زعم زوكربيرغ بأن شركته «مساحة للحرية» ادعاء كاذب هو الآخر في سياق «الحرب التجارية» المندلعة بين عمالقة التكنولوجيا، الذين باتوا يهيمنون على صناعة المحتوى الإعلامي نفسه.

جولة لصالح زوكربيرغ

بالنسبة إلى زوكربيرغ، كان الانطلاق الصاروخي لـ«ثريدز» خبراً ساراً يبحث عنه. إذ إنه كان قد سعى على مدى أشهر، إلى دعم الأعمال التجارية الأساسية للإعلانات الرقمية لشركة «ميتا»، من خلال تسريح الآلاف من الموظفين، ومحاولة اللحاق بشعبية تطبيق «تيك توك» الصيني، عبر رفع المحتوى على شبكاتها الاجتماعية، من منشئي المحتوى على منشورات الأصدقاء والعائلة.

ومع «ثريدز»، يحاول زوكربيرغ استغلال العثرات التي يواجهها «تويتر» تحت قيادة ماسك، لتوسيع البصمة الرقمية بطريقة كبيرة لشبكاته في وسائل التواصل الاجتماعي القائمة على النصوص. وحقاً، قال زوكربيرغ عبر «ثريدز» (الأربعاء): «سيستغرق الأمر بعض الوقت، لكنني أعتقد بأنه يجب أن يكون هناك تطبيق للمحادثات العامة فيه أكثر من مليار شخص (...) لقد أُتيحت الفرصة أمام (تويتر) لفعل ذلك لكنه لم يفلح. لنأمل نحن أن نفعل ذلك».

قاعدة مستخدمي «إنستغرام»

تراهن «ميتا» على أن قاعدة المستخدمين الكبيرة و«الصيغة الثقافية» لـ«إنستغرام»، ستمنحان الموضوعات ميزة تفتقر إليها بدائل «تويتر» الأخرى، التي بدأت من الصفر. إلا أن الخبراء يقولون إن الشركة لا تزال تواجه تحديّات لتجنب الغموض في «ثريدز»، بما في ذلك تطوير الميزات التي اعتاد مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي عليها، والحفاظ على التدفّق المستمر للمحتوى الذي يحافظ على مشاركة الأشخاص كل يوم. وهنا يقول مارك شموليك، الذي يغطي شركات الإنترنت الأميركية لشركة «برنشتاين»: «بالنسبة لي، السؤال الحقيقي بعد الإطلاق هو: هل يمكنك الاحتفاظ بالمستخدمين؟ وما مدى سرعة طرح الميزات التي يريدونها؟».

حتى الآن، يعمل تطبيق «ثريدز» بشكل مشابه لـ«تويتر». وهو ما حمل أليكس سبيرو، محامي «تويتر»، على توجيه خطاب إنذار إلى «ميتا»، يوم الخميس الماضي، اتّهم فيه الشركة بـ«التسلّط غير المشروع» على موظفي «تويتر» الذين طُردوا من التطبيق (أو المنصة) أو غادروه طوعاً من أجل تأسيس تطبيق «مقلَّد» في غضون أشهر.

وفي حين يشارك مستخدمو «ثريدز» المنشورات أو «الموضوعات»، مثل «تويتر»، التي تركّز على المشاركات النصّية، حيث يقتصر كل منها على 500 حرف (280 لدى «تويتر»)، يمكن للمستخدمين أيضاً وضع علامة على بعضهم البعض باستخدام الرمز «@»، وكذلك الرد على سلسلة رسائل و «إعادة نشرها». ولكن مع هذا، لا تزال مجموعة من الميزات والأدوات التي يمنحها «تويتر» غير متوافرة على «ثريدز». ولا تمتلك الموضوعات إمكانات اعتاد عليها عديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، مثل القدرة على إرسال رسائل مباشرة، للبحث عن المحتوى أو استخدام علامات التصنيف للاستفادة من الاتجاهات الفيروسية.

بيد أن مديري «ميتا» لمّحوا (الخميس) إلى أن مثل هذه التغييرات قد تكون في الطريق. إذ أفاد آدم موصيري، رئيس «إنستغرام»، على التطبيق، بأن الشركة تخطّط لتضمين وظيفة «بحث» وإصدار نسخة من تطبيق «ثريدز» على الإنترنت. وقال زوكربيرغ في منشور على التطبيق «يبدو الأمر بداية لشيء مميز، ولكن لدينا كثير من العمل في المستقبل لإنشاء التطبيق».

انطلاقة متدرّجة ذكية

في هذه الأثناء، كثرة من الخبراء يقولون إن اختيار شركة «ميتا» التدرج في تطوير تطبيق «ثريدز» خطة ذكية. فقد علّقت جاسمين إنبرغ، محللة وسائل التواصل الاجتماعي في شركة التحليلات الصناعية «إنسايدر إنتيليجنس»، بالقول إن بساطة تخطيط «ثريدز» قد تَلقى ترحيب مستخدمي «تويتر»، الذين عانوا من أجل التكيّف مع قائمة التغييرات التي فرضها إيلون ماسك. وأردفت: «في الوقت الحاضر، فإن بساطة (ثريدز) وطبيعته الأساسية هما ما تجذبان المستخدمين إليه... وأعتقد بأنه من الذكاء أن نأخذ الأمر ببطء في طرح الميّزات الجديدة».

وبالفعل، في غضون ساعات من إطلاق التطبيق الجديد، كان عديد من الفنانين والشخصيات الإعلامية، مثل كيم كارداشيان وجينيفر لوبيز وجاك بلاك وكايلي مينوغ وأرنولد شوارزنيغر وجوين ستيفاني ونوح بيك وشاكيرا، من بين الذين فتحوا حسابات في «ثريدز». أيضاً لحق بالسرب كل من المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية مايك بنس، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، والنائبة اليسارية النيويوركية ألكساندريا أوكازيو كورتيز - التي انتقدت «تويتر» تحت قيادة ماسك - وكانوا من أوائل السياسيين الذين اشتركوا. وكتبت كورتيز معلّقة: «أتمنى أن تتمتع هذه المنصة بمشاعر جيدة، ومجتمع قوي، وروح دعابة ممتازة، ومضايقات أقل».

بيد أن أحد أبرز التحديات، بالطبع، هو معرفة ما سيكون عليه هذا التطبيق بالضبط. ومن بين الأسئلة الرئيسية، هو ما إذا كان الأمر سينتهي بمستخدمي التطبيق إلى مشاركة النوع نفسه من الانتقادات اللاذعة، والسياسة العدوانية، والتعليقات الحادة حول الأخبار والأحداث العالمية التي غالباً ما تكون شائعة على «تويتر»، بحسب إنبرغ. وتابعت: «أعتقد بأنه من الصعب تخيّل أنه سيكون نسخة طبق الأصل من (تويتر)، ولا أعتقد بأنه يجب أن يكون كذلك بالضرورة».

على أية حال، مع مليون مشترك في الساعة، بحسب أرقام «ميتا»، بدا أن الميزة المبتكرة لـ«ثريدز» هي ربطه بتطبيق «إنستغرام»، ما يمنحه قاعدة مستخدمين محتملة مضمونة يسهل الوصول إليها. لكن من نافل القول، إن إطلاقه تزامن مع نهاية أسبوع سيئة لـ«تويتر»، بعدما أعلن ماسك أن النظام الأساسي، سيحدّ مؤقتاً من عدد التغريدات التي يمكن للمستخدمين قراءتها يومياً. وكشف النقاب عن «إجراء طارئ مؤقت» يمنع المستخدمين الذين لم يسجّلوا الدخول من مشاهدة التغريدات على متصفح الويب الخاص بالتطبيق/ المنصة. وذكر إن هذه الخطوات تهدف إلى منع برامج «الأطراف الثالثة» الخارجية من تصفّح النظام الأساسي للحصول على بيانات المستخدمين.

هذا، وفي حين تتنافس الشركات إبان الأوقات العصيبة اقتصادياً على منصات التواصل الاجتماعي، التي تعتمد أعمالها بشكل كبير على الإعلانات الرقمية، أدى تباطؤ النمو في سوق التجارة الإلكترونية، وقواعد الخصوصية الجديدة من شركات التكنولوجيا الكبرى، وارتفاع التضخم، إلى الإضرار بالشركات التي تقدم خدمات التسويق. ولذا أقدمت «ميتا» و«غوغل» و«تويتر» وغيرها، على تسريح عشرات الآلاف من الموظفين خلال العام الماضي. ومنذ ذلك الحين، عادت ثرواتها إلى الانتعاش، حيث ارتفع سهم «ميتا»، على وجه الخصوص، بأكثر من 126 في المائة خلال ستة أشهر. وحققت في أبريل (نيسان) الماضي، أول زيادة ربع سنوية في إيراداتها خلال سنة تقريباً.


مقالات ذات صلة

مرشحة ترمب لوزارة التعليم مُتهمة بـ«تمكين الاعتداء الجنسي على الأطفال»

الولايات المتحدة​ ليندا مكماهون مرشحة دونالد ترمب لقيادة وزارة التعليم (أ.ب)

مرشحة ترمب لوزارة التعليم مُتهمة بـ«تمكين الاعتداء الجنسي على الأطفال»

لا تزال الاتهامات تلاحق الفريق الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب لتشكيل إدارته؛ حيث زعمت دعوى قضائية أن ليندا مكماهون سمحت بالاعتداء الجنسي على الأطفال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

أمر القاضي في قضية الاحتيال المالي ضد دونالد ترمب، الجمعة، بتأجيل النطق بالحكم إلى أجل غير مسمى، ما يمثل انتصاراً قانونياً للرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت يتحدث خلال فعالية (رويترز-أرشيفية)

حاكم تكساس الأميركية يأمر أجهزة الولاية بوقف الاستثمار في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري غريغ أبوت، الأجهزة المعنية بوقف استثمار أموال الولاية في الصين، وبيع هذه الاستثمارات في أقرب فرصة.

«الشرق الأوسط» (أوستن (تكساس))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي يلوح بيده من سيارته في موكب سيارات قبل دقيقة واحدة تقريباً من إطلاق النار عليه، في 22 نوفمبر 1963 في دالاس، الولايات المتحدة (أ.ب)

ترمب يتعهد مجدداً برفع السرية عن وثائق اغتيال جون كينيدي

ينصح أولئك الذين فحصوا سجلات ملف اغتيال كينيدي التي تم الكشف عنها حتى الآن، بعدم توقع أي كشف صادم، حتى لو تم رفع السرية عن الملفات المتبقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».