تركي السديري... في «بيوغرافي»

«أفلام السعودية» يحتفي بـ«قصة ملك الصحافة»

تركي السديري... في «بيوغرافي»
TT

تركي السديري... في «بيوغرافي»

تركي السديري... في «بيوغرافي»

لا يمكن اختزال تاريخ الصحافة السعودية في رجل واحد، إلا أن الصحافي السعودي الراحل تركي السديري يأتي استثناءً هنا، فهو تاريخ صحافي وأيقونة سعودية لا تتكرر، إذ عاش نحو نصف قرن في بلاط صاحبة الجلالة، كان حينها مالئ الدنيا وشاغل الناس، كما يصف الشاعر المتنبي نفسه، وهو وصف يليق بالسديري الذي وهب حياته للصحافة وصولاتها وجولاتها.

لم يكن رحيله عام 2017 النقطة التي توضع في آخر السطر، حيث ما زال تركي السديري مؤثراً في وسطه الصحافي، حاضراً وغائباً، وهو ما بدا واضحاً في الحشد الإعلامي الكبير الذي حضر فيلم «قصة ملك الصحافة»، وهو فيلم بيوغرافي يتناول سيرة الراحل، عُرض في مهرجان أفلام السعودية المقام حالياً في مركز إثراء بمدينة الظهران (شرق السعودية).

وللحظة، عاد الحضور إلى الحي القديم الواقع في محافظة الغاط التابعة لمنطقة الرياض، حيث وُلد تركي السديري عام 1944، ثم الانتقال التدريجي من مرحلة حياتية لأخرى، ومقاطع أرشيفية من لقاءات تلفزيونية قديمة ونادرة للراحل، وكذلك لقاء نادر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (كان حينها أميراً لمنطقة الرياض) أشاد فيها بالراحل وجهوده الكبيرة.

وعن اسم الفيلم، فقد أظهر أن الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز هو من أطلق على تركي السديري لقب «ملك الصحافة». وذلك في الفترة الذهبية للصحافي الذي شغل لسنوات طويلة رئاسة هيئة الصحافيين السعوديين واتحاد الصحافة الخليجية، وهو ما ألقي الضوء عليه في الفيلم، الذي جاء بإخراج حسن سعيد، وكتابة وإنتاج علي سعيد.

بوستر فيلم «قصة ملك الصحافة» (الشرق الأوسط)

قصة الفيلم

يتحدث نجله مازن السديري، لـ«الشرق الأوسط» عن الفيلم، قائلاً: «حين عُرضت فكرته عليّ من المنتج علي سعيد والمخرج حسن سعيد، تحمست جداً». مشيراً إلى أن علي سعيد كان صحافياً في جريدة الرياض التي رأس تحريرها الراحل لـ4 عقود، ويضيف: «كنت أتابعه، كان معنياً بالأدب ثم نهج حياة الفن، وأعتقد أن الصحافة عمل منطقي، بينما أرى الفن هو كل شيء جميل لا نستطيع أن نجعله واقعاً».

ويتابع: «تجاوبت مع فكرتهما وحاولنا تقديم حياة هذا الرجل في قالب سهل للفهم واضح، لأنه تقلد منصب رئيس تحرير جريدة الرياض على مدى 4 عقود، من 1974 إلى عام 2015. وقبلها عمل 7 سنوات صحافياً، وخلال هذه المدة الطويلة مرت عواصف على الصحافة السعودية والعالمية، جيوسياسية وتقنية واقتصادية، وأيضاً اجتماعية، فهي فترة مهمة للأجيال التي ستأتي لتعرف كيف تم التعامل معها وما متغيراتها».

لقاء تلفزيوني قديم ونادر للراحل عرضه الفيلم (الشرق الأوسط)

حياد الفيلم

بسؤال نجل الراحل هل جاء الفيلم بشفافية عالية أم أن هناك كثيراً من المسكوت عنه بالنظر لكثرة العوامل والمتغيرات التي عاشها تركي السديري؟ يجيب: «لا بد أن نقدم ما هو حيادي وموضوعي، وإلا لن تكون للفيلم أي قيمة، ومن شاركوا في الفيلم هم شهود على عدة مراحل، بعضهم في فترة تسبق دخوله عالم الصحافة، وأحدهم في بداية حياته الصحافية، وآخر خلال مرضه، وهكذا حاولنا أن نقدم حياته دون تحفظ وبتوازن وواقعية».

ويصف مازن السديري فيلم «قصة ملك الصحافة» بأنه «فيلم لا يجعل الجمهور يعطي رأياً في تركي السديري، بل يتعرّف عليه»، مؤكداً على الحيادية التامة التي تم التعاطي بها خلال سياق الفيلم الوثائقي الذي تصل مدته إلى نحو 53 دقيقة، تتنقل بسرعة بين محطات زاخرة عاشها تركي السديري، كان أبرزها إقالته من رئاسة التحرير في فترة ما ثم عودته إليها.

وجاء مشهد مدير مكتبه وهو يروي تدهور الحالة الصحية لتركي السديري في أيامه الأخيرة بشكل مؤلم، حيث يحكي كيف كان يدخل السديري إلى مبنى الجريدة ولا يعرف أين مكتبه، في حالة من الوهن التي عصفت به وأثرت على ذاكرته، وهي لحظة جاءت بعد سلسلة طويلة من النجاحات الساحقة التي سجلها في ميادين الصحافة.

رواة الفيلم

وفي لقاء «الشرق الأوسط» مع المخرج حسن سعد والكاتب والمنتج علي سعيد، أوضحا أن الفيلم تم تصويره في عدة أماكن حقيقية، ما بين مكتب الراحل في جريدة الرياض ومكتبه في منزله وغيرها، مع وجود عدد كبير من الإعلاميين ممن ظهروا في الفيلم كرواة، مثل؛ عبد الرحمن الراشد، ويوسف الكويليت، وممدوح المهيني، وسعد الحميدين، وهاني الغفيلي، وغيرهم من الصحافيين الذين رافقوا الراحل، إلى جانب إبراهيم القدير الذي كان صديقاً مقرباً لتركي السديري.

ويؤكد الأخوان سعيد أن الفيلم ليس نخبوياً، بل صنعاه بطريقة تلامس وتشد الجميع، يحكي علي سعيد عن شرارة الفكرة قائلاً: «حين كنت صحافياً في جريدة الرياض كنت مهتماً بالسينما والأدب، وتركت الجريدة في نفس العام الذي توفي فيه تركي السديري، وحينها راودتني فكرة صنع فيلم وثائقي عنه، وطرحتها على نجله مازن السديري الذي تحمس كثيراً وفتح لنا بيته للتصوير، وكشف لنا الكثير من أرشيفه».

مازن السديري يتوسط الأخوين علي سعيد وحسن سعيد (الشرق الأوسط)

جريدة الرياض

يشير علي سعيد إلى أن الفيلم الذي ينطلق من طفولة تركي السديري كطفل يتيم، ودخوله إلى عالم الأدب ثم انتقاله إلى عالم الصحافة، وتحولاته التي نقلت جريدة الرياض من صحيفة عادية في حي المرقب إلى مبنى في حي الملز، ثم إلى مبناها الضخم الحالي، وخلال هذا التنقل أصبحت جريدة الرياض من أهم الصحف في العالم العربي، كما يقول.

ويبدو لافتاً أن الفيلم لا يقدم معلومات فقط، بل يدرس شخصية تركي السديري من عدة جوانب قيادية وإنسانية وثقافية وغيرها، وكيف تعامل مع عدة نكسات، حيث يوضح علي سعيد أن الفيلم يكشف الستار لأول مرة عن قصة إقالة السديري من منصب رئاسة التحرير، وهي حادثة شهيرة وقعت في الثمانينات وظلت غامضة إلى أن كشفها الفيلم بالوثائق، ليأتي «قصة ملك الصحافة» باعتباره مرجعاً سينمائياً هاماً لكل المهتمين بالراحل والصحافة السعودية.



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».