ريشما راميش: الشعر ضرورة وجودية في عالم اليوم

الشاعرة الهندية تقول إنها تعلمت من غناء الفلاحين في الحقول

الشاعرة الهندية ريشما راميش
الشاعرة الهندية ريشما راميش
TT

ريشما راميش: الشعر ضرورة وجودية في عالم اليوم

الشاعرة الهندية ريشما راميش
الشاعرة الهندية ريشما راميش

تُعد الشاعرة الهندية ريشما راميش من أبرز الأصوات الشعرية النسائية في بلادها، كما أنها معروفة في محيطها الآسيوي. تتسم قصائدها بالرهافة والحس العالي بمعاناة الإنسان، وتكتسب لغتها بعداً بصرياً يمنح النص هويته الخاصة، متأثرة بكونها مصورة فوتوغرافية محترفة، تقيم المعارض بين حين وآخر. تُرجمت قصائدها إلى أكثر من 16 لغة حول العالم، من بينها الإسبانية والفرنسية، كما أنها وجه مألوف -بزيها التقليدي المميز- في كثير من مهرجانات الشعر الدولية؛ وحصلت على تكريمات وجوائز من دول وهيئات مختلفة، مثل: صربيا، وتركيا، ونيبال، ومنظمة «اليونيسكو».

«الشرق الأوسط» التقتها على هامش مشاركتها في معرض الكتاب بالقاهرة، في هذا الحوار، حول الطفولة وعلاقة الشعر بالتصوير والموسيقى.

* من خلال ما قرأته لك، يبدو أن لطفولتك تأثيراً حاسماً في تحديد مسارات الشعر في حياتك؟

- هذا صحيح تماماً، فأنا ابنة المدينة؛ لكن هناك واقعة مهمة بالغة التأثير في دفعي نحو الشعر وقعت خلال طفولتي. زرت جدتي في القرية ومكثت معها بعض الوقت، فسحرتني الطبيعة ونمط الحياة البسيطة والاستغناء الكامل عن التكنولوجيا. لك أن تتخيلي أنه حتى التلفاز لم تكن جدتي تبالي به.

عندما عدت إلى المدينة، كنت شخصاً آخر مفعماً بروحانيات ومشاعر داخلية ونظرة مختلفة على العالم، ومن هنا بدأت علاقتي بالشعر.

* إلى أي حد أثرت الطبيعة إذن في شعرك؟

- استلهمت موسيقى البهجة، وتعلمت أسرار الشعر من غناء الفلاحين الجماعي في الحقول، كما استوعبت كيف أن للكلمات سحراً لا يقاوم، وموسيقى داخلية علينا فقط أن نعرف كيف ننصت إليها. الشعر يتطلب دائماً أن نفهم كيف يتحدث الكون إلينا؛ سواء عبر ذواتنا الداخلية أم كان ذلك عبر الطبيعة من حولنا.

* تقولين دائماً إن الشاعر ينبغي أن يكون سفيراً لبلاده، كيف ذلك؟

- نعم، وأعني أن عليه مسؤولية حقيقية في نقل ثقافة بلاده إلى الآخرين، عبر قصائده وعبر مشاركاته في الأحداث العالمية، مثل مهرجانات الشعر الدولية التي تعد دائماً بمثابة مختبر أو بوتقة تنصهر فيها ثقافات العالم، بمختلف ألوان البشرة واللغات والأزياء. هذا التنوع الذي يثري جوهرنا بوصفنا بشراً، على الشاعر أن يساهم فيه.

* تمارسين التصوير الفوتوغرافي بشكل محترف، إلى أي حد يتقاطع ذلك مع الشعر؟

- الصورة الفوتوغرافية بالنسبة لي هي الوجه الآخر للقصيدة، فكلتاهما تسعى للإمساك بالحقيقة والزمن والتعبير عن اللحظة الراهنة. صحيح أن إحداهما تتوسل بالضوء والظلال والأخرى بالكلمات؛ لكنهما في النهاية وجهان لعملة واحدة. أنا مشغولة بفكرة الفنون البصرية للغاية، وأعتقد أنها تتكامل بشكل رائع مع الفنون الكتابية. وإذا كانت لعبة الضوء والظلال هي الأداة المفضلة لفن التصوير، فإن القصيدة تعد هي أيضاً بمثابة عدسة لرصد الروح.

* وماذا عن علاقة الشعر بعملك طبيبة أسنان؟

- نقطة الالتقاء بين القصيدة والطب تتمثل في الدقة والتركيز والصبر. تعلمت من مهنتي –طبيبة- أن أنصت إلى آلام الآخرين وأحاول التخفيف عنها، وهو بالضبط ما يستهدفه الشعر بطريقة ما. لا يمكن لأي طبيب أن يكون شاعراً؛ لكن يمكن للشاعر أن يكون طبيباً أو مهندساً أو أي مهنة أخرى. الشعر يختارنا، نحن لا نختاره؛ بل نترك له أنفسنا ليحدد هويتنا بوصفنا مبدعين وبشراً.

* لماذا تكتبين شعرك باللغة الإنجليزية، ولا تكتبين بلغتك الأصلية «الكانادية»؟

- الأمر له علاقة مباشرة بسهولة وصول صوتك إلى العالم حين تكتب بالإنجليزية. هذه حقيقة ثابتة شئنا أم أبينا. هذا لا يقلل بالطبع من اعتزازي وفخري بلغتي الأصلية.

* إلى أي حد هناك محاذير أو خطوط حمراء تواجهك -بوصفك امرأة- في مجتمع محافظ حين تمارسين فعل الإبداع؟

- على المستويات الحسية الإيروتكية، وكذلك على مستوى الموروث المقدس، أكتب بحرية شديدة دون خطوط حمراء تقريباً. المشكلة تأتي حين يتعلق الأمر بالشأن السياسي. وأذكر هنا أن إحدى الشاعرات الهنديات لقيت حتفها ثمناً لتمسكها برؤيتها الرافضة للتعصب العرقي، وهجومها الصريح على كثير من الأوضاع الخاطئة القائمة.

تعلمت من مهنتي (طبيبة) أن أنصت إلى آلام الآخرين وأحاول التخفيف عنها وهو بالضبط ما يستهدفه الشعر بطريقة ما

* يرى البعض أن العالم لم يعد بحاجة إلى الشعر، وأنه أدار ظهره للقصيدة في زمن الحروب والكوارث، كيف ترين الأمر؟

- أرى العكس تماماً، فالشعر ليس رفاهية؛ بل هو متصل مباشرة بكل ما هو نقي وجميل داخل النفس الإنسانية. إنه ضرورة وجودية في عالم اليوم، فهو وحده القادر على إيجاد القواسم المشتركة بين البشر؛ لا سيما الحق والخير والجمال؛ وكلما زاد جنون العالم وتعددت حماقاته من حيث الحروب والكوارث، أصبحنا أكثر احتياجاً للشعر؛ لأنه يمنح السلام.

* مع ذلك، يرى البعض في المقابل أنه يمكن الاستغناء عن الشعر، من خلال الاستعانة بالذكاء الاصطناعي مثلاً، وغيره من التطبيقات التي يمكن أن تنتج لنا قصيدة بديلة؟

- لا أخشى على مستقبل القصيدة من الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الجديدة التي اقتحمت عالم الأدب والتأليف، وذلك لسبب بسيط للغاية، وهو أن فكرة الإبداع تقوم في جوهرها على تجاوز ما سبق أن قدمه الآخرون في التراث الأدبي الإنساني، في حين أن الذكاء الاصطناعي ليس أكثر من وسيلة لإعادة ترتيب وإنتاج الإبداعات السابقة، في صورة قد تبدو جديدة؛ لكنها في جوهرها قائمة على التكرار. سيظل الخيال البشري صاحب الكلمة العليا في التعبير عن جمال الحياة وحزنها، أما الذكاء الاصطناعي فهو مفيد وحيوي في مجالات أخرى بالطبع.

* حصدت كثيراً من الجوائز، فما الذي يعنيه لك ذلك؟

- المبدع يسعد بالطبع حين ينال تكريماً؛ لكن الجوائز لا تشغلني كثيراً، والجائزة الحقيقية تظل متمثلة في وصول صوت المبدع إلى الآخر. أعني أنني لا أستهدف التكريم أو الاعتراف في حد ذاتهما، وأنشغل فقط بتحقيق أقصى درجات الصدق مع الذات والمتلقي.


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.