عبر الحفاظ على الموارد الطبيعية، وحماية الغطاء النباتي وتنميته، وتقليل التعديات عليه، واستعادة التنوع الأحيائي وتعزيز نمائه وازدهاره، وحماية الموائل الفريدة والمحميات الطبيعية، الأمر الذي يسهم في التخفيف من آثار التغير المناخي، والحد من التصحر؛ أظهرت السعودية أن خطواتها في طريق التحول إلى الاستدامة البيئية كانت تسير وفقاً لخطط مدروسة مبنية على التوجهات التي رسمتها «رؤية 2030».
ورصدت «الشرق الأوسط» أرقاماً حديثة تظهر مستوى التقدّم في مشاريع البيئة والطبيعة منذ إعلان «رؤية 2030»، لتشمل زراعة أكثر من 49 مليون شجرة في مختلف مناطق البلاد، واستصلاح أكثر من 94 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة، و18.1 في المائة من المناطق البرية أصبحت محميّات طبيعية، و6.49 من المناطق البحرية أصبحت محميّات طبيعية، وإعادة توطين 1660 حيواناً مهدّداً بالانقراض، بالإضافة إلى ولادة 7 من صغار النمر العربي على أرض المملكة.
ونتيجةً للعمل على التحول في الغطاء النباتي، يبرز أحد الأرقام المهمة، الذي يظهر أن مساحة الغطاء النباتي المعاد تأهيله بنهاية العام الماضي، بلغت 192.4 ألف هكتار لتطغى على المستهدف الذي كان 69 ألف هكتار، بالإضافة إلى أكثر من 975 هكتاراً من مدرجات زراعية في الجنوب الغربي للبلاد مؤهّلة ومجهزة بتقنيات حصر مياه الأمطار، فضلاً عن غرس أكثر من 3 ملايين شتلة برية.
مؤسسات ترسخ التغيير
شأنه شأن القطاعات التنموية الرئيسية في التنمية التي تشهدها السعودية، انطلقت مسيرة التحول في القطاع البيئي منذ عام 2016 تقريباً؛ إذ تم إصدار عدة أنظمة وتشريعات داعمة، بدأت بالأمر الملكي بتغيير اسم وزارة الزراعة لتصبح «وزارة البيئة والمياه والزراعة»، ونقل المسؤولية عن البيئة والمياه إليها.
وفي العام نفسه، تم تنفيذ «مبادرة برنامج الملك سلمان للتوعية البيئية والتنمية المستدامة»، التي تهدف إلى زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، وتعزيز التنمية المستدامة، كما أنشئ برنامج وطني لبناء قدرات الجهات الحكومية في رصد وقياس مؤشرات توطين التنمية المستدامة في المملكة، إضافةً إلى تدشين الاستراتيجية الوطنية للبيئة، التي كانت بمثابة خريطة طريق نحو التطوّر في القطاع البيئي.
أكبر مشروع إعمار بيئي
لم يتوقف قطار الإنجازات يوماً منذ أن ولَّت المملكة وجهها شطر المجال البيئي فمنحته اهتماماً كبيراً، انعكس جليّاً في المؤسسات والجهات التي كانت دعائم صلبة لعهد جديد وتحول غير مسبوق في القطاع البيئي، فعلى سبيل المثال تم إنشاء «معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء»، الذي يُعَدُّ واحداً من أهم المشروعات النوعية في مجال دعم البحوث العلمية والتطبيقية في مجالات البيئة والمياه والصحراء، إضافة إلى إنشاء صندوق أبحاث للطاقة والبيئة، يدعم البحوث والابتكارات في مجال الطاقة المستدامة وحماية البيئة، كما تُعَدُّ المملكة صاحبة أكبر مشروع إعمار بيئي في التاريخ، وهو المشروع المتعلق بإصلاحات ما بعد حرب الخليج لعام 1990-1991؛ إذ استثمرت أكثر من 1.1 مليار دولار في إصلاح الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب.
5 مراكز بيئية
تُوِّجَت جهود الارتقاء بالقطاع البيئي في المملكة بخلق تحوُّل جوهري في الأطر المؤسسية بهدف ضمان جودة التنفيذ والاستدامة، وذلك عبر إنشاء 5 مراكز متخصصة في المجالات البيئية وإنشاء صندوق البيئة والقوات الخاصة للأمن البيئي، وشملت المراكز «المركز الوطني للأرصاد، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، والمركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي، إضافةً إلى المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، والمركز الوطني لإدارة النفايات».
بيئة متنوّعة لتوازن فعال
صدر أمر ملكي في يونيو (حزيران) 2018، بإنشاء مجلس للمحميات الملكية في الديوان الملكي السعودي، برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وذلك في إطار اهتمامه بالحفاظ على الثروة البيئية والحياة الفطرية في البلاد، والاهتمام بالتنوع البيولوجي وتوفير توازن بين الحياة الحالية ومستقبل البيئة.
حقبة خضراء
بعدما انتهجت السعودية نهج التحول إلى العصر الأخضر، أطلقت مبادرتين خلّاقتين ستغيّران الواقع المحلي والإقليمي فيما يتعلق بالحقبة الخضراء التي يشهدها العالم، وتطمح البلاد من خلالهما إلى أن تقود دفة التغيير عبر «مبادرة السعودية الخضراء» و «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر» حمايةً للبيئة والحياة البرية والثروة الحيوانية، وتعزيزاً للاقتصاد الأخضر، ومكافحة التغير المناخي، وتطبيق الاقتصاد الدائري للكربون، والحفاظ على النظم البيئية، وزيادة المساحات الخضراء.
ومن خلال «مبادرة السعودية الخضراء» تشهد البلاد زراعة 10 مليارات شجرة أو ما يعادل إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وهي خطوة للمحافظة على التنوع البيولوجي وتحسين جودة الأراضي والموارد الطبيعية محليّاً، كما تسعى إلى زيادة نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30 في المائة من مساحة الأرض الكلية، إضافةً إلى ذلك فإنه طبقاً لـ«رؤية 2030» ستتم إعادة تشكيل المدن السعودية وتحويلها إلى مدن خضراء وذكية بطريقة مستدامة، وتوسيع التخضير في المناطق الحضرية لتحسين جودة الهواء، وتشجيع نمط حياة صحي للمواطنين.
مبادرات «الغطاء النباتي»
أطلق «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» على التوالي 7 مبادرات طموحة تسعى لتحقيق أهداف «مبادرة السعودية الخضراء»، شملت أراضي الغطاء النباتي الواقعة تحت إشرافه، وهي مبادرة «إدارة وتنمية الغابات» الهادفة إلى زيادة الغطاء النباتي من خلال إعادة تأهيل 300 ألف هكتار من مناطق الغابات المتدهورة، وإعادة تشجير الوديان والمناطق التي تعرضت لقطع الأشجار بشكل كبير، وزراعة 60 مليون شجرة محلية، ومبادرة «الحفاظ على المراعي» التي تهدف إلى إعادة تأهيل 8 ملايين هكتار من المراعي في 26 موقعاً مختلفاً داخل المملكة، والتقليل من تأثير العواصف الرملية وتحسين الصحة العامة، وتوفير حلول قائمة على الطبيعة لاحتجاز الكربون ومكافحة تغير المناخ والتصحر.
بالإضافة إلى مبادرة «تطوير 50 متنزهاً وطنيّاً» بهدف تقليل انبعاثات الكربون بمقدار 4 ملايين طن ومكافحة التصحر، واستعادة التنوع البيولوجي. وتأتي مبادرة «زراعة 7 ملايين شجرة بالمحميات الملكية» لتستهدف التعاون مع المحميات الملكية لزراعة ملايين الأشجار البرية في المحميات الملكية، والتقليل مِن انبعاثات الكربون بمقدار 2.8 مليون طن، والمساعدة على تحسين نوعية الحياة ودعم السياحة البيئية.
وتهدف مبادرتان أخريان إلى «إشراك القطاعين العام والخاص في التشجير» بغرض المبادرة إلى زراعة وحماية 18 مليون شجرة محلية في المناطق التابعة للقطاع العام على مدى 10 سنوات، بهدف تقليل انبعاثات الكربون بمقدار 7.2 مليون طن، وتوفير حلول قائمة على الطبيعة لاحتجاز الكربون ومكافحة تغير المناخ، علاوةً على زراعة وحماية 40 مليون شجرة محلية على مدى 10 سنوات بالمناطق التابعة للقطاع الخاص، لتقليل انبعاثات الكربون بمقدار 16 مليون طن، والحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية والتنوع البيولوجي.
«الرياض الخضراء»
يبرز برنامج «الرياض الخضراء» كأحد مشاريع الرياض الكبرى، التي تستهدف زيادة الغطاء النباتي في الرياض من 1.5 في المائة إلى 9 في المائة؛ ما يعادل 541 كيلومتراً من مساحة العاصمة السعودية، ورفع نصيب الفرد من المساحات الخضراء، وتحسين جودة الهواء، والحد من نسبة التلوث وثاني أكسيد الكربون، وخفض درجة الحرارة، وتخفيض وهج الحرارة المنعكس من سطح الأرض حتى 15 درجة مئوية، عبر زراعة 7.5 مليون شجرة، وتشجير 120 حياً سكنياً في الرياض، وإنشاء وتطوير مشاتل تتجاوز طاقتها الإنتاجية 3 ملايين شجرة وشجيرة، والعديد من العوامل الأخرى. وقد حقّق البرنامج تقدّماً في المستهدفات التي جاءت ضمن معايير دقيقة لاختيار الأشجار والشجيرات، وانعكست بأثر بيئي واجتماعي واقتصادي، يظهر من خلال الصور التالية: