«اقتصاد النوايا»... الذكاء الاصطناعي يُخمّن رغباتك ويبيعها في السوق

تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها التنبؤ بنوايا الأفراد وبيعها للشركات (جامعة كامبريدج)
تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها التنبؤ بنوايا الأفراد وبيعها للشركات (جامعة كامبريدج)
TT

«اقتصاد النوايا»... الذكاء الاصطناعي يُخمّن رغباتك ويبيعها في السوق

تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها التنبؤ بنوايا الأفراد وبيعها للشركات (جامعة كامبريدج)
تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها التنبؤ بنوايا الأفراد وبيعها للشركات (جامعة كامبريدج)

حذّر باحثون من جامعة كامبريدج البريطانية من اقتراب عصرٍ جديدٍ يُعرف بـ«اقتصاد النوايا»، إذ يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بنيات الأفراد وبيعها للشركات قبل أن يدركوا قراراتهم بأنفسهم.

وأوضح الباحثون أن «اقتصاد النوايا» قد يُحدِث تغييراً جذرياً في أساليب التسويق والتجارة، لكنه يحمل في طياته عواقبَ اجتماعية سلبية على الشفافية، والخصوصية، والاستقلالية الفردية. ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «Harvard Data Science Review».

وحسب الدراسة، قد نشهد في المستقبل القريب ظهور أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بالقرارات البشرية في مراحل مبكرة، والتأثير عليها بشكل فعّال، ومن ثَمّ بيع هذه «النوايا» في الوقت الفعلي للشركات التي يُمكِنها تلبية تلك الاحتياجات.

هذا التطور، الذي يعرف بـ«اقتصاد النوايا»، قد يُحدث نقلة نوعية في الطريقة التي تُدار بها الحياة الرقمية والاقتصاد العالمي، وفق الباحثين.

وأشار الفريق البحثي إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التَّوليدي، مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، والمساعدين الافتراضيين، تتيح إمكانيات هائلة لتتبُّع الأنماط النفسية والسلوكية للأفراد. ومن خلال تحليل الحوارات والبيانات المستخلصة، يمكن لهذه التقنيات التنبؤ باحتياجات المستخدمين، بل والتأثير على خياراتهم لصالح جهات تجارية أو سياسية قبل أن يُدرك المستخدم نفسه نواياه.

ويُشير الباحثون إلى أن التطورات الحالية تُشير إلى تحوّل تدريجي من بيع «الانتباه» إلى بيع «النوايا». وتعتمد هذه التقنيات على تحليل سلوكيات الأفراد، مثل طريقة الحديث، والتفضيلات الشخصية، وحتى التّوجهات السياسية، ومن ثَم تُستغلّ هذه التحليلات لتوجيه المحادثات والمقترحات بشكل يخدم أهدافاً محددة، مثل حجز تذاكر السينما، أو التأثير على دعم مرشح سياسي.

ولفت الباحثون إلى أن كبرى شركات التكنولوجيا بدأت بالفعل في تبني هذه الاتجاهات. على سبيل المثال، أعلنت شركة «أوبن إيه آي» (OpenAI)، المطورة لروبوت الدردشة الشهير «تشات جي بي تي» عن حاجتها لبيانات تعكس النوايا البشرية، في حين أطلقت شركة «أبل» أُطر عملٍ جديدة تُتيح لتطبيقاتها توقّع تصرفات المستخدمين المستقبلية عبر مساعدها الشخصي «سيري». كما أعلنت شركة «إنفيديا» عن استخدام نماذج اللغة لفهم النوايا البشرية. وأصدرت شركة «ميتا» أبحاثاً تحت عنوان (Intentonomy) وهي بيانات مخصّصة لفهم النوايا البشرية.

من جانبه، قال الدكتور يعقوب شودري، الباحث الزائر في مركز «ليفرهولم» لمستقبل الذكاء في جامعة كامبريدج: «تُبذل موارد هائلة لدمج مساعدي الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، مما يُثير التساؤلات في مصالح هذه التقنيات وأهدافها».

وأضاف عبر موقع الجامعة: «ما يُقال في المحادثات، وكيف يُقال، والنتائج التي يُمكن استخلاصها في الوقت الفعلي، أكثر أهمية من مجرد سجلات التفاعلات الرقمية». وأردف أن «أدوات الذكاء الاصطناعي تُطوّر لجمع النوايا البشرية والتنبؤ بها واستغلالها وبيعها».

ويرى الباحثون أن «اقتصاد النوايا» قد يهدّد الانتخابات الحرة، والصحافة المستقلة، والمنافسة العادلة، ما لم يُنظّم بشكل صارم.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد شعار شركة «إنفيديا» خلال معرض «كومبيوتكس» السنوي للحواسيب في تايبيه (رويترز)

«إنفيديا» تتصدر قائمة الرابحين في 2024 بفضل الذكاء الاصطناعي

برزت «إنفيديا» بوصفها أكبر رابح عالمي من حيث القيمة السوقية في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
علوم أكبر إخفاقات الذكاء الاصطناعي في عام 2024

أكبر إخفاقات الذكاء الاصطناعي في عام 2024

برامج دردشة آلية تقدّم نصائح غير قانونية ونتائج بحث مشبوهة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تتزايد استخدامات الذكاء الاصطناعي في أبحاث جراحة الأسنان وتطبيقاتها (أدوبي ستوك)

أهم الابتكارات والإنجازات في طب الأسنان لعام 2024

أول زرعة للأسنان ذكية تحتوي على مستشعرات تساعد في مراقبة صحة الفم.

د. عميد خالد عبد الحميد (الرياض)

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟
TT

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

يوجه ديميس هاسابيس، أحد أكثر خبراء الذكاء الاصطناعي نفوذاً في العالم، تحذيراً لبقية صناعة التكنولوجيا: لا تتوقعوا أن تستمر برامج المحادثة الآلية في التحسن بنفس السرعة التي كانت عليها خلال السنوات القليلة الماضية، كما كتب كاد ميتز وتريب ميكل (*).

التهام بيانات الإنترنت

لقد اعتمد باحثو الذكاء الاصطناعي لبعض الوقت على مفهوم بسيط إلى حد ما لتحسين أنظمتهم: فكلما زادت البيانات التي جمعوها من الإنترنت، والتي ضخُّوها في نماذج لغوية كبيرة (التكنولوجيا التي تقف وراء برامج المحادثة الآلية) كان أداء هذه الأنظمة أفضل.

ولكن هاسابيس، الذي يشرف على «غوغل ديب مايند»، مختبر الذكاء الاصطناعي الرئيسي للشركة، يقول الآن إن هذه الطريقة بدأت تفقد زخمها ببساطة، لأن البيانات نفدت من أيدي شركات التكنولوجيا.

وقال هاسابيس، هذا الشهر، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو يستعد لقبول «جائزة نوبل» عن عمله في مجال الذكاء الاصطناعي: «يشهد الجميع في الصناعة عائدات متناقصة».

استنفاد النصوص الرقمية المتاحة

هاسابيس ليس الخبير الوحيد في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يحذر من تباطؤ؛ إذ أظهرت المقابلات التي أُجريت مع 20 من المديرين التنفيذيين والباحثين اعتقاداً واسع النطاق بأن صناعة التكنولوجيا تواجه مشكلة كان يعتقد كثيرون أنها لا يمكن تصورها قبل بضع سنوات فقط؛ فقد استنفدت معظم النصوص الرقمية المتاحة على الإنترنت.

استثمارات رغم المخاوف

بدأت هذه المشكلة في الظهور، حتى مع استمرار ضخ مليارات الدولارات في تطوير الذكاء الاصطناعي. في الأسبوع الماضي، قالت شركة «داتابريكس (Databricks)»، وهي شركة بيانات الذكاء الاصطناعي، إنها تقترب من 10 مليارات دولار في التمويل، وهي أكبر جولة تمويل خاصة على الإطلاق لشركة ناشئة. وتشير أكبر الشركات في مجال التكنولوجيا إلى أنها لا تخطط لإبطاء إنفاقها على مراكز البيانات العملاقة التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

لا يشعر الجميع في عالم الذكاء الاصطناعي بالقلق. يقول البعض، بمن في ذلك سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، إن التقدم سيستمر بنفس الوتيرة، وإن كان مع بعض التغييرات في التقنيات القديمة. كما أن داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة، «أنثروبيك»، وجينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «نيفيديا»، متفائلان أيضاً.

قوانين التوسع... هل تتوقف؟

تعود جذور المناقشة إلى عام 2020، عندما نشر جاريد كابلان، وهو فيزيائي نظري في جامعة جونز هوبكنز، ورقة بحثية تُظهِر أن نماذج اللغة الكبيرة أصبحت أكثر قوة وواقعية بشكل مطرد مع تحليل المزيد من البيانات.

أطلق الباحثون على نتائج كابلان «قوانين التوسع (Scaling Laws)»... فكما يتعلم الطلاب المزيد من خلال قراءة المزيد من الكتب، تحسنت أنظمة الذكاء الاصطناعي مع تناولها كميات كبيرة بشكل متزايد من النصوص الرقمية التي تم جمعها من الإنترنت، بما في ذلك المقالات الإخبارية وسجلات الدردشة وبرامج الكومبيوتر.

ونظراً لقوة هذه الظاهرة، سارعت شركات، مثل «OpenAI (أوبن إيه آي)» و«غوغل» و«ميتا» إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من بيانات الإنترنت، وتجاهلت السياسات المؤسسية وحتى مناقشة ما إذا كان ينبغي لها التحايل على القانون، وفقاً لفحص أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، هذا العام.

كان هذا هو المعادل الحديث لـ«قانون مور»، وهو المبدأ الذي كثيراً ما يُستشهد به، والذي صاغه في ستينات القرن العشرين المؤسس المشارك لشركة «إنتل غوردون مور»؛ فقد أظهر مور أن عدد الترانزستورات على شريحة السيليكون يتضاعف كل عامين، أو نحو ذلك، ما يزيد بشكل مطرد من قوة أجهزة الكومبيوتر في العالم. وقد صمد «قانون مور» لمدة 40 عاماً. ولكن في النهاية، بدأ يتباطأ.

المشكلة هي أنه لا قوانين القياس ولا «قانون مور» هي قوانين الطبيعة الثابتة. إنها ببساطة ملاحظات ذكية. صمد أحدها لعقود من الزمن. وقد يكون للقوانين الأخرى عمر افتراضي أقصر بكثير؛ إذ لا تستطيع «غوغل» و«أنثروبيك» إلقاء المزيد من النصوص على أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما، لأنه لم يتبقَّ سوى القليل من النصوص لإلقائها.

«لقد كانت هناك عائدات غير عادية على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، مع بدء تطبيق قوانين التوسع»، كما قال هاسابيس. «لكننا لم نعد نحصل على نفس التقدم».

آلة تضاهي قوة العقل البشري

وقال هاسابيس إن التقنيات الحالية ستستمر في تحسين الذكاء الاصطناعي في بعض النواحي. لكنه قال إنه يعتقد أن هناك حاجة إلى أفكار جديدة تماماً للوصول إلى الهدف الذي تسعى إليه «غوغل» والعديد من الشركات الأخرى: آلة يمكنها أن تضاهي قوة الدماغ البشري.

أما إيليا سوتسكيفر، الذي كان له دور فعال في دفع الصناعة إلى التفكير الكبير، كباحث في كل من «غوغل» و«أوبن أيه آي»، قبل مغادرته إياها، لإنشاء شركة ناشئة جديدة، الربيع الماضي، طرح النقطة ذاتها خلال خطاب ألقاه هذا الشهر. قال: «لقد حققنا ذروة البيانات، ولن يكون هناك المزيد. علينا التعامل مع البيانات التي لدينا. لا يوجد سوى شبكة إنترنت واحدة».

بيانات مركبة اصطناعياً

يستكشف هاسابيس وآخرون نهجاً مختلفاً. إنهم يطورون طرقاً لنماذج اللغة الكبيرة للتعلُّم من تجربتهم وأخطائهم الخاصة. من خلال العمل على حل مشاكل رياضية مختلفة، على سبيل المثال، يمكن لنماذج اللغة أن تتعلم أي الطرق تؤدي إلى الإجابة الصحيحة، وأيها لا. في الأساس، تتدرب النماذج على البيانات التي تولِّدها بنفسها. يطلق الباحثون على هذا «البيانات الاصطناعية».

أصدرت «اوبن أيه آي» مؤخراً نظاماً جديداً يسمى «OpenAI o1» تم بناؤه بهذه الطريقة. لكن الطريقة تعمل فقط في مجالات مثل الرياضيات وبرمجة الحوسبة؛ حيث يوجد تمييز واضح بين الصواب والخطأ.

تباطؤ محتمل

على صعيد آخر، وخلال مكالمة مع المحللين، الشهر الماضي، سُئل هوانغ عن كيفية مساعدة شركته «نيفيديا» للعملاء في التغلب على تباطؤ محتمل، وما قد تكون العواقب على أعمالها. قال إن الأدلة أظهرت أنه لا يزال يتم تحقيق مكاسب، لكن الشركات كانت تختبر أيضاً عمليات وتقنيات جديدة على شرائح الذكاء الاصطناعي. وأضاف: «نتيجة لذلك، فإن الطلب على بنيتنا التحتية كبير حقاً». وعلى الرغم من ثقته في آفاق «نيفيديا»، فإن بعض أكبر عملاء الشركة يعترفون بأنهم يجب أن يستعدوا لاحتمال عدم تقدم الذكاء الاصطناعي بالسرعة المتوقَّعة.

وعن التباطؤ المحتمل قالت راشيل بيترسون، نائبة رئيس مراكز البيانات في شركة «ميتا»: «إنه سؤال رائع نظراً لكل الأموال التي يتم إنفاقها على هذا المشروع على نطاق واسع».

* خدمة «نيويورك تايمز»