أي دور للمرأة في تحقيق العدالة المناخية؟

تتقاطع أزمة المناخ مع تصاعد العنف الاجتماعي

دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)
دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)
TT

أي دور للمرأة في تحقيق العدالة المناخية؟

دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)
دليل على الآثار الضارة لتغيُّر المناخ (رويترز)

لا تُميّز أزمة المناخ بين الجنسين، فالنساء والفتيات يتحملن عواقبها المدمرة بطرق عميقة وفريدة، لا سيما في البلدان النامية والمجتمعات المهمشة. وتساهم أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة في جعلهن أكثر عرضة لتأثيرات تغيُّر المناخ، مما يعرّض سبل عيشهن وحقوقهن الأساسية للخطر.

وتشير التوقعات إلى أنه بحلول 2050 ستكون هناك زيادة في عدد النساء اللاتي يواجهن انعدام الأمن الغذائي بمقدار 236 مليون امرأة وفتاة، بالمقارنة مع زيادة مقابلة مقدارها 131 مليون رجل وصبي، مما سيفاقم الفجوة الحالية بين الجنسين في مسألة الجوع والتغذية. ووفقاً لأرقام عام 2022، يواجه نحو 2.4 مليار إنسان انعداماً متوسطاً أو شديداً في الأمن الغذائي، وهؤلاء يمثّلون ربع سكان الكوكب، بنسبة 27.8 في المائة من النساء و25.4 في المائة من الرجال.

آن ماهرر وروزماري فيدلر-والتي من مجموعة «نساء كبيرات السن من أجل حماية المناخ» تتحدثان إلى الصحافيين بعد صدور حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية المناخ في ستراسبورغ بفرنسا في 9 أبريل 2024 (رويترز)

وتقع مسؤولية تأمين الاحتياجات الأساسية للأسرة، مثل المياه والوقود والغذاء، في كثير من الأحيان على عاتق النساء. وتؤدي الكوارث المتعلقة بالمناخ وندرة الموارد إلى زيادة هذا العبء، مما يترك لهن وقتاً وطاقةً أقل لتحصيل العلم، وزيادة الدخل، وتعزيز فرصهن في القيادة. وعلى الصعيد العالمي، ووفق أسوأ السيناريوهات المناخية، قد يدفع تغيُّر المناخ نحو 158 مليون امرأة إضافية إلى براثن الفقر في منتصف القرن، بما يزيد عن 16 مليوناً من الرجال.

وتتقاطع أزمة المناخ أيضاً مع العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتُظهِر الدراسات وجود علاقة مباشرة بين المصاعب المتعلقة بالمناخ وارتفاع معدلات العنف المنزلي والاعتداء الجنسي والممارسات الضارة مثل زواج القاصرات. فمع معاناة المجتمعات من فقدان سبل العيش والنزوح والاضطرابات الاجتماعية، تصبح النساء والفتيات أكثر عرضة للاستغلال والعنف.

نشطاء يشاركون في احتجاج مناهض لتغير المناخ في برلين (إ.ب.أ)

وتزداد هذه التحديات مع محدودية وصول النساء في كثير من الأحيان إلى الموارد ومفاصل صنع القرار. وتقيّد الأعراف الاجتماعية والأطر القانونية التمييزية ملكيتهن للأراضي، ووصولهن إلى التمويل والتكنولوجيا والمعلومات، وهي أصول ضرورية للتكيُّف مع تغيُّر المناخ وبناء القدرة على الصمود. وغالباً ما يتم استبعاد أصواتهن من عملية صنع القرار المتعلقة بالمناخ، مما يعوق قدرتهن على المساهمة في الحلول، وتشكيل السياسات التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهن.

ورغم أوجه الضعف غير المتناسبة التي تضغط على النساء، فهن يحظين بقدرة كبيرة على التغيير، وفي مقدورهن قيادة مسيرة الحلول المستدامة بفاعلية، وتعزيز القدرة على الصمود داخل مجتمعاتهن. كما تمتلك النساء ثروة من المعرفة التقليدية حول النظم البيئية، والممارسات الزراعية المستدامة، والاستعداد للكوارث، واحترام التوازن البيئي.

وتمثّل الدعوى القضائية التي رفعتها مجموعة من 2000 امرأة سويسرية تزيد أعمارهن عن 64 عاماً ضد حكومة بلادهن إحدى قصص النجاح اللافتة في سعي النساء لتحقيق العدالة المناخية. وقد طالبت هذه المجموعة الحكومة السويسرية بتحمُّل مسؤولياتها في العمل بشكل كافٍ لمنع تغيُّر المناخ الذي يساهم في زيادة خطر الوفاة بسبب الحرارة الشديدة.

صورة لمنطقة زراعية في سوريا أنهكتها الحرب والتغير المناخي (موقع الأمم المتحدة)

وأيّدت محكمة حقوق الإنسان في أوروبا مؤخراً هذه المطالبة، معتبرةً أن الحكومة السويسرية فشلت في تحقيق أهدافها الخاصة بانبعاثات غازات الدفيئة، وأشارت إلى «ثغرات خطيرة» في جهود سن قوانين مكافحة تغيُّر المناخ. ويُعتبر هذا الحكم، الذي قضت به محكمة يشمل اختصاصها معظم الأراضي الأوروبية، الأول من نوعه أوروبياً في قضية تتعلق بتغيُّر المناخ.

وتمتد مساهمات النساء إلى بناء قدرة المجتمعات على الصمود، حيث يلعبن دوراً حاسماً في الاستعداد للكوارث والاستجابة لها، وتنظيم جهود الإغاثة، وتوفير الخدمات الأساسية، ودعم تعافي المجتمع. وتُعدّ قيادتهن وشبكاتهن المجتمعية ضرورية لعدم تخلُّف أحد عن الركب، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وبناء مجتمعات أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ.

نحو عدالة مناخية نسوية

وتوجد حاجة لاتباع نهج تحويلي من أجل معالجة أزمة المناخ وتأثيراتها الجنسانية بفاعلية. ويوفّر إطار عمل العدالة المناخية النسوية، كما حددته هيئة الأمم المتحدة للمرأة، خريطة طريق شاملة للعمل تشمل أربع قضايا مترابطة هي الاعتراف، وإعادة التوزيع، والتمثيل، وجبر الضرر.

وتدعو الهيئة إلى الاعتراف بالخبرات والحقوق والمعارف المتنوعة للنساء والفتيات، باعتبارها أساسية لتطوير حلول مناخية فعالة وعادلة. ويتطلّب ذلك تقدير عمل الرعاية غير مدفوع الأجر الذي تقوم به المرأة، وتثمين معرفتها التقليدية كمصدر للممارسات المستدامة، والتصدي بفاعلية لأشكال التمييز المتعددة والمتداخلة التي تواجهها.

كان 2023 العام الأكثر حراً على الإطلاق بسبب التغير المناخي الذي تفاقم بسبب عودة ظاهرة النينيو (أ.ب)

ويجب التركيز على التوزيع العادل للموارد والفرص من أجل تعزيز قدرة النساء والفتيات على التكيُّف مع تغيُّر المناخ والاستفادة من التحوُّل إلى اقتصاد أكثر اخضراراً. ويشمل ذلك إعادة توزيع ملكية الأراضي، والاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة المراعية للنوع الاجتماعي، وإنشاء أنظمة للحماية الاجتماعية تدعم القدرة على الصمود الاقتصادي والرفاهية للمرأة.

كما يجب تضمين أصوات النساء ووجهات نظرهن على نحو هادف في صنع القرار المتعلق بالمناخ على جميع المستويات. ويستلزم ذلك زيادة مشاركة المرأة في هياكل إدارة المناخ، ودعم قيادتها في الحركة البيئية، وضمان حقها في المعلومات والمشاركة الفعالة في صياغة السياسات، وتطبيقها.

وتؤكد هيئة الأمم المتحدة للمرأة على أهمية جبر الضرر في تحقيق العدالة المناخية من خلال معالجة المظالم التاريخية، وتعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيُّر المناخ. ويتطلّب ذلك الاعتراف بالدَيْن البيئي المستحق على الشمال الغني لصالح الجنوب الفقير الذي تحمّل وطأة آثار تغيُّر المناخ برغم مساهمته الأقل في انبعاثات غازات الاحترار العالمي. ويُعدّ توفير تمويل مناخي كافٍ ويمكن الوصول إليه، ومعالجة مسألة الخسائر والأضرار، والاعتراف بالخسائر غير الاقتصادية التي تتعرض لها المجتمعات، وخاصةً النساء والفتيات، قضايا أساسية لجبر الضرر.

إن رحلة العدالة المناخية النسوية تتطلب عملاً جماعياً، وجهداً منسقاً من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والأفراد. ويُعدّ الاستثمار في سياسات وبرامج مناخية مراعية للنوع الاجتماعي، وتحسين آليات المساءلة، وتوفير التعليم والتوعية، وتعزيز التضامن والتعاون العالميين، ودعم المبادرات الشعبية، خطوات حاسمة في بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة للجميع. ومن خلال الاعتراف بالمساهمات القيّمة للنساء والفتيات وتبنّي مبادئ العدالة المناخية، يمكن تعزيز فرص المجتمع بأكمله في مواجهة تغيُّر المناخ.


مقالات ذات صلة

تدوم 100 ألف عام... فنلندا ستدفن النفايات النووية في «مقبرة جيولوجية»

بيئة حفرة بعمق 8 أمتار حيث سيتم وضع كبسولة نحاسية للوقود النووي المستنفد في منشأة «أونكالو» بفنلندا (رويترز)

تدوم 100 ألف عام... فنلندا ستدفن النفايات النووية في «مقبرة جيولوجية»

قررت فنلندا البدء في طمر الوقود النووي المستنفد في أول مقبرة جيولوجية بالعالم، حيث سيتم تخزينه لمدة 100 ألف عام.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
أوروبا 2023 أكثر السنوات سخونة في العالم منذ بدء تسجيل درجات الحرارة (إ.ب.أ)

أوروبا تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة الشهر المقبل بعد «صيف الموجات الحارة»

من المتوقَّع أن تشهد أوروبا ارتفاعاً في درجات الحرارة، مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، بشكل غير معتاد، بعد صيف من موجات الحر والجفاف في جنوب شرقي القارة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
بيئة قصر تاج محل يظهر وسط الضباب الدخاني الكثيف في أغرا بالهند (أ.ف.ب)

دراسة: خفض التلوث في العالم قد يضيف سنتين إلى أعمارنا

كشفت دراسة جديدة عن أنه من الممكن إضافة نحو عامين إلى متوسط ​​عمر الفرد المتوقع إذا خفض العالم بشكل دائم التلوث المرتبط بالجسيمات الدقيقة لتلبية المعايير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تعمل هيئة المساحة على إبراز كافة المواقع المكتشفة من فوهات وأحافير وكهوف تجاوزت 300 كهف (هيئة المساحة الجيولوجية السعودية) play-circle 00:37

السعودية: فوهة الوعبة ضمن أجمل المعالم الجيولوجية بالعالم

كشف المتحدث الرسمي لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، أن فوهة الوعبة جرى اختيارها وترشيحها ضمن أفضل 100 موقع للتراث الجيولوجي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جدة)
بيئة من أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل (رويترز)

منظمتان غير حكوميتين تقاضيان الاتحاد الأوروبي بسبب أهدافه البيئية

قررت منظمتان بيئيتان رفع دعوى قضائية ضد المفوضية الأوروبية لأنها حددت أهدافاً مناخية «غير كافية» للدول الأعضاء في انتهاك لالتزاماتها بموجب اتفاق باريس المناخي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

دراسة: غرينلاند كانت خالية من الجليد في الماضي القريب

قارب صيد يبحر بجوار جبل جليدي كبير عند مصب مضيق ياكوبشافنز الجليدي بالقرب من إيلوليسات في غرينلاند في 15 مايو 2007 (رويترز)
قارب صيد يبحر بجوار جبل جليدي كبير عند مصب مضيق ياكوبشافنز الجليدي بالقرب من إيلوليسات في غرينلاند في 15 مايو 2007 (رويترز)
TT

دراسة: غرينلاند كانت خالية من الجليد في الماضي القريب

قارب صيد يبحر بجوار جبل جليدي كبير عند مصب مضيق ياكوبشافنز الجليدي بالقرب من إيلوليسات في غرينلاند في 15 مايو 2007 (رويترز)
قارب صيد يبحر بجوار جبل جليدي كبير عند مصب مضيق ياكوبشافنز الجليدي بالقرب من إيلوليسات في غرينلاند في 15 مايو 2007 (رويترز)

قدمت دراسة جديدة أوضح دليل حتى اليوم على أن غرينلاند كانت خالية من الجليد إلى حد كبير على مدى السنوات المليون الماضية، بينما كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أقل كثيراً مما هي عليه راهناً، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

والآثار المترتبة على البشرية كبيرة؛ لأنّ هذه الدراسة تثير مخاوف من خطر ارتفاع مستوى البحار أكثر مما كان متوقعاً في السابق.

وقال الأستاذ في جامعة فيرمونت والمعدّ الرئيسي للدراسة بول بيرمان، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»: «بتنا نعلم أنّ الطبقة الجليدية بأكملها معرَّضة للذوبان».

واكتشف فريق من الباحثين بقايا نباتات وحشرات في نواة جليدية على عمق 3 كيلومترات وسط الجزيرة.

واستُخرجت هذه النواة المسماة GISP2 في عام 1993. وسبق أن خضعت لدراسة، لكن حتى اليوم لم يفكر أحد في البحث عن بقايا في قاعدتها؛ لأن فكرة أنّ غرينلاند كانت خالية من الجليد في الماضي الجيولوجي الحديث كانت تبدو حتى اليوم غير مرجحة كثيراً.

وقال بيرمان: «لقد رأينا البقايا في أول نصف ساعة من العمل».

ووجد الباحثون في طبقة يبلغ سُمكها نحو 8 سنتيمترات، خشب صفصاف وكمية من الفطر وبذور خشخاش وعين حشرة. وأشارت الدراسة التي نشرت نتائجها، الاثنين، مجلة «PNAS»، إلى أنّ نظاماً بيئياً كاملاً كان موجوداً في هذا المكان خلال تلك المرحلة.

وإذا كان الجليد الموجود في وسط الجزيرة قد ذاب، فمن شبه المؤكد أنّه كان غائباً في غالبية هذه المنطقة الشاسعة، وفق بول بيرمان، وهو ما لا يبشر بالخير في ظل الاحترار المناخي العالمي الحالي.

وفي حال عدم خفض انبعاثات غازات الدفيئة الحالية بشكل كبير، فإن الغطاء الجليدي في غرينلاند قد يذوب كلياً تقريباً خلال القرون أو آلاف السنوات المقبلة، ما سيؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار بنحو 7 أمتار، واختفاء مدن ساحلية في مختلف أنحاء العالم.

وحذر الباحث من أن «مئات ملايين الأشخاص حول العالم سيخسرون منازلهم».

بقع داكنة صغيرة

في عام 2016، عاود العلماء درس العينة التي استُخرجت عام 1993، باستخدام تقنية تأريخ لتتأكد من أنها ليست أقدم من 1.1 مليون سنة.

ووفق تقديراتهم، لو ذاب الجليد هناك لكان 90 في المائة من غرينلاند يخلو منه.

وقوبلت هذه الاستنتاجات بالتشكيك، فبحسب النظرية التي كانت مقبولة على نطاق واسع حتى ذلك الحين، كانت غرينلاند حصناً جليدياً لملايين عدة من السنين.

وفي عام 2019، أعاد بول بيرمان وفريق دولي دراسة نواة جليدية أخرى، مُستخرجة هذه المرة سنة 1960 من قاعدة عسكرية أميركية مهجورة هي «كامب سنتشري»، قرب ساحل غرينلاند.

وكانت المفاجأة في احتوائها على أوراق شجر وطحالب. وقد ساعدتهم تقنيات تأريخ متقدمة على التوصّل إلى تقدير مفاده أنّ اختفاء الجليد هناك يعود إلى 416 ألف سنة.

وقد دفع هذا الاكتشاف بول بيرمان إلى العودة إلى عينة 1993 للبحث عن آثار مماثلة. وعثر العلماء أخيراً على أدلة دامغة على ذوبان الجليد.

وقال: «بتنا متأكدين الآن أنّ الجليد اختفى ليس فقط في (كامب سنتشري)، بل أيضاً في (GISP2)، في وسط الغطاء الجليدي».

وشددت المشاركة في إعداد الدراسة هالي ماسترو على أهمية الاستمرار في جمع عينات جليدية في غرينلاند، والبحث عن كائنات حية أقدم قد يكون لاكتشافها آثار خطرة على المستقبل.